تحليل: إنهاء الحرب غير المجدية في اليمن
يمن فيوتشر - معهد هيدسون- حسين حقاني- ترجمة: ناهد عبدالعليم الخميس, 05 أكتوبر, 2023 - 12:20 مساءً
تحليل: إنهاء الحرب غير المجدية في اليمن

دائما ما تصور وسائل الإعلام الغربية الحرب المُستمرة في اليمن على أنها صراع “عديم الجدوى” أو “كارثي”. ففي نهاية الأمر، كان اليمن عُرضةً للنزاعات القبلية والطائفية لعقود من الزمن، الأمر الذي أدى إلى حركات تمرد وحروب أهلية شاملة، لكن التعقيد التاريخي لسياسة اليمن، وعلاقته المشحونة بالمملكة العربية السعودية، لا ينبغي أن يعمينا عن جهود إيران لإنشاء جسرٍ في شبه الجزيرة العربية من خِلال تمكين ميليشيا الحوثي في ​​اليمن.
 كما أنه من غير المرجح أن ينتهي الصراع في هذه البلاد في أي وقت قريب ما لم تلعب القِوى الخارجية المهتمة -و خاصة الولايات المتحدة- دوراً نشِطاً في احتواء إيران وإجبار الحوثيين على الجلوس إلى طاولة المُفاوضات.
 لذا يميل الأميركيون إلى النظر إلى الأحداث في اليمن فقط من خلال منظور الأزمة الإنسانية في هذا البلد ودور المملكة العربية السعودية فيها. 
لكن حتى لو أدى طموح ولي العهد السعودي (الأمير محمد بن سلمان) وحساباته الخاطئة إلى تفاقم الوضع، فإن هناك ما هو على المحك في اليمن أكثر مما يعترف به مُنتقدو الحرب في المجال الإنساني.
و تبدأ هذه المخاطر بالمُخططات المُعترف بها علناً للاستراتيجيين الإيرانيين، الذين أعربوا عن توقعاتهم بإضافة صنعاء إلى قائمة العواصم العربية -بيروت، ودمشق، وبغداد- التي تقع في "أيدي إيران وتنتمي إلى الثورة الإسلامية الإيرانية". ولهذا السبب، يدعم نظام آية الله خامنئي الحوثيين ــ أتباع حسين الحوثي، رجل الدين من الطائفة الزيدية الذي حارب السلطة المركزية وقُتل في عام 2004 ــ في الحرب الأهلية في اليمن.
و تتألف حركة الحوثي من مقاتلين مسلحين ومدربين تدريباً جيداً، ومنذ عام 2003 تبنت الشعار التالي: "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام".  وتطلق الجماعة على نفسها رسمياً اسم أنصار الله. ويشير إصرارها على السعي إلى السُلطة عبر الوسائل العسكرية إلى أنها غير واثقة من الدعم، حتى بين السُكان الشيعة في اليمن.
 ويُعتبر حزب الله، الميليشيا اللبنانية، نُوذجاً يُحتذى به للحوثيين. فلقد جمعوا أسلحة متطورة من إيران وهددوا بجرأة المملكة العربية السعودية بهجماتٍ صاروخية، مثلما حاول حزب الله إظهار القوة وحشد الدعم من خلال مهاجمة المدنيين الإسرائيليين.
 لكن التهديد الذي يُشكله الحوثيون طغت عليه إدانات الحملة الجوية السعودية ضدهم، والتي يُلقى عليها باللوم في وقوع خسائر في صفوف المدنيين كان من الممكن تجنبها.  كما أن شهادة وزير الخارجية الأمريكي (مايك بومبيو) مؤخراً أمام الكونجرس بأن السعوديين والحُلفاء العرب الآخرين يبذلون جهوداً أكبر لحماية المدنيين لم تقلل من هذه الانتقادات.
 وكما تقوم آلة الدعاية المدعومة من إيران لحزب الله بتغطية أعمال العُنفِ والإرهاب التي يمارسها من خلال الاحتجاج على الخسائر في صفوف المدنيين الناجمة عن عمليات مُكافحة الإرهاب التي تقوم بها إسرائيل، فقد تمكن الحوثيون ومؤيدوهم الدوليون من تجنب مناقشة السياسة اليمنية المعقدة وتجاوزات الحوثيين من خلال انتقادات مركزة لـ  سلوك التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب الجوية.
  وقد دفعت المخاوف المشروعة بشأن سقوط ضحايا من المدنيين بسبب القصف الجوي السعودي العديد من النقاد إلى تجاهل دور إيران والاحتمال غير المُرجّح لتحقيق الاستقرار في اليمن إذا تمكن الحوثيون -وهم أقلية داخل أقلية طائفية- بطريقة أو بأخرى من فرض حكمهم على البلاد بأكملها.
 كما أن الانتقادات الإنسانية لتكتيكات التحالف العربي دفعت مُعظم المُراقبين إلى تجاهل أن القتال ضد الحوثيين مدعوم بقرارٍ من الأُمم المتحدة والذي بدوره يدعم استعادة سيطرة الحكومة الشرعية على اليمن. و في عام 2015، طالب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216 -تم اعتماده بأغلبية 14 صوتاً مؤيداً مقابل لا شيء، مع امتناع عضو واحد عن التصويت وهو ممثل الاتحاد الروسي- طالب الحوثيين بالانسحاب من جميع المناطق التي استولوا عليها خلال الصراع الأخير، والتخلي عن الأسلحة التي استولوا عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية،  و وقف جميع الإجراءات التي تقع حصرياً ضمن سُلطة الحكومة الشرعية في اليمن، والتنفيذ الكامل لقرارات المجلس السابقة.
