في 14 سبتمبر/أيلول، توجه وفدٌ حوثيٌ وفريق من الدُبلوماسيين العُمانيين إلى الرياض لعقد محادثاتٍ حول حل الصراع اليمني، في خطوة اعتبرت أعلى مستوى من المُفاوضات الرسمية بين الحوثيين والسعودية على أراضي سعودية منذ بِدء الحرب الأهلية في اليمن قبل تسع سنوات. و في 20 سبتمبر/ أيلول، أعلن المسؤولون السعوديون أن الزيارة أسفرت عن "نتائجَ إيجابية".
و جاءت تلك المُحادثات بعد توقف دام خمسة أشهر في عمليات تفاوض للسلام بعد آخر، جولةٍ من المُفاوضات برعاية عُمانية بين الحوثيين والسعودية التي جرت في صنعاء في أبريل/ نيسان الماضي. و يبدو أن آخر جولة من المُحادثات تقدم مزيداً من الأمل في التوصل إلى وقفٍ دائم لإطلاق النار بين الحوثيين والمملكة، وهو ما يُعد ضرورياً لتحقيق السلام الدائم في اليمن. ومع ذلك، لا تزال هناك مخاوف من أن اتفاق السلام النهائي بين الأطراف المُتحاربة في هذا الصراع المُدمر قد يؤدي إلى عودة القتال بين الحوثيين والفصائل اليمنية الأخرى.
و في الرياض، التقى وفدُ الحوثيين بوزير الدفاع السعودي (الأمير خالد بن سلمان) الذي وصف الممثلين الحوثيين الزائرين بـ"وفد صنعاء" بدلاً من "الحوثيين" أو "أنصار الله"، و هو الاسم الرسمي لمليشيا الحوثي. و ظهرت هذه المُصطلحات كتعبيرٍ عن اعترافِ الرياض بأن الحوثيين بالفعل يُديرون حكومة، مما يؤكد استعداد المملكة العربية السعودية المُتزايد لإيجاد وضع تعايش مع القوة الكبيرة التي استحوذت بشكلٍ فعّال على السلطة في شمال اليمن.
و وفقاً (لإليزابيث كيندال) التي تدرس الدراسات العربية في جامعة كامبريدج، فإن التحول في اللغة إلى "وفد صنعاء" هو أمرٌ مُهم"، وقالت لـ RS: "لقد تم استخدام وسائل الإعلام السعودية لتشويه سُمعة الحوثيين وأنصار الله منذ فترةٍ طويلة، لذلك يبدو إزالة الإشارات إليهم مصممة لتهيئة مناخ الحوار مع الجماعة وتجنّب أي فكرة عن استسلام السعودية".
و تتجذر أهمية التسمية الجديدة في إعادة التموضع والتفاهمات المُسبقة وخلق رغبة في تحسين الأجواء الدبلوماسية، وقلب صفحة التوترات الشديدة بأي ثمن، ومنح التقدير الرمزي، وتحويل تدريجي للمُدركات العامة، و هذا ما أكّده (إبراهيم جلال)، العالم الباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن.
(ملاحظة المحرر: يعتبر معهد الشرق الأوسط أحد المتبرعين الرئيسيين للحكومة السعودية).
*عوائق اتفاقية بين الحوثيين والسعودية*
وعلى الرُغم من التقدُم الأخير، لم يتوصّل الحوثيون والسعوديون بشكلٍ نهائي إلى وقفٍ دائم للنزاع، وسيتطلب المزيد من العمل. كما أن هناك ما لا يقل عن أربعة قضايا حساسة لا تزال غير محلولة.
القضية الأولى هي مسألة صرف رواتب الموظفين في القطاع العام في المناطق التي يُسيطر عليها الحوثيون في الشمال، حيث يعيش حوالي 80% من سُكان اليمن. و يُطالب الحوثيون بصرف رواتب موظفي القطاع العام في المناطق التي يسيطرون عليها، لكن خصومهم يشعرون بالقلق من أن الأموال ستموّل آلة الحرب لأنصار الله. ومع ذلك، يُرى أن هناك بعض الغموض في هذا المطلب الحوثي، حيث يقوم أنصار الله أحياناً بتقديم طلبهم بأن الحوثيين يرغبون في استلام كافة الرواتب المُتأخرة، بينما في مناسباتٍ أخرى يبدو أنهم يطالبون فقط بصرف رواتب الموظفين المستقبلية.
القضية الثانية تتعلق بتوزيع إيرادات النفط والغاز الوطنية في اليمن. و وفقاً (لنبيل خوري)، السفير السابق المساعد في السفارة الأمريكية في اليمن والذي يعمل حالياً كزميل غير مُقيم في مركز العرب واشنطن دي سي، "سيحصل الحوثيون على ما طالبوا به منذ فترة طويلة. أو لن يسمحوا بتصدير النفط والغاز بسلام".
القضية الثالثة تتعلق بمطالب الحوثيين بالسماح للسعوديين بإعادة فتح مطار صنعاء الدولي ومطاراتٍ أخرى في اليمن وموانئها بشكل غير مقيد. و على الرغم من أن هذه المطارات والموانئ قد فُتحت خلال العام الماضي، إلا أن الحوثيين يطالبون بإعادة فتحها بشكل كامل ورسمي. بالإضافة إلى ذلك، يُطالب أنصار الله بتشغيل رحلات جوية من وإلى مطار صنعاء من دول أكثر مما هو مسموحٌ به حالياً.
