في 3 يناير/ كانون الثاني 2024، أصدرت الولايات المتحدة، جنبًا إلى جنب مع 13 دولة أخرى "تحذيرًا نهائيًا" للحوثيين، مُعلنةً أنه ما لم تتوقف عن هجماتها على السُفن في البحر الأحمر، فإنها ستواجه "عواقب". وعلى الرغم من أن البيان لم يُحدد بالضبط ماهية تلك العواقب، إلا أنه لم يكُن من الصعب أن يتم التنبؤ بما ستكون عليه: إذا لم يتوقف الحوثيون عن هجماتهم، فإن الولايات المتحدة ستكون مستعدة لاتخاذ إجراءاتٍ عسكرية.
وكما كان متوقعًا، قام الحوثيون بالرد في غُضونِ ساعاتٍ على التحذير الكتابي بإطلاق قارب مُسيّر، مشيرين إلى أنهم لن يستسلموا أمام التهديدات العسكرية، ومهدوا الطريق لمواجهةٍ مباشرة.
ووفقًا لتقارير، تُعِدُّ الولايات المتحدة حاليًا حُزمًا عسكرية لاستهداف مواقع الصواريخ والطائرات بدون طيار التابعة للحوثيين، بالإضافة إلى مرافق القوارب السريعة في اليمن. والرسالة التي ترسلها الولايات المتحدة، سواء من خلال القنوات الدبلوماسية أو وسائل الإعلام، واضحة، نصُّها: "توقفوا أو سنطلق النار". لكن ماذا لو لم يتوقف الحوثيون بعد سلسلة الصواريخ والضربات الجوية؟
لم يتراجع الحوثيون بسبب إسقاط الولايات المتحدة طائراتِهم المُسيّرة وصواريخهم، وإغراق سفنهم، وقتل ما لا يقل عن 10 من أفرادهم. ولم تؤدِ تشكيل "حارس الازدهار" -التحالف البحري المعني بحماية الشحن التجاري في البحر الأحمر- أو البيان الصادر مؤخرًا إلى تحقيق أي تأثير في إقناع الجماعة.
ماذا لو لم تكن ضربات الصواريخ مختلفة؟ ماذا لو كان الحوثيون لا يتراجعون بفعل الضربات الجوية الأمريكية، بل يزدادون ثقة؟ فبعد كل شيء، لقد كانت الجماعة في حالة حربٍ لمعظم العقود الماضية ونجت من ضرباتٍ جوية من السعودية والإمارات العربية المتحدة لمدة تقارب عقدٍ من الزمان. وإذا لم تكن الضربات الجوية فعالة، هل ستقوم الولايات المتحدة ببساطة بإطلاق المزيد من الصواريخ، وتوسيع قائمة الأهداف، أو تجربة شيء آخر؟ ليست هناك إجاباتٍ سهلة وواضحة للمشكلة التي تواجهها الولايات المتحدة في اليمن.
يكمن جزء من المشكلة في أن الولايات المتحدة كانت حذرة للغاية في استخدام القوة العسكرية وفي الوقت نفسه واثقة للغاية في النتائج عندما يتم استخدامها. وبعد أكثر من عقدين من الحرب في الشرق الأوسط، وفي عصر المنافسة الاستراتيجية مع الصين، تشعر الولايات المتحدة بالحذر من الانخراط في صراع مجددًا في المنطقة. وفي الوقت نفسه، تبدو الولايات المتحدة واثقة للغاية من أن الضربات العسكرية ستقوم بإعادة تهديد الحوثيين إلى نصابه. وهذا ربما نتيجة تعلم الكثير من الدروس منذ 2016؛ آخر مرة قامت فيها الولايات المتحدة بشنّ ضربات ضد الحوثيين في الأراضي اليمنية. وفي تلك الحالة، أطلق الحوثيون صواريخ على مدمرة أمريكية قبالة ساحل اليمن، وردت الولايات المتحدة بتدمير ثلاثة مواقع رادار حوثية على ساحل البحر الأحمر. بعد ذلك، ترك الحوثيون سفن الولايات المتحدة بشكل كبير.
