في يومٍ دافئ من أيام أبريل/ نيسان على الساحل الغربي لليمن، أمطرت 14 غارة جوية أمريكية منشأة رأس عيسى النفطية بوابل من القصف، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 80 شخصًا وإصابة العشرات. جاءت الحملة الأمريكية في ذروتها بعد أكثر من عام من القصف المتواصل ردًا على الهجمات التي شنّها مقاتلو الحوثي ضد السفن العابرة للبحر الأحمر، والتي برّرها الحوثيون بأنها تعبير عن التضامن مع الفلسطينيين في غزة. وقد وصفت منظمات حقوقية الهجوم الأمريكي بأنه "جريمة حرب محتملة". وبالنسبة للحوثيين، مثّلت بقايا الناقلات المحترقة والبُنى التحتية المتضررة خسارةً لمصدر دخل حيوي.
وعلى الضفة المقابلة من خليج عدن، بعيدًا إلى حدّ ما عن الأضواء، كانت حركة الشباب الصومالية تُحضّر لعودة لافتة إلى الساحة. وبينما تخوض حربًا مريرة ضد القوات الصومالية والإقليمية والأمريكية، تقدّم مقاتلو الحركة –كثيرٌ منهم حفاة ويحملون بنادق كلاشينكوف قديمة– حتى باتوا على بعد نحو 120 ميلاً من العاصمة مقديشو.
وفي منتصف أبريل/ نيسان، اقتحموا بلدة عدن يعبَل الاستراتيجية، حيث وصف السكان انفجارات مدوية أعقبتها اشتباكات نارية من عدّة اتجاهات. وقد أدت غارات جوية مشتركة صومالية – أمريكية إلى مقتل أكثر من عشرة مقاتلين، إلا أن البلدة، التي كانت قد أُعلِنت "محررة" سابقًا، سقطت مجددًا تحت راية حركة الشباب السوداء، بينما واصلت الحركة تقدّمها نحو هدفها بتطويق العاصمة.
رغم أن الحوثيين وحركة الشباب ينشطون على ضفتي أحد أهم الممرات المائية الاستراتيجية في العالم، فإن حملتيهما بدتا في الظاهر منفصلتين. إلا أن التنسيق بين الطرفين بدأ يتعمق خلف الكواليس. فكلاهما كان بحاجةٍ إلى الموارد في ظل تصاعد الضغط العسكري، ما دفعهما إلى إبرام صفقة، حيث يزوّد الحوثيون حركة الشباب بالأسلحة، وفي المقابل، يتولى قراصنة الحركة تحويل انتباه الدوريات البحرية عن الشحنات المهربة، ما يُتيح للأسلحة والإمدادات الوصول إلى الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن.
نظرًا لمجاورتهما الجغرافية، ظلت اليمن والصومال على مدى سنوات طويلـة مرتبطتين بشبكات تهريب نشطة، تشمل كل شيء من الأسلحة والمخدرات إلى البشر. ويقول (يزيد الجداوي)، منسق الأبحاث في مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، إن العلاقة بين الحوثيين وحركة الشباب بدأت تزداد وضوحًا خلال موجة تصاعدت فيها أعمال القرصنة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب (الواصل بين البحر الأحمر وخليج عدن) في أوائل عام 2024. وقد رُبطت هذه الظاهرة بسرعة بتنامي مستوى التنسيق بين الجماعتين.
وعلى السطح، قد تبدو العلاقة بين الطرفين غير مرجحة. فالحوثيون خاضوا لسنوات معارك شرسة ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وهو فصيل سني متشدد يعارض أيديولوجيًا المذهب الزيدي الشيعي الذي يتبناه الحوثيون. غير أن هذه الديناميكية تغيّرت في السنوات الأخيرة، إذ بدأت الجماعتان بتبادل الأسرى بهدوء، وبحلول أوائل عام 2024، كان الحوثيون يدعمون هجمات القاعدة على قوات الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة. وفي ضوء ذلك، لم يعد التعاون بين الحوثيين وحركة الشباب –الفرع الشرقي لتنظيم القاعدة في إفريقيا– أمرًا مستبعدًا.
