يبدو أن لليمن قدراً قاسياً مع الحروب حتى تلك المشتعلة في البعيد جراء الحرب الدائرة منذ سبع سنوات، واعتماد البلد في غذائه على استيراد القمح.
وبالتزامن مع الهجوم الروسي على أوكرانيا، تسود حالة من القلق في اليمن حيال الصعوبات المحتملة جراء ارتفاع أسعار الحبوب عالمياً، مما يثير مخاوف الدول المستوردة، خاصة اليمن، الذي يعتمد على القمح الروسي والأوكراني لإطعام نحو 30 مليون نسمة.
ونتيجة لذلك، حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الخميس، من أن اليمن الذي "مزقته الصراعات يتجه نحو كارثة" بسبب نضوب التمويل الإنساني.
وقال المدير التنفيذي للبرنامج ديفيد بيزلي، في ختام زيارة لليمن استغرقت يومين، إن البرنامج بات مضطراً إلى تقليص المساعدات الغذائية الضرورية لملايين الأسر الجائعة. وأضاف في بيان، "ليس لدينا خيار سوى أخذ الطعام من الجياع لإطعام المتضورين جوعاً".
وتابع المسؤول الأممي قائلاً "ما لم نحصل على تمويل فوري، سنخاطر في غضون أسابيع قليلة حتى بعدم قدرتنا على إطعام المتضورين جوعاً. سيكون هذا هو الجحيم على الأرض".
وفي أرقام تشير إلى التأثير الواضح الذي خلفته الصراعات على القطاع الزراعي في اليمن وانعدام الأمن الذاتي للغذاء، تؤكد البيانات ارتفاع واردات القمح والدقيق عبر الموانئ اليمنية من نحو مليوني طن عام 2016 إلى 3.2 مليون طن عام 2020، بمعدل زيادة عشرة في المئة.
ويستورد اليمن معظم كميات القمح من روسيا وأستراليا وأوكرانيا وأميركا بنسبة تصل إلى 78 في المئة، إضافة إلى الكميات التي تدخل إلى البلاد عبر المنظمات الدولية في إطار المساعدات الإغاثية بسبب الحرب الدائرة في البلاد.
•أصداء الحرب البعيدة
عن الانعكاسات المترتبة على الحرب في أوكرانيا على الفقراء، رجح برنامج الأغذية العالمي أن يؤدي تصعيد الصراع في أوكرانيا إلى زيادة أسعار الوقود والغذاء وبخاصة الحبوب في البلد الذي يعتمد على الاستيراد.
ونتيجة التداعيات القاسية التي خلفتها الحرب، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية أكثر من الضعف في كل المحافظات اليمنية خلال العام الماضي، ما جعل أكثر من نصف البلاد بحاجة إلى مساعدات غذائية، وسيؤدي ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى دفع المزيد من الناس إلى الحلقة المفرغة المتمثلة في الجوع والاعتماد على المساعدة الإنسانية، وفق البيان.
وقال بيزلي "فقط عندما تعتقد أنه لا يمكن أن يزداد الوضع سوءاً، يستيقظ العالم على وقع صراع في أوكرانيا من المحتمل أن يتسبب في تدهور اقتصادي في جميع أنحاء العالم، بخاصة بالنسبة إلى بلدان، مثل اليمن، تعتمد على استيراد القمح من أوكرانيا وروسيا. سترتفع الأسعار لتفاقم الوضع السيئ بالفعل".
وعقب ساعات من الهجوم الروسي على أوكرانيا، سجلت أسعار القمح الأوروبية مستوى قياسياً وسط توقعات بانخفاض الإمدادات، خصوصاً أن أوكرانيا وروسيا من أكبر منتجي القمح في العالم.
•800 مليون دولار
وإزاء الحلول المنظورة، يوضح برنامج الأغذية العالمي أنه يحتاج إلى 800 مليون دولار في الأشهر الستة المقبلة لتقديم المساعدة الكاملة إلى 13 مليون يمني تُقدم لهم المساعدة حتى الآن.
وما يفاقم الوضع سوءاً، اضطر البرنامج منذ بداية العام إلى خفض الحصص الغذائية عن الجياع في اليمن إلى النصف، أي ثمانية ملايين شخص، بسبب نقص التمويل.
وعلى مدى يومين أجرى المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي مباحثات مكثفة مع المسؤولين في الحكومة اليمنية بعدن، في سياق التنسيق المشترك لعقد مؤتمر دولي للمانحين الشهر المقبل لحشد التمويلات لخطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية 2022.
وأبدى بيزلي الذي كان قد أجرى زيارة مماثلة لليمن قبل أقل من عام، إحباطه الشديد من الحال الذي آلت إليه البلاد، وقال إن "الوضع الآن أسوأ ما يمكن لأي شخص أن يتخيله".
•محاولات المواجهة
في محاولة أولية لمواجهة تأثيرات تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية وتلافي تفاقم شبح الأزمة الغذائية التي تلوح في الأفق، عقد رئيس الحكومة اليمنية، معين عبد الملك اجتماعاً في العاصمة المؤقتة عدن مع وفد من برنامج الغذاء العالمي ناقش خلاله "جوانب التنسيق المشترك، بين الحكومة والبرنامج لحشد الدعم الدولي لتمويل خطة الاستجابة الإنسانية"، في المؤتمر المقرر عقده في مارس (آذار) المقبل برعاية الأمم المتحدة، و"التركيز على أهمية دعم الاقتصاد اليمني كجزء محوري لمعالجة الأزمة الإنسانية، إضافة إلى برامج استعادة التعافي وبناء مصادر الدخل، بدلاً من الاعتماد فقط على المساعدات الإغاثية فقط"، وفقاً لوكالة الأنباء الرسمية "سبأ".
وبالمقابل، عقدت سلطات ميليشيا الحوثي اجتماعاً مع القطاعات التجارية والمستوردين للقمح، لـ"بحث الإجراءات التي يمكن اتخاذها للتعامل مع أي أزمة طارئة قد تؤدي إلى تشديد الإجراءات على واردات القمح والحبوب إلى اليمن".
•عواقب اجتماعية لا يمكن التنبؤ بها
وفي تحذير له، يقول الكاتب الأميركي أنتوني فايولا في مقال في صحيفة "واشنطن بوست"، إنه على مدى السنوات الـ20 الماضية، عززت المحاصيل الأوكرانية الوفيرة من دور البلاد كقاعدة خبز عالمية، إذ أصبح بعض أكبر عملائها هم من البلدان المتضررة اقتصادياً، أو التي مزقتها الحرب أو الدول الهشة في الشرق الأوسط وأفريقيا، بما في ذلك اليمن ولبنان وليبيا. ومن ثم فإن نقص الحبوب أو ارتفاع الأسعار لن يؤديا إلى تعميق الألم فحسب، بل سيسفران عن عواقب اجتماعية لا يمكن التنبؤ بها.