منذ أكتوبر الماضي، تنامت الاتهامات للولايات المتحدة المتحدة وحلفائها بأنهم يتعاملون بـ"معايير مزدوجة" تجاه الصراعين في أوكرانيا وغزة، بحسب تحليل نشرته صحيفة وول ستريت جورنال.
وأشار التحليل إلى أن ارتفاع عدد الجثث في الشرق الأوسط، يشكل تحديا استراتيجيا للغرب الذي وضعوا دعمهم لأوكرانيا ضمن "إطار أخلاقي صارخ"، وهو ما أصبح حتى مشكلة معترفا بها داخل واشنطن.
وأصبحت أوكرانيا وغزة محور النقاش العالمي وفي السياسية الأميركية، إذ تسبب ردود الفعل المتناقضة في "اتساع الهوة بين الديمقراطيات الغربية وبقية الدول، إذ أدت الاتهامات المتبادلة بالمعايير المزدوجة إلى تأجيج المشاعر"، بحسب الصحيفة.
وفي بداية الحرب الأوكرانية فر الملايين من المدنيين حيث الجسور المدمرة والمباني المهدمة بسبب القصف الروسي، وفي مشاهد مشابهة شهدت غزة موجات نزوح جماعي للفلسطينيين من شمال القطاع بسبب القصف الإسرائيلي.
وتشير الصحيفة إلى أن الحربين بينهما اختلافات كبيرة في جذورهما، ففي حين لم يكن الغزو الروسي لأوكرانيا، في فبراير عام 2022، مبررا، أرسلت إسرائيل قواتها إلى غزة بسبب ما تعرض له المدنيون الإسرائيليون، في 7 أكتوبر الماضي، على يد حركة حماس المدرجة على قوائم الإرهاب الأميركية.
وبطبيعة الحال مثلما لم يبدأ الصراع في أوكرانيا في عام 2022 وله جذور تاريخية مع روسيا، فإن الصراع في الشرق الأوسط لم يبدأ مع هجوم حماس في السابع من أكتوبر، إذ يوجد تاريخ من العنف الإسرائيلي الفلسطيني يعود إلى حركة الاستيطان الصهيونية في القرن التاسع عشر، حيث طرد مئات الآلاف من الفلسطينيين مما يعرف الآن باسم إسرائيل عندما تأسست الدولة اليهودية في عام 1948، بحسب التحليل.
وهناك أوجه تشابه أساسية بين الحربين بحسب الصحيفة: الأول، حجم معاناة المدنيين، حيث سقط عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، والثاني، المأزق المشترك الذي يعيشه الملايين من الأوكرانيين والفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال العسكري.
ويشير التقرير إلى تواجد استقطاب حول "من يتحمل المسؤولية عن كل حرب؟" لتظهر موجة من الغضب والتعبئة السياسية الخاضعة لولاءات جيوسياسية، ما ولّد نوعا من التعاطف الانتقائي، ليصبح المدنيون الأوكرانيون والفلسطينيون والإسرائيليون مثل "بيادق في معركة أيديولوجية أكبر داخل المجتمعات الغربية، وبين الغرب والمنافسين مثل الصين وروسيا"، وفق تعبير الصحيفة.
وعبّرت المحامية الأوكرانية المعنية بحقوق الإنسان والحاصلة على جائزة نوبل للسلام، أولكسندرا ماتفيتشوك، عن أسفها لما يحصل.
وقالت للصحيفة: "إن فكرة الإنسانية لم تصبح بعد أساسية لسياسة الدولة، وقبل كل شي لتفكيرنا.. عندما يناقش الناس الحرب في الشرق الأوسط، فإن السؤال الأول: إلى أي جانب تقف؟ ولكن يجب علينا أن نقف مع الإنسانية.. كل حياة لها قيمة، حياة في إسرائيل، وحياة في فلسطين، وحياة في أوكرانيا".
السيناتور الأميركي الديمقراطي، كريس كونز، قال: "هناك قلق من أن الولايات المتحدة تستنكر ما اتخذته روسيا وتقول إنها غير مقبولة وغير مسموح بها، ومع ذلك لم تكن فعالة في طروحات مماثلة في غزة".
وأضاف "أنا لا أتفق مع العديد من هذه التوصيفات، ولكن ما يهم أنه ليس فقط رؤساء حكومات بل حتى الناس العاديين يصدقونها".
رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني، أليسيا كيرنز، قالت إن "قلة ممن يسعون إلى إدانة إسرائيل كانوا يتواصلون العام الماضي بشأن أوكرانيا".
