تحليل: ما تبقى من نفوذ حاشد..صعود وأفول القبيلة الأقوى في اليمن
يمن فيوتشر - مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية- ميساء شجاع الدين: الاربعاء, 27 سبتمبر, 2023 - 12:04 صباحاً
تحليل: ما تبقى من نفوذ حاشد..صعود وأفول القبيلة الأقوى في اليمن

عَقْد من التحولات هزّت المشهد السياسي اليمني، وتراجع معها نفوذ واحدة من أقوى قبائل البلاد. لا تزال التطورات داخل اتحاد قبائل حاشد[1] موضع اهتمام اليمنيين والمراقبين على حد سواء، وهو ما يستدعي التمحيص فيها عن كثب. فقد لعب نفوذ قبيلة حاشد في عمران[2] -التي تحد محافظة صنعاء من الشمال -دورًا تاريخيًا في تحديد الطرف المسيّطر على مركز القرار في العاصمة. شكل دعم قبيلة حاشد للجمهوريين خلال ثورة 1962 [3] والحرب الأهلية التي أعقبت الثورة نقطة مفصلية في وضع القبيلة في المشهد السياسي ومنحها امتيازات غير مسبوقة في العقود التي تلت هذه الحقبة. فثلاثة من أصل خمسة رؤساء[4] حكموا اليمن الشمالي منحدرين من قبيلة حاشد، بمن فيهم علي عبدالله صالح الذي امتدت فترة حكمه لأكثر من ثلاثة عقود من قبل توحيد شطري اليمن وبعد قيام الجمهورية اليمنية الموحدة.

في يومنا هذا، تكثر النقاشات داخل الأوساط اليمنية حول ما تبقى من نفوذ حاشد، وعلاقة القبيلة بجماعة الحوثيين (حركة أنصار الله). منذ استيلاء الحوثيين على صنعاء في 2014 والتكهنات تحوم حول الدور الذي قد تكون قبيلة حاشد لعبته في تسهيل سيطرة الجماعة على العاصمة، وما إذا كانت القبيلة تخلّت عن صالح بعد فض الأخير تحالفه مع الحوثيين في عام 2017. في يوليو/ تموز من العام الجاري، بدأت تقارير تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي وتتحدث عن تعيين أحد الشيوخ البارزين من الموالين للحوثيين، [5] ليحلّ محل زعيم قبيلة حاشد الشيخ حمير الأحمر (الذي تم مبايعته في يناير/ كانون الثاني الماضي خلفًا لشقيقه صادق الأحمر). ورغم أن هذه التقارير غير مدعومة بأدلة، نجحت في تسليط الضوء مرة أخرى على وضع قبيلة حاشد وعلى اهتمام اليمنيين بدور القبائل الشمالية وارتباطها بالسلطات الحاكمة في صنعاء.

يستعرض هذا التحليل بإيجاز تاريخ صعود قبيلة حاشد وهيمنة بعض أبنائها على السياسة اليمنية على مدى عقود، وصولًا إلى الانقسامات التي تخللت نسيج القبيلة في السنوات الأخيرة لنظام حُكم علي عبدالله صالح، وأفول نفوذهم بعد استيلاء الحوثيين على صنعاء عام 2014. تختتم الورقة بنظرة على التطورات الأخيرة داخل اتحاد قبائل حاشد، وتسلّط الضوء على دور القبيلة في الوقت الحاضر. تستند المعلومات الواردة في الورقة إلى بحث مُستفيض ومراجعة مكثفة للأدبيات ذات الصلة، إضافة إلى مقابلات أُجريت مع أعضاء من اتحاد قبائل حاشد.[6]

 

•حاشد في السلطة: مثلث آل الأحمر (1978-2000)
“هو رئيسي وأنا شيخه”[7] – الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر (1933-
2007)

في عام 1978، اعتلى علي عبدالله صالح سدة الرئاسة في اليمن الشمالي ليبدأ حقبة جديدة من نظام حُكم لم يتوقع أحد استمراره. كان صالح ثالث رئيس يمني ذو خلفية قبلية وثالث رئيس ينحدر من اتحاد قبائل حاشد، وتحديدًا من قبيلة سنحان التي ينحدر منها أيضًا عبدالله السلال -أول رئيس لليمن الشمالي -وهي إحدى القبائل الصغرى في اتحاد حاشد.[8] تحدّى صالح كل التوقعات رغم اغتيال الرئيسين اللذين سبقاه في الحُكم، [9] وانتهى به المطاف إلى حُكم اليمن لأكثر من ثلاثة عقود، في إطار شراكة ضمنية مع شخصيتين بارزتين من قبيلة حاشد هما: الشيخ عبدالله الأحمر واللواء علي محسن الأحمر.

