"السبيل الوحيد لإنصاف الضحايا هو تعديل القوانين، واستحداث دار رعاية في كل محافظة، وارقام لاستقبال أي قضية عنف"
باستثناء حملة التضامن التي لاقتها على شبكات التواصل الاجتماعي، مرت قضية مقتل الشابة اليمنية شروق أحمد (23 سنة) على أيدي أشقائها من دون أي إجراء أو بيان للسلطات والجهات الحقوقية المعنية، ومن دون أي تحرك معلن للمطالبة بملاحقة الجناة. شروق هي آخر قصة مأساة تخرج إلى الفضاء العام، في إطار ما يعرف بـ”جرائم الشرف”، التي تراق على إثرها دماء النساء، دون أي محاسبة تذكر.
و رغم ردود الفعل التي أثارتها المعلومات المنشورة بشأن القضية في وسائل الإعلام راهناً، إلا أن مصادر مقربة من عائلة الضحية أكدت لـ”درج”، أن الجريمة لا تزال دون أي تحرك نحو المحاسبة، في ظل الغموض الذي يلف ملابسات الجريمة وما ترتبط به من عادات اجتماعية، وصولاً إلى ما يعتبره البعض، تواطوءا من قبل الجهات المعنية بالتحقيق في القضية وضبط الجناة.
الشابة التي خنقها أشقاؤها وأحد أبناء عمومتها حتى الموت، هي أمُ لطفلة في الرابعة، وهي مطلقة، تقول المعلومات المتداولة إن الجناة اتهموها بعلاقة مع أحد الأشخاص، ليتم قتلها ونقلها إلى منطقة “الملحاء”، التي تنحدر منها في محافظة ذمار جنوب صنعاء، لتُدفن هناك وتدفن معها الحقيقة.
ويقول لـ”درج”، الكاتب والسياسي اليمني علي البخيتي، وهو الذي تصدر نشر المعلومات بشأن الضحية، إنها تعرضت للقتل والخنق وسط مزاعم بحملها، وسط صمت الناس، وكذلك السلطات التي لم تتحرك مطلقاً، ويضيف “الناس يعلمون بهذه التفاصيل لكنهم يخشون من الحديث لأنهم يعتبرون المرأة في اليمن أقل قيمة”.
•النيابة لم تتحرك
البخيتي الذي يقول إنه عرف شروق طفلة لأنهما من القرية ذاتها، يضيف أن “ما حصل جريمة موصوفة، قتلوا طفلها وقتلوها، والجريمة الأخطر أن أحداً لم يتحدث في القصة، كما أن أجهزة الدولة لم تتحرك. عندما سألت لماذا لا تتحرك النيابة قالوا إنهم يحتاجون إلى أن يرفع أحدهم شكوى، مع أنها جريمة يفترض بالنيابة أن تتحرك حيالها من دون وجود شكوى، خصوصاً أنها جريمة قتل”.
على هذا الصعيد، تقول لـ”درج”، وزيرة حقوق الإنسان السابقة في اليمن، حورية مشهور إن الجهة المعنية بالتحقيق تضم أقسام الشرطة والنيابة العامة ثم الإحالة للمحكمة، لكن ذلك يتم بنظرها “في الظروف العادية والطبيعية ولكننا في وضع استثنائي صعب، ووصول الناس إلى العدالة يكاد يكون معدوماً”.
وتتابع أنه “في مناطق سيطرة الحوثيين العدالة مسيسة وفِي مناطق سيطرة الشرعية وتحديداً عدن، تم تعطيل القضاء بإغلاق المجمع القضائي تحت مبررات سياسية ومطلبية واهية”.
•احتكام للتقاليد وقانون متساهل
تعد شروق أحمد، أحدث القضايا التي تخرج إلى الرأي العام، فيما تواجه كثيرات مصير القتل والتعنيف في العتمة، ولا تخرج قصصهن إلى العلن، وتتم التغطية على الجريمة بحجة “غسل العار” و”الشرف”.
وتقول مشهور لـ”درج”، إنه “في هذا الشأن وبصورة عامة المواطن اليمني لا يحتكم للقوانين بقدر احتكامه للتقاليد والعادات والأعراف القبلية”. على رغم أنها جرائم “محكومة ومنظمة في قانون الجرائم والعقوبات الفضفاض والذي يمكن القول إنه متساهل إلى أقصى حد مع مرتكبي الجرائم ضد النساء”.
