بعد أشهُرٍ من التوتر المُتصاعد في منطقة البحر الأحمر، قاد التحالف الذي تقودهُ الولايات المُتحدة ضرباتٍ جويّة وصاروخية على اليمن لمنع هجمات الحوثيين على سُفن الشحن وللحفاظ على فتح ممرات الملاحة. ومع ذلك، فإن العمل العسكري وحده غير مرجح أن يقوم بحلِّ المُشكلة، ولضمان تأمين حرية الملاحة في البحر الأحمر بشكلٍ مُستدام، قد تحتاج الولايات المتحدة إلى التدخل لوقف الحرب في غزة، السبب الجذري للصراع الإقليمي القائم الذي لا يزال بإمكانه أن يتوقف. أي أنه -و على المدى البعيد- لا يُمكن حل أي من الأزمات السياسية المُعقدة في المنطقة من خلال العمل العسكري وحده.
حيث شنت القوات العسكرية الأمريكية، بالاشتراك مع قوات من المملكة المتحدة وبدعم من أستراليا والبحرين وكندا وهولندا، ضرباتٍ على أهدافٍ في اليمن في 11 يناير/ كانون الثاني. وفي بيانٍ، صرّح الرئيس (جو بايدن) بأن الضربات كانت تهدف إلى تأمين التجارة الدولية وحماية قوات الولايات المتحدة في المنطقة.
و على الرغم من تعرض الحوثيين للضربات واحتمال تعرضهم للمزيد في الأسابيع القادمة، إلا أنه ليس واضحاً ما إذا كان بإمكان إنهاء التهديد على ملاحة البحر الأحمر بشكلٍ مستدام جواً. و من المُتوقع أن يستمر الحوثيون في المحاولة، حيث أعلنوا عزمهم على عدم التوقف حتى يتوقف الهجوم الإسرائيلي في غزة.
وتبقى الولايات المتحدة مُضطرة للرد بطريقةٍ ما على هجمات الحوثيين، ولكنها تواجه موقفاً لا يُمكن الفوز به، فتجاهل الحوثيين يُعرّض التجارة الدولية لفيتو الحوثي، و في نفس الوقت تُشكّل الهجمات المُباشرة على أهدافٍ حوثية في اليمن تصعيداً خطيراً، حيث تنخرط الولايات المتحدة في صراعٍ لا يمكنها الفوز به ببساطة من خلال القوة العسكرية. و في النهاية، قد يكون أفضل أملٍ لواشنطن هو السعي إلى حلولٍ دبلوماسية تستند إلى تخفيف التوتر بين إسرائيل والفلسطينيين، وهو أمرٌ منطقي بحد ذاته. ولكن حتى إذا نجحت الجهود الدبلوماسية الأمريكية، قد لا تبقى الأمور كما كانت في البحر الأحمر.
•إخناق تجارة البحر الأحمر لإنقاذ غزة:
على مدى ثلاثةِ أشهرٍ تقريباً، شنت جماعة الحوثي في اليمن هجماتٍ على السفن التجارية قُرب مضيق باب المندب، النقطة الحساسة للملاحة على الطرف الجنوبي للبحر الأحمر. وقد أجبرت هذه الهجمات شركات الشحن على تغيير مساراتها حول أفريقيا، مما تسببت في أضرارٍ اقتصاديةٍ كبيرة. و بالنسبة للحوثيين، تعتبر هذه الهجمات وسيلةً للضغط على إسرائيل وحليفتها الأمريكية لوقف الحرب في غزة، التي بدأت بعد قتل حماس لحوالي 1200 إسرائيلي في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. و منذ ذلك الحين، قُتل نحو 25000 فلسطيني واندلعت الحرب و العنف في منطقة الشرق الأوسط من لبنان إلى سوريا والعراق.
حكم الإسلاميون المُسلحون المتحالفين مع إيران، العاصمة اليمنية صنعاء وجُزءاً كبيراً من ساحل البحر الأحمر اليمني لسنوات. ومع ذلك، فإنهم لا يحظون بالاعتراف الدولي كحكومةٍ شرعية، ولا يزال اليمن ملتهباً في حربٍ أهلية. و في السابق، كانت هجمات الحوثيين تُركّز على مُنافسيهم اليمنيين وعلى الدول التي تدعمهم، بما في ذلك السعودية والإمارات العربية المتحدة، ولكن العنف تراجع منذ عام 2022.