وعندما سُئل (عمر هاشي)، المبعوث الرئاسي الصومالي الخاص بملف الاستقرار وحماية المدنيين، عن طبيعة العلاقة بين الجماعتين، وصفها بأنها "تجارية بحتة" وليست أيديولوجية، مؤكدًا أن القاسم المشترك الوحيد بينهما هو "مناهضة الحكومات التقليدية" و"السعي للحصول على الموارد والسلاح".
وأعرب هاشي بتحفّظ عن قلقه من صعوبة احتواء هذه الميليشيات، رغم الضغوط الدولية، قائلًا: "حركة الشباب ستجد وسيلة للحصول على السلاح، والحوثيون كذلك سيجدون طريقًا للتهريب". وأوضح أن اعتماد كل طرف على الآخر يجعل من طرق التهريب المشتركة نقاط ارتكاز للتعاون، إلا أنه شدد في الوقت ذاته على استمرار جهود القوات الصومالية والقوى المتحالفة معها للتصدي لتلك الأنشطة.
و بحسب تقريرٍ للأمم المتحدة اطّلعت عليه مجلة نيو لاينز (New Lines)، عُقد لقاءان على الأقل بين الحوثيين وحركة الشباب في شهري يوليو/ تموز وسبتمبر/ أيلول من عام 2024. وحتى الآن، أكدت مصادر رسمية أن حركة الشباب تسلّمت أسلحة خفيفة من الحوثيين، شملت بنادق هجومية، ورشاشات خفيفة، وبنادق قنص. وأوضح (تيمور خان)، المحقق المتخصص في شؤون الخليج لدى منظمة كونفليكت آرممنت ريسيرش (Conflict Armament Research)، أن الأرقام التسلسلية للأسلحة تطابقت مع تلك التي صودرت على متن قوارب شراعية كانت في طريقها إلى الحوثيين، كما أن العلامات الموجودة على أسلحة ضُبطت في الصومال أشارت بوضوح إلى مصدر حوثي مباشر.
و ما كان يُنظر إليه سابقًا كتنسيق سري بين الطرفين، بات الآن مصدر قلق دولي متزايد، والإدارة الأمريكية تدرك ذلك جيدًا. فقد حذر قائد القيادة الأمريكية في إفريقيا، الجنرال (مايكل لانغلي)، من أن توسّع الوجود الحوثي في شرق إفريقيا سيُشكّل تهديدًا أكبر لحركة التجارة والشحن العالمية، وسيفرض "فاعلاً عسكريًا عدائيًا وذو قدرات متقدمة" على منطقة تعاني أصلًا من نشاط تنظيمي "داعش" و"الشباب".
ويُجسّد هذا التحذير واقعًا آخذًا في التشكل، فتحالف الحوثيين مع الميليشيات الصومالية أصبح ركيزة أساسية في الجهد الحربي للمليشيا اليمنية. فقد أسهم هذا التعاون في دعم برامج التصنيع والتجميع المحلي للأسلحة لدى الحوثيين، وبالتالي دعم حملتهم البحرية في البحر الأحمر. فمن خلف هجومهم البحري المُعطِّل للتجارة العالمية، تقف شبكة تموين معقدة تتجاوز بكثير الدعم الإيراني المعروف.
رغم أن إيران لا تزال الداعم الرئيسي للحوثيين، إلا أن الجماعة باتت تسعى بشكل متزايد إلى تنويع مصادر إمدادها، لتقليل اعتمادها الحصري على طهران. ومن بين تلك المصادر الجديدة: الصين. إذ زار قادة حوثيون الصين في عامي 2023 و2024 بهدف الحصول على قطع غيار للأسلحة، ويُقال إنهم تعهّدوا بعدم استهداف السفن الصينية في المقابل. وفي وقتٍ لاحق، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على شركتين مقرهما الصين بتهمة تزويد الحوثيين بمكونات أسلحة ومواد مزدوجة الاستخدام، في إشارة واضحة إلى تحوّل الحوثيين من مجرد أداة إيرانية إلى فاعل يعتمد على شبكات إمداد عالمية.