غير أن الحوثيين عام 2024 ليسوا كما كانوا عام 2016، حيث أصبحت الجماعة اليوم أقرب إلى إيران مما كانت عليه قبل ثماني سنوات، وكجزءٍ من تلك العلاقة المتنامية، قدمت إيران للحوثيين تجهيزاتٍ صاروخية وطائرات بدون طيار متقدمة بكثير.
والحوثيون أكثر خبرة، ولديهم قبضة أكثر توثيقًا على السلطة في الجبال الشمالية لليمن، وتطوروا إلى منظمة متكيفة تتعلم الدروس بسرعة. وحتى خلال الأشهر القليلة الماضية، كما يوضح تحليل من مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، تطورت استراتيجية الحوثيين في البحر الأحمر لتعظيم تأثيرها على الشحن الدولي.
وجزء آخر من المشكلة بالنسبة للولايات المتحدة هو أن الحوثيين -على الرغم من توجههم لعدم الرغبة في حرب جديدة في الشرق الأوسط- ليس لديهم مثل هذه المخاوف.
وفي الواقع، بكثير من الطرق، سواء على الصعيد الإقليمي أو الداخلي، تصب الحرب في مصلحة الحوثيين. فمن الجانب الإقليمي، تمنح إيران تصعيدًا على نطاق أوسع ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، مدعية أن الحوثيين منفذين مستقلين؛ ما قد يخفي دورها المباشر. وهذا يعزز فقط العلاقة بين الحوثيين وإيران، التي نمت بشكل كبير منذ عام 2017. كما تعتبر إيران وسوريا هما البلدان الوحيدان اللذان يعترفان رسميًا بالحوثيين.
وعلى الجبهة المحلية، ستسمح هذه المواجهة مع الولايات المتحدة للحوثيين -ظاهريًا بسبب أعمال إسرائيل في غزة- للقيام بشيئين في وقت واحد. أولًا، يسمح للحوثيين بإظهار دعمهم العلني للقضية الفلسطينية، وهي قضية شعبية جدًا في اليمن. ثانيًا، وربما الأهم، فإنه يلغي المنافسين المحليين للحوثيين ومن المرجح -تمامًا كما فعلت الغارات السعودية والإماراتية- سيكون له تأثير يدفع الشعب اليمني للتماسك حول البلد، ما سيمنح الحوثيين مصالحة في الحكم، وهو شيء لم تتمكن المجموعة من فعله بشكل جيد.
وكما قال كبير الباحثين في مركز صنعاء (عبد الغني الإرياني) لصحيفة "كريستيان ساينس مونيتور"، "الحوثيون مسرورون بوضعهم الجديد"، مضيفًا أن الضربات الجوية الأمريكية "ستزيد من مصداقية حركة الحوثيين، وتجعلهم أقوى، وتزيد من دعمهم الشعبي".
ولجميع هذه الأسباب، قام الحوثيون بإغراء الولايات المتحدة في البحر الأحمر، واختبار خطوطها الحمراء، ومراقبة مدى التأثير الذي ستحققه.
وقد التزم البيت الأبيض الآن تقريبًا بتنفيذ ضرباتٍ عسكرية إذا هاجم الحوثيون سفينة أخرى. ولكن إذا قامت واشنطن بتنفيذ تهديدها ولم تنجح -في حال استمر الحوثيون في مهاجمة السفن على الرغم من المشاركة المباشرة للولايات المتحدة العسكرية - فإن القوة العسكرية الأولى في العالم ستجد نفسها تسلك خطًا رفيعًا جدًا، ما بين ردع ومواجهة هجمات الحوثيين وفي الوقت نفسه تجنب حرب واسعة في اليمن.