مر أكثر من أسبوع على إعلان وزير الدفاع الأمريكي (لويد أوستن) عن قوة المهمة البحرية متعددة الجنسيات "حارس الازدهار" لمواجهة العمليات التي تقوم بها قوات الحوثيين في البحر الأحمر لحظر السفن المتجهة إلى إسرائيل رداً على الحرب في غزة.
ومع ذلك، أصبحت طبيعة المهمة وأهدافها وأعضائها -بما في ذلك البحرين- غامضة بشكلٍ مُتزايد.
وفي حين أعلنت البحرين عن مشاركتها، فإن غياب السعودية والإمارات العربية المتحدة - أعضاء مجلس التعاون الخليجي - يثير أسئلة مثيرة للاهتمام.
و حتى دوافع البحرين غامضة، بالنظر إلى عدم امتلاكها أي أسطول بحري ذو أهمية عسكرية، وتعتمد على السفن الصغيرة والقوات المقاتلة للدفاع البحري الخاص بها. وبالتالي، تُثار شكوك حول مدى المساهمة العسكرية الفعلية لهذه الإمارة الصغيرة في الخليج الفارسي.
•البحرين تدعم إسرائيل
يصف أحد قادة المُعارضة البحرينية، الذي تحدث مع "ذي كرادل" شريطة عدم الكشف عن هويته، مشاركة البحرين بأنها "ضرورة لما ليس ضرورياً". و يُشير هذا القائد إلى الولاءات المُعقدة للبحرين تجاه الولايات المتحدة والسعودية والإمارات وإسرائيل، بالإضافة إلى عضويتها في مجلس التعاون الخليجي، كأسباب مُحتملة لقرارها الغريب.
كما صدم موقف الحكومة البحرينية، خاصة في ظل هجوم الإبادة الجماعية لإسرائيل على غزة، الكثيرين داخل البلاد، على الرغم من قرارها غير الشعبي في 2020 بتطبيع العلاقات مع الدولة الاحتلالية.
وتحت الضغط، قامت البحرين بسحب سفيرها من تل أبيب وتعليق العلاقات الاقتصادية مؤقتاً في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني، على الرغم من أن الإسرائيليين يدّعون أنهم لم يتلقوا إعلاماً رسمياً بانسحاب السفير البحريني ويقولون إن العلاقات بين البلدين مستقرة.
و مصدر بحريني مطلع يخبر "ذي كرادل" أن هذا الموقف المستقل يتماشى مع سياسة الحكومة منذ توقيع اتفاقات أبراهام، التي قادتها الإمارات ووسطتها واشنطن.
ويقول إن الحكومة سعت إلى اتباع موقف محايد في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، دون الاعتراف به كصراع ضد الاحتلال وتجاهل أهميته للأمن القومي العربي.
و يُشير المصدر أيضاً إلى أن توجه البحرين نحو سياسة أبوظبي يعكس تحولاً نحو "توسع مدار الإمارات على حساب السعودية".
ويتضح ذلك في التوصل إلى المصالحة المتأخرة مع قطر، التي بدأتها الرياض ولكن استُقبلت بتردد في المنامة. وبالمثل، كانت الإمارات أبطأ في استعادة العلاقات مع الدوحة مقارنة بالسعودية.
•موقف مطيع للتأثير الأمريكي
تلعب البحرين دوراً تاريخياً كحليف عسكري رئيسي للولايات المتحدة منذ عام 1995، عندما فتحت مساحات واسعة من أراضيها الصغيرة لإنشاء مقرات إقليمية للأسطول الخامس الأمريكي. وتشمل هذه المرافق اليوم حاملة طائرات وعدة غواصات ومُدمرات بحرية وعشرات من طائرات القتال وآلاف الجنود الأمريكيين، بالإضافة إلى مقراتهم للاقامة الدائمة داخل هذه القاعدة العسكرية، التي تعتبر واحدة من أكبر مراكز الجيش الأمريكي خارج الولايات المتحدة.
ووفقاً للمصدر البحريني المذكور، تعمل القوة البحرية الأمريكية الموجودة في المنامة بوصفها "قاعدة أمريكية متقدمة لتنفيذ الأعمال الاستخباراتية والعسكرية الأمريكية في المنطقة، وتعكس وجودها سيطرة الولايات المتحدة على القرار السياسي في المملكة عند الحاجة".
كما تعتبر البحرين أيضاً مقراً للقوة البحرية المشتركة، التي تأسست عام 2001 لمواجهة "تهديد الإرهاب الدولي". و تضم القوة 39 دولة، بما في ذلك بريطانيا، التي أنشأت وجوداً عسكرياً موسعاً في أراضي البحرين، وتحديداً في قاعدة جفير البحرية منذ عام 2018، والتي تُعتبر أول قاعدة عسكرية لبريطانيا في غرب آسيا منذ أربعة عقود.
و يوضح المصدر البحريني أن الولايات المتحدة وبريطانيا تمتلكان جميع الموارد التي يحتاجونها في الخليج الفارسي لتنفيذ عملياتهما البحرية المعادية لليمن بأنفسهما، ولكن ما يحتاجونه حقاً هو غطاء عربي لهذه الأنشطة العدائية.
و تُعد خطوة محفوفة بالمخاطر بالنسبة للمنامة. فإن مشاركة البحرين في التحالف البحري قليلا ما سيخرج بنتائج إيجابية للدولة وقد تشكل تهديداً لأمنها الاستراتيجي، خاصة إذا قررت قوات الحوثي اليمنية الرد على الضربات التي يشنها حامي الازدهار.