وقد أصبحت منطقة شرق إفريقيا، بصمتٍ، حلقة محورية في تلك الشبكات. إذ يتوجه المهرّبون إلى كينيا وتنزانيا تفاديًا للمراقبة البحرية الدولية، قبل التوجّه إلى الصومال. وتُسيطر حركة الشباب على بعض الموانئ في شرق الصومال، كما أن لديها القدرة على الوصول إلى مناطق تقع خارج نطاق دوريات المراقبة البحرية بقيادة الولايات المتحدة. ومن هناك، تبحر قوارب شراعية محمّلة بصناديق الأسلحة متجاوزةً نقاط التفتيش البحرية، باستخدام وثائق مزوّرة، لتصل إلى السواحل اليمنية، مما يسهم في تغذية خطوط إنتاج الطائرات المُسيّرة والصواريخ التابعة للحوثيين.
لكن هذا الدعم لم يعد يقتصر فقط على التهريب، بل بدأ يأخذ طابعًا أكثر مباشرة. فالجماعات الصومالية يُحتمل أنها لعبت دورًا نشطًا في تنفيذ هجمات حوثية. ففي تقرير أصدرته الأمم المتحدة في أكتوبر/ تشرين الأول 2024، تبيّن أن ثلث الهجمات التي طالت خليج عدن وقعت في مناطق خارج نطاق تغطية رادارات الحوثيين. والرسالة كانت واضحة: هناك طرفٌ آخر يوجّه تلك الضربات. ويُرجَّح أن مقاتلين صوماليين، ربما من مواقع نائية على الشريط الساحلي، كانوا يشاركون مباشرة في عمليات الاستطلاع وتحديد الأهداف وتوجيه الإحداثيات.
وقال (إبراهيم جلال)، الخبير في شؤون الأمن الإقليمي لدى مؤسسة هورايزن إنسايتس والمشارك في إعداد تقرير لمركز كارنيغي للشرق الأوسط حول هذا التحالف، إن الحوثيين أرسلوا بالفعل عددًا من المنسقين إلى داخل الأراضي الصومالية لتيسير هذا التعاون ميدانيًا.
وعلاوة على علاقتهم بحركة الشباب، عمد الحوثيون إلى توسيع شبكة علاقاتهم لتشمل طيفًا أوسع من الفصائل الصومالية، بما في ذلك فرع تنظيم "داعش" المحلي، وبعض الجهات في منطقة أرض الصومال (صوماليلاند) ذات الحكم الذاتي شمال البلاد. وتندرج هذه التحركات في إطار مساعٍ متزايدة لتنويع مسارات الإمداد وتوسيعها.
لطالما لعب كل من الحوثيين وحركة الشباب دورًا في تقويض النظام الدولي، لكن تحالفهما مرشح لأن يصبح أكثر تأثيرًا في المستقبل القريب. فحتى الآن، اقتصر التهديد في الصومال على استخدام أسلحة خفيفة، لكن هذا الوضع قد يتغير. ففي محادثات غير معلنة، طلبت حركة الشباب تزويدها بطائرات مُسيّرة وصواريخ موجهة، مقابل تصعيد عمليات القرصنة، في خطوة فوضوية من شأنها أن تشتت انتباه الدوريات البحرية وتفتح ممرات جديدة لتهريب الأسلحة لصالح الحوثيين.
وقد ظهرت مؤشرات على هذا المخطط في أنحاء متفرقة من الصومال. ففي أغسطس/ آب الماضي، وتحت شمس الصيف الحارقة، أوقفت قوات الأمن في إقليم بونتلاند شاحنة مشبوهة على الطريق الترابي بين غالكعيو وغرووي. وعُثر بداخلها على خمس طائرات انتحارية مُسيّرة وسبعة رجال على صلة بحركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية. وبحسب مسؤول أمني، فقد جاءت تلك الأسلحة من اليمن، بعد أن عبرت البحر الأحمر ووصلت إلى ميناء بوساسو المزدحم.
