تحليل: هل ستؤدي أزمة البحر الأحمر إلى نشوب صراع أوسع في الشرق الأوسط؟
يمن فيوتشر - الغارديان- ترجمة غير رسمية الاربعاء, 03 يناير, 2024 - 01:21 مساءً
تحليل: هل ستؤدي أزمة البحر الأحمر إلى نشوب صراع أوسع في الشرق الأوسط؟

حتى الآن، لم تؤدّ الحرب في غزة، التي بدأت بناءً على هجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، إلى حدوث سيناريو الكوابيس "صراع أوسع في الشرق الأوسط يشمل الولايات المتحدة وإيران". ولكن بعد أحداث الأيام القليلة الماضية، يبدو أن هذا الخطر يتحول إلى أمرٍ أكثرَ جديّة.
ويتمحور مركز الخطر في البحر الأحمر، حيث تقوم القوات الحوثية، المدعومة من إيران والمتمركزة في اليمن، بمُهاجمة السفن التجارية ذات الروابط الحقيقية أو المفترضة مع إسرائيل. وقامت الولايات المتحدة بتقديم حماية للشحنات التي تسافر عبر المنطقة، وقامت بتجميع تحالفٍ بحري دولي "للحفاظ على مبدأ الحرية في الملاحة". ولكن الرئيس جو بايدن قال إنه يرغب في تجنب المواجهة العسكرية المباشرة مع الحوثيين خشية أن يؤدي ذلك إلى تصعيد الأوضاع.
وعبرت القوات البحرية الأمريكية، الأحد، تلك الخطوط للمرة الأولى، حيث قتلت كل طواقم الزوارق الثلاثة التابعة للحوثيين التي كانت تُهاجم سفينة حاويات. وصرّح وزير الدفاع البريطاني، غرانت شابس، بأن المملكة المتحدة "لن تتردد في اتخاذ إجراءاتٍ إضافية" إذا استمرت الهجمات الحوثية.
وفي الوقت نفسه، وبينما ترفض طهران نداءاتِ واشنطن ولندن لوقف دعمها للحوثيين، دخلت مُدمِّرة إيرانية إلى البحر الأحمر. وفي الوقت نفسه، تدرس المملكة المتحدة والولايات المتحدة، ربما مع دولة أوروبية أخرى، إصدار تحذير بشأن الضربات على المنشآت العسكرية في اليمن.
وفيما يلي نظرة على ما يجري، وسبب المخاوف الجدية بشأن ما سيحدث في المستقبل.

• كيف بدأت الأزمة؟
بعد وقوع المذبحة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، أعلن زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، دعمه لحماس وقال إن قواته "مستعدة للتحرك بمئات الآلاف للانضمام إلى الشعب الفلسطيني ومواجهة العدو".
وقد يكون ذلك مبالغاً فيه، ففي خلال الشهر التالي، كانت مشاركة الحوثيين محدودة للغاية إلى هجمات بالصواريخ والطائرات المُسيّرة التي تم التصدي لها بشكل كبير بإجراءات مكافحة أمريكية وإسرائيلية. ولكن في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني، استخدم المسلحون طائرة هليوكوبتر لاحتجاز سفينة شحن في البحر الأحمر كانت تعمل بشركة يابانية ولكنها في النهاية ملك رجل أعمال إسرائيلي. وقام الحوثيون بخطف الطاقم وقالوا إن جميع السفن المرتبطة بإسرائيل ستصبح "هدفاً مشروعاً للقوات المسلحة".

