أرجأت الأمم المتحدة مؤخرا مراجعة سجل حقوق الإنسان في السودان وسط خلاف حول من يجب أن يكون سفيرًا لها لدى الأمم المتحدة في جنيف بعد انقلاب وقع في البلد الافريقي في شهر أكتوبر الماضي. وهذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها المنظمة الأممية صراعات حول أوراق اعتماد الممثلين الرسميين بعد حدوث انقلاب عسكري أو استيلاء عنيف على السلطة في دولة عضو.
في أول فبراير الجاري، أعلن فيديريكو فيليغاس، رئيس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن الاستعراض الدوري الشامل للمجلس لسجل السودان في مجال حقوق الانسان الذي كان من المقرر إجراؤه في اليوم التالي، قد تم تأجيله بسبب الحاجة إلى مزيد من التوضيح بشأن من يجب أن يكون سفيرًا للحكومة السودانية لدى المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف.
كما هو معلوم، تخضع كل دولة عضو في الأمم المتحدة للاستعراض الدوري الشامل من قبل مجلس حقوق الانسان كل أربع سنوات. ويتم إجراء المراجعة من قبل مجموعة من الدول الأعضاء الأخرى، ولا تتضمن المشاورات نقاشات مع مجموعات حقوق الإنسان والمجتمع المدني فحسب ولكن أيضًا مع الحكومة. وعادة ما تصدر عن الاستعراض توصياتٌ للتحسين وتدارك النقائص.
وقال فيليغاس إن مقر الأمم المتحدة في نيويورك أبلغه بأن وزير خارجية السودان الجديد يُعيّن السيد عثمان محمد، القائم بالأعمال في بعثة جمهورية السودان في جنيف، لكن الرئيس الحالي للبعثة، علي محمود، كتب إلى فيليغاس قائلاً إنه "لا يزال الممثل الشرعي للسودان".
•منطقة رمادية
ظهرت مواقف مماثلة في الأشهر الأخيرة مع ميانمار وأفغانستان بعد تغييرات عنيفة شهدتها السلطة في البلدين ولكن يبدو أن وضع السودان يمثل منطقة رمادية بالنسبة للأمم المتحدة. فقد قام الجيش السوداني بتنفيذ انقلاب في شهر أكتوبر الماضي، ووضع حدًا على الأقل في الوقت الحالي لآمال الديمقراطية بعد انتفاضة شعبية أطاحت بالديكتاتور عمر البشير عام 2019.
المجتمع الدولي أدان الانقلاب العسكري كما أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارًار "أدان فيه بأقوى العبارات الاستيلاء العسكري على السلطة في السودان في 25 أكتوبر 2021، وطلب من المفوضة السامية لحقوق الإنسان تعيين خبير في حقوق الإنسان في السودان دون تأخير لرصد تطور أوضاع حقوق الإنسان حتى عودة حكومة البلد بقيادة المدنيين".
مع ذلك، وعلى عكس ما حدث في ميانمار وأفغانستان، لم يتغيّر رئيس الدولة السوداني، الجنرال عبد الفتاح البرهان، بعد الانقلاب، حيث كان الجيش جزءًا من حكومة انتقالية إلى جانب المدنيين. ووفقًا لصحيفة سودان تريبيون الالكترونية، فإن الخلاف في جنيف كان بسبب استمرار اعتماد الأمم المتحدة لواحد من اثني عشر سفيرًا "أقالهم" رئيس مجلس السيادة السوداني بسبب احتجاجهم على الانقلاب.
بعد التشاور مع مكتب الأمم المتحدة للشؤون القانونية في نيويورك، أعلنت المنظمة في جنيف أن الاستعراض الدوري الشامل للسودان سيمضي قُدُمًا، مع وفد السودان ولكن بقيادة (افتراضيًا) هويدا علي، القائمة بأعمال وكيل وزارة العدل.
من المعتاد أن ترسل الدول وفداً للدفاع عن سجلها في مجال حقوق الإنسان والإجابة على الأسئلة المطروحة عليها أثناء الاستعراض الدوري الشامل.
في بداية الجلسة في جنيف، قال رئيس مجلس حقوق الإنسان فيلغاس إن مكتب الشؤون القانونية أكد تعيين عثمان محمد رئيسا لبعثة السودان في جنيف، خلفا لعلي محمود. أما مبرر ذلك، بحسب مصادر مطلعة في جنيف، فهو أن رئيس الدولة لم يتغيّر بعد الانقلاب، حيث عيّن البرهان وزيراً جديداً للخارجية يحظى باعتراف دبلوماسي، وقد عيّن الوزير رئيساً جديداً للبعثة السودانية في جنيف، وهو نفس الشخص الذي كان الرجل الثاني فيها بالفعل.
ربما لم يكن لدى الأمم المتحدة الكثير من الخيارات في هذه الحالة، لكن قد يُصاب بعض الدبلوماسيين الغربيين بخيبة أمل لأنها استسلمت بهذه السرعة. في مُداخلته خلال جلسة الاستعراض الدوري الشامل للسودان، أشاد سيمون مانلي، سفير المملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة في جنيف بـ "دعوة علي محمود الحماسية نيابة عن التطلعات الديمقراطية للشعب السوداني"، وجدد إدانته الشديدة للانقلاب.
•ميانمار وأفغانستان
بعد الانقلاب الذي شهدته ميانمار في أول فبراير 2021، كانت هناك مطالبات بين أطراف متنافسة للحصول على مقعد ذلك البلد في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. فقد أراد الجيش تعيين سفير جديد، لكن جماعات المجتمع المدني وبعض الدول الأعضاء كانوا يضغطون من أجل احتفاظ الأمم المتحدة بسفير الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا يو كياو مو تون. ويُذكر أن الأمم المتحدة لا تعترف بالحكومة العسكرية الحاكمة حاليا في ميانمار.
ومع ادعاء كل من النظام العسكري والحكومة المنافسة في المنفى أنهما يمثلان النظام الشرعي في البلد، فإن الحصول على مقعد في الأمم المتحدة يُعتبر الجائزة الأسمى، لأنه يتيح الفرصة لمخاطبة الجمعية العامة للمنتظم الأممي. ووفقًا لوكالة رويترز للأنباء، لم يتحدث أي من ممثلي ميانمار المتنافسيْن أمام الجمعية العامة الأخيرة التي انعقدت في شهر سبتمبر 2021 وذلك بعد اتفاق بين الصين وروسيا والولايات المتحدة "حيث لن تعترض موسكو وبكين على بقاء كياو مو تون في مقعد ميانمار في الأمم المتحدة، ما دام لا يتحدث خلال الاجتماع رفيع المستوى".
على صعيد آخر، تم تقديم طلبات من أطراف متنافسة بشأن المقعد الخاص بأفغانستان بعد أن استولت حركة طالبان على السلطة هناك في منتصف أغسطس 2021. ولا تزال قضيتا ميانمار وأفغانستان في الأمم المتحدة في نيويورك بين أيدي لجنة أوراق اعتماد تابعة للأمم المتحدة مؤلفة من تسعة أعضاء.
بالعودة إلى جنيف، ما يزال ممثل أفغانستان المعتمد لدى الأمم المتحدة هو ناصر أحمد أنديشا المُعيّن من قبل الحكومة السابقة. ومع حرص حركة طالبان على كسب الدعم الدولي، خاصة في مواجهة كارثة إنسانية تشهدها البلاد، فإنها قد تكون راضية عن السماح له بالبقاء في منصبه في الوقت الحالي.