[ تعبيرية ]
مؤخرا، فوجئ اليمنيون بفيديوهات منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، تُظهر شاباً في الثلاثين من عمره مرتدياً زيه اليمني (الثوب والجنبية)، حاملاً الصليب، ويدعو أبناء بلده لاعتناق المسيحية.
المشهد غير مألوف؛ لكنه بات واقعاً، وتحول معه "محمد غانم" إلى "جون غانم"، بعد عبوره من الإسلام إلى المسيحية التي بات أحد المبشرين بها.
يقول "جون غانم": "وُلدتُ بمحافظة إب، وخلال دراستي الجامعية في جامعة إب بدأ فضولي الديني، وبدأت أتشكك في المعتقدات الإسلامية، وعشت أزمة في الإيمان، وتساءلت عن وجود الله، وما إذا كنت على الطريق الصحيح، والعواقب المحتملة في الآخرة... هذه الشكوك قادتني إلى حالة من عدم اليقين الديني".
يضيف "جون": "في عام 2017 غادرت اليمن، وحصلت على أصدقاء جدد في اليونان، وتناقشنا حول يسوع. دفعني ذلك إلى حضور خدمات الكنيسة مع أصدقائي الجدد، وشعرت بالانجذاب إلى السلام والهدوء الداخليين اللذين اكتشفتهما في صفحات الكتاب المقدس، ودخلت الكنيسة لأول مرة، ووجدت المحبة والسلام في تعاليم يسوع المسيح، واتخذت قراراً بتسليم حياتي للرب يسوع المسيح، وخلال اجتماع الكنيسة أعلنت إيماني الجديد واعتنقت المسيحية، وفي 2018 تم تعميدي".
ويتابع "جون": "تم تطليقي من زوجتي المسلمة، وأخذ ابنتيّ، وحرماني منهما ومن حضانتهما، ومُنعت من الاتصال بهما، كما أتعرض للتهديدات بشكل مستمر، ومع ذلك رفضت التنازل عن معتقدي، وأصبحت مبشرا، وقمت بتعميد مسيحيين جدد".
"جون" يتوق إلى اليوم الذي يمكن فيه للمسيحيين اليمنيين أن يتعبدوا علانية، ويبنوا الكنائس، ويعيشوا في محبة وسلام. "أتمنى أن أرجع إلى اليمن وأمارس حريتي الدينية، حيث يمكن للمسيحيين ممارسة إيمانهم علانية، فالمسيحيون يتعرضون للاضطهاد وتقييد حرية ممارسة عقيدتهم علانية".
ورغم أن التحول من الإسلام إلى دين آخر يعد ظاهرة جديدة على اليمنيين، فإنه بات واقعاً في ظل تزايد عدد اليمنيين الذين اعتنقوا المسيحية، وباتوا بانتظار اللحظة المناسبة لإشهار ذلك.
ما تزال هناك عوائق أمامهم، تتمثل بالقانون اليمني الذي يمنع التبشير، والتعاليم الإسلامية التي تنص على إعدام المرتد.
كما يشكو العابرون (من الإسلام إلى دين آخر) في اليمن من تعرضهم لمضايقات وتهديدات بالتصفية الجسدية، ما جعل الكثيرين منهم يغادر البلد، بمساعدة من المنظمات الدولية الداعمة لهذه الفئات، وهي ما يراها اليمنيون منظمات تبشيرية تستهدف الدين الإسلامي، فيما يرى بعض الناشطين أنها منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان.
ويذهب الشيخ عماد فيصل إلى عدم صوابية الاحتجاج بالآية الكريمة: "لَا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ" على حرية الخروج من دين الإسلام، ولا تعارض بينها وبين النصوص التي تحرم الردة والخروج من الإسلام.
ورغم صريح الآية، وآيات أخرى مثل "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..."؛ فإن الشيخ يرى أن الإكراه في الدين هو إكراه الناس على الدخول في الإسلام، لكن متى دخلوا في دين الإسلام عن قناعة ورضوا به فلا يجوز لهم بأي حال من الأحوال أن ينقلبوا على تلك القناعة؛ لأن ذلك "يفتح باباً للذين يريدون جعل هذا الدين ألعوبة يدخل فيه المرء ويخرج وقتما شاء".
