تحليل: ثمن التقاعس عن التحرك في اليمن
تحليل: ثمن التقاعس عن التحرك في اليمن

[ ارشيفية ]

يشكل الحوثيون الآن تهديدًا استراتيجيًا ذا تبعات عالمية على الولايات المتحدة وحلفائها. فمنذ عام 2015، أخفقت الولايات المتحدة وحلفاؤها في منع إيران من تعزيز القدرات العسكرية للحوثيين. وقد تحول الحوثيون من جماعة مسلحة صغيرة في جبال شمال اليمن إلى تهديد استراتيجي رئيسي يرتبط بعدة أطراف معادية للولايات المتحدة. ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تبنت الولايات المتحدة نهجًا يقوم على تجنب التصعيد في مواجهة التشديد الحوثي المتزايد، عبر سلسلة من الإجراءات الجزئية التفاعلية التي فشلت في تحقيق تأثير حاسم أو في إضعاف القدرات العسكرية للحوثيين بشكلٍ ملموس.
و لم يُثنَ الحوثيون عن تصرفاتهم، بل حصلوا على رؤى متعمقة حول آليات عمل الدفاعات الأمريكية ضد مختلف أنظمة هجماتهم. ومن شبه المؤكد أن الحوثيين سيستغلون هذه المعلومات لتحسين كفاءة هجماتهم وتقديمها لأطراف أخرى معادية للولايات المتحدة. و في الوقت نفسه، ستستمر العمليات الحوثية في الشرق الأوسط في تشتيت جهود الولايات المتحدة الرامية إلى التركيز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، كما هو الحال منذ أكثر من عام.
وقد نشأ الحوثيون كحركةٍ إسلامية في شمال اليمن أوائل التسعينيات. و خاضت الجماعة سلسلة من الحروب ضد الحكومة المركزية خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ما دفع إيران إلى زيادة استثماراتها في دعم الحوثيين بحلول أوائل العقد التالي. و أسس الحوثيون حكومة تسيطر على المناطق التي استولوا عليها عسكريًا بعد سيطرتهم على العاصمة اليمنية عام 2014. وردًا على تهديد الجماعة المدعومة من إيران، أطلقت السعودية والإمارات حملة عسكرية لاستعادة الحكومة المعترف بها دوليًا. ومع ذلك، ازدادت قوة الحوثيين تدريجيًا خلال الحرب بفضل دعم إيران وحزب الله، وأخفقت الجهود السعودية والإماراتية في تحقيق أهدافها. و صُمم الدعم الإيراني للحوثيين لبناء تنظيم قادر على تهديد ليس فقط الجناح الجنوبي لدول الخليج، ولكن أيضًا إسرائيل والقوات الأمريكية.
و تزوّد إيران الحوثيين بالطائرات المسيّرة والصواريخ بالتهريب، وغالبًا ما يتم ذلك على شكل أجزاء، سواء عبر البحر أو البر. و منذ عام 2015، حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها اعتراض هذه الإمدادات. ومع ذلك، كانت الجهود الأمريكية ناجحة بشكلٍ محدود للغاية بسبب المسافات الطويلة والموارد المحدودة المخصصة لهذه المهمة. و استمر التهريب خلال الحرب الحالية عبر سفن شراعية كبيرة، وقوارب صيد، وست سفن شحن ضخمة لم تخضع للتفتيش من قبل بعثة التفتيش التابعة للأمم المتحدة، ما سمح بإدخال مئات الشحنات غير المفحوصة إلى اليمن. وقد مكّن هذا التهريب، إلى جانب الدعم الفني من إيران وحزب الله، الحوثيين من بناء مخزون من الصواريخ المتقدمة التي يمكنهم استخدامها لتهديد الشحن العالمي والقوات والشركاء الأمريكيين في المنطقة.
