تعد الشابة اليمنية كوثر شجاع الدين ( 27عاما) واحدة من عدد محدود من النساء اليمنيات اللواتي اقتحمن مؤخرا العمل في مجال إصلاح وصيانة وبرمجة الهواتف الذكية بعد أن كانت هذه المهنة حكرا على الرجال.
في العام 2017، اجبرت الحرب كوثر التي كانت تعمل معيدة في قسم اللغة الفرنسية بكلية الآداب جامعة تعز، للنزوح من المدينة التي نشأت فيها منذ نعومة اظفارها مع اسرتها الى محافظة اب المجاورة.
في حديثها لمعدة التقرير، قالت أن الدافع الأساسي لتوجهها للعمل يتمثل في " حرصها على توفير مصدر دخل يسهم في تحسين وضعها الاقتصادي ويمكنها من مساعدة أسرتها في تحمل أعباء تجربة النزوح وتكاليف المعيشة الصعبة".
وفقدت كثير من العائلات اليمنية مصادر دخلها منذ اندلاع النزاع الدامي في اليمن قبل ثماني سنوات، والذي,خلف
اسوء أزمة إنسانية في العالم حسب توصيف الأمم المتحدة.
ومع تعقد الوضع المعيشي والاقتصادي
توجهت عديد نساء نحو العمل واقتحام مهن جديدة كانت حكرا على الرجال، ليثبتن قدرتهن على تحويل التحديات إلى فرص للنجاح.
قصة ملهمة
تقول كوثر بأن " وجود الهواية كان الدافع الأول لاختيارها العمل في مجال صيانة الهواتف بالذات على الرغم من كونها مهنة جديدة بالنسبة لامرأة يمنية".
واشارت الى ان الدافع يعود ايضا الى ادراكها مدى حاجة المجتمع اليمني لوجود امرأة تعمل في هذه المهنة، بالذات مع تزايد حالات الابتزاز التي تعرضت لها بعض الفتيات من خلال التعدي على خصوصيتهن ومعلوماتهن الشخصية".
في البداية التحقت كوثر في دورة لصيانة الهواتف، قبل تقوم لاحقال بالعمل في إصلاح بعض الجوالات الخاصة بصديقاتها ومحيطها، حيث تقول انها
"لقيت ترحيبا كبيرا من عديد النساء اللاتي يأتين إلى منزلي للاستفادة من خبرتي في إصلاح الأجهزة".
تصمت كوثر لحظات وهي تفرك يديها، ثم تبتسم وتقول بالنسبة للصعوبات التي واجهت عملي ، كان أبرزها ارتفاع سعر ايجار المحلات التجارية في مدينة إب، وهو ما حال دون افتتاحي محلا تجاريا يحمل اسمي.
ليست كوثر شجاع الدين وحدها من اقتحمت مجالاً كان حكرًا على الرجال في اليمن، فهناك غيرها اقتحمن مجالات أخرى كالعمل في التسويق الإلكتروني، نادلات مطاعم، عاملات في المحلات التجارية، وغير ذلك من المهن.
تسويق الهدايا والزينة
الشابة منى أحمد، خريجة قسم الإنجليزي في كليلة الآداب بجامعة صنعاء، دفعها قلة فرص العمل المتوفرة للخريجين من الجامعة إلى التفكير بمشروعها الخاص، المتمثل في تصنيع وبيع الهدايا والزينة، عبر منصات التواصل الاجتماعي، والذي بات مصدر دخلها الأساسي.
تقول منى، وجدت التسويق الالكتروني مشروع لا يحتاج إلى تمويل كبير بالإضافة إلى كونه مناسب لخصوصية أسرتي التي ترفض عمل المرأة في الخارج.
تضيف" بدأت مشروعي باستيراد المواد الأولية للشمع المعطر من السعودية بمبلغ 50 ألف ريال حصلت عليها من أسرتي، وعبر أحد الوسطاء جاءت الكمية الأولى من المواد الخام، قبل أن اتحول بعدها بفترة إلى الحجز المباشر عبر الأسواق الالكترونية، ثم أقوم بعرض وتوزيع ما انتجه بصفحات ومجموعات في مواقع التواصل الاجتماعي".