و عندما هاجمت إسرائيل غزة في أكتوبر/ تشرين الأول، قام الحوثيون باتباع مثال الجماعات المتحالفة مع حماس والمدعومة من إيران بالانضمام إلى الصراع، وذلك من خلال إطلاق طائراتٍ مُسيّرة وصواريخ على مدينة إيلات الإسرائيلية في البحر الأحمر. وقد تم تصوير تدمير إسرائيل لصاروخ باليستي حوثي في 31 أكتوبر/ تشرين الأول كأول حالة معروفة للقتال في الفضاء، ولكن القيمة الجديدة لهجمات الحوثيين لم تتوازى مع أي تأثيرٍ استراتيجي ذو مغزى، حيث تم إسقاط معظم الطائرات المُسيّرة والصواريخ بواسطة أنظمة الدفاع الجوي في إسرائيل أو على سفن حربية أمريكية، ولم يتم إيلاء اهتمامٍ كبير للصواريخ التي أصابت إسرائيل بسبب الهجمات المتكررة من غزة وتصاعد العنف على الحدود بين إسرائيل ولبنان.
و في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني، قام الحوثيون بتغيير استراتيجيتهم من خلال عمليةِ اختطافٍ مُثيرة باستخدام طائرات هليكوبتر لحاملة سيارات مُرتبطة بإسرائيل أثناء عبورها لمضيق باب المندب. وأعلنت الجماعة أن جميع السفن المرتبطة بإسرائيل ستُعتبر هدفاُ مشروعاً، مشيرة إلى أن السفن الحربية الأجنبية التي تحاول التدخل قد تكون أيضاً مُستهدفة. و لم يكُن واضحاً مدى حِرص الحوثيين على التحقق من صلة السفينة بإسرائيل، ولكن هذا الغموض ربما كان مقصوداً. وكأن هدفها لم يكُن إسرائيل أو شركات الشحن الخاصة بشكل مباشر، بل التجارة الدولية بشكلٍ عام.
و عملياً، يبدو أن استراتيجية الحوثيين تهدف إلى إدخال الولايات المتحدة في معركةٍ لا يمكنها الفوز بها في اليمن، وهم يعلمون أن القادة الأمريكيين لا يرغبون في ذلك. وهذه، بدورها، كانت طريقتهم للضغط على البيت الأبيض للحد من التحالف الإسرائيلي.
و يُعدُّ البحر الأحمر أحد أهم الممرات المائية في العالم، حيث يحمل حوالي 15% من حركة الملاحة العالمية و30% من التجارة بحاويات الشحن. كما أنه ممر حيوي للنفط والغاز القادمين من الخليج الفارسي إلى أوروبا. و عندما علقت سفينة حاويات في قناة السويس في عام 2021، تسببت في خسائر اقتصادية تُقدر بمليارات الدولارات وأثارت هزةً في الأسواق العالمية.
و على الرغم من أن العديد من الضربات الحوثية أخطأت هدفها وقامت المدمرات أمريكية في المنطقة بإسقاط عدة طائرات مُسيّرة وصواريخ، مما يضع ذلك ضغطاً على أنظمة الدفاع الجوي صعبة التجديد، إلا أن بعض الضربات اخترقت وتسببت في تلف عدة سفن تجارية في نوفمبر/ تشرين الثاني وأوائل ديسمبر/ كانون الأول. و من ثم تصعد الحوثيون بالإعلان عن إمكانية استهداف أي سفينة مشتبه في توجهها إلى ميناء إسرائيلي. وقد زاد ذلك بشكلٍ كبير من عدم اليقين حول من قد يتعرض للهجوم، وبدأت معظم شركات الشحن الكبرى الآن تتجنب البحر الأحمر.
•الانجرار نحو الحرب:
في 18 ديسمبر/ كانون الأول، اطلقت الولايات المتحدة عملية حارس الازدهار (Operation Prosperity Guardian)، وهو تحالفٌ عرضي نشأ عن جهود أمن بحري قادته الولايات المتحدة ومقره البحرين. ومع أن شركات الشحن العملاقة مثل ميرسك وسي إم إيه - سي جي إم كانت مستعدة لاختبار تأكيدات الولايات المتحدة من خلال استئناف عبور البحر الأحمر في أواخر ديسمبر/ كانون الأول، إلا أن هجمات الحوثيين لم تتوقف. و قام عددٌ متزايد من الخُبراء بالتحذير من أن الدفاعات الجوية والمرافق البحرية لا يمكن أن تحل المشكلة. في 2 يناير/ كانون الثاني 2024، علّقت ميرسك مرة أخرى مرور السفن في البحر الأحمر، وذلك بعد تعرّض إحدى سفنها لضربةٍ بصاروخ بالستي.
