اليمن: كيف استولى الحوثيون على نظام التعليم وأعادوا تشكيله في المناطق الشمالية؟
يمن فيوتشر - مركز صنعاء للدراسات-سلام الحربي* الجمعة, 22 أكتوبر, 2021 - 12:11 مساءً
اليمن: كيف استولى الحوثيون على نظام التعليم وأعادوا تشكيله في المناطق الشمالية؟

كغيره من القطاعات، يعاني قطاع التعليم في اليمن بشدة خلال الحرب الراهنة. تحولت الأنظمة التعليمية إلى سلاح حيث تسعى الأطراف المتحاربة إلى تشكيل الأجيال القادمة وغرس الهويات الطائفية والأيديولوجيات السياسية لتسهيل اختراق عقولها والسيطرة عليها. أصبحت المدارس في اليمن اليوم بعيدة كل البعد عن كونها منارة للتعليم إذ أنها أصبحت أشبه بساحات قتال لحرب موازية بعيدة عن جبهات الحرب.
وكحال كل الوزارات التي انقسمت إلى نسختين ونظرًا للبيروقراطية السائدة في اليمن، هناك وزارتا تعليم في البلاد: واحدة في حكومة الحوثيين غير المعترف بها بصنعاء وأخرى في الحكومة المعترف بها دوليًّا في عدن. تركز كل وزارة على تشكيل هويات الطلاب بطرق ستستمر في مفاقمة التوتر باليمن. لم يعد هناك منهجًا واحدًا أو رؤية مشتركة حول فكرة الدولة أو حتى هوية وطنية جامعة. هناك انقسام وانعدام ثقة وكره يُورث من جيل لآخر.
يتعرض الطلاب والمعلمون والإداريون في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين لعملية تغيير هوية بشكل مكثف. وساهم الوضع الاقتصادي السيء والأزمة المتعلقة بالعملة -وتحديدًا نفاد أموال البنك المركزي اليمني ووقف دفع الرواتب لمعظم موظفي الخدمة المدنية، بما ذلك المعلمين، في عام 2016- في تسهيل هذه العملية إلى حد ما. ومنذ ذلك الحين، حظي المعلمون في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا على بعض الاستقرار في الدخل بينما ظل المعلمون في مناطق سيطرة الحوثيين يعانون من انقطاع الرواتب الحكومية، الأمر الذي دفع بالكثير منهم للبحث عن مصادر أخرى للدخل وانضم بعضهم إلى الجماعات المسلحة لإعالة أسرهم.
واجه الطلاب مصاعب مماثلة حيث فقدت الكثير من العائلات قدرتها على تحمل نفقات التعليم. فضلًا عن النقص في عدد المدرسين بالمدارس. قدّر تقرير نشرته منظمة مواطنة في وقت سابق من هذا العام أن 81% من التلاميذ توقفوا عن الدراسة لفترات مختلفة خلال العام الدراسي نتيجة القتال وأكثر من 53% فقدوا عامًا دراسيًّا كاملًا.
وكما فعلوا في معظم مؤسسات الدولة، استبدل الحوثيون معظم المسؤولين في وزارة التربية والتعليم بموالين لهم.
عام 2016، عُيِّن يحيى الحوثي، الأخ غير الشقيق لزعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، وزيرًا للتربية والتعليم. ينحدر كل من نائب الوزير ووكيل الوزارة، وكلاهما بارزان في جماعة الحوثيين، من معقل الجماعة في محافظة صعدة بينما ينتمي تقريبًا جميع مدراء التربية في المحافظات والمديريات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين إلى فئة الهاشميين المنتمين للجماعة.
سيطر الحوثيون بشكل كامل تقريبًا على قطاع التعليم عبر تعيين أفرادهم في أجهزة الدولة، غير أن هذه الشخصيات تعمل في الواقع ضمن تسلسل هرمي في التسلسل القيادي المركزي للحوثيين وبيروقراطية الدولة.
على سبيل المثال، نائب الوزير، قاسم الحمران، يقود تشكيل السياسة التعليمية في المناطق الشمالية بالرغم من أن يحيى الحوثي ليس الوزير فقط، بل أيضًا شقيق عبدالملك الحوثي، الزعيم المطلق لجماعة الحوثيين المسلحة. كما أن الحمران أيضًا القائم بأعمال المكتب التنفيذي لجماعة الحوثيين وله دوائر موازية لوزارة التربية والتعليم وغيرها من المؤسسات الحكومية.
أقصى الحوثيون بشكل ممنهج المنتمين لحزب الإصلاح من مناصبهم في الوزارة منذ 2015، ثم معظم المنتمين لحزب المؤتمر الشعبي العام بعد مقتل صالح عام 2017.  
وبهدف ضمان ولاء من تبقى من المعلمين وموظفي الوزارة، فرض الحوثيون عليهم حضور ما يسمى “بدورات ثقافية” تركز على نشر أيديولوجية الحوثيين.
أدخل الحوثيون أيضًا تغييرات على المنهج المدرسي والعطل المدرسية، وفرضوا الاحتفال بـ 16 مناسبة طائفية وسياسية،[2] مثل عاشوراء، وهي مناسبة يحتفل بها المسلمون الشيعة ولم يُحتفل بها في اليمن قط حتى في ظل حكم الأئمة الزيديين.
يجتمع مدراء المدارس على مستوى كل مديرية كل أربعاء للاستماع لمحاضرة لزعيم الجماعة عبدالملك، أو شقيقه حسين، مؤسس الجماعة، في قاعات مخصصة.
وحسبما قال مدير إحدى المدارس لمركز صنعاء شريطة عدم الكشف عن اسمه، يسجل الحوثيون قائمة بالحضور ويدرك الحاضرون أنه يتم تقييمهم. وبحسب مدير مركز امتحاني في صنعاء، يمنح الحوثيون طلاب الثانوية العامة الذين يقاتلون في صفوفهم معدلات مرتفعة، حتى لو لم يلتحقوا بالمدارس فعليًّا.
كما يفرض الحوثيون رقابة مشددة على التعليم الأهلي الذي اكتسب شعبية متزايدة نتيجة تراجع جودة التعليم الحكومي.
أُغلقت المدارس الأجنبية الخاصة بصنعاء، كالمدرسة الأمريكية، منذ 2015، وتوقف الحوثيون عن إصدار تراخيص للمدارس الجديدة. ويناقش البرلمان في صنعاء حاليًّا قانونًا جديدًا يسمح فقط للدول التي لها اتفاقيات تبادل ثقافي مع سلطات الحوثيين بفتح مدارس خاصة في مناطق سيطرتهم. فقط إيران وسوريا لديهما برامج تبادل ثقافي مع الحوثيين وتعترفان بحكومة الحوثيين. كما ينص القانون على السماح للحوثيين بإلغاء ترخيص أي مدرسة تنشر “مبادئ وأفكار تتنافى مع الشريعة الإسلامية وقيم وأخلاق الشعب اليمني.”