وعن سبب اختيارها للشمع وأدوات الزينة كمجال لمشروعها وما الذي تحققه، تذكر منى، أنها استلهمت الفكرة من إقبال الناس على الشموع والهدايا بمناسبات أعياد الميلاد بالإضافة إلى كونها لامست جانبا جماليا في نفسها.
بالنسبة لمنى التي تفرض أسرتها قيودا صارمة على عمل المرأة خارج المنزل، فإن التسويق الالكتروني كان نافذتها الوحيدة لتحقيق مشروعها الخاص وتجاوز التقاليد الاجتماعية السلبية ضد عمل المرأة.
كما أن هنالك الكثير من النساء العاملات اللاتي اقتحمن العمل مهن جديدة وتمكن من اطلاق مشاريعهن الخاصة، وأصبحن سيدات أعمال في مجالات مختلفة، وملهمات انتصرن على الحرب بالعمل مثال على ذلك أم عبدالله التي إفتتحت بسطة لبيع الملابس النسائية والأطفال في أحد أسوق حي مذبح بمبلغ مئة وخمسين الف ريال، لتستطيع بعد ذلك إستئجار محلها الخاص في أحد مولات العاصمة صنعاء.
وفي تصريح من أم عبدالله ليمن فيوتشر تقول " كان معدل ربحي يتفاوات وقد لا أجد صافي ربح في اليوم غير خمسمائة ريال ولكني واصلت بعزيمة حتى أستطعت إستئجار محل تجاري وإضافة بعض المنتجات مثل مستحضرات التجميل وغيرها "
ومن وجهة نظر اقتصادية يقول الخبير بالاقتصاد اليمني طاهر الهاتف" إن، اتساع دائرة عمل المرأة اليمنية إلى مهن جديدة خلال سنوات الحرب، يرجع إلى "تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية نتيجة استمرار الصراع لسنوات، وقد كان هذا السبب الرئيسي لاضطر المرأة اقتحام مهن جديدة للعمل بالرغم من وجود بعض التقاليد المجتمعية التي تحصر دور المرأة في قطاع العمل والإنتاج في مجالات محدودة، بالذات في المناطق الحضرية".
ويشيد الهاتف بتوجه النساء اليمنيات للعمل لمقاومة ظروف الحرب، مؤكدا أنه سينتج عن ذلك مستقبلا، "انتشار متزايد للأسر المنتجة في مجالات اقتصادية متنوعة وذلك يعد كبداية لنشأة الاقتصاد المجتمعي في البلد، مما سيسهم بشكل فاعل في زيادة حصة المرأة اليمنية في الناتج القومي، وسينعكس إيجابيا ليس على مستوى الأسرة فقط وإنما على مستوى المجتمع بشكل عام".
وفيما يتعلق بعوامل تمكين المرأة من العمل، يقول الصحفي الاقتصادي نبيل علي الشرعبي، قبل تمكين المرأة من حقها في العمل، يجب أن تقوم الجهات المعنية مثل وزارة الشئون الاجتماعية والعمل وبالتنسيق مع الجامعات، بعمل ورش عمل توعوية خاصة لمن سيلتحقن بسوق العمل من خريجات الجامعات وغيرها، وأن تشمل حملات التوعية حتى النساء القادرات على العمل ممن لم يكملن تحصيلهن العملي وأيضا العاملات، من خلال آلية تقرها وزارة الشئون الاجتماعية..
نقطة ايجابية
"اضطرار المرأة اليمنية لدخول سوق العمل واقتحام مجالات جديدة هي النقطة الإيجابية الوحيدة خلال الحرب" بحسب رئيس منظمة مدرسة السلام، لمياء الإرياني، والتي أكدت على أن "العمل حق للمرأة كما هو للرجل للحصول على الحياة الكريمة التي تستحقها.