 ومنذ ذلك الحين، وصلت الحرب إلى طريقٍ مَسدود على الرُغم من انتزاع أجزاء من جنوب اليمن من سيطرة الحوثيين. وتحملت قوات الإمارات العربية المتحدة وطأة القتال البري.  وكان الهدف من هجومهم، الذي بدأ في يونيو/حزيران -لطرد الميليشيات المتمردة من ميناء الحديدة- هو تغيير مسار الحرب.
 لكن هذا الهجوم توقف في يوليو/تموز لتمكين محادثات السلام. ومع ذلك، رفض ممثلو الحوثيين الانضمام إلى المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف في سبتمبر/أيلول، مما أدى إلى تجدد القتال.  و بالطبع يعتبر الحوار أفضل من الحرب، لكن المفاوضات الجادة تتطلب شُركاء مُلتزمين فعلياً بالحل السلمي. 
وكما كشف المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن (مارتن غريفيث) فإن الحوثيين لا يحضرون الاجتماعات دائماً. 
ويبدو أنهم يدركون حقيقة أن الحروب الأهلية غالباً ما تكون شؤوناً طويلة الأمد، وأن معظم هذه الصراعات في العصر الحديث انتهت بانتصار حاسم لطرف واحد وحسب.
وبالتالي فإن استراتيجية الحوثيين في القتال تتمثل حتى النصر مع تقويض عزيمة التحالف العربي من خلال الرأي الدولي المعاكس. وهم يُدينون سلوك الحكومات العربية التي تواجههم من خلال نشر الصواريخ والطائرات بدون طيار والألغام الأرضية التي توفرها لهم إيران سعياً لتحقيق النصر في ساحة المعركة. و إن مثل هذه النتيجة لن تكون في مصلحة الولايات المتحدة ولن تؤدي إلا إلى زيادة بؤس اليمن بدلاً من تخفيفه.
و نظراً لأن أحداث 11 سبتمبر أصبحت ذكرى بعيدة بالنسبة لمعظم الأمريكيين، إلا أن الكثيرون نسوا أن اليمن كانت أيضاً نُقطة انطلاق رئيسية لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. 
وفي أغسطس/آب الماضي، قُتل صانع القنابل في تنظيم القاعدة، (إبراهيم العسيري) في غارة جوية أمريكية.  وكان (العسيري) قد خطط لعدة هجمات ضد أهداف في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مؤامرة “ قنبلة الملابس الداخلية” عام 2009 لإسقاط طائرة مدنية أمريكية. وقُتل نحو 2000 من عناصر القاعدة في اليمن على مدى الأعوام الـ17 الماضية.
 و سيكون من المؤسف أن تُمَهِد الانقسامات الداخلية في اليمن - والتي مكنت تنظيم القاعدة من إنشاء فرع له هناك في المقام الأول- الطريق لإعادة تنظيم صفوفه.  ولن يصبح الشرق الأوسط أكثر أماناً إذا تحول اليمن غير المستقر الذي يسيطر عليه الحوثيون إلى قاعدة لتهديد جيرانه بدعم من إيران.
لذا فإن توطيد سيطرة الحوثيين على أي جزء من اليمن سيكون مزعزعاً للاستقرار مثل صعود حزب الله في لبنان. وكما انتهى حزب الله إلى دعم نظام الأسد في سوريا بعد نجاته من الحرب الأهلية في لبنان، فإن الحوثيين يمكن أن يصبحوا القوة التخريبية الرئيسية في منطقة الخليج.
 و من جانب آخر فإن لدى إيران، الكثير لتكسبه من خلال تأجيج الحرب في اليمن. وحتى لو لم ينتصر الحوثيون، إلا أن إيران تؤمّن ميزة إقليمية بتكلفة قليلة نسبياً؛ وتتحمل شريكتها قطر في الخليج بعض النفقات.
 وبالتالي تبقي الحرب منتقدي إيران العرب الإقليميين منشغلين، وتتيح لهم إمكانية بناء نظام جديد بالوكالة في شبه الجزيرة العربية.
 لكن من وجهة نظر الولايات المتحدة، فإن خسارة اليمن لصالح إيران بشكل دائم لن يؤدي إلا إلى توسيع التهديد الذي تشكله طهران على المصالح الأمريكية. و إذا كان على أحد الطرفين أن ينتصر في الحرب الأهلية في اليمن، فسيكون من مصلحة أمريكا أن تكون الحكومة الشرعية المدعومة من حُلفاء الولايات المتحدة وليس الحوثيين المدعومين من إيران.
 وبدلاً من ذلك، يمكن للحكومة الأمريكية أن تضع ثُقلها خلف جهود السلام التي تبذلها الأمم المتحدة، بشرط ألا تكون المحادثات بمثابة غطاءٍ للحوثيين لإبقاء الحرب الأهلية في اليمن مُستمرةً لسنوات. وفي كلتا الحالتين، ستقوم الولايات المُتحدة بتقصير الحرب من خلال لعب دور محدد جيداً بدلاً من الابتعاد عن الأحداث في اليمن.
 ومن الناحية المثالية، فإن الدعم الأمريكي المستهدف من شأنه أن يخلق الظروف التي تُجبِر الحوثيين على إعادة النظر في شراكتهم مع إيران والدخول في مُفاوضاتٍ جادة. وسيكون السيناريو الأسوأ بالنسبة للحوثيين - والسيناريو الأفضل بالنسبة للولايات المتحدة - نهاية حاسمة لسفك الدماء المُستمر الذي لا يترك وكلاء إيران يسيطرون على اليمن.


التعليقات