سيطر كل من الشيخ عبدالله الأحمر -شيخ مشايخ اتحاد قبائل حاشد وثاني أقوى رجل في اليمن نفوذًا في ذلك الحين[10] – واللواء علي محسن الأحمر -القائد العسكري الرفيع المستوى –على زمام السلطة داخل الدولة كشركاء مقربين من الرئيس صالح، وهو ما منحهم نفوذًا تجاوز مركزهم السياسي والعسكري والاجتماعي، وحولتهم هذه الشراكة إلى جزء جوهري من هيكل السلطة في البلاد وقُطبين مهمين في تأسيس النظام الحاكم.

في ذروة نفوذهم، كانت العلاقة بين صالح والشيخ عبدالله الأحمر على وجه الخصوص مثار اهتمام العديد من اليمنيين. طُرحت أسئلة استفهام حول الكيان الأقوى (الدولة أم القبيلة؟) وصاحب السلطة الأعلى (الشيخ أم الرئيس؟) في الحوارات بين النخب السياسية والاجتماعية في اليمن. أثبت تحالف الرجلين تماسكه وقوته، حين دعم الشيخ عبدالله موقف الرئيس صالح المؤيد للعراق خلال غزو الكويت عام 1990، متحديًا (أي الشيخ الأحمر) المملكة العربية السعودية[11] رغم كونه من أبرز حلفائها. كما أبدى الشيخ عبدالله دعمه المُطلق لصالح في صراع الأخير مع الحزب الاشتراكي اليمني، وهو ما أظهر مجددًا قوة وتماسك التحالف بين الرجلين لا سيما خلال الأزمة السياسية التي أعقبت توحيد شطري البلاد وأفضت إلى اندلاع الحرب الأهلية عام 1994، حيث استخدم الثلاثة (أي صالح والشيخ عبدالله واللواء علي محسن) لقب الأحمر رغم عدم وجود صلة قرابة بينهم. ونتيجة لقوة هذه العلاقة، شاع وصف علي محسن بـ “الأخ غير الشقيق” لصالح على وسائل الإعلام.[12]

تم تقنين نظام متعدد الأحزاب بعد توحيد شطري اليمن. وفي إحدى المقابلات المتلفزة، قال الشيخ عبدالله -المعروف بصراحته – إن صالح هو من طلب منه شخصيًا تأسيس حزب الإصلاح[13] الذي ضم الفرع اليمني لجماعة الإخوان المسلمين، وحصل في نفس الوقت على دعم أساسي (بعيد عن الأيديولوجية) من القبائل الشمالية في اليمن.[14] تأسيس حزب الإصلاح أتاح لصالح حشد الدعم ضد الحزب الاشتراكي اليمني، لأنه لم يكن يستطيع القيام بذلك بمفرده في ظل الشراكة التي جمعت بينه والحزب الحاكم السابق في اليمن الجنوبي بعد الوحدة.

سعى صالح لاحتكار السلطة في أعقاب انتصار القوات الشمالية في الحرب الأهلية عام 1994، الأمر الذي وتّر العلاقات بينه وحزب الإصلاح، إلا أن ذلك لم يؤثر على علاقاته بالشيخ عبدالله. تفوقت الحسابات البراغماتية القائمة على التحالفات القبلية على الانتماءات السياسية، وبالتالي استمرت الشراكة بين الرجلين حتى مع تصاعد حدة التوترات في خضم التنافس بين أبنائهما على السلطة.

 

•تصدّع التحالف: صعود جيل الأبناء (2000-2011)
شهد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بداية صعود جيل جديد إلى مراكز السلطة، ولا سيما “أحمد” أكبر أبناء الرئيس صالح، وأبناء أخيه “يحيى وطارق وعمار”. من جهة أخرى، تولى أبناء الشيخ عبدالله الأحمر أدوارًا مهمة سياسيًا وتجاريًا، الأمر الذي ولّد تنافسًا بين الجيل الصاعد للسيطرة على ثروات اليمن.[15] بدأ الصراع بين جيل أبناء صالح والأحمر يُظهر أولى التصدعات في التحالف بين الرجلين، خاصة حين بدأ صالح في تهيئة نجله لتولي الرئاسة من بعده.

