تحليل: الحرب بين إسرائيل وحماس تثير سؤالا كبيراً..أقطر لا غنى عنها في الشرق الأوسط؟
يمن فيوتشر - NDTV WORLD- ترجمة : ناهد عبدالعليم: الثلاثاء, 31 أكتوبر, 2023 - 05:09 مساءً
تحليل: الحرب بين إسرائيل وحماس تثير سؤالا كبيراً..أقطر لا غنى عنها في الشرق الأوسط؟

لم يستغرق الأمر سوى ساعاتٍ قليلة بعد هجوم حماس على إسرائيل حتى تمكن رئيس وزراء قطر من تجميع فريق في مكانٍ غير معلوم في العاصمة الدوحة.
 ومع ظهور صور الهجمات الصاروخية ومُسلحين على دراجاتٍ نارية واحتجاز رهائِن عبر الحدود من غزة، أدركت قيادة الدولة الخليجية ما يتعين عليها القيام به.
 وفقاً لمصدر مطلع على المفاوضات، فقد قامت العملية على مدار الساعة بتشغيل خطوط الهاتف -واحد لحماس وآخر للإسرائيليين-و ذلك للتوسط مع هُطول القنابل الانتقامية على غزة، منذ مرور الأيام منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
 أما بالنسبة لقطر، كانت القضية هي أنه عندما تدق ساعة الصفر، يأتي دور الدولة. حيث أمضت الدولة أكثر من عقدٍ من الزمن وهي تحاول وضع نفسها كوسيط لا غنى عنه في الشرق الأوسط، وتعرضت لانتقادات من جيرانها لإيوائها قادة حماس مع الحفاظ على قنوات اتصالٍ مع إسرائيل، و كان هذا هو وقت التصعيد. 
هذا الوضع في منطقة غير مُستقرة تعتبره قطر مفتاحاً لأمن شبه الجزيرة الصغيرة، الواقعة بين الخصمين الكبيرين المملكة العربية السعودية وإيران. و لقد أصبحت الأزمة في غزة -مع شنِّ إسرائيل غزواً برياً في نهاية الأسبوع- الاختبار النهائي لقُدرة قطر على أن تُظهر لحلفائها الغربيين أنهم بحاجة إليها بقدر ما تحتاج إليهم.
 وقال (ديفيد روبرتس) الأستاذ المشارك في جامعة كينغز كوليدج في لندن والذي عمل في قطر، ومتخصص في أمن الشرق الأوسط: "لقد أرادت قطر أن تلعب دوراً مفيداً للدول المُهمة لفترةٍ طويلة جداً، و بالتالي هذا يمنح قطر تأثيراً معيناً على إحدى القضايا المركزية في العالم العربي، و يُلزمها ببناء العلاقات مع هذه المجموعة المهمة جداً في غزة، سواء أعجبها ذلك أو كرهته".
 وفي لعبة القوة الناعمة المدعومة بصندوق الثروة السيادية الذي تبلغ قيمته 475 مليار دولار، وضعت الدولة الغنية بالغاز نفسها على الساحة الدولية.  وعلى مرِّ السنين، استثمرت في شركات مثل Barclays Plc وVolkswagen AG، واشترت نادي باريس سان جيرمان لكرة القدم واستضافت كأس العالم في العام السابق. كما ساعدت قناة الجزيرة -ومقرها الدوحة- في وضعها على الخريطة.
 وفي الوقت نفسه، سعت قطر إلى النفوذ الدبلوماسي مع الجميع. حيث لديها علاقات تجارية متقطعة مع إسرائيل منذ عام 1996، على الرغم من أنها لا تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع الدولة اليهودية. كما وقامت بالتنسيق مع حركة طالبان في أفغانستان واستضافتهم في المنفى وساعدت في التوسط لإطلاق سراح السجناء الأميركيين من إيران.
