مرّ شهر منذ صعّدت جماعة الحوثيين في اليمن من تهديداتها باستهداف المنشآت النفطية الحيوية، ليأتي هجوم أمس الجمعة، على مرفأ للتصدير شرقي البلاد، ليعقد المساعي الأممية والدولية لتجديد الهدنة، ويدفع الأوضاع الاقتصادية السيئة نحو المزيد من الانهيار.
وشهد مرفأ الضبة النفطي الواقع في مديرية الشحر شرقي حضرموت، كبرى المحافظات اليمنية، هجوماً بطائرتين مسيرتين، بالتزامن مع وصول سفينة نفط يونانية للتحميل من المرفأ الواقع على سواحل البحر العربي، في أقوى تصعيد عسكري منذ انتهاء الهدنة مطلع الشهر الجاري.
وأعلنت جماعة الحوثي لاحقاً مسؤوليتها عن الهجوم، الذي وصفه المتحدث العسكري للجماعة بأنه "ضربة تحذيرية بسيطة لمنعِ سفينة نفطية كانت تحاول نهب النفط الخام"، واعتبر البيان الذي نشرته وسائل إعلام الجماعة أن "الرسالة التحذيرية" أتت منعا لاستمرار عمليات "نهب الثروة النفطية وعدم تخصيصها لخدمة أبناءِ الشعب في المرتبات والخدمات".
وقال محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي في تصريح مصور مساء الجمعة، إن "مسيرتين تابعتين للحوثيين استهدفتا محيط الميناء، بالقرب من سفينة تحمل شحنة نفط لتصديرها، وجاء ذلك إثر تهديدات سابقة أرسلها الحوثيون لوزارة النقل اليونانية وبدورها أبلغت الحكومة اليمنية، وذلك بعد يومين من هجوم مماثل بطائرتين مسيرتين على ميناء النشيمة في محافظة شبوة المجاورة، لم تسجل فيهما أي خسائر".
وقالت الحكومة اليمنية إن كل "الخيارات مفتوحة" للتعامل مع الهجوم، وطالبت في بيان كافة الدول باتخاذ إجراءات صارمة وقوية لإدانة هذا "العمل الإرهابي" الذي اتهمت "النظام الإيراني المارق" بالوقوف خلفه، محذرة من أنه في حال لم يتم العمل بشكل "قوي وصارم لإدانة وتلافي تكرار هذا السلوك والفعل الإرهابي، فسيؤدي ذلك إلى آثار سلبية على عملية السلام في اليمن، وعلى إمدادات واستقرار سوق الطاقة العالمي".
وتأتي هذه الهجمات بعد شهر على التهديدات التي أطلقها زعيم جماعة الحوثيين عبد الملك الحوثي في خطاب بذكرى سيطرة جماعته على صنعاء يوم 21 سبتمبر الماضي، ضد الشركات وما سماه "نهب الثروة الوطنية"، وتوعد بيان للجماعة عشية انتهاء الهدنة 2 أكتوبر باستهداف شركات النفط والملاحة الدولية العاملة في مناطق نفوذ الحكومة ودول التحالف بقيادة السعودية.
•"حرب" على مصادر الدولة ورزق اليمنيين
وتُعقد الهجمات الحوثية من الأزمة الاقتصادية في البلد الهش، كونها تفاقم من اختلال الميزان التجاري وتضرب مصدراً من أهم موارد العملة الصعبة للحكومة، وفق الباحث اليمني في الشأن الاقتصادي عبدالواحد العوبلي.
ويقول العوبلي إن الهجمات "ليست إلا خطوة ضمن سلسلة الحرب الممنهجة التي تشنها الجماعة على اليمنيين ومصادر رزقهم، ابتداء من نهبهم الاحتياطات النقدية للحكومة، والاستيلاء على موارد الدولة من ضرائب وجمارك ورسوم، وفرض الانقسام النقدي الذي نهبوا من خلاله أموال اليمنيين عبر التحويلات تحت مسمى العملة القديمة والعملة الجديدة، أو عبر الجباية بالقوة التي تقوم بها الجماعة، وصولاً إلى الهجوم المستمر على مأرب في محاولة للاستيلاء على منابع النفط".