وبعد أشهر، عبر قاربان بهدوء المياه الصومالية، أحدهما كبير والآخر يتبعه كظل. لم يكن على متنهما أي أعلام أو علامات تعريف، بل حمولة مخصصة لحركة الشباب. لكن رحلتهما لم تكتمل. فقد استهدفتهما ضربة أمريكية قضت عليهما قبل بلوغ وجهتهما، مدمّرة الشحنتين وسلاحًا متطورًا كان معدًا للميليشيا الصومالية.
وأشار الخبير الأمني إبراهيم جلال إلى أن وفدين من الصومال زارا مدينة الحديدة اليمنية قبل بضعة أسابيع فقط، أحدهما مرتبط بأرض الصومال (صوماليلاند) والآخر بحركة الشباب. وخلال الزيارة، تبادلوا الخبرات مع الحوثيين وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وتلقوا تدريبات على استخدام الطائرات المُسيّرة داخل الأراضي الصومالية، فضلًا عن "دورات ثقافية" مرتبطة بمحاولات "التلقين العقائدي الحوثي"، في مشهد لا يزال قيد التشكل.
و مع حصول حركة الشباب على أسلحة أكثر فتكًا، قد تتمكن من توسيع نطاق سيطرتها على الأراضي والاقتراب أكثر من العاصمة الصومالية مقديشو. غير أن تبعات هذا التحوّل تتجاوز حدود الصومال ذاتها. إذ قد يستخدم الحوثيون الأراضي الصومالية كنقطة انطلاق لهجمات مباشرة في فترات التصعيد القصوى. ففي 16 أبريل/ نيسان، وبينما كانت الضربات الأمريكية تستهدف اليمن بكثافة، أعلن الحوثيون أن "المواجهة" القادمة مع الولايات المتحدة ستنطلق "من دولة أخرى". و هذا التهديد المبطّن سبقه تقرير صادر عن الأمم المتحدة كشف أن الجماعة تدرس بالفعل شنّ هجمات من السواحل الصومالية. ويبدو أن تراجع النفوذ الإيراني عقب الضربات الإسرائيلية المباشرة، ومن ثم بدء محادثات وقف إطلاق النار بين الحوثيين والولايات المتحدة، قد حال دون تنفيذ تلك الخطط.
ومع ذلك، فإن التهديد لا يزال قائمًا، والصومال يوفر للحوثيين ثلاثة مواقع محتملة لتنفيذ هجمات مباشرة أو بالوكالة: أرض الصومال (صوماليلاند)، ومنطقة بونتلاند —حيث لا يزال لتنظيم "داعش" وجود نشط— ومناطق في وسط وجنوب الصومال التي باتت تخضع بشكلٍ متزايد لسيطرة حركة الشباب. ووفقًا للخبير الأمني إبراهيم جلال، فإن الحوثيين قد يسعون في المستقبل إلى استغلال هذه المناطق لتوسيع نطاق عملياتهم خارج البحر الأحمر وصولًا إلى المحيط الهندي ورأس الرجاء الصالح.
وفي حال تحقق هذا السيناريو، سيُنظر إلى الحوثيين كقوة عابرة للحدود، ترتبط بتحالفات عسكرية غير تقليدية، وتخوض معارك على جبهات خارجية. وهو ما سيمنحهم نفوذًا أكبر على طاولة أي مفاوضات مستقبلية، بحيث يصبح نزع السلاح خيارًا غير واقعي.
و قد أدركت جماعة الحوثي أن البقاء والهيمنة في هذا العصر يعتمدان على قدرتها على التكيّف، وهو ما يظهر جليًا في علاقاتها التي نسجتها مؤخرًا مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب —خصمها السابق— ومع "شقيقته" على الضفة المقابلة من خليج عدن. وبهذه الاستراتيجية، يُعيد الحوثيون تعريف مفهوم "الجماعة المتمردة" في القرن الحادي والعشرين: ليسوا مجرد وكلاء، بل لاعبون مستقلون في حد ذاتهم. فما بدأ تحت راية "التضامن مع غزة" تطوّر إلى مشروع أوسع بكثير: عرض للقوة العابرة للحدود، قائم على تحالفات غير متوقعة، والقدرة على التمدد وسط الفوضى والفراغات الأمنية.