•التعليم العالي
وزير التعليم العالي في حكومة الحوثيين هو حسين حازب، شيخ قبلي وعضو في حزب المؤتمر الشعبي العام، ولكن نائبه ووكلاء الوزارة الذين يرسمون سياساتها جميعهم حوثيون.
تشمل التغييرات التي أدخلها الحوثيون على طلاب الجامعات فرض مقررات جديدة وإجبارية عن الصراع العربي-الإسرائيلي والثقافة الوطنية.
الكثير من هذه المقررات تُدرس من قِبل أفراد حوثيين ليسوا موظفين في الجامعات ولا يملكون الشهادات اللازمة التي تؤهلهم للتعليم.
ومنذ سيطرتهم على صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، تعاقب على رئاسة جامعة صنعاء ثلاثة رؤساء عينتهم سلطات الحوثيين، وسرعان ما فرضوا سياسات صارمة تمنع الاختلاط داخل حرم الجامعة. كما أمروا حراس أمن الجامعة بتوقيف أي طالب يتحدث مع زميلة له. في الوقت نفسه، عُلقت رواتب أساتذة الجامعات، مثل الموظفين الآخرين في القطاع العام، وعام 2018 فصل الحوثيون أكثر من مائة مدرّس.
كما يجب إرسال أطروحات الماجستير والدكتوراه إلى لجنة خاصة يعين أعضاءها جماعة الحوثيين لتنقيح المحتوى وفقًا لرؤية الجماعة. كما داهمت قوات الحوثيين الأمنية المدارس والجامعات في صنعاء وغيرها من المناطق لعدم التزامها بالضوابط الجديدة.
فرض الحوثيون قيودًا مماثلة على الجامعات الأهلية. على سبيل المثال، اعتُقل رئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا أوائل 2020 وعُيِّن موالٍ للحوثيين مكانه. ردت الحكومة المعترف بها دوليًّا على ذلك برفضها اعتماد شهادات الجامعة.
كما غيّر الحوثيون أسماء القاعات الجامعية وسموها على اسم رموز الجماعة، وحظروا حفلات التخرج المختلطة والتقاط صور المتخرجين والمتخرجات سويًّا، وخصصوا نسبة معينة في جميع الكليات الجامعية لأفراد الجماعة الذين قتلوا في الحرب وأُعفوا من الرسوم.
يهدف نهج الحوثيين فيما يخص قطاع التعليم إلى تشكيل هوية الأطفال الاجتماعية والوطنية لتتناغم مع أيديولوجية الجماعة المذهبية وتخدم أهداف الجماعة السياسية على حساب المعرفة الحقيقية واكتساب المهارات، الأمر الذي يمثل تهديدًا طويل الأمد على التعايش السلمي الاجتماعي والذي من المحتمل أن يخلق أجيالًا جديدة تعتبر التنوع والاختلاف والتفكير النقدي والمعرفة والعلوم أمورًا يجب الخوف منها ومهاجمتها.
يهدد هذا النوع من “التعليم” استقرار البلاد عبر زرع بذور صراعات مستقبلية، ويسلب اليمن من المهارات التي يحتاجها الناس لإعادة إعمار البلاد وتطويرها.
إن الحرب التي تمزّق البلاد حاليًّا وتسبب هذه المعاناة لليمنيين، التي تشمل إرسال الأطفال إلى جبهات القتال، مروّعة أصلًا. جهود الحوثيين التي تحكم على أطفال اليمن بمستقبل كهذا أو حتى أسوأ من هذا هي جهود بغيضة للغاية يجب مقاومتها قدر الإمكان.

*سلام الحربي هو مواطن يمني مقيم في صنعاء، حُجبت هويته لأسباب أمنية.


التعليقات