و بدأ الحوثيون حملة هجماتهم الإقليمية الموسّعة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ما استدعى ردًا دفاعيًا محدودًا من الولايات المتحدة. و أطلق الحوثيون في البداية طائراتٍ مسيّرة وصواريخ استهدفت إسرائيل في 19 أكتوبر/ تشرين الأول، معلنين رسميًا دخولهم حرب 7 أكتوبر دعمًا لحماس وبالتنسيق مع الميليشيات العراقية المدعومة من إيران. و لم تتحرك الولايات المتحدة لوقف قدرة الحوثيين على مواصلة الهجمات أو ردعهم، بل تبنت موقفًا تفاعليًا دفاعيًا لم يؤدِ إلى أي تغيير ملحوظ في قرارات الحوثيين.
و لم ترد الولايات المتحدة بضربات داخل اليمن إلا في 12 يناير/ كانون الثاني 2024، بعد 26 هجومًا حوثيًا استهدف الشحن الدولي وتسعة هجمات شملت سفنًا حربية أمريكية وحليفة. و الرد الأمريكي الأولي، الذي ركّز على الدفاع عن الشحن دون تنفيذ ضربات لتجنب التصعيد، فشل في منع التصعيد. و انتقل الحوثيون من مهاجمة إسرائيل في أكتوبر إلى شن هجماتٍ متزايدة على الشحن منذ نوڤمبر/ تشرين الثاني. وعلى الرغم من أن الحملة الأمريكية قد نجحت في منع بعض الهجمات الحوثية وتدمير جزء من البنية التحتية الخاصة بالاستهداف وعدد محدود من الصواريخ على الأرض، إلا أنها لم تغيّر من معدل الهجمات الحوثية. و هناك مؤشرات تدل على أن هجمات الحوثيين أصبحت أكثر فعالية في عام 2024.
و كان من الممكن أن تردع أو تعطل الهجمات الحوثية على الشحن الدولي استجابة أمريكية أكثر قوة وجدية في أكتوبر ونوفمبر 2023. إلا أن الرد الدفاعي الأمريكي والحملة الجوية المحدودة التي تلت ذلك أخفقت، لأنها لم تُلحق ضررًا كافيًا بقدرات الحوثيين ولم تستهدف مواقع ذات أهمية كافية لردع إيران أو الحوثيين. و كان من الممكن أن تؤدي الضربات المتكررة، سواء المميتة أو غير المميتة، على الأنظمة التي تمكن الحوثيين من تتبع واستهداف السفن إلى تجريدهم من هذه القدرات. كما كان ينبغي أن تشمل هذه الجهود تعطيل أو تدمير سفينة التجسس الإيرانية بهشاد، التي ساعدت، على الأرجح، الحوثيين في استهداف الشحن ومتابعته من موقعها في البحر الأحمر.
و إجراءاتٍ أخرى، مثل دعم الجماعات المسلحة في اليمن أو اتخاذ تدابير اقتصادية مثل استبعاد البنوك في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون من نظام "سويفت" الدولي، كان من الممكن أن تؤدي إلى إعادة تقييم الحوثيين لمواقفهم عبر تحدي سيطرتهم على شمال اليمن. و لا شك أن كل من هذه الخيارات يحمل مخاطر كبيرة، لكنها كانت ستزيد من فرص تعطيل الهجمات الحوثية وجعلها أقل فاعلية أو أقل تكرارًا. و يجب على صانعي السياسات الأمريكيين أن يدركوا، قبل كل شيء، أن النهج المتحفظ لتجنب التصعيد أدى فعليًا إلى تسهيل التصعيد.
و فشل الولايات المتحدة في تعطيل أو ردع التصعيد الحوثي في البحر الأحمر، أجبر صانعي السياسات الأمريكيين على إعطاء الأولوية للبحر الأحمر على حساب المحيط الهادئ الغربي، وهو أمر يتعارض مع السياسة الأمريكية المعلنة. و إعطاء الأولوية بشكل متقطع للتحدي المدعوم من إيران في البحر الأحمر يؤدي إلى سحب الموارد من منطقة المحيطين الهندي والهادئ، رغم أن استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2022 تؤكد أن الصين تشكل "التحدي الأكثر شمولاً وخطورة للأمن القومي الأمريكي."