وفي إطار الاستعدادات لخلافة والده، كُلِّف أحمد بقيادة قوات الأمن الخاصة (وهي قوة شبه عسكرية تنضوي تحت وزارة الداخلية)، والحرس الجمهوري (الذي أصبح من قوات النخبة في الجيش اليمني باعتباره الأكبر والأفضل تدريبًا). فضلًا عن ذلك، أُسنِدَ إلى أبناء شقيق صالح “يحيى وطارق وعمار” مناصب مهمة في جهاز الأمن، حيث عُيِّن “يحيى” (الذي كان أيضًا صهر صالح) رئيسًا لجهاز الأمن المركزي، أكبر جهاز أمني في صنعاء. من جانب آخر، شغل “عمار” عدة مناصب أمنية وعسكرية وكان الرئيس الفعلي لجهاز الأمن القومي -أهم جهاز أمني واستخباراتي في اليمن[16] -بينما كُلِّف “طارق” بقيادة الحرس الخاص بالرئيس صالح.[17]

من جهة أخرى، اكتسب أبناء الشيخ عبدالله الأحمر مكانة مهمة، حيث كان أربعة من أبنائه أعضاءً في مجلس النواب خلال فترة رئاسة والدهم للمجلس، [18] وكانت النكتة الدارجة بين اليمنيين ذلك الوقت هي أن كتلة آل الأحمر في البرلمان أكبر من كتلة معظم الأحزاب السياسية. كما ساهمت الميول الأيديولوجية القوية لأبنائه “حميد” و”مذحج” في ضمان نفوذ لهم بين كوادر الإصلاح المتأثرة بأيديولوجية الإخوان المسلمين، إلا أن “حميد” المعروف بثرائه وطموحه كان الأقوى نفوذًا. وإضافة إلى كونه قياديًا بارزًا في حزب الإصلاح، كان “حميد” أيضًا رجل أعمال ثري شملت إمبراطوريّته التجارية سبأفون (الشركة اليمنية للهاتف النقال).[19] تمتع ابن آخر للشيخ عبدالله، وهو “حسين”، بنوع مختلف من النفوذ لا سيما بين رجال قبيلته، [20] في حين عُيِّن ابناه الآخران “هاشم” و”حمير” كحارسين شخصيين للرئيس صالح وكانا عضوين في حزبه السياسي “المؤتمر الشعبي العام”.[21]

ساهم هذا التنافس المتزايد بين جيل أبناء الأحمر وصالح في زيادة حدة الانقسامات بين المعسكرين، وجاءت الانتخابات البرلمانية اليمنية عام 2003 لتُشكل نقطة تحول رئيسية حين قرّر صالح ترشُّح أعضاء من حزب المؤتمر الشعبي العام في مديريات محافظة عمران – معقل قبيلة حاشد. حتى ذلك الحين، كانت هذه المديريات بعيدة كل البعد عن ساحة التنافس، ومضمونة عادة لأبناء الشيخ عبدالله والموالين له. وبالتالي، شكّل ترشيح المؤتمر الشعبي العام منعطفًا رمزيًا[22] وتحديًا لنفوذ آل الأحمر.[23]

ردًا على خطوة صالح، حشد حميد الأحمر حزب الإصلاح وتكتل من أحزاب المعارضة (المعروفة مجتمعة باسم تكتل أحزاب اللقاء المشترك) في الانتخابات الرئاسية اليمنية عام 2006، لدعم فيصل بن شملان -المرشح المنافس لصالح لرئاسة الجمهورية. عُرِف شملان (من أصل حضرمي) بنزاهته وهو ما شكّل للمرة الأولى منافسة حقيقية لصالح في الانتخابات، في ظل الالتفاف الشعبي لدعم منافسه وتنامي الحرب الكلامية ضده (أي صالح).[24] ورغم فوز صالح وإعادة انتخابه كرئيس في ذلك العام، لطالما شككت المعارضة بنتائج هذه الانتخابات.[25]