أما بالنسبة للقضية الأخيرة فتتعلق بإتاحة الحوثيين للوصول إلى الأموال في البنك المركزي اليمني القائم في عدن. و حتى الآن، تمت مُناقشة كيفية إعادة توحيد البنك المركزي، سواء في اليمن أو ربما في بلدٍ آخر مثل عمان أو الأردن. و وفقاً لنبيل خوري: "إن الفكرة تُعتبر مطلباً حوثياً بأن الأموال التي تدخل البنك المركزي يجب أن تكون متاحةً لهم أيضاً. و ستكون تفاصيل التنفيذ أمراً هاماً يجب النظر فيه".
و بفضل مهارات وساطة عمان المشهود لها بالكثير، يبدو أن الزخم وراء المفاوضات قد تسارع. ومع ذلك، فإن هذه المحادثات ستتحرك ببطء، مع تحقيق تقدمٍ تدريجي نظراً للعِداء طويل الأمد القائم بين الحوثيين والسعوديين. على الرغم من أن بناء الثقة بين الجانبين لا يُمكن أن يحدُث في ليلةٍ وضُحاها، إلا أنه من المهم أن يرسل الحوثيون وفداً كبيراً إلى الرياض.
علاوة على ذلك، فإن هجوم الحوثيين بواسطة طائرات الدرون في 25 سبتمبر/ أيلول على الحدود اليمنية السعودية، الذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن ثلاثة جنود بحرينيين، قد يعرقل المُحادثات.
ووفقاً لجلال، كان هذا الهجوم جُزءاً من جهود الحوثيين لـ"ممارسة الضغط لتأمين مزيدٍ من التنازلات السعودية، وقلب الصفحة بأي ثمن". و سيكون من المهم مُراقبة ما إذا كان الحوثيون سيُنفذون هجماتٍ مماثلة أكثر وكيف ستستجيب المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
*صورة أكبر لليمن*
هناك المزيد في الحرب الأهلية اليمنية من صراع الحوثيين والسعودية. كما أن هُناك العديد من الصراعات الأخرى في البلاد التي ستتطلب عملاً شاقاً لحلها. و إذا تم بالفعل التوصل إلى اتفاقية بين الحوثيين والسعودية، فلن يُضمن السلام بين أنصار الله والجماعات المسلحة الأخرى في اليمن. حيث تخشى العديد من المجتمعات في اليمن أن يستخدم الحوثيون القوة العسكرية الهائلة التي يمتلكونها ضدهم بعد توقيع هدنة محتملة مع الرياض.
وبحسب (كيندال) : "المشكلة هي أن الحوثيين سيتوصلون إلى اتفاقٍ مع السعودية، وليس مع أعدائهم ومُنافسيهم المحليين، و إذا لم يعُد الحوثيون يواجهون أي تهديدٍ عسكري من السعودية، فقد يشعرون بالقوة لدفع ميزتهم داخلياً للحصول على مزيدٍ من الأراضي والموارد والقوة السياسية الأكبر".
و أضافت: "حالياً، لا توجد رؤية محلية مُشتركة لشكل مستقبل اليمن، سواء بين الحوثيين والحكومة المُعترف بها دولياً، أو حتى بين أعضاء الحكومة المُتحالفين على الورق.
و مع تجزئةِ الأطراف المحلية بشدة، فإن خطر الحرب الأهلية أو الصراع المتوقف لا يزال مُرتفعاً".
و قام (جلال) بترديد نفس المخاوف، قائلاً : "بينما تُرحب بالجهود المبذولة لإنهاء الصراع، فإن جميع الجماعات اليمنية والأحزاب السياسية غير الحوثية لديها مخاوف مشروعة، نظراً للأسباب المحلية للصراع وتعدد المصالح. و تُعد محادثات السعودية-الحوثيين الجارية هي طبقة واحدة ولكنها لم تعالج بعد التعقيدات التي تهم اليمنيين أكثر، حيث يجب أن يسعوا لتحسين جودة ومحتوى وتصميم أي اتفاقية سلام لأنهم في الماضي دفعوا ثمن السلام الهش".
كما أن المجلس الرئاسي الضعيف والهش، والذي يُعترف به دولياً كحكومةٍ يمنية، لم يُشارك في محادثاتِ الحوثيين والسعودية. و لم تُشارك الإمارات العربية المُتحدة أيضاً. وكما قال (خوري) لشبكة RS، فإن هناك علاماتٍ تُشير إلى أن أبوظبي "منزعجة جداً" من استبعادها. ومما يعني ذلك أن هُدنة محتملة بين الحوثيين والسعودية يمكن أن تؤدي إلى تعزيز سيطرة أنصار الله على الشمال، بينما تُعلن السلطة التنفيذية المدعومة من الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي المُستقل في عدن وأجزاء أخرى من جنوب اليمن استقلالها. كما أكد المجلس الانتقالي الجنوبي أنه لن يقبل هدنة بين الحوثيين والسعودية و تُفرض على اليمن بدون موافقته.
و في نهاية المطاف، من المأمول أن تُمهد المحادثات الأخيرة التي أقيمت في الرياض مع وفد الحوثيين الطريق لإجراء محادثات شاملة بين اليمنيين لوضع خارطة طريق نحو سلام أوسع عبر اليمن بأكمله. ولكن المخاوف تتمثل في أن الحرب الأهلية في اليمن ستشتعل من جديد بمجرد انسحاب السعودية. و الوقت كفيل ليظهر ما إذا كانت اتفاقية بين الحوثيين والسعودية ستدفع أنصار الله نحو تقديم تنازلات للجماعات اليمنية الأخرى أو شن حرب عليها.