و هذا التركيز على الشرق الأوسط بهذه الطريقة غير مستدام، خاصة في حالة حدوث سيناريو أزمة في مضيق تايوان. و قد يتمكن الحوثيون، إذا اختاروا ذلك، من إغلاق باب المندب في أوقات التوتر في مضيق تايوان لابتزاز تنازلات من الولايات المتحدة أو لتحويل الموارد بعيدًا عن الدفاع عن تايوان.
و هذه الحقائق لا تعني تجاهل التهديد الحوثي، بل تشير إلى أهمية اتخاذ إجراءات أكثر جرأة، وقبول مزيد من المخاطر، لإنهاء هذا التهديد وردع محاولات الحوثيين وإيران لإعادة بنائه بسرعة وحسم. و السماح للحوثيين بمواصلة حملتهم التصعيدية التدريجية يعتبر في الواقع خيار سياسي أكثر خطورة على الولايات المتحدة على المدى الطويل مقارنة بجهود عسكرية أكثر حسمًا.
و حملة الهجمات الحوثية المستمرة منذ عام توفر بيانات ودروسًا يمكن للحوثيين وأعداء آخرين للولايات المتحدة استخدامها لتحسين فعالية هجماتهم المستقبلية على السفن البحرية الأمريكية والمنشآت الأرضية. و قد نفذ الحوثيون 111 هجومًا استهدف أو شمل سُفنًا حربية أمريكية وحليفة في منطقة البحر الأحمر. و في هذه الهجمات، اختبر الحوثيون تقنياتٍ مختلفة وجمعوا بين الطائرات المُسيّرة ذات الاتجاه الواحد، والصواريخ الباليستية، وصواريخ الكروز، ورغم أن أياً من هذه الهجمات لم تصب سفينة أمريكية أو حليفة حتى الآن، إلا أن هناك عدة حوادث كادت تصيب أهدافها.
و توفر هذه الهجمات للحوثيين ولجهات داعمة لهم، وعلى رأسها طهران، كَمًا هائلًا من البيانات حول كيفية استجابة الدفاعات الجوية الأمريكية والحليفة للصواريخ والطائرات المُسيّرة. و يمكن للحوثيين أيضًا مشاركة هذه البيانات مع الروس مقابل معلومات استهداف روسية للسفن في البحر الأحمر. و هذه الدروس المستفادة ستُستخدم بلا شك ضد الدفاعات البحرية الأمريكية مستقبلًا، وقد توجه العمليات العدائية ضد أنظمة الدفاع الأمريكية الأرضية المضادة للطائرات المُسيّرة والصواريخ.
السياسة الأمريكية تجاه الحوثيين خلال عامي 2023-2024 تُظهر أن استراتيجية "إدارة التصعيد" ليست فقط غير ناجحة، بل إنها سياسة غير مستدامة. فقد صعّد الحوثيون مرارًا وتكرارًا دون أن يواجهوا سوى رد أمريكي محدود لم يُحقق شيئًا في إدارة التصعيد. و أطلق الحوثيون أولى طائراتهم المُسيّرة وصواريخهم على إسرائيل في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ثم وسّعوا هجماتهم لتشمل الشحن الدولي. وبالنظر إلى أن أي رد أمريكي كان محدودًا ولم يشكل تهديدًا على سيطرتهم على مناطق واسعة في اليمن، واصل الحوثيون إطلاق الطائرات المسيّرة والصواريخ على المدن الإسرائيلية، وإن كان ذلك حتى الآن دون نجاح يُذكر.
و الدرس الذي يتعلمه الحوثيون من هذه الحرب هو أنهم قادرون على إطلاق صواريخ وطائرات مُسيّرة على السفن الحربية الأمريكية، والشحن الدولي، وشركاء الولايات المتحدة، دون أن يواجهوا عواقب تذكر. و في المقابل، يجب على الولايات المتحدة أن تدرك أن "إدارة التصعيد" تشجع فعليًا على التصعيد وتطيل أمد الصراعات، وهو أمر خطير بشكل خاص عندما تحتاج الولايات المتحدة إلى التركيز على مسارح حيوية أخرى.

الرابط ادناه لقراءة المقال من موقعه الاصلي: 

https://www.aei.org/articles/the-cost-of-inaction-in-yemen/


التعليقات