ويعتبر أن "حرية المعتقد مسألة نسبية قائمة نظرياً حيناً وممنوعة عملياً أحياناً، فكثير ممن يعتنقون الإسلام في الغرب، بل وفي بعض الدول العربية مثل مصر ولبنان، يتعرضون لكثير من التضييق من قبل أسرهم ومجتمعاتهم النصرانية".
ويضيف أن أبرز أسباب ترك بعض الشباب اليمني للإسلام هو الأوضاع المعيشية الصعبة في البلد، وحاجة البعض لتيسير جوانب معينة في الحياة، وليس ناتجاً عن قراءة متعمقة في المسيحية، التي يلجؤون إليها عادةً.
ويقول إن المنظمات "التنصيرية" تستغل حاجات الشباب في هذا البلد الفقير متسترة بجلباب الإغاثة الإنسانية وتنمية المجتمعات.
ويرى الصحفي عبدالرزاق العزعزي أن "أعداد العابرين الدينيين ارتفعت منذ العام 2015، بسبب الاقتتال الطائفي في اليمن"، موضحاً أن الواقع معتم على أتباع غير الإسلام في اليمن، فاليهود مثلاً تم ترحيلهم من اليمن على دفعات، وأتباع الديانات الأخرى يعانون بشكل كبير من التضييق على حريتهم في ممارسة طقوسهم الدينية، كعدم السماح لهم بتشييد معابد، مما يجعلهم يمارسون طقوسهم الدينية سراً، ومع ذلك يظلون معرضين للخطر.
وأشار العزعزي إلى البهائيين في صنعاء كأبرز مثال على ما يعانيه المختلفون من تصرفات جماعة الحوثي، التي تقتحم أماكن تجمّعاتهم وتزج بهم في المعتقلات.
وأضاف أن ثمة معلومات موثقة تثبت أن جماعة الحوثي تحرض على البهائيين داخل أماكن الاحتجاز وتتهمهم بالكفر والزندقة.
كما يقول العزعزي إن هناك استهدافاً ممنهجاً لأماكن العبادة التي كانت متواجدة في عدن، حيث تم استهداف معابد الهندوس ومقابر اليهود وكنائس المسيحيين ومقابرهم. كما نالت تعز الكثير من عمليات الاستهداف الممنهجة ضد أتباع المسيحية وأماكن عملهم ومساكنهم أيضا.
ويلفت العزعزي إلى أن أبرز المخاطر التي تواجه من يغير دينه في اليمن هو اتهامهم بالردة، الذي يعني خطر القتل أو الحكم بالإعدام. ومع أن اليمن أوقف تنفيذ إعدام من يصنَّفون بالمرتدين، إلا أن هناك من اتُّهموا بالردة في أقسام الشرطة التي حولتهم إلى النيابات قبل أن يتم الإفراج عنهم. ما دون ذلك، يواجه العابرون (من دين إلى آخر) الكثير من المخاطر، منها مخاطر مع أسرهم ومع أفراد المجتمع.
وبحسب العزعزي، هناك عابرون تعرضوا للسجن، وظلوا رهن الاعتقال لسنوات طويلة، وآخرون تم تصفيتهم من قبل جماعات متشددة، ونجح آخرون في الفرار إلى أماكن آمنة، داخل اليمن أو خارجه.
ويضيف العزعزي أن "هناك أيضاً مخاطر قانونية، فالعابر دينياً لا يستطيع أن يحصل على الميراث مثلاً، كما لا يستطيع تغيير اسمه في الأوراق الثبوتية، إضافة إلى أنه إذا كان هناك رجل عابر ومتزوج، فيتيح القانون فصل العلاقة الزوجية مع زوجته".
ويشير العزعزي إلى أنه مثلما توجد جمعيات خيرية إسلامية تهتم بالدعوة إلى الإسلام وطباعة كتابه المقدس، هناك أيضاً منظمات تبشيرية، ولكن اليمن لا يسمح بعمل المنظمات التبشيرية بحسب علمي".
ويؤكد أن هناك منظمات تساعد أي شخص معرض لخطر الموت، سواء كان عابراً دينياً أو صحفياً أو سياسياً... طالما هناك ما يثبت خطر تعرضه للموت. ومثلما أن هناك منظمات متخصصة في دعم الصحفيين، وأخرى متخصصة في دعم الفنانين... هناك أيضاً منظمات متخصصة في دعم العابرين دينياً".