وتضيف أنه بسبب ذلك، فإن “أولياء الأمور (الأب أو الأخ أو العم أو ابن العم او الجد ) يرتكبون هذه الجرائم بلا خوف من حساب أو عقاب؛ وفِي معظم الأحوال لمجرد شك أو احتمال، مثل الأب الذي قتل بناته الثلاث بسبب الفقر خوفاً من وقوعهن في الرذيلة، لأنه لم يعد قادراً في ظل ظروف الحرب على توفير لقمة العيش لهن”.
وبشأن الدور المفترض للجهات والمنظمات الحقوقية، تقول مشهور إن “دورها يقتصر على مناصرة الضحايا، فيما منظمات قليلة قد تتطوع وتقدم الدعم القانوني المجاني، ولكن في ظل وضع محسوم سلفاً لمصلحة الجناة وضد الضحايا”، وتتابع، “للأسف حاولنا تعديل بعض نصوص قانون الجرائم والعقوبات من دون جدوى وذلك لأن النساء غائبات بصورة كلية عن التمثيل في الجهاز التشريعي، وحالياً هو معلق ومعطل تماماً”. كما أن “هناك مبادرة لشبكة فوز للنساء المستقلات، بصياغة مشروع قانون مكافحة العنف ضد المرأة، لإقرار أحكام خاصة بجرائم قتل النساء، ربما حين نمضي إلى السلام وتستقر الأمور ويعود الجهاز التشريعي إلى العمل، يتم إحياء هذا المشروع”.
•توعية وقانون
ترى رندا محمد إعلامية يمنية، أن “قتل شروق أحمد ليس بجديد على المجتمع اليمني فقد سبقتها كثيرات، قتلن بالطريقة ذاتها وللأسباب والتهم ذاتها”. وتضيف “رأيي ببساطة المجتمع يحتاج لتوعية وقوة قانونية تردعه عن مثل هذهِ الجرائم”.
وتشدد في حديثها لـ”درج” على أن “السبيل الوحيد لإنصاف الضحايا هو تعديل القوانين، واستحداث دار رعاية في كل محافظة، وارقام لاستقبال أي قضية عنف”، وإذا ما كان هناك “قانون رادع ويطبق “سيخاف كثيرون، لكن ما دام القانون والعادات والتقاليد كلها تدعم الجاني وتسنده، فالجرائم ستزداد فظاعة”.
و في ظل غياب أي تحرك حقوقي نحو المطالبة بالعدالة، يقول البخيتي إن “المنظمات الحقوقية في اليمن يفترض أن تتحرك وتتقدم بشكوى إلى النائب العام”، ويضيف، “تصرف الأمم المتحدة والكثير من المنظمات، مئات الآلاف إن لم يكن ملايين الدولارات على المنظمات النسوية، لماذا لا تتحرك المنظمات النسوية في مثل هذه القضية وتتقدم بشكوى لمحاكمة الجناة؟ على الأقل قد نحمي نساء أخريات”.
•الحرب… القوّة للرجال
إلى جانب ما سبق، لا تبتعد الجريمة من مجمل الظروف التي تعيشها البلاد منذ سنوات، إذ تقول عضو التوافق النسوي في اليمن والأستاذة الجامعية د. بلقيس أبو اصبع لـ”درج”، إن الحرب أدت الى زيادة العنف القائم على النوع الاجتماعي بنسبة 63 في المئة، كما أن العنف العائلي ازداد “بعد جائحة كورونا بسبب الضغوط العائلية وبسبب الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها الأسر اليمنية”.
وتضيف، “الحرب أدت إلى تبديل في أدوار النساء وخروجهن بحثاً عن لقمة عيشهن وأصبحن في حالات كثيرة، المعيلات لأسرهن، لترفع الظروف الاقتصادية من نسبة العنف الموجه ضد النساء”، في ظل اختفاء الحماية الأمنية مع انهيار المنظومة الأمنية والقضائية في اليمن وقلة عدد النساء المحاميات اللاتي يمكن أن يستلمن قضايا من هذا النوع في مجتمع يعطي الرجل حق السيطرة على المرأة”.