ويضيف الباحث لـ"العربي الجديد": "كل هذه حرب نفذتها مليشيا الحوثي منذ انقلابها قبل ثماني سنوات ولاتزال تنفذها، للاستيلاء على مصادر الدولة ورزق اليمنيين.. لا سبيل لوقف هذه الحرب إلا بإنهاء الانقلاب واستعادة الشرعية".
وعن آثار هذه الهجمات على الاقتصاد، قال العوبلي: "بكل بساطة، وقف تصدير النفط يعني وقف تدفق العملة الصعبة التي تصل إلى اليمن عبر التصدير، والتي تصل إلى مليار ونصف المليار دولار تقريبا، وعلى الرغم من محدودية هذا المبلغ إلا أن غيابه سيساهم في تفاقم أزمة الريال اليمني وسيسبب مزيداً من التضخم ومزيدا من الانهيار للريال أمام العملات الصعبة، خصوصاً عندما يزيد اختلال الميزان التجاري عبر غياب هذا المصدر المهم جداً من مصادر العملة الصعبة".
•ضربة لمشروع السلام
سياسياً تأتي الهجمات ضمن تعقيدات المشهد الداخلي اليمني واختلال ميزان القوى بين الأطراف، ولذلك فهو يشكل ضربة لمشروع السلام المعلن عنه، وفق ما يرى الكاتب والباحث اليمني في شؤون النزاعات المسلحة علي الذهب.
ويرى الذهب أن من شأن الهجوم الحوثي أن "يدفع جهود السلام نحو حافة الخطر، إضافة إلى ما تطرحه الجماعة من شروط تعجيزية لتمديد الهدنة تعقد عملية السلام"، لكنه توقع في إطار المتغيرات الحاصلة أن يساهم الهجوم في "الضغط نحو تحريك الركود الحاصل في الملف بطريقة تطول معها المفاوضات".
ويسعى الحوثيون من وراء ذلك إلى فرض شروطهم في النقاشات التي يجريها المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبيرغ بخصوص الهدنة، والتي تعثرت مساعي الأمم المتحدة حتى الآن في التوصل إلى اتفاق لتجديدها وتوسيعها، نتيجة شروط الحوثيين التي وصفت بغير المقبولة.
وينبه الذهب في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى الاختلال الحاصل في ميزان القوة: "الحوثيون حالياً في مركز قوة وأعتقد انهم يحققون مكاسب سياسية مثلما حققوا مكاسب اقتصادية وتخلصوا من أعباء بموجب اتفاقية المرتبات وألقوا بها على الحكومة"، مشيراً إلى أن ذلك "ناجم عن اختلالات داخل الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي، وأيضا موقف التحالف الذي لم يمنح الحكومة من القوة أو من استقلال القرار حتى، ما يجعلها تواجه الحوثيين بالأسلوب الذي يفهمونه".
وعن الرد الحكومي الممكن يقول الكاتب اليمني إنه مرتبط بما سيقرره التحالف العربي المساند للحكومة، مضيفاً: "وبرأيي التحالف لن يرد، لن يستجيب للهجمات بشكل أعنف، وفي حال كان التحالف متوافقاً في الإرادة مع الحكومة، يمكن أن يكون هناك رد مقتصر على متطلبات الهدنة، يأتي مثلاً بوقف الرحلات إلى مطار صنعاء وتعطيل دخول سفن المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة وهكذا، ضغوط مقابل ضغوط".
ويردف الذهب: "الرد العسكري لا أتصور حصوله، حتى لو اجتمع مجلس القيادة الرئاسي بمجلس الدفاع الوطني، لأن القرار في الأخير قرار التحالف، والكل ماضون بقوة باتجاه الإرادة الدولية لإنجاح عملية السلام، وبالتالي سيدخلون في مزيد من المفاوضات وربما يلبون اشتراطات الحوثيين".
وجاء الهجوم الحوثي أمس الجمعة ليؤكد جدية التهديدات التي أطلقتها الجماعة، ضد الشركات في الداخل اليمني أو في كل من السعودية والإمارات، والتي من المرجح أنها قد تنفذها إذا رأت إيران مكسباً في ذلك، خاصة في ظل تعقيدات سوق النفط العالمي والخلاف السعودي الأميركي تحديدا.