تتبع المملكة العربية السعودية استراتيجية خروج ذو شقين من الحرب في اليمن، فبعد فشلها في تحقيق نصر عسكري في البلاد، اختارت المملكة التحدث مباشرةً مع الحوثيين لتأمين الحدود والموارد المجاورة من الهجمات.
وفي الوقت نفسه، قامت المملكة العربية السعودية بتكثيف نشاطها في جنوب اليمن و ذلك من خلال موالين يشبهون "الوكلاء" لمواجهة القوات الانفصالية والموالية للإمارات.
ويمثل هذا تغييراً استراتيجياً في سياسة المملكة العربية السعودية تجاه اليمن، والتي كانت قد أعطت الأولوية في السابق للسعي إلى وقف إطلاق النار على مستوى البلاد والحفاظ على دولة يمنية موحدة، وذلك بشكل رئيسي من خلال التعامل مع المؤسسات الرسمية.
•الحدود: المحادثات السعودية الحوثية
في 14 سبتمبر/أيلول، و بدعوة من المملكة العربية السعودية سافر -للمرة الأولى منذ استيلاء الحركة المدعومة من إيران على العاصمة في سبتمبر/أيلول 2014- وفدٌ حوثي مكون من 10 أعضاء من صنعاء. ويأتي ذلك بعد محادثات في أبريل/نيسان، عندما التقى وفدٌ سُعودي مع مسؤولون حوثيون في صنعاء. و قام الميسرون العمانيون بالانضمام إلى الجولتين الدبلوماسيتين، حيث استضافت عمان المناقشات الحوثية السعودية في أغسطس/آب، كما زار وفد عماني المسؤولين الحوثيين في صنعاء في سبتمبر/أيلول. ومن بين القضايا التي تمت مناقشتها، إمكانية إعادة فتح مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة بالكامل (كلاهما لا يزال تحت سيطرة الحوثيين)، ودفع أجور القطاع العام في المناطق التي يُسيطر عليها الحوثيون من خلال حصص عائدات النفط.
فمنذ تنفيذ الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة في أبريل/نيسان 2022، انخفضت مُستويات العُنف في اليمن بشكلٍ كبير، وكذلك هجمات الحوثيين بطائرات دون طيار و اطلاق صواريخ على الأراضي السعودية. لكن منذ انتهاء الهدنة في أكتوبر/تشرين الأول 2022، ظل اليمن في حالة من النسيان الهش. كما تعمل الأمم المتحدة على تحويل الهدنة إلى وقف رسمي شامل لإطلاق النار، إلا أن الأطراف المتحاربة اليمنية رفضت الجلوس معاً على طاولة المفاوضات، حيث استمرت جهود الأُمم المُتحدة بالتوازي مع الجُهود الدبلوماسية السعودية.
وفي المقام الأول ترى أن السعوديين يهدفون إلى تأمين اتفاقٍ ثُنائي مع الحوثيين وذلك لتحقيق الاستقرار على الحدود ومنع الهجمات الجديدة المُحتملة ضد المملكة. و يمكن أن يؤدي وقف إطلاق النار بين السعودية والحوثيين إلى بدء عملية سلام يمنية أوسع بقيادة الأمم المتحدة. وعلى الرغم من ذلك لم تتم دعوة أي من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي أو ممثلين عن الحكومة المعترف بها من قبل الأُمم المتحدة لحضور المُحادثات السعودية الحوثية. ويشير هذا إلى أن المملكة العربية السعودية تقترب الآن من حل الصراع في اليمن و في المقام الأول السعي لخلق استقرار على الحدود، وبالتالي تقليص أهدافها الأولية، والتي كانت تتمثل في الهزيمة العسكرية للحوثيين وإعادة الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في صنعاء. ويدل أيضاً إلى أنه ليس من المؤكد أن وقف إطلاق النار بين السعودية والحوثيين سيؤدي إلى عملية يمنية أوسع بقيادة الأمم المتحدة.
•الوكلاء: الجماعات والحركات المدعومة من السعودية في الجنوب
عندما أدركت المملكة العربية السعودية أنها لا تستطيع تغيير ميزان القوى في الشمال الغربي الذي يُسيطر عليه الحوثيون، تحول تركيزها الاستراتيجي تدريجيا نحو الجنوب، حيث تقوم المملكة بمُراجعة استراتيجيتها في المناطق الجنوبية باليمن لتوسيع نفوذها العسكري والسياسي، وبالتالي تحدي النفوذ الملحوظ الذي قامت الإمارات العربية المتحدة منذ عام 2015 ببناءه على حساب الرياض. على سبيل المثال: دعمت المملكة العربية السعودية ومولت قوات الدرع الوطني، التي تم الإعلان عنها في كانون الثاني/يناير تحت قيادة رئيس المجلس القيادي الرئاسي رشاد العليمي، المقرب من السعوديين، مع قوةٍ تُقدَّر بـ 20 ألف مقاتل، و يتألف الجُزء الأكبر من قوات الدرع الوطني بشكلٍ رئيسي من رجال قبائل الصبيحة السلفية من محافظةِ لحج. و قام العليمي بإضفاء الطابع الرسمي على قوات الدرع الوطني كوحدة احتياطية تحت إشرافه المباشر، بشكلٍ خارج عن وزارة الدفاع.
كما تم تنظيم قوات الدرع الوطني -التي تم إنشاؤها في الأصل في ضواحي عدن (لحج وأبين)- في وقتٍ لاحق في عدة ألوية في المحافظات الجنوبية وانتشرت في وادي حضرموت، الجزء الشمالي الغني بالنفط من محافظة حضرموت المُجاورة للسعودية. وتتصاعد المواجهة بين القواتِ المَدعومة من السعودية والإمارات في عدن وحضرموت، حيث أن عدن لا تزال خاضعة بشكلٍ كبير لسيطرة قوات الحزام الأمني المدعومة من الإمارات، والمرتبطة بالمجلس الانتقالي الجنوبي المؤيد للانفصال.