• ماذا حدث في البحر الأحمر منذ ذلك الحين؟
لقد وقع ما لا يقل عن 17 هجوماً على السفن التي يعتقد الحوثيون أنها مرتبطة بإسرائيل أو حلفائها، وذلك بشكلٍ عام دون نجاح. وحتى الآن، امتنعت الولايات المتحدة عن المواجهة المباشرة. ولكن يوم الأحد، أطلقت طائرات هليوكوبتر تابعة للبحرية الأمريكية النار على مجموعة من الزوارق الصغيرة التي كانت تحاول الصعود على سفينة حاويات طلبت حمايتها، وهي سفينة "ميرسك هانغتشو". وبينما قالت واشنطن إن طائراتها الهليوكوبتر أطلقت النار دفاعا عن النفس، فإن مقتل 10 مسلحين تشكل مرحلة جديدة في الأزمة.
وسلامة الشحن في البحر الأحمر يُعد أمرا مهما للاقتصاد العالمي، لأنه يُمثل طريقا تجاريا مهما يربط آسيا بأوروبا والولايات المتحدة. و30% من حركة الحاويات العالمية تمر عبر هذه المنطقة، وأي تهديد كبير لسلامتها قد يؤدي إلى تبعات على أسعار النفط وتوفير المنتجات المصنعة في آسيا في الغرب. كما أن إسرائيل معتمدة بشكلٍ كبير على حركة المرور في البحر الأحمر، حيث تُسافر غالبية الواردات والصادرات عن طريق البحر.

• من هم الحوثيون؟
الحوثيون هم مجموعة مليشيا تُمثّل فرعاً من الإسلام الشيعي يسمى الزيدية، التي حكمت اليمن في وقتٍ مضى ولكن تم تهميشها تحت النظام السُنّي في عاصمة اليمن، صنعاء، منذ الحرب الأهلية في الفترة من 1962 إلى 1970. وأجبروا الحكومة على الخروج في انقلاب عام 2014، مما دفع إلى تدخلٍ عسكري بقيادة السعودية ضدهم، وإلى حدوث حرب أهلية كارثية تقدر الأمم المتحدة أنها تسببت في وفاة 377,000 شخص وتشريد أربعة ملايين شخص بحلول نهاية عام 2021.
كما حقق الحوثيون فوزاً فعّالاً في الحرب. وأدى وقف إطلاق النار في أبريل/ نيسان 2022 إلى انخفاضٍ كبير في العنف، وبقيت المعارك في حالة تعليق رغم انتهاء مدة الهدنة الرسمية في أكتوبر/ تشرين الأول. ويعيش معظم اليمنيين الآن في مناطق تحت سيطرة المسلحين، حيث يديرون الآن معظم شمال البلاد ويتحكمون في ساحل البحر الأحمر. ومن الجوانب الحاسمة. الحوثيون تدعمهم إيران كجزء من عدائها المستمر تجاه السعودية، وقد كشفت الولايات المتحدة مؤخراً معلوماتٍ استخباراتية كشفت عن تورط إيران في العمليات ضد الشحن التجاري في البحر الأحمر.
ويرى العديد من اليمنيين أن هذه العمليات هي وسيلةٌ مشروعة للضغط على إسرائيل وحُلفائها للدفاع عن المدنيين الفلسطينيين. ويقول المحللون إن تدخل الحوثيين قد ساهم في تعزيز دعمهم المحلي. كما يعتقد المسلحون أن الهجمات في البحر الأحمر يمكن أن تجعل منهم لاعباً عالمياً أكثر أهمية، مترادفين مع اليمن ككل على الرغم من وجود حكومة معترف بها دولياً في جنوب البلاد.
وفي الوقت نفسه، تحاول السعودية تطبيع العلاقات مع إيران وإنهاء اتفاق سلامٍ يمكن أن يعترف بسيطرة الحوثيين على شمال اليمن، وتشعر بالقلق بشأن أي ردة فعل من الولايات المتحدة  قد تُعقد جهودها للانسحاب من البلاد.