وذكرت "دعونا ندرك أننا لسنا راضين عن الطريقة التي تسير بها الأمور، لكن دول الجنوب العالمي لا يمكنها الآن الصراخ دعما لفلسطين عندما التزمت الصمت بشأن أوكرانيا.. هذا معيار مزدوج لا أحد يتحدث عنه".
وتنوه الصحيفة إلى أنه ورغم أن التداخل بين منتقدي روسيا ومنتقدي إسرائيل محدود، فإن بعض القادة في العالم النامي كانوا ثابتين على موقفهم، ولا يخجلون من تسليط الضوء على التناقضات، مثل رئيس وزراء ماليزيا، أنور إبراهيم.
وكان إبراهيم، وهو سجين سياسي سابق، أدان مرارا وتكرار غزو روسيا لأوكرانيا، وقال في اجتماع لزعماء آسيا والمحيط الهادئ، في نوفمبر الماضي، استضافته الإدارة الأميركية: "لقد طُلِب منا إدانة العدوان على أوكرانيا، لكن البعض بقي صامتا أمام الفظائع التي ارتُكبت خاصة بحق الفلسطينيين. ولا يتعلق الأمر بإحساسهم بالعدالة والرحمة".
الهجوم الذي نفذته حماس، في 7 أكتوبر، الذي قتل فيه نحو 1200 إسرائيلي معظمهم من المدنيين، واختطف فيه أكثر من 200 آخرين إلى غزة، يمثل أكبر خسارة في أرواح اليهود منذ المحرقة، وهو ما دفع قادة الولايات المتحدة وأوروبا إلى تقديم دعم فوري وغير مشروط للحملة العسكرية التي تشنها إسرائيل مع تذكير باتباع القانون الإنساني الدولي، من دون أي تحذير علني من العواقب إذا تجاهلتها إسرائيل، بحسب الصحيفة.
وفي غزة أبلغت الأمم المتحدة عن مقتل حوالي 15 ألف شخص، بحسب معلومات جمعتها وزارة الصحة في القطاع، فيما تقدر الأمم المتحدة أن عدد المدنيين الذين قتلوا في أوكرانيا بـ10 آلاف قتيل مشيرة إلى أن الرقم أكبر بكثير، حيث لا يوجد لديها القدرة على تأكيد الأعداد في المناطق التي تحتلها روسيا.
وتقول الصحيفة إن القادة الغربيين الذين وصفوا الاستهداف الروسي لمحطات الطاقة وشبكات المياه الأوكرانية أنها "جريمة حرب" هم ذاتهم من أيدوا التحركات الإسرائيلية لحرمان سكان غزة من الكهرباء ومياه الشرب والوقود.
ويوضح التقرير أنه رغم أن حماس تريد أو تسعى إلى "قتل أو طرد جميع اليهود الإسرائيليين" وأن روسيا تريد محو الدولة والثقافة الأوكرانية، إلا أن أوجه التشابه هذه "معيبة"، إذ تحاول أوكرانيا استعادة أراضيها المعترف بها دوليا، وعلى النقيض تحافظ إسرائيل على احتلالها العسكري للأراضي الفلسطينية، حيث تواصل عملية توسيع المستوطنات في الضفة الغربية.
وحتى مع تحكم حماس بقطاع غزة، تعتبر الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر أن القطاع أرض محتلة إذ أن إسرائيل تحتفظ بالسيطرة الشاملة على الحدود والمياه والمجال الجوي، وفق التقرير.
وكانت الملكة رانيا، ملكة الأردن، قد اتهمت الزعماء الغربيين باتباع "معايير مزدوجة صارخة" لفشلهم في إدانة مقتل المدنيين الفلسطينيين.
وقالت في مقابلة على شبكة "سي إن إن" إن "الناس في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك الأردن، يشعرون بالصدمة وخيبة الأمل من رد فعل العالم على هذه الكارثة التي تتكشف.. شهدنا معايير مزدوجة صارخة في العالم".
المُشرع البريطاني، أليكس سوبيل، ذكر أن الفرق الرئيسي بين الحربين هو أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يفتقر إلى "الوضوح الأخلاقي" الذي تتمتع به الحرب في أوكرانيا.
وأضاف "لا يتواجد مبرر أخلاقي للغزو الروسي.. الأمر يتعلق بالإمبريالية الروسية.. لكن في إسرائيل وفلسطين يتعلق الأمر بحقيقة تواجد شعبين على مساحة صغيرة جدا من الأرض، وأن النخب السياسية والعسكرية على كلا الجانبين غير مستعدة للقبول بما هو معروض.. الأمر ليس بالأبيض والأسود على الإطلاق".