باريس: إن الصراع الذي طال أمده في اليمن مهيأ للحل أكