خلال الأسابيع القليلة الماضية، وجهت القوات الأميركية ضربات استهدفت فيها الحوثيين في اليمن، وتبعتها بضربات على أهداف في سوريا والعراق، والرابط بين هذه الضربات أنها استهدفت وكلاء إيران في الشرق الأوسط.
التواجد العسكري الأميركي وسياسات واشنطن في الشرق الأوسط "لا تردع العنف، ولا تعمل على استقرار المنطقة.. وتخاطر بتصعيد كبير"، بحسب تحليل نشرته مجلة ناشونال إنترست أعده المحلل السياسي العسكري جون هوفمان.
وذكر التحليل أن "الوقت ينفد بسرعة أمام منع مذبحة أكبر في غزة واندلاع حرب على مستوى المنطقة، والتي سيبتلى الشرق الأوسط بتداعياتها وتقوض مصالح الولايات المتحدة لأجيال".
ونوه إلى أنه "من غزة إلى لبنان إلى سوريا إلى العراق إلى اليمن، لا يمكن حل المشاكل السياسية التي يعاني منها الشرق الأوسط من خلال القوة العسكرية. وفي جميع أنحاء المنطقة، نشهد حروبا تندلع دون أهداف سياسية معقولة".
وأعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا قصف عشرات الأهداف في اليمن، السبت، ردا على هجمات الحوثيين المتكررة على سفن في البحر الأحمر أدت إلى تعثر التجارة العالمية.
بدأ الحوثيون قصف سفن في البحر الأحمر في نوفمبر، قائلين إنهم يستهدفون تلك المرتبطة بإسرائيل دعما للفلسطينيين في غزة التي دمرتها الحرب بين إسرائيل وحماس.
وتأتي الموجة الثالثة من الغارات المشتركة في اليمن غداة سلسلة ضربات أميركية أحادية ضد أهداف مرتبطة بإيران في العراق وسوريا ردا على مقتل ثلاثة عسكريين أميركيين في هجوم بطائرة مسيرة في قاعدة بالأردن في 28 يناير.
ويرى التحليل أن واشنطن تخاطر "بحرب طويلة" في المنطقة، معللا ذلك بأنه "لا هدف" لها، وداعيا إلى وقف الهجمات المتبادلة بين القوات الأميركية ووكلاء إيران في الشرق الأوسط.
وأشار إلى أن هذا الوضع الذي تفجر منذ الحرب التي اندلعت في غزة بعد هجوم حماس إلى إسرائيل في السابع من أكتوبر، يجب إنهاؤه في غزة ذاتها، ببذل "جهود أكبر نحو التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، ومنع وقوع المزيد من الخسائر في الأرواح البريئة".
وأكد التحليل أنه من دون استقرار للوضع في غزة "لن تكون هناك تهدئة إقليمية، وما دامت الحرب في غزة مستمرة، سوف يستمر الشرق الأوسط في الانزلاق نحو حرب شاملة".
وقد لا يؤدي وقف إطلاق النار في غزة إلى وقف كامل للأعمال العدائية في المنطقة، إلا أن هذا الأمر سيمنع الجماعات المسلحة من التذرع بالحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة لقيامهم بأعمال عدائية على مستوى المنطقة، وفق التحليل.
وأفاد التحليل أن "الحروب التي ليس لها أهداف سياسية يمكن الوصول إليها لا تؤدي إلا إلى العنف من أجل العنف"، مضيفا أن هجمات إسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة لا تحمل أي وعد بتحقيق أهداف سياسية معلنة، ولهذا على واشنطن التحرك بسرعة لوقف تداعيات ما يحصل في المنطقة لحماية المصالح الأميركية.
من ناحيته، قال وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، في إعلانه عن الهجمات ضد الحوثيين، السبت، إنها "تهدف إلى زيادة تعطيل وتقليص قدرات ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران على شن هجماتها المتهورة والمزعزعة للاستقرار ضد السفن الأميركية والدولية التي تعبر البحر الأحمر بشكل قانوني".
وقال أوستن إن قوات التحالف ضربت 13 موقعا مرتبطا بمنشآت تخزين الأسلحة المدفونة بعمق التابعة للحوثيين وأنظمة الصواريخ ومنصات الإطلاق وأنظمة الدفاع الجوي والرادارات.
وشدد أوستن على أن هذا الإجراء "المشترك يبعث برسالة واضحة للحوثيين بأنهم سيواجهون تبعات إضافية إن لم ينهوا هجماتهم غير القانونية على الشحن الدولي والمركبات البحرية".
وقال الرئيس الأميركي، جو بايدن، عقب الضربات التي استهدفت مواقع تابعة لمليشيات موالية لإيران في العراق وسوريا، الجمعة، إن القوات العسكرية الأميركية وبتوجيه منه "ضربت أهدافا .. يستخدمها الحرس الثوري الإيراني والميليشيات التابعة لهم لمهاجمة القوات الأميركية"، مؤكدا أن الولايات المتحدة رغم أنها لا تسعى إلى تصعيد في الشرق الأوسط فإنها سترد حتما على من يؤذي الأميركيين.
وتواصل إسرائيل هجومها العنيف في قطاع غزة، السبت، مع تزايد المخاوف من توغلها في مدينة رفح التي تعج بنازحين شردتهم الحرب.
واندلعت الحرب في غزة بعد هجوم غير مسبوق شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر وأسفر عن مقتل نحو 1160 شخصا، معظمهم مدنيون، حسب حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس تستند إلى أرقام رسمية.
كما احتجز في الهجوم نحو 250 رهينة تقول إسرائيل إن 132 بينهم ما زالوا في غزة، و27 منهم على الأقل يعتقد أنهم لقوا حتفهم.
وتعهدت إسرائيل القضاء على حماس، وأطلقت هجوما عسكريا واسعا أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 27238 شخصا في غزة، معظمهم نساء وأطفال، وفق وزارة الصحة في القطاع.
وفقدت إسرائيل 224 عسكريا منذ بدء عملياتها البرية في غزة أواخر أكتوبر، حسب الجيش.
وفر مئات الآلاف من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة إلى رفح جنوبا منذ اندلاع الحرب، وتكدست خيامهم في الشوارع والحدائق.
وتقول الأمم المتحدة إن المدينة التي كان يقطنها 200 ألف نسمة تؤوي الآن أكثر من نصف سكان قطاع غزة.
ودمر القتال القطاع الساحلي الصغير، فيما أدى الحصار الإسرائيلي إلى نقص حاد في الغذاء والمياه والوقود والأدوية.
وكان ارتفاع عدد القتلى المدنيين في غزة، فضلا عن المخاوف بين الإسرائيليين بشأن مصير الرهائن، سببا في تزايد الدعوات لوقف النار.
وأعلنت الخارجية الأميركية أن الوزير أنتوني بلينكن يزور الشرق الأوسط مجددا في الأيام المقبلة للدفع باتجاه قبول مقترح جديد يتضمن إطلاق رهائن إسرائيليين في مقابل هدنة.
وأضافت أن بلينكن سيزور الوسيطين، قطر ومصر، إضافة إلى إسرائيل والضفة الغربية المحتلة والسعودية، ابتداء من الأحد.
وتأتي هذه الجولة، وهي الخامسة له منذ اندلاع الحرب، بعد أن قال المتحدث باسم الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، إن هناك آمالا في سماع "أخبار سارّة" حول توقف جديد في القتال "في الأسبوعين المقبلين".