في أغسطس/آب قامت ألوية العمالقة المدعومة من الإمارات باقتحام القصر الرئاسي لبضع ساعات! علاوة على ذلك فإن شمال حضرموت - الذي لا يزال تحت سيطرة القوات الحكومية اليمنية ويحظى بدعم الرياض نظرياً- قد تعرض لتهديداتٍ مُتكررة من قِبل المجلس الانتقالي الجنوبي.
و تأسس مجلس حضرموت الوطني المدعوم من السعودية في يونيو/حزيران بعد إجراء مشاورات برعاية السعودية في الرياض التي جمعت زعماء القبائل الحضرمية والعسكريين. و يسعى المجلس إلى تحقيق قدراً أكبر من الحُكم الذاتي للمُحافظة ولكن في إطارٍ وطني، وبالتالي يقدم منصة سياسية معارضة مباشرة للمجلس الانتقالي الجنوبي.
علاوة على ذلك، أطلق العليمي في 25 يونيو/حزيران، 20 مشروعاً تنموياً بتمويل من البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن في حضرموت، بما في ذلك تجديد معبر الوديعة الحدودي مع المملكة. وتعهد العليمي ببدء عملية اللامركزية في محافظة حضرموت "لإدارة شؤونها المالية والإدارية والأمنية بشكل مستقل"، وهو نهج ذو توجه فدرالي يجده السعوديون المناهضون للانفصال إلى حد كبير مقبولاً.
•فُرص ضائِعة
في المناطق الجنوبية، فشلت المملكة العربية السعودية في استعادة السلطة من خلال إعادة دمج الجماعات المسلحة والمقاتلين في القطاع الأمني الرسمي، ويرجع ذلك بشكلٍ جُزئي إلى عدم تنفيذ اتفاق الرياض، الذي توسطت فيه المملكة العربية السعودية في عام 2019 بين القوات الموالية للحكومة والإماراتيين – القوى المؤيدة للانفصال. و بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من ممارسة نفوذ كبير لتأسيس هذا الاتفاق في أبريل 2022، لم تتمكن المملكة العربية السعودية أيضاً من الاستفادة من دور مجلس القيادة الرئاسي، نظراً لتشرذمه المتزايد وهيمنة الأعضاء الأقوياء المدعومين من الإمارات العربية المتحدة. لذلك يبدو أن المملكة لم تعد تعطي الأولوية للمؤسسات الرسمية، واختارت بدلاً من ذلك تنظيم أو دعم الجماعات والحركات الموالية للسعودية في اليمن. لذا تخضع غالبية المراكز الحضرية والسواحل والجزر الجنوبية -باستثناء محافظة المهرة- لسيطرة الجماعات المسلحة والحركات السياسية المدعومة مباشرة من الإماراتيين أو القريبة منهم. كما نجحت أبو ظبي في الحفاظ على شبكتها من الحُلفاء المحليين، من المخا إلى عدن والمكلا، على الرغم من انسحاب القوات الإماراتية في عام 2019 وتفويض اتفاق الرياض بأن الإشراف على جميع القوات يقع تحت إشراف وزارة الدفاع في الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
•التداعيات
يُرى أن استراتيجية المملكة العربية السعودية الجديدة في اليمن لها ثلاثة آثار رئيسية.
أولاً: قامت بإضعاف المؤسسات الرسمية في اليمن بشكل غير مباشر. و على الرغم من أن هذه الأمور تحظى بدعم الرياض، إلا أن استبعاد الحكومة المُعترف بها من قِبل الأُمم المُتحدة ومجلس القيادة الرئاسي من المُحادثات الدبلوماسية مع الحوثيين -فضلاً عن إنشاء قوات شبيهة بالوكالة ترعاها السعودية- يقوم بتقويض المؤسسات الرسمية والقطاع الأمني.
ثانياً: وفرت المحادثات الثنائية مع الحوثيين نفوذاً سياسياً أكبر في مواجهة الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، نظراً لأن السعوديين اعترفوا بشكلٍ مُتزايد بالحوثيين كمحاورين بينما قاموا بشكلٍ ضمني بتقليص مثل هذا التأييد للحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
ثالثاً: اثارت هذه الاستراتيجية منافسة أكبر بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في اليمن، حيث تتنافسان على النفوذ في المناطق الجنوبية.
و للمرة الأولى منذ عقود، بدلاً من التعامل مع اليمن باعتباره "فناء للمملكة العربية السعودية" أو كامتداد لمجالها الداخلي، تتعامل المملكة العربية السعودية مع اليمن باعتباره قضية سياسة خارجية لها آثار أمنية مرتبطة بها. ويرجع ذلك على الأرجح إلى أن الرياض لم تعد قادرة على فرض قواعد اللعبة، وتفتقر إلى محاورين راسخين بين السياسيين والحلفاء القبليين، ولذا فهي تختار التسوية والنفوذ غير المباشر، في محاولة لتعظيم المكاسب من خروجها العسكري من اليمن. وفي حين أن هذه الاستراتيجية قد تدعم انسحاب الرياض من اليمن وتنجح في مواجهة القوات الموالية للإمارات في مناطق محددة، فمن غير المُرجح أن تواجه النزعات الانفصالية الأوسع أو تقوم بإيقاف التمزق المستمر في الدولة اليمنية الموحدة.