• كيف تستجيب شركات الشحن؟
قامت سبع من أكبر عشر شركات شحن في العالم، بما في ذلك (BP) وشركة (Hapag-Lloyd) الألمانية، بتعليق استخدام قناة السويس والبحر الأحمر نتيجةً للأزمة. وقامت "ميرسك" بإعادة استئناف العمليات في المنطقة قبل أسبوع ولكنها علقتها مرة أخرى بعد الهجوم على الهانغتشو،
في حين استأنف البعض الخدمة بعد تنظيم الولايات المتحدة تحالفاً بحرياً لحماية المنطقة، إلا أن العديد من سفن الحاويات لا تزال تستخدم طُرقاً بديلة، حيث تسافر العديد من السفن من آسيا إلى أوروبا عبر جنوب أفريقيا بدلاً من ذلك، وهي رحلة قد تستغرق أسبوعين إضافيين.
وأظهرت بيانات نُشرت الأسبوع الماضي من قِبل شركة (Flexport) للخدمات اللوجستية العالمية أن نصف سفن الحاويات تتجنب المنطقة، مما تمثل حوالى 18% من سعة الحاويات العالمية. مما يؤدي هذا إلى زيادة التكاليف، مع فرض رسوم إضافية تصل إلى حوالى 5000 دولار (3927 جنيها إسترلينيل) لكل حاوية بحجم 40 قدما، مما قد يرفع الأسعار إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل بداية الأزمة.

• كيف تصرفت الحكومات الغربية؟
كانت إجابة البيت الأبيض على الأزمة هي تجميع قوة بحرية تسمى "عملية حارس الازدهار" وذلك للدفاع عن الشحن في المنطقة. في حين أن معظم البلدان قدمت فقط بحارة، حيث قامت المملكة المتحدة والولايات المتحدة فقط بإرسال سفن، والهدف هو تعزيز الصعوبة لدى الحوثيين في التأكيد على أن الهجمات تستهدف بشكل حصري إسرائيل والولايات المتحدة. كما يجدر بالذكر أن البحرين هي الدولة العربية الوحيدة التي انضمت بشكلٍ علني، حيث يرون معظم الدول أن الآثار الاقتصادية للدفاع عن إسرائيل تفوق المخاطر التي قد تتعرض لها.
ومن جانبها، كانت الولايات المتحدة مُقيدة بمخاوف السعودية بشأن تأثير هجوم كبير على الحوثيين على محاولاتها لإنهاء اتفاقية السلام في اليمن. وهناك مخاوف في واشنطن بأن أي تصعيد قد يعزز النفوذ الإيراني في المنطقة. ولكن يقول المراقبون الأكثر حنكة إن احتمالات هجمات على الشحن دون أي استجابة رئيسية ستجعلها أكثر تكراراً.

• هل يمكن أن تزداد الأزمة سوءاً؟
كتب جوليان بورغر، الأحد، أن "الشرق الأوسط كان ينزلق نحو هاوية الحرب الإقليمية" منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول و"أظهر الأسبوع الماضي كيف يمكن أن تنهار حافة الهاوية التي تحتفظ بها بسرعة".
وتُعد الهجمات الأمريكية على سفن الحوثيين ليست حاسمة بحد ذاتها، على الرغم من أنها تعتبر تحولاً كبيراً عن الممارسات السابقة، إلا أنها لا تصل بعيداً مقارنةً بالضربات التي تستهدف قواعد المتطرفين داخل اليمن. ولكن إذا استمرت التهديدات في البحر الأحمر، فمن المرجح أن تستمر شركات الشحن التي تتجنب المنطقة في القيام بذلك، مع اتباع المزيد من الأمثلة. ولم تتأثر أسعار النفط العالمية بشكل كبير حتى الآن بسبب الأزمة، حيث انخفضت في الأسبوع الماضي بسبب الاعتقاد بأن الطريق أُعيد فتحها. وأي انطباع بأن التهديد يتزايد مرة أخرى بدون وجود استراتيجية خروج فعالة قد يدفع لتغيير ذلك.
ولم يُظهر الحوثيين أي علامة على التراجع، حيث قالوا مؤخراً أنه ما لم يُسمح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة وتتوقف إسرائيل عن هجماتها، فلن يتوقفوا عن مضايقة الشحن "حتى لو نجحت أمريكا في تعبئة العالم بأسره". وإذا لم تغير أحداث يوم الأحد هذا الحساب، فقد تقرر الولايات المتحدة في النهاية الهجوم على أهدافٍ في اليمن، مما يزيد من التوترات مع إيران، ويخلق مخاطر للتصعيد الأوسع الذي رغب بايدن في تجنبه.


التعليقات