تُوفي الشيخ عبدالله الأحمر في أحد مستشفيات السعودية بعدها بعام واحد، وتحديدًا في ديسمبر/ كانون الأول 2007، لتنتقل مشيخة القبيلة إلى نجله “صادق”. ترتب على وفاة عبدالله تداعيات حاسمة، حيث كان القادر على التحكّم بأبنائه، ولعب دورًا جوهريًا في منع خروج الخلافات والنزاعات عن السيطرة. والأهم من ذلك، كان الشيخ عبدالله أحد الأفراد القلائل الذين كان صالح يُصغي لآرائهم، وبوفاته سقط الجدار الأخير الذي كان يحول دون مواجهة مباشرة بين الجانبين.

 

•الانقسام (2011)
امتدت شرارة احتجاجات الربيع العربي عام 2011 إلى اليمن، في وقت كانت البيئة السياسية في البلاد خصبة لاندلاع احتجاجات شعبية، حيث كانت الاحتجاجات تعمّ مناطق الجنوب في خضم حراك سياسي ومدني واسع معارض لنظام صالح في صنعاء. كما كان نظام صالح يواجه تمردًا عسكريًا في الشمال وتهديدات أمنية متزايدة من أنشطة تنظيم القاعدة.

بحلول مارس/ آذار 2011، توسعت رقعة الاحتجاجات مُكتسبة الزخم بدعم أحزاب المعارضة لها، مما أدى في نهاية المطاف إلى تفكك السلطة. شكّل انشقاق علي محسن وانضمامه إلى الانتفاضة في 21 مارس/ آذار -ردًا على مذبحة جمعة الكرامة[26] – نقطة مفصلية ودفعة للاحتجاجات، ورغم تشبث صالح بالسلطة، نجح حميد الأحمر في استخدام نفوذ حزب الإصلاح وائتلاف المعارضة لحشد الدعمين السياسي والمالي وضمان تغطية إعلامية واسعة لاحتجاجات اليمن على قناة سهيل (التابعة للإصلاح)، كما دعم شقيقه “حسين” العديد من الفعاليات المؤيدة للانتفاضة بتمويل من قطر.[27] في مايو/ أيار 2011، تداولت وسائل الإعلام أنباء عن وقوع اشتباكات بين عناصر جهاز الأمن المركزي وحرس الشيخ صادق الأحمر حول مقر إقامته الرئيسي الذي كان يقع بجوار مقر جهاز الأمن المركزي. انتهت كل محاولات ضبط النفس في هذه المرحلة وانتهى الأمر باستهداف منزل صادق الأحمر في صنعاء، وهو ما دفع الأخير إلى التوعد علنًا بإجبار صالح على مغادرة اليمن “حافي القدمين”.[28] جاءت الضربة القاضية لتحالف آل الأحمر والرئيس صالح بمحاولة اغتيال الأخير في 3 يونيو/حزيران 2011 في تفجير بمسجد القصر الرئاسي أثناء أدائه صلاة الجمعة، حيث اتهم صالح عددًا من أبناء الأحمر وعلي محسن بالوقوف وراء محاولة اغتياله وهو ما أنهى تحالفًا دام عقودًا إلى غير رجعة.

 

•السقوط من هرم السلطة (2012 – 2014)
تنازل صالح رسميًا عن السلطة في فبراير/شباط 2012، مُنهيًا فترة حكمه التي استمرت 34 عامًا كرئيس للبلاد. شكّل هذا انتصارًا كبيرًا بالنسبة لآل الأحمر وعلي محسن، إلا أن الأحداث التي تكشفت بعدها أظهرت شرخًا عميقًا في التسلسل الهرمي السياسي للنخبة الحاكمة، والذي سيؤدي قريبًا إلى سقوط الجميع -بما في ذلك بيت آل الأحمر.