و من تلك اللحظة فصاعداً، تحركت الأمور بلا رجعة نحو الحرب. و قامت طائرات الهليكوبتر الأمريكية بقتل عشرة بحارة حوثيين حاولوا اختطاف سفينة في ليلة رأس السنة، مما دفع الحوثيين إلى التوعد بالانتقام. و في 3 يناير/ كانون الثاني، أصدرت الولايات المتحدة وأربعة عشر بلداً آخر بياناً مُشتركاً حذروا فيه الحوثيين من "عواقب" غير مُحددة إذا استمرت الهجمات، ولكن في 10 يناير/ كانون الثاني، قام الحوثيون بإرسال أسراب من الطائرات المُسيّرة في ما يعادل أول هجومٍ معترف به علنياً على سفينة حربية أمريكية، مشيرين إلى قتل بحارتهم. ومن ثم اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراراً يُدين هجمات الحوثيين، لكن الجماعة تجاهلته وشنّت ضربة صاروخية أخرى، وهي الضربة السابعة والعشرون، بحسب تعداد الجيش الأمريكي.
وبهذا الوضع، قاد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضربات في ليلة 11-12 يناير/ تشرين الثاني، حيث قصفت أهدافاً يمنية باستخدام صواريخ مُجنحة من الغواصات والسفن وطائرات إف-18 التي تحلق من سفينة حاملة من طراز نيمتز، الإيزنهاور، في خليج عدن القريب. و قام الحوثيون فوراً بالتحذير من أن هذا العدوان الأمريكي، كما وصفوه، "لن يمر بدون رد".
•تدهور دون ردع:
قد تنجح الحملة التي تقودها الولايات المتحدة في تدمير العديد -ربما معظم- مواقع إطلاق الحوثيين وأجهزة الرادار. و إذا استمرت هذه الحملة، فقد يؤدي ذلك ربما إلى تقويض قُدرة المجموعة بشكلٍ جدي على إلحاق الضرر بشحناتِ البحر الأحمر. كما قد تتأثر أيضاً قدرة إيران على مساعدة الحوثيين في إعادة التجهيز بسبب تكثيف المراقبة على طرق التهريب المعروفة عبر خليج عمان.
ومع ذلك، يبدو أن حملة القصف الجوي وضربات الصواريخ المجنحة من غير المرجح أن تردع الحوثيين عن محاولة استمرار التهديد بشحنات البحر الأحمر بكل الموارد المتاحة لديهم، حيث إن لديهم وسائل أخرى متاحة لهم، بما في ذلك القوارب المفخخة غير المأهولة والألغام البحرية.
و من الأساس، يبدو أن أي محاولة أمريكية لتخويف الحوثيين تعاني من عدم توافق بين مستويات الالتزام المتباينة بين الطرفين.
فقد حاولت الحكومة الأمريكية تجنب التصعيد غير الضروري في وقتٍ يُشعر فيه بالقلق من اندلاع حرب غزة وتحولها إلى صراع إقليمي. و تتمثل السياسة الأساسية للإدارة الحالية في الولايات المتحدة في السعي إلى تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، حيث دخل بايدن الرئاسة آملاً في تخفيف التوترات مع إيران وفي سوريا والعراق واليمن، حتى تتمكن الولايات المتحدة من توجيه اهتمامها إلى المشاكل الدولية ذات الأهمية الكبرى بالنسبة لها، ومن بين هذه المشاكل غزو روسيا لأوكرانيا وموقف الصين العدواني في شرق آسيا. و على الرغم من أنه من المستحيل على الولايات المتحدة تجاهل تحدي البحر الأحمر والتخلي عن حرية الملاحة، فإن إدارة بايدن بوضوح ليس لديها رغبة في حرب دائمة في اليمن، خاصةً في عام الانتخابات.
و بالمقابل، يبدو أن الحوثيين يستمتعون بفرصة حرب صغيرة موقوتة مع الولايات المتحدة. مما يزيد الوقوف مع فلسطين من شعبيتهم ومواجهة الولايات المتحدة تتماشى تماماً مع مبدأهم السياسي، الذي يتلخص في شعارٍ مبالغ فيه إلى حد ما ولكنه مناسب جداً: "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام".