 وفي عام 2022، أضاف الرئيس الأمريكي (جو بايدن) قطر إلى قائمة الحلفاء الرئيسيين من خارج الناتو. كما ساعدت قطر في التفاوض على إطلاق سراح الأطفال الأوكرانيين الذين احتجزتهم روسيا بعد غزوها في وقت لاحق من ذلك العام.
 ومع ذلك، فإن تورطها مع حماس -التي تصنفها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية- ودعمها لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة منذ ذلك الحين في مصر، أثار الغضب في الشرق الأوسط. و وفقاً لأحد الأشخاص المقربين من المسؤولين في الدوحة، فالأمر يتعلق بأن يكونوا شريكاً مُفيداً وموثوقاً، وأن يحصلوا على مكان على الطاولة مع وسطاء القوة الدوليين.
 وقال (دينيس روس)، الذي شغل منصب مبعوث البيت الأبيض للشرق الأوسط في عهد الرئيس بيل: "لا يمكن أن يكون لديهم الأمر و السلطة في كِلا الاتجاهين، و لا يمكنهم أن يقولوا: نحن نمثل هذا الجسر من الوصل لحل النزاع والحرب، ثم لا يظهروا أي علاماتٍ على أنهم يستطيعون التأثير فعلياً على حماس. (كلينتون) وهو الآن أحد كبار المستشارين في WestExec Advisors، يقع على عاتقه أيضاً مسؤولية إخراج المزيد من الرهائن. وبالتالي فإن قطر بحاجة إلى تقديم شيء ما في هذا الوضع."
 و بحسب مصدر مطلع على المفاوضات، فيُعد فريق الخُبراء الذي شكّله رئيس الوزراء (محمد بن عبد الرحمن آل ثاني) -أحد أفراد الأسرة الحاكمة التي تدير قطر-  هم نفس الأشخاص الذين توسطوا في حرب الاستنزاف بين إسرائيل وحماس لأكثر من خمس سنوات. ولا تزال المحادثات السياسية مُستمرة، وقد رفضوا الكشف عن هوياتهم نظراً للطبيعة المشحونة للصراع المحتمل اتساعه.
 ودخل جنود حماس إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وقتلوا 1400 شخص واحتجزوا رهائن إلى غزة. وردت إسرائيل بغارات جوية، ثم قال رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) -يوم السبت- إن الرد دخل "المرحلة الثانية"، مع تحرك القوات والدبابات إلى قطاع غزة. وتقول وزارة الصحة التي تديرها حماس إن أكثر من 8000 شخص لقوا حتفهم، في حين تُقدّر الأُمم المتحدة عدد النازحين الفلسطينيين بأكثر من مليون شخص.
 و وفقاً لمصدر مطلع على الأمر، فإنه عندما هجمت حماس، لم يكن لدى القطريين أي علم بأن الهجوم سيحدث، ولم يعرفوا حجم احتجاز الرهائن، و أصبح ذلك أكثر وضوحاً عندما أجروا عديد الاتصالات مع كلا الجانبين.  وكان عدد الرهائن يُقدّر بحوالي 200 رهينة، وتم تحديثه منذ ذلك الحين إلى 229 من قبل الجيش الإسرائيلي.
 وقال المصدر المطلع أيضاً بأن عملية إخراج الرهائن الأربعة الأوائل بأمان من غزة تكثفت بسبب القنابل التي قتلت مدنيين وأصدرت الأطراف المتعارضة تصريحات استفزازية وهددت بعرقلة التقدم.
حيث تم إطلاق سراح أسيرتين من غزة في 23 أكتوبر/تشرين الأول، وهما امرأتان كبيرتان تعيشان في أحد الكيبوتسات التي سيطرت عليها حماس في الغارة، وتم تسليمهما إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وجاء ذلك بعد ثلاثة أيام من إطلاق سراح أم أمريكية وابنتها في صفقة توسطت فيها قطر. وقد حظيت هذه الجهود بإشادة الولايات المتحدة وإسرائيل.
