قال الرئيس (بايدن) في الأسبوع الماضي عن الحرب بين إسرائيل وحماس: “يجب أن تكون هناك رؤية لما سيأتي بعد ذلك. و من وجهة نظرنا، يجب أن يكون حل الدولتين”.
وقال رئيس الوزراء البريطاني (ريشي سوناك) إن الطريق الأضمن للسلام هو حل الدولتين، وهو رأي رددهُ أيضاً الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون).
و للوهلة الأولى، بدت كلماتهم وكأنها ارتداد بُنيٌّ داكن، لعلاج أسوأ تفجر و محاولة لإراقة الدماء بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ سنوات عديدة، و بقايا باهتة لعملية السلام التي اعتبرها الكثيرون ميتة ومدفونة منذ وقتٍ متأخر من إدارة أوباما.
ومع ذلك، فإن حل الدولتين -الإسرائيليون والفلسطينيون الذين يعيشون جنباً إلى جنب في بلدانهم ذات السيادة- يحظى بآراءٍ جديدة، ليس فقط في دوائر السياسة الخارجية في واشنطن ولندن وباريس، ولكن أيضاً -بشكل أكثر هدوءاً- بين المقاتلين أنفسهم. وهو ما يعكس جزئياً عدم وجود أي بديل آخر قابل للتطبيق.
وقال (جلعاد شير) الذي ساعد في قيادة المفاوضات الإسرائيلية مع الفلسطينيين في أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما كان الجانبان أقرب إلى بعضهما: "لا يمكننا العودة إلى النمط الذي تحدث فيه مواجهة عنيفة كل عامين بين إسرائيل وحماس للتوصل إلى تسوية الدولتين."
وقال: "إذا انخرطت أمريكا في ما قال الرئيس بايدن إنه سيلتزم به، فهناك فرصة.. فرصة لإجراء مفاوضاتٍ بإمكانها أن توفر عملية تدريجية لإقامة دولتين مختلفتين."
ويتعين على مثل هذا الجُهد أن يتغلب على مجموعةٍ كبيرة من العقبات، ليس أقلها انتشار المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، والتي يقول الفلسطينيون إنها أدت إلى تآكل حلم إنشاء دولةٍ قابلة للحياة على تلك الأرض. ويزيد صعود القوميين المتطرفين في إسرائيل من تعقيد المهمة، فهم يعارضون إقامة دولة فلسطينية، ويسعون إلى ضم الضفة الغربية، ويدركون أن اقتلاع المستوطنين هو بمثابة ديناميت سياسي.
وقد أورد السيد (شير) سلسلة من المحاذير للمحادثات الإسرائيلية الفلسطينية، قائلاً: يجب على الجانبين أن يبدأا بشكلٍ متواضع وسلس، مع عملية سياسية تركز على فك الارتباط بدلاً من مفاوضات عالية المخاطر حول تفاصيل الدولتين. وأضاف أن كلاهما سيحتاجان إلى قادةٍ جُدد، لأن القادة الحاليين أثبتوا عدم رغبتهم أو عدم قدرتهم على التوصل إلى اتفاق. وقبل كل شيء، لا بد من هزيمة حماس ونزع سلاح قطاع غزة.
ويقول المسؤولون الإسرائيليون إنهم يركزون على المعركة ضد حماس، والتي قد تستمر لعدة أشهر، وإن أي نقاش حول عملية السلام يجب أن ينتظر إلى ما بعد صمت المدافع. ولكن في مراكز الأبحاث وزوايا وزارة الخارجية الإسرائيلية، بدأت بالفعل مناقشة الشكل الذي قد تبدو عليه العملية السياسية.
أما بين الفلسطينيين، الذين يعانون من القصف الإسرائيلي والحصارِ المفروض على غزة، ومن تصاعد التوترات في الضفة الغربية، فإن احتمالات إقامة الدولة تبدو بعيدة المنال. لكن بعض الفلسطينيين يقولون إن الصدمة التي خلفتها هجمات حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول جردت الإسرائيليين من وهم قدرتهم على إدارة الصراع مع الفلسطينيين دون مواجهة تطلعاتهم الأعمق إلى إقامة دولة.
وقال (نضال فقهاء) المدير العام لائتلاف السلام الفلسطيني -وهي منظمة غير ربحية مقرها رام الله بالضفة الغربية- : "ما حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول يجب أن يدفعنا إلى أن نكون أكثر إبداعاً وابتكاراً بشأن حل الدولتين، و بدون أفق سياسي، تُعد هذه مهمة مستحيلة."
و آليات مثل هذه العملية ليست واضحةً على الإطلاق. حيث ودعا الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي إلى عقد مؤتمرٍ دولي للسلام، وهي الفكرة التي أيدتها أسبانيا، التي قامت بعقد قمة تاريخية للسلام في الشرق الأوسط في مدريد عام 1991. ويمكن للدول العربية أيضاً أن تعقِد مفاوضات سلام، على الرغم من الجهود المُبكرة التي بذلتها مصر الأسبوع الماضي، مع بدء المفاوضات. حين كانت العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة تستعد، ولم تنتج سوى القليل.
وبكل المقاييس، يتعين على الولايات المتحدة أن تلعب دوراً مركزياً في أي محادثات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. حيث أن ذلك لم يحدث منذ (إدارة أوباما)، عندما قام وزير الخارجية في ذلك الوقت (جون كيري) بجولات مكوكية بين الجانبين في عامي 2013 و2014 قبل أن يستسلم بسبب الإحباط، وقد اعتبر بعض مُساعدي الرئيس (باراك أوباما) في ذلك الوقت أن هذا مسعى خيالي.
أما في عهد الرئيس (دونالد جيه ترامب)، حولت الولايات المتحدة طاقتها من حل القضية الفلسطينية إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وجيرانها العرب. وقد تلاقت هذه الاستراتيجية مع رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو)، الذي كان في ائتلافٍ مع شركاء يمينيين ازدروا علناً فكرة الدولة الفلسطينية. و قد تأرجح السيد (نتنياهو) نفسه بين القول بأنه سيكون على استعدادٍ للنظر في إقامة دولة فلسطينية ذات صلاحياتٍ أمنية محدودة، وبين معارضتها بشكل مباشر.
وقال (جيسون د. جرينبلات)، الذي كان المبعوث الخاص للسيد ترامب إلى المنطقة : "إن إحدى أكبر المشكلات المتعلقة بعبارة (حل الدولتين) هي أنها تفشل في مُعالجة التهديدات الحقيقية للغاية ضد إسرائيل الموجودة الآن، والتي من المرجح أن تستمر في الوجود، داخل شرائح معينة من المجتمع الفلسطيني وفي أماكن أخرى".
وأضاف السيد (غرينبلات) إن نهج إدارة ترامب في صنع السلام أكد على احتياجات إسرائيل الأمنية. وقد أحبطت اتفاقيات أبراهام -وهي الصفقة التي توسط فيها ترامب والتي بموجبها قامت إسرائيل بتطبيع العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين في عام 2020- خطة إسرائيلية لضم 30% من الضفة الغربية. لكنها وضعت بالفعل هدف الدولة الفلسطينية جانباً.
و على الرغم من إخلاصها لحلم الدولتين، إلا أن إدارة (بايدن) تبنت إلى حدٍ كبير مُخطط ترامب. وكانت تحاول التوسط في صفقة من شأنها تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وهي جائزة أكبر لإسرائيل من إمارات الخليج، بالنظر إلى مكانة المملكة العربية السعودية كطليعة العالم العربي.
وتوقفت هذه المحادثات بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس. ولكن إذا تمكنت إسرائيل من إحيائها، فإن ذلك قد يعيد حل الدولتين إلى الطاولة. وقد أخبر السعوديون وزير الخارجية (أنتوني بلينكن) أنهم يريدون أن تكون الخطوات نحو إقامة دولة فلسطينية جُزءاً من أي اتفاق تطبيع مع إسرائيل.
ومن المرجح أيضاً أن تضغط الدول العربية من أجل معالجة القضية الفلسطينية كشرط، وذلك للعب دورٍ في تحقيق الاستقرار وإعادة بناء غزة بعد الحرب. كما أن التلويح باحتمال قيام دولة فلسطينية يمكن أن يطمئن مصر والأردن، اللتان تشعران بالقلق إزاء احتمال وصول ملايين اللاجئين من غزة.
وقال (غيث العمري)، زميل بارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو منظمة بحثية: "جزء ممّ يحدث هو ماقام بمنحهم الإطار والتعبئة، لذا فإنهم بحاجةٍ للمشاركة في حل لغزة. و هذا أحد الأسباب التي تجعلني أعتقد أن الرئيس تحدث عن ذلك، حتى لو بدا غير ذي صلة".
وقال السيد العمري أيضاً بأن احتمالات تحقيق تقدم مع القادة الإسرائيليين والفلسطينيين الحاليين معدومة. ويضم الائتلاف الحاكم الذي يتزعمه (نتنياهو) شُركاء قوميين متطرفين يريدون ضم الضفة الغربية، التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، والتي يشيرون إليها بالأسماء التوراتية يهودا والسامرة.
وعلى أقل تقدير، كانت حكومته مُلتزمة بالتوسع السريع في عدد المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. لكن منذ قامت حماس بالهجوم، تصاعدت الهجمات على الفلسطينيين من قِبل المستوطنين والقوات الإسرائيلية.
و قال محللون إن رئيس السلطة الفلسطينية (محمود عباس، 87 عاماً) فقد شرعيته لدى شعبه، خاصة بعد أن ألغى الانتخابات في عام 2021. ويقول النُقاد إن (نتنياهو) ساهم في إضعاف السلطة الفلسطينية من خلال اتباع سياسة فَرِّق تَسُد التي عززت قوة حماس.
ويُحب المؤرخون الدبلوماسيون أن يشيروا إلى أن زعيم منظمة التحرير الفلسطينية (ياسر عرفات) كان قد اقترب بشكل مثير من التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل بوساطة الرئيس (بيل كلينتون) في عام 2000، لكنه انسحب. وكان ذلك قبل أن يقوم مئات الآلاف من المستوطنين الجُدد بترسيخ جذورهم في جميع أنحاء الضفة الغربية.
وقد أدت الاشتباكات العنيفة بين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى قطع الطريقين من حيث التأثير على جهود السلام اللاحقة. حيث يقول الخِبراء إن الطبيعة الهمجية لهجمات حماس وشراسة الرد العسكري الإسرائيلي في غزة، تجعل النقاش المقبل في إسرائيل بشكل خاص غير قابل للتنبؤ به.
وقال (دينيس روس) مفاوض السلام في عهد كلينتون وأوباما: "سيكون هناك جانبان لهذا النقاش، و ما قامت حماس بإظهاره يدل على أنه من الخطر للغاية أن تكون هناك دولة فلسطينية إلى جانبنا لأنه يمكن أن تسيطر عليها مجموعات مثل حماس. والحجة التعويضية ستكون أنه بمجرد هزيمة حماس، لا يمكننا تجميد الوضع مع الفلسطينيين بشروطنا إلى أجل غير مسمى."
واقترح (السيد العمري) -الذي كان يقدم المشورة للمفاوضين الفلسطينيين ذات يوم- سبباً أقل دقة لعودة ظهور حل الدولتين.
وأضاف: "هذا مشابه لأحداث 11 سبتمبر/ أيلول، حيث يعلم الجميع أن شيئاً ضخماً قد حدث وستكون هناك تغييرات، لكن لا أحد يعرف ما هي تلك التغييرات".