ففي تحوّل غير مسبوق لمجرى الأحداث، تحالف صالح مع جماعة الحوثيين –نفس الجماعة التي خاضت حكومته سلسلة حروب ضدهم في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وعُرفت باسم حروب صعدة. وجد صالح في الحوثيين حليفًا مناسبًا للانتقام من الأطراف التي حمّلها مسؤولية الإطاحة به، ووحّد جهوده مع أعداء الأمس (الذين أصبحوا حلفاء اليوم) ضد عدوهم المشترك -حزب الإصلاح الذي ألقى صالح باللائمة عليه في تزعّم احتجاجات عام 2011، إلى جانب آل الأحمر وعلي محسن. ورغم تعدّد الدوافع التي تشاطروها، كان الهدف الأساسي لصالح والحوثيين هو إحباط عملية الانتقال السياسي، لا سيما بالنسبة لصالح الذي سعى لذلك كهدف شخصي لإثبات فشل انتفاضة 2011 التي أدت إلى الإطاحة بنظامه. كان الحوثيون يدركون جيدًا الاحتمال الضعيف لنجاحهم في الانتخابات، وأن الطريقة الوحيدة لاكتساب نفوذ يتماشى مع قوتهم العسكرية هو بقوة السلاح.[29]

من جهة أخرى، بلغت حدة الانقسامات وحالة التشرذم داخل اتحاد قبائل حاشد ذروتها، حيث لم يتمتع الشيخ صادق بحضور والده أو قيادته وبالتالي لم يكن قادرًا على التحكّم بإخوته أو بتطلعاتهم السياسية. ورغم تزعّم آل الأحمر لقبيلة حاشد منذ أمد طويل، ظل عدد كبير من أبناء قبائل حاشد مؤيدين لصالح[30] وهو ما يُفسر عدم تحريك معظم شيوخ حاشد ساكنًا أمام زحف الحوثيين باتجاه صنعاء، بل ووقوف بعضهم إلى جانب صالح بما في ذلك شخصيات بارزة مثل الشيخ علي جليدان والشيخ مبخوت المشرقي من بني صريم، أكبر بطون قبائل حاشد، إضافة إلى كهلان أبو شوارب (نجل الشيخ مجاهد أبو شوارب) من قبيلة خارف.[31]

في نهاية المطاف، أدت حالة التشرذم والفشل في توحيد الصفوف ضد التمدد الحوثي إلى سحب البساط من تحت قبائل حاشد وهزيمتها في أجزاء من عذر والعصيمات بمحافظة عمران أوائل عام 2014.[32] توصلت قبائل بني صريم إلى اتفاقية مع جماعة الحوثيين في فبراير/شباط، عُرفت باسم “اتفاقية الخط الأسود”[33]، وهو عُرْف يسمح للطرف الآخر بالمرور عبر المناطق القبلية دون مقاومة.[34] في نفس الشهر، شرع الحوثيون في الاستيلاء على معاقل حاشد شمال صنعاء وتفجير منزل أجداد بيت آل الأحمر في عمران، [35] وهو تطور رمزي مثّل حقبة جديدة في المشهد السياسي اليمني.

بعد استيلائهم على صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014، أنشأ الحوثيون مجلس التلاحم القبلي[36] ونصّبوا “ضيف الله رسام”[37] -من قبيلة خولان بن عامر[38] -رئيسًا للمجلس. ينحدر الشيخ رسام من صعدة -معقل الحوثيين -وكان أحد أهم الحلفاء القبليين لجماعة الحوثيين، كونه يرتبط بأسرة الحوثي بقرابة مصاهرة. لم تُتّبع الأعراف القبلية[39] عند تعيين “رسام” كرئيس للمجلس، وبالتالي فُرض على القبائل في خطوة تكتيكية للمناورة سياسيًا سبق وأن استخدمها أئمة اليمن والرئيس صالح.[40] واصل الحوثيون تعيين شيوخ جُدد وفرضهم على القبائل اليمنية في محاولة لتأمين سيطرتهم، [41] وإدراكًا منهم لأهمية كسب تأييد القبائل لضمان النفوذ السياسي، إلا أن الفرق كان يكمُن في النهج المُتبع حيث كان صالح مُحنّكًا في الأعراف القبلية ونجح في كسب ولاء القبليين، في حين لجأ الحوثيون إلى القوة والإكراه من باب عدم احترامهم لقيم المساواة المترسخة في عُرف القبائل وإيمانهم بفوقية الهاشميين على باقي شرائح المجتمع اليمني.