و في الواقع، قد لا تبدو الحرب مع الولايات المتحدة محفوفةً بالمخاطر من وجهة نظر الحوثيين، الذي قد يكونون مجموعة من الناس التقليديين المتشددين، ولكنهم يقرؤون الصحف. أي أنهم على علمٍ جيد بتردد واشنطن في تخصيص الموارد لليمن، وبعد عقدين من التمرد المتقطع وسنوات من الضربات الجوية السعودية والإماراتية، يثقون في قدرتهم على التعامل مع الصراع.
و بناءً على تصرفاتهم وخطاباتهم، يبدو أن الحوثيين قد حسبوا مسبقاً مخاطر الاستجابة العسكرية الأمريكية. و يبدو أنهم مقتنعون بأن أي تدخل سيكون محدوداً بما يكفي بالنسبة لهم لتحمل الضرر المادي والخروج بموقفٍ سياسيٍ مرموق.
وعلى الرغم من رغبة الولايات المتحدة في ذلك، فإن هذه لن تكون حرب من جانب واحد. وقد يتعذر على الحوثيين أن يفعلوا الكثير لصد الضربات الجوية والصواريخ من الولايات المتحدة، لكن لديهم حلفاء إقليميون، بما في ذلك إيران، التي قد تساعدهم على تصعيد الأوضاع بالطرق التي تأمل الولايات المتحدة تفاديها. و يمكن أن تتعرض السفن أو الطائرات للألغام أو الصواريخ أو الطائرات بدون طيار في مناطق أخرى، وقد يبدأ حلفاء أمريكا في تعرضهم لهجمات غير معلنة من أصل غير معروف.
و على الرغم من أن بعض أعداء الحوثيين في المنطقة ربما شجعوا على اتخاذ إجراءاتٍ أمريكية، إلا أن آخرين يبدو أنهم يشعرون بالحذر من احتمالية حدوث اضطراباتٍ كبيرة في اليمن ومحيطه. ففي عام 2015، قادت المملكة العربية السعودية تحالفاً إقليمياً في تدخلٍ فاشل ضد الحوثيين، ولكن يبدو أن المملكة الآن أكثر اهتماماً بالحفاظ على وقف إطلاق النار الداخلي في اليمن والانسحاب من حرب لم تكُن تحقق نجاحاً. وليس فقط لأن الدول العربية تخشى أن يؤدي التحالف مع الولايات المتحدة إلى تعرض مدنها وبنيتها التحتية لهجمات من قبل الحوثيين، بل أيضاً لأنها تشعر بالقلق من أن يتم اتهامها بما يعتبره الكثيرون في العالم العربي حرباً بقيادة الولايات المتحدة للدفاع عن إسرائيل.
- *غزة هي المفتاح:*
هذا هو ما يعود الأمر إليه بالنهاية: غزة.
و مع آلاف الفلسطينيين القتلى وغزة التي في حالة من الدمار، وتعاني من انتشار الجوع، تستجيب مطالب الحوثيين بقوة ليس فقط في اليمن ولكن أيضاً في الشرق الأوسط وخارجه. و لقد تجاهلت إدارة بايدن صرخات الاحتجاج العالمية، ودعمت حليفتها إلى درجة متطرفة من خلال الدفاع عن تكتيكات إسرائيل الوحشية وشحن الأسلحة للمساعدة في استمرار الحرب. ومن الملفت للنظر أن الولايات المتحدة تحول حتى الذخيرة من الدفاع الأوكراني ضد روسيا.
ولكن على الرغم من أنها قد تكون غير متناغمة مع الرأي العام الدولي، فإن المسؤولين الأمريكيين ليسوا غير مستشعرين و متوقعين للضرر الذي لحق بموقفهم الإقليمي بسبب الهجوم الإسرائيلي. و خلف الكواليس، حاول الدبلوماسيون الأمريكيون إقناع إسرائيل بالانتقال إلى تكتيكاتٍ أقل وحشية اعتباراً من يناير/ كانون الثاني. كما يبدو أن المسؤولين الإسرائيليين على استعداد لتقليص عملياتهم، لكنهم يتعهدون بمواصلة الحرب بشكلٍ ما ويحذرون أيضاً من أن لبنان قد تكون التالية في خط الغزو.
ولكن حتى تتوقف المذبحة في غزة، يبدو أن أي قرارٍ جاد بشأن أزمة البحر الأحمر غير متوقع. و بالطبع، يمكن للولايات المتحدة وحلفائها أن يواصلوا حملتهم العسكرية لفترةٍ طويلة، وذلك بتدمير أجهزة الرادار ومواقع الإطلاق عند اكتشاف وجود سفن حربية في البحر الأحمر، ولكن رقابة الجبال اليمنية قد تتحول إلى مهمة غير محددة المدة. و قد يرد الحوثيون وحلفاؤهم أيضاً بشكلٍ غير تناسبي وغير متوقع وخارج المنطقة، وإذا كانت الولايات المتحدة تخشى تصعيداً إقليمياً، فإن هذه المخاطر يبدو أنها تزداد الآن.