و استهداف البحرين سيكون "ثمرة سهلة الوصول" بالنسبة لليمنيين، وذلك ليس فقط بسبب صغر حجمها وضعفها في الدفاع بمفردها، ولكن أيضاً لأنها تستضيف قواعد للعدوان الغربي الرئيسي - الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
و قرار البحرين بالمشاركة في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، على الرغم من رفض قادة مجلس التعاون الخليجي مثل المملكة العربية السعودية بناءً على مخاوف أمنية، يُظهر فقط مدى خضوع البحرين لهيمنة الولايات المتحدة وحليفها الجديد إسرائيل، وفقاً لمصدر بحريني آخر.
•إعادة ضبط الرياض
الجدير بالذكر خصوصاً غياب المملكة العربية السعودية عن التحالف، وبعد خيبة أملها من سياسات الولايات المتحدة السابقة، بما في ذلك الربيع العربي واتفاقية النووي لعام 2015 مع إيران، يبدو أن الرياض الآن ميالة نحو التصالح مع طهران وقد زادت علاقاتها مع معارضي الولايات المتحدة موسكو وبكين، وهو ما يشير إلى تحول في الاعتبارات الإستراتيجية الإقليمية والعالمية.
و بدلاً من الانخراط عميقاً في جهود مكافحة العدوان الإسرائيلي أو مِحور المقاومة بقيادة إيران، يبدو أن السعودية أكثر تركيزاً على تخفيض النزاعات الإقليمية، وخاصة حرب الثمانية الأعوام التي تخوضها في اليمن. فقد رحبت المملكة بخارطة الطريق للسلام التي قدمتها الأمم المتحدة وبالمفاوضات التي تقوم بها عمان مع صنعاء، مما تشير إلى رغبة في الخروج من الحرب المدمرة وتحويل التركيز بعيداً عن الاعتماد الكبير على الدعم الأمريكي.
أما بالنسبة للسعوديين، فتقدم الحرب المستمرة في غزة والدور البارز الذي يلعبه اليمن في محور المقاومة الإقليمي يشكل فرصة للخروج من الحرب ضد جارتها الجنوبية، والتركيز على تسوية محلية بين الأطراف اليمنية وحكومة صنعاء بقيادة أنصار الله.
كما أظهرت الرياض اتجاهها في وقت مبكر، في نوفمبر/ تشرين الثاني، من خلال استضافة القمة العربية الإسلامية للتضامن "بمسؤولية" مع غزة دون اتخاذ إجراءات فعلية.
ويبدو أن السعوديين غير مهتمين بالانخراط بشدة في الفوضى، سواء لوقف العدوان الإسرائيلي أو مواجهة "محور المقاومة" الذي يعتبر اليمنيين جزءاً حيوياً من صفوفه.
و بالنهاية، فإن الاستقرار أمر بالغ الأهمية بالنسبة للأمير (محمد بن سلمان) ورؤيته 2030 ومشاريعه الطموحة مثل نيوم ومعرض 2030 وكأس العالم لكرة القدم لعام 2034، مما يدفع لإعادة النظر في مشاركتها، على الرغم من أنها خطوة محفوفة بالمخاطر بالنسبة للمنامة.
مشاركة البحرين في التحالف البحري يشكل تهديداً لأمنها الاستراتيجي، خاصة إذا قررت قوات الحوثي اليمنية الرد على الضربات التي يشنها "حارس الازدهار".
و تراعي دولة الإمارات العربية المتحدة، المعروفة بحساباتها الاستراتيجية، الحذر الشديد في المواجهة الإقليمية، وتلعب دوراً قوياً خلف الكواليس. فعندما هددت جماعة الحوثي الممرات البحرية، قامت الإمارات بتطوير جسر بري عبر الأراضي السعودية والأردنية إلى إسرائيل لنقل البضائع من شرق آسيا.
و على الرغم من المخاطرة التي تتعرض لها أبوظبي بمساعدة اقتصاد إسرائيل علناً في حين تفرض تل أبيب حصاراً قمعياً على الفلسطينيين في غزة، إلا أن الإمارات قد زادت بشكل كبير من القيمة الاقتصادية والسياسية للاحتلال الإسرائيلي. و في ذلك، أظهرت الإمارات ثباتاً في التطبيع يمكن أن يؤدي إلى عواقب خطيرة في حال تصاعدت المواجهة الإقليمية.
و نظراً للانتقادات المحتملة، فإن الإمارات تتردد في دعم إسرائيل علناً من خلال القوة البحرية العسكرية، و ذلك خوفاً من استياء اليمن والعرب والمسلمين بشكل عام. و تضع أبوظبي أولوية لصورتها كواحة آمنة ومستقرة، مدركة لهجمات أنصار الله بالصواريخ والطائرات بدون طيار قبل عام واحد فقط.
و بشكل أساسي، تهدف الدولة الخليجية إلى تجنب تعريض مصالحها الأمنية للخطر من خلال الانخراط في أعمال عسكرية غامضة قد تضعف السردية المتقنة للاستقرار والتقدم التي تمتلكها.
لذا مصير وجدوى عملية حارس الازدهار محاط حالياً بالغموض، خاصة في ظل العقبات الأخيرة وانسحاب حلفاء غربيين حاسمين من المشاركة تحت قيادة أمريكية.
كما تبرز الانقسامات بين دول الخليج بشأن التحالف البحري و توعية الإقليم بأن هيمنة واشنطن لم تعد معصومة كما كانت في السابق. و يُشير الوعي المتزايد إلى أن اليمن وأعضاء آخرين في محور المقاومة يمتلكون القدرة على فرض معادلة جديدة ضد إسرائيل.