في 4 ديسمبر/كانون الأول 2017، قُتل صالح على يد الحوثيين بعد فترة وجيزة من إعلان فض تحالفه مع الجماعة. لم يقاتل لأجله أي من أبناء اتحاد قبائل حاشد، [42] وسرعان ما تعرّض مشايخ حاشد للإهانة والإذلال من قِبل سلطات الحوثيين بعد اغتياله، بمن فيهم أولئك الذين يسّروا استيلاء الحوثيين على محافظة عمران، ولاحقًا على صنعاء. هُمِّش المشايخ القبليين وانتُقص من قدرهم عبر اختطافهم وسجنهم أو تفجير منازلهم.[43]

 

•وضع قبيلة حاشد في الوقت الحاضر
تُوفي زعيم قبيلة حاشد الشيخ صادق الأحمر في 6 يناير/ كانون الثاني 2023، ومثّل غياب القيادات الحوثية في مراسم تشييع جنازته في صنعاء دليلًا واضحًا على التوتر القائم بين القبيلة وسلطات الحوثيين. اعتُبر موقف الحوثيين تجاوزًا للخطوط الحمراء وعدم احترام للتقاليد اليمنية التي تدعو إلى نبذ الخلافات في أوقات الحداد، وتنامت مشاعر الغضب والاستياء بين أبناء حاشد ضد حُكم الحوثيين الأحادي والقمعي، وأساليب الإهانة المتبعة من قبلهم. رثى رجال القبائل “الأيام الخوالي” لفترة حُكم صالح وبيت آل الأحمر رغم تذمرهم منها فيما مضى، فهُم على الأقل لم يتعرضوا “للإذلال والترهيب” الذي يواجهونه اليوم -على حد تعبيرهم.[44]

وهذا ما قد يُفسر -إلى حد ما -الحضور الجماعي اللافت لرجال القبائل في جنازة الشيخ صادق، والذي لا يُمكن أن يُعزى فقط إلى إرثه، فهو في نهاية المطاف لم يتمكن من حلحلة أو تخفيف حدة الانقسامات داخل نسيج القبيلة. بعد وفاته، بُويع سريعًا حمير الأحمر -نجل الشيخ عبدالله الوحيد الذي لا يزال يقيم في اليمن -كشيخ مشايخ قبيلة حاشد. سيَترتب على اختيار “حمير” لزعامة القبيلة تداعيات عديدة، [45] كونه لا يتمتع بحضور كاريزمي قوي أو بشخصية مؤثرة، إلا أن مبايعته جاءت لضمان الحفاظ على وحدة القبيلة، وكرسالة أيضًا للحوثيين باعتبار أن آل الأحمر يشكلون تهديدًا للجماعة وهو ما نوّه إليه أحد رجال قبيلة حاشد ممن بايعوا حمير رغم معارضته الشخصية لآل الأحمر، بُغية تحدي الحوثيين.[46]

بالكاد مضت ستة أشهر فقط على مبايعة حمير زعيمًا لقبائل حاشد، حتى بدأت الأخبار تنتشر حول احتمال استبداله بالشيخ أمين عاطف.[47] [48] وفي حين لم تنفِ القيادات الحوثية أو تؤكد الخبر، عبّر شيوخ ورجال من قبائل حاشد عن دهشتهم من الأنباء[49]، نافين ذلك ومُشيرين إلى كونها مجرد شائعات. لا يُستبعد وقوف الحوثيين وراء انتشار هذه الأخبار لجس النبض وممارسة مزيد من الضغط على قبائل حاشد، أو على الأقل لدفع حمير -الذي يرفض الاعتراف بشرعيتهم -إلى قبول بعض مطالبهم، كالعودة للعمل في مجلس النواب.[50]

خلاصة القول، أدت التحولات السياسية المهمة في المشهد اليمني خلال العقد الأخير إلى أفول اتحاد قبائل حاشد الذي لم يُعد يمسك بزمام السلطة في اليمن، إلا أن القبيلة لا تزال تُمثل قوة سياسية مهمة تستحق المراقبة. فلا ينبغي نسيان انتفاضة حاشد عام 1959 ضد نظام حُكم الإمام أحمد[51] إبان تنامي مشاعر الغضب والاستياء من اضطهاده للقبائل، لتصبح لاحقًا الحليف الأوثق لأقطاب الثورة الجمهورية التي أعقبت تلك المرحلة. مع وضع هذا الحدث التاريخي في الحسبان، تتبادر تساؤلات إلى الأذهان حول ما إذا كانت قبائل حاشد تشكل تهديدًا لسلطة الحوثيين في صنعاء.


التعليقات