و على الجانب المقابل، يمكن أن تخلق التهدئة في غزة، عن طريق تحقيق هدنة مستدامة تسمح بإطلاق الرهائن والسجناء وزيادة توصيل المساعدات، فرصاً لتخفيف وضع الحوثيين في البحر الأحمر أيضاً. وبما أن الولايات المتحدة تبدو الآن بأنها ترغب في تهدئة الأمور في إسرائيل على أي حال، فمن الطبيعي أن تستخدم أي تقدم في ذلك لبناء مخرج من صراع البحر الأحمر.
و على الجانب الآخر، إذا اعتمد الأمر على تصرفات إسرائيل والحوثيين بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول، وعلى تصرفهما بالعقل وضبط النفس، فقد يكون إيجاد حل أصعب مما يبدو.
•المشكلة على المدى الأطول:
في المدى الطويل، قد تكون أكثر الحقائق المقلقة حول هجمات الحوثيين هي أنها مجرد تجسيد للوضع الجديد.
و منذ 19 نوفمبر/ تشرين الثاني، أظهر الحوثيون قُدرتهم على تهديد الشحن البحري في البحر الأحمر بشكلٍ جدي. و من الممكن أن تتمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها من احتواء تلك التهديدات أو على الأقل تقليلها إلى مستوياتٍ قابلة للإدارة. ولكن تم وضع اعتقاد سابق: بعد أن قاموا بهذا مرة واحدة، يمكن للحوثيين أن يفعلوا ذلك مرة أخرى. و ستظل القدرة على عرقلة الشحن العالمي جزءاً من قدراتهم، طالما يستطيعون تحديد الأهداف وامتلاك الأسلحة ذات المدى البعيد المطلوبة.
كما يستخدم الحوثيون صواريخ بالستية وصواريخ مجنحة من تصميم إيراني غير متوفرة بسهولة في سوق الأسلحة العالمية ولا يمكن صنعها بسهولة من قبل مجموعة غير دولية. ومع ذلك، فإن معظم هجماتهم تعتمد على طائرات مُسيّرة من تصميم إيراني. وهي أيضاً قطع رائعة إلى حد ما، ولكنها، اعتماداً على الحمولة المطلوبة والمدى ومستوى التطور، ليس من الصعب تصنيع ما يشبهها كالصواريخ.
و تُعد التكنولوجيا الجديدة عادة صعبة جداً لإعادتها إلى الصندوق والحد من انتشار استخدامها. و في السنوات القادمة، يبدو أن تكنولوجيا الأسلحة ذات المدى البعيد ستستمر في الانتشار بين الجماعات المناوئة للدولة، مما يتيح لهم تهديد الأصول الحكومية والتجارية بطرق جديدة. و في الممرات المائية الضيقة مثل البحر الأحمر، قد يعني ذلك تهديد الشحن العالمي. و في أماكن أخرى، يمكن أن يكون القدرة على استهداف المطارات والمباني الحكومية ومحطات الطاقة والبنية التحتية الحيوية الأخرى.
باختصار، فإن التهديد الحوثي لشحنات البحر الأحمر من غير المرجح أن ينتهي حتى بعد التوقف المؤقت. و في معظم تاريخ البشرية، لم يكن من الممكن بدنياً إغراق سفن البحر الأحمر بشكل واسع من شواطئ اليمن. ولكن الآن، بفضل التطورات في تكنولوجيا الصواريخ والطائرات بدون طيار، أصبح ذلك ممكناً. ونظراً لانتشار هذه التكنولوجيا لدى الحوثيين وإظهار فاعليتها، فإن المشكلة لن تختفي مثل الحوثيين أنفسهم.
و للتعامل مع هذا التغيير على المدى البعيد في بيئة أمن البحر الأحمر، ستتطلب احتياطات وتخطيطاً لإيجاد خياراتٍ عسكرية وضماناتٍ اقتصادية ولوجستية، وأيضاً سياسية. سواء في اليمن أو في المنطقة الأوسع -يعني ذلك محاولة حل الصراعات التي قد تجلب هذه الأسلحة إلى العمل مرة أخرى- أو على الأقل تقليلها وإدارتها واحتوائها.