 وقال وزير الخارجية الأمريكي (أنتوني بلينكن) في مؤتمرٍ صحفي قبل بضعة أيام: "لا أستطيع الخوض حقاً في أي تفاصيل حول ما نقوم به، وكيف نفعل ذلك، و كل ما يمكنني قوله فيما يتعلق بقطر هو، في هذه الحالة، أننا نُقدر بشدة مساعدتهم".  وقال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي (تساحي هنغبي) في وقت لاحق: "إن الجهود الدبلوماسية التي تبذلها قطر حاسمة في هذا الوقت".
 و لم تكن رحلة قطر إلى (الشريك المهم) خالية من الجدل.  فقد اضطر فندق فور سيزونز في الدوحة مؤخراً إلى تبديد مزاعم بأنه كان يستضيف أحد قادة حماس. لكن المجموعة ليس لديها مكتب فني في الدوحة، حيث يُقيم قادتها في فيلات.
 و تعتبر قطر دولة أصغر من ولاية كونيتيكت، و قد نجت من مقاطعةٍ استمرت قُرابة ثلاث سنواتٍ من قِبل جيرانها الخليجيين، بقيادة المملكة العربية السعودية. وقطعوا العلاقات وخطوط النقل، واتهموا الدوحة بدعم الجماعات المتطرفة والتقرب من إيران.  ونفت قطر -التي وصفت الإجراء بأنه حصار غير قانوني- هذه الاتهامات.
 وقد ساهم هذا الصدع في تشكيل وتشجيع الدولة، التي تستضيف القواعد العسكرية الأمريكية والتركية، على النظر إلى مستقبل خارج نطاق مجلس التعاون الخليجي، المجموعة المكونة من ستة أعضاء والتي تهيمن عليها السعودية والإمارات العربية المتحدة. وفي قلب تفكيرها كانت دائماً تفكر في أمنها الخاص.
 و إذا اجتذب الصراع الأخير إيران والولايات المتحدة، فقد يؤدي ذلك إلى إغلاق مضيق هرمز، الذي تمر عبره خمسة إمداداتٍ للنفط العالمية اليومية. وقد يمنع ذلك قطر من بيع غازها، ويعرقل المصدرين الخليجيين الآخرين.  كما أن هُناك أيضاً احتمال لحدوث اضطراب أوسع نطاقاً يضرب البحر الأحمر وقناة السويس، اللذين يمثلان حوالي 12% من التجارة العالمية.
 وأقامت الدوحة روابط جديدة وعززت علاقاتها مع حلفائها خلال عزلتها. وقد دفع الشعور المتبادل بعدم الثقة مع جيرانها وانعدام الأمن الإقليمي إلى العديد من ارتباطات قطر. والآن يتحدث الجميع مع القطريين وعنهم.
 وقال (بدر السيف) الأستاذ المساعد في جامعة الكويت والزميل غير المقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن: "لا يمكن تجاهل مركزية السياسة الخارجية في الفكر القطري. فلقد أدى ذلك إلى تعزيز (منتج الوساطة) القطري الذي أثبت أنه لا يقدر بثمن في الكثير من الأزمات في السنوات الماضية، ومن المتوقع المزيد منه فيما يتعلق بغزة".
 وترتكز هذه السياسة الخارجية على ثروتها المذهلة، المُستمدة من حقل الغاز الذي تتقاسمه مع إيران. و تُصنف قطر أنها من بين أكبر مصدريّ الغاز الطبيعي المُسال في العالم، والذي تشحنه الدولة إلى محطات في آسيا وأوروبا. وقد تعزز هذا الموقف في أعقابِ الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث سارعت الدول الأوروبية إلى البحث عن مصادر جديدة للطاقة. مما جعل ذلك صادرات قطر تسجل رقماً قياسياً.
و هناك عددٌ قليل من الدول التي تتمتع بنفس القدر من الثراء، أو تستعرض عضلاتها المالية في الخارج بنفس القدر. ويبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في قطر حوالي 82 ألف دولار، أي أكثر من ضعف نظيره في المملكة العربية السعودية، وهناك دول أيضاً مثل سويسرا وسنغافورة والنرويج. ويمتلك القطريون 824 مليار دولار من الأصول في الخارج، أي ما يعادل في المتوسط ​​حوالي 2 مليون دولار لكل مواطنٍ قطري.
و بالنسبة لقطر، فإن فائدتها في لحظة تتسم بأقصى قدر من المخاطر الجيوسياسية، كونها هي أيضاً تمثل انعكاساً لقيادتها.
 وقد تولى الأمير الشيخ (تميم بن حمد آل ثاني) -البالغ من العمر 43 عامًا- حكم البلاد في عام 2013 بعد تنازل والده عن العرش.  وفي عهد آل ثاني الأكبر، بدأت البلاد في استخدام ثروتها لشراء النفوذ، والاستثمار سياسياً ومالياً.
وفي العام الذي سبق تنحي الأب، كان الأب أول رئيس دولة يزور غزة منذ سيطرة حماس على القطاع الساحلي في عام 2007 بعد معركة مع حركة فتح الفلسطينية. و حملت اللافتات وجهه بعد استثمارٍ بقيمة 400 مليون دولار في القطاع.
 و وفقاً لشخصٍ مطلع على استراتيجية الأمير الحالية، فإنه يعتبر أكثر حساسية. حيث يعتمد أسلوب عمل (الشيخ تميم) على علاقاتٍ شخصية وثيقة، ويحتفظ الفريق المحيط به بعلاقات مع عناصر مختلفة، بحسب الشخص.
وقال (السيف)من جامعة الكويت: "قطر تعتبر هذا الدور جُزءاً من أمنها الوطني. و المنطقة الآمنة هي في مصلحة الجميع، وخاصة الدول الصغيرة التي لديها القدرة على لعب دور كبيرٍ بنجاح مثل ما تفعله قطر."
 ومع ذلك، جاءت السياسة الخارجية التي لا تزال تُظهر أنها يمكن أن تثير غضب الحلفاء والجيران. ووجدت قطر نفسها على الجانب الآخر من دولة الإمارات العربية المتحدة في حرب بالوكالة في ليبيا، وكانت داعمة للحركات الإسلامية في مصر وتونس التي عارضتها دول الخليج العربية الأخرى.
وتستمر التوترات العالقة بشأن قناة الجزيرة، وهي إحدى الشبكات الدولية الرئيسية التي تغطي الأحداث الجارية في غزة.  وقد برزت على الساحة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 الإرهابية على الولايات المتحدة، ووجدت جماهير وأعداء لمعالجة قضايا لم تكن الشبكات الأخرى تتطرق إليها، بما في ذلك التغطية التي تنتقد الدول العربية الأخرى.
 و حسبما ذكر موقع أكسيوس الإخباري الأسبوع الماضي، فإن (بلينكن) طلب من قطر تخفيف لهجة قناة الجزيرة بشأن الحرب، بسبب مخاوف من أن تأطير القناة للصراع قد يؤدي إلى تصعيد التوترات في المنطقة حيث تصل إلى عشرات الملايين من المشاهدين.
وفقاً (لكريستين ديوان)، الباحثة المقيمة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، فإنه و على الرغم من الانتقادات الموجهة إلى قطر، لأسباب ليس أقلها علاقاتها مع حماس، إلا أنه لا يوجد بديل في الوقت الحالي. لكن من الممكن أن يتغير ذلك.
 وقالت (كريستين): "لا يمكن لأي شخص آخر أن يلعب الدور الذي تلعبه قطر في التفاوض والتنسيق مع حماس في هذه اللحظة الحرجة. ومع ذلك، من المثير للقلق أن نرى مسؤولي حماس يدعون إلى توسيع الحرب بأمان من العاصمة القطرية. حيث سيكون هناك العديد من جيران قطر راضين، في حال إقصاء حماس من المشهد السياسي، وسحب تلك الورقة بالذات من يد قطر”.


التعليقات