قام الحوثيون في اليمن، في التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني، بخطف سفينة شحنٍ ليست مرتبطة ارتباطا مباشرا بإسرائيل، وذلك أثناء سفرها في البحر الأحمر، تماماً مثل إطلاقهم الصواريخ نحو إيلات الإسرائيلية في أكتوبر. وكان احتجاز الفصيل المتمرد للسفينة عملا رمزيا يُعلن من خلاله انضمامه إلى حزب الله وحماس لوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وعلى الرغم من أن السفينة، المُسماة "جالاكسي ليدر"، ليست مملوكة أو تعمل بواسطة إسرائيل، إلا أن ذلك يُقلل احتمالية استجابة عسكرية فورية من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة. ولكن الموقف ما زال يُشكّل خطوة قد تؤدي إلى تصعيدٍ في اتجاه حرب إقليمية واسعة. وحتى الآن، تعتمد احتمالية نشوب نزاع في المنطقة على مُستجدات الحدود اللبنانية الإسرائيلية وردود الفعل الإيرانية عليها بدرجةٍ أكبر من الهجمات الرمزية للحوثيين على ممرات الشحن في البحر الأحمر أو استهدافٍ غير فعال للمنشآت الإسرائيلية أو الأمريكية في المنطقة.
ويبدو أن استيلاء الحوثيين على السفينة جالاكسي ليدر -من خلال الفيديو الذي أصدرته الجماعة المسلحة- تدريب عسكري أكثر من كونه عملا حربيا. فقد كانت السفينة تحمل علم الباهاماس، وتعمل بواسطة شركةٍ يابانية، وتحمل صلة إسرائيلية غير مباشرة (يمتلك رجل أعمال إسرائيلي أسهما في الشركة البريطانية المالكة للسفينة).
وفي حين أدين احتجاز السفينة باعتباره "فعل إرهاب إيراني"، أعربت الحكومة الإسرائيلية أيضاً عن سرعة نفي أي صلة لها بالسفينة، مُشيرة إلى عدم وجود أي اهتمام من جانبها بالاستجابة للاستيلاء. وبدورهم أصدر الحوثيون بياناً ادعوا فيه أن الطاقم المحتجز سيُعامل "وفقاً لقيمنا الإسلامية".
و في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني، تم احتجاز سفينة شحنٍ ثانية قبالة سواحل عدن؛ لكن هذه المرة تدخلت سفينة بحرية أمريكية واعتقلت المهاجمين، الذين زعمت وزارة الدفاع الأمريكية أنهم على الأرجح قراصنة صوماليون، ولم يتم تحديد هويتهم بشكلٍ نهائي بعد.
*هل الحوثيون وكلاء إيرانيون؟*
يقود الحوثيون حركة تستند إلى الفرع الشيعي الزيدي، الذي حكم اليمن في الماضي تحت الإمامة، ولكن تم دفعهم إلى المنطقة الجبلية الشمالية للبلاد بعد الثورة الجمهورية عام 1962. وفي أوائل العقد الأول من الألفية الجديدة، قام الحوثيون بتشكيل حركة أنصار الله، وهي مُنظمةٌ سياسية ومسلحة محلية تعارض في المقام الأول الحكومة المركزية في صنعاء آنذاك. ورداً على غزو الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، اعتمد أنصار الله شعاراً مُعادياً للأمريكيين والإسرائيليين، ويتضمن عبارة "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل". ومع ذلك، خلال تمردهم على صنعاء في الفترة من عام 2004 إلى عام 2010، لم يتخذ الحوثيون أيَّ إجراء ضد الأمريكيين، وظلّت السفارة الأمريكية في صنعاء تعمل بشكلٍ طبيعي حتى تم إغلاقها في عام 2015. ومن ناحية أخرى، في عام 2021، اقتحم الحوثيون مجمع السفارة واحتجزوا بعض الموظفين اليمنيين الباقين الذين كانوا يتولون حراستها.
وغالباً ما يتم وصف الحوثيين من قِبل خصومهم كوكلاء لإيران؛ حيث ربط رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) بين إيران وإطلاق الصواريخ الأخيرة من قبل الحوثيين نحو إسرائيل، بالإضافة إلى احتجاز السفن. و لم تكُن هناك أدلةً على تورط إيران عندما بدأ تمرد الحوثيين ضد صنعاء في العام 2004، ولكن أصبح هناك علاقة مع إيران تحت التطوير بحلول العام 2009. كما تم تقديم تقارير بأن بعض الأسلحة الإيرانية وصلت إلى شمال اليمن بعدما بدأت السعودية بتقديم المساعدة لحكومة صنعاء.
ثم توطدت علاقة الحوثيين مع إيران في العام 2015، بعد أن شنَّ التحالف العسكري العربي بقيادة السعودية حربه في اليمن ضد الحوثيين الذين سيطروا على العاصمة اليمنية في العام 2014. ومع ذلك، استمرت العلاقات الإيرانية-الحوثية في أن تكون معقدة، سواء من الناحية الأيديولوجية أم من الناحية التشغيلية. ومع تصاعد الحرب بقيادة السعودية، نما التعاون بين الحوثيين وحزب الله، رغم أن الحوثيين طوروا صناعة الأسلحة وطُرق التهريب الخاصة بهم، حيث قاموا بتجميع أجزاء الصواريخ التي وصلت سراً من إيران من خلال السوق السوداء. ومع تعمق اندماجهم في الشبكة المدعومة من قبل إيران، عاد الحوثيون بالمثل لطهران من خلال توجيه الأسلحة الإيرانية لحماس في غزة عبر سلسلة من المهربين من القرن الأفريقي والسودان ومصر.
و في السنوات الأخيرة، زادت إيران مساعدتها للحوثيين بشكلٍ تدريجي، سواء أكان ذلك بشكلٍ مُباشر أم من خلال وّسطاء حزب الله. كما يحتذي زعيم أنصار الله (عبد الملك الحوثي) بأمين عام حزب الله (حسن نصر الله)، ويحاول تشكيل حركته على غِرار الحزب اللبناني. وقد جعلت مساعدة حزب الله الحوثيين ينضمون إلى شبكة من الجماعات الموالية لإيران في المنطقة. وتم اعتماد خطاب حسن نصر الله حول "محور المقاومة" من قبل نظيره اليمني بما يصل إلى درجة أن الحوثيين يعتبرون أنفسهم جزءا لا يتجزأ من المحور ومؤيدين تامين لأهدافه. ورغم أن الحوثيين لا يبدو أنهم قرروا مدى مشاركتهم في حرب إسرائيل على غزة، إلا أن احتمالية التنسيق مع حزب الله تصبح أكثر إقناعاً كلما طالت مدة الصراع.
*الحوثيون وحماس*
خلال تمردهم في الفترة من العام 2004 إلى العام 2010 ضد صنعاء، نادراً ما قام الحوثيون بالإشارة إلى إسرائيل أو حماس في بياناتهم أو خطاباتهم. وكان الأمر مماثلاً لحماس، التي حافظت على مكاتب في صنعاء طول تلك الفترة، وكانت أقرب إلى السلطات في صنعاء منها إلى الحوثيين. وكان الرئيس اليمني آنذاك (علي عبد الله صالح) يُحافظ على علاقاتٍ وثيقة مع كلّ من حماس والسلطة الفلسطينية، وحتى عرض في العام 2007 التوسط في الصراع الذي اندلع بين الجانبين بعد الانتخابات الفلسطينية العام 2006 التي فازت بها حماس. وأسس (يحيى صالح)، ابن عم الرئيس صالح، "جمعية كنعان" الثقافية التي رعت جميع التبرعات والفعاليات لدعم فلسطين وعملت عن كثب مع ممثلي حماس في صنعاء.
وقبل اندلاع أحداث الربيع العربي في العام 2011 التي أدت إلى الإطاحة بالرئيس (صالح) من السلطة في العام 2012، كان تركيز حركة أنصار الله على القضايا اليمنية المحلية، ولم تُظهِر اهتماماً كبيراً بالشؤون الإقليمية والفلسطينية. أما بعد أن سيطر الحوثيون على صنعاء في العام 2014، وخاصة بعد بدء التحالف العربي بقيادة السعودية حربه في اليمن في العام 2015، أصبحت تصريحات المجموعة بشأن إسرائيل والولايات المتحدة أكثر حِدّة. كما أصبحت علاقة الحوثيين مع حماس أكثر ودية مع تطور قربهم من حزب الله.
وخلال الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة، أعربت تصريحات الحوثيين عن دعمٍ لا محدود للفلسطينيين وتعهدوا بتقديم الدعم الكامل، وتوافقهم مع موقف حزب الله. وعلى الرغم من ذلك فإن إجراءات الحوثيين حتى الآن تقتصر على تكثيف الضغط على إسرائيل، والتهديد باتخاذ إجراءات إضافية في حال استمر الهجوم الإسرائيلي على غزة. وحتى الآن، لم يضع الحوثيون الحرب الشاملة على الطاولة. وفي الواقع، عندما ظهرت تقارير عن وقفِ إطلاق النار، أكّد المُتحدث باسم الحوثيين (محمد عبد السلام) على منصة "إكس" (تويتر سابقاً) أن الحركة "تدعم أي خطوات تتخذها المقاومة الفلسطينية وما يرونه مناسباً لتحقيق أهدافهم المشروعة".
ومع ذلك، إذا لم تستمر الهُدنة الحالية بين إسرائيل وحماس، واستمرت الضربات العسكرية والردود المُضادة في التصاعد بين إسرائيل وحزب الله والجماعات الموالية لإيران عبر الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، فقد تندلع حربٌ إقليمية شاملة. وفي مثل هذا السيناريو، من المُحتمل أن يتورط الحوثيون بشكلٍ كامل، رغم أن مساهمتهم في جهود الحرب ستظل على الأرجح مُركَّزة على البعد البحري في البحر الأحمر، حيث يمكن أن يُشكّلوا خطراً جدياً على الشحن البحري المدني والأهداف البحرية الأخرى.
*التورط الأمريكي والإسرائيلي*
نشرت إدارة بايدن -التي تعهدت بتقديم الدعم الكامل للحكومة الإسرائيلية في بداية الحرب- حاملتي طائرات (يو إس إس جيرالد آر فورد) في البحر الأبيض المتوسط و(يو إس إس دوايت دي إيزنهاور) في البحر الأحمر؛ ولكن حتى الآن تجنبت بعناية التورط العسكري المباشر. وقد استجابت القوات المسلحة الأمريكية بصورةٍ دفاعية ومُتناسبة عند تعرُّضها لهجمات داخل العراق وسوريا، ووصف المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية رد الولايات المتحدة على إطلاق الصواريخ من اليمن بأنه دفاعي، مُشيراً إلى أن الصواريخ كانت قريبة بما فيه الكفاية من أسطول الولايات المتحدة لتبرير اعتراضها، مما يشير إلى عدم رغبة الولايات المتحدة بالانخراط في الاشتباكات المحيطة بالحرب على غزة.
وعلى الرغم من أنها تسعى للحفاظ على غموضٍ حذر في الحرب الحالية بين إسرائيل وغزة، فقد فرضت البحرية الأمريكية مراقبة وثيقة لممرات الشحن في البحر الأحمر منذ بدء الحوثيين في استهداف السفن البحرية السعودية خلال حربها من العام 2015 إلى العام 2023 مع التحالف الذي تقوده السعودية. حيث قامت الولايات المتحدة بزيادة نشر القوات البحرية حتى قبل بدء الحرب في غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول لصد التهديدات الإيرانية ضد الشحن الدولي. ولا يمكن لأي إدارة أمريكية أن تظل غير مبالية تجاه أي حجبٍ أو تحرشٍ خطير للشحن عبر ممرات البحر الأحمر الحيوية.
كما ردت إسرائيل على الصواريخ الحوثية بنشرِ سُفنٍ بحرية من إيلات، لكنها لم تتورط حتى الآن في صدامٍ مباشر مع الحوثيين، وهو موقف أثار انتقادات من المعارضة التي يقودها نتنياهو. وفي الواقع، تزايدت النشرات البحرية الإسرائيلية منذ اتفاقات أبراهام في العام 2020، التي أدت إلى تعاونٍ أمني جديد بين إسرائيل والبحرين والإمارات العربية المتحدة، كما تم توضيح ذلك من خلال مناورات بحرية مشتركة في البحر الأحمر في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني تشاركت فيها بحريات هذه الدول والولايات المتحدة. وتم اعتبار هذه التدريبات وسيلة لردع المواجهة مع إيران، ولكن يمكن أيضا استخدامها للتصدي للتهديدات العسكرية من الحوثيين في خليج عدن والبحر الأحمر.
*نظرة مستقبلية*
يُعد دخول إيران مباشرة إلى الحرب عاملاً محورياً، بما في ذلك بالقدرة على جذب الولايات المتحدة مباشرة. وفي حين يمكن للحوثيين عرقلة ممرات الشحن في البحر الأحمر، فإن إيران لديها القدرة على إغلاق مضيق هرمز، وهو إجراءٌ سيكون له آثارٌ عالمية فورية، وبالتالي سيُشكل مخاطر جسيمة على مصالح الولايات المتحدة. وسيكون قرار إيران اتخاذ مثل هذه الخطوة إجراءً يمكن أن تتخذه الجمهورية الإسلامية فقط في حال تعرضت لهجومٍ مباشر. ومن الآمن أن نفترض أن المشاركة المباشرة لإيران ستجذب لها الجماعات غير الحكومية الموالية لها في المنطقة، بمن في ذلك الحوثيون.
وفي الوقت الحالي، تبقى الحرب فقط حرباً إسرائيلية فلسطينية، مع لعب حزب الله والحوثيين دوراً مسانداً من لبنان واليمن. ولكن بتصميم أو بخطوات تصاعدية قد تتحول إلى تفاقم لا يمكن السيطرة عليه، ومن الممكن أن تتحول الحالة إلى صراعٍ إقليمي بمشاركةٍ كاملة من الجبهتين اللبنانية واليمنية. وسيكون من المستحيل التنبؤ بمدى تعقيد وتدمير مثل هذه الحرب الإقليمية، أو ما الذي ستؤدي إليه.
إذ إن اليمن، مثل لبنان، مقسم داخلياً بشأن حكمة الانخراط في حرب غزة.
وقد أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، المدعوم من الإمارات العربية المتحدة، بياناً رسمياً ينتقد اختطاف أنصار الله لسفينة "جالاكسي ليدر". كما انتقدت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً -ممثلة بالمجلس الرئاسي اليمني بدعم سعودي- اختطاف السفن قبالة سواحل اليمن، مشيرة إلى أن مثل هذه الأفعال تُعد "قرصنة بحرية". وفي الواقع، فإن حرب غزة بالفعل تجذب اليمن وتزيد التوترات الداخلية فيه.
ومع ذلك، فإن هجمات الحوثيين على إسرائيل، في شكل غارات بدرون وصواريخ على إيلات، واختطاف السفن، والانتقادات اللفظية من الناطقين باسمهم في صنعاء، تكون رمزية من حيث الطبيعة والتأثير. وتنبع هذه الهجمات من اعتبارات التضامن مع الفلسطينيين، والتناقض التاريخي تجاه إسرائيل والولايات المتحدة، والتنسيق مع فصائل أخرى في محور المقاومة بقيادة إيران، خاصة حزب الله. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تؤدي إجراءات الحوثيين وحدها إلى اتساع الحرب في غزة إلى نيران الصراع الإقليمي الشاملة لإسرائيل والولايات المتحدة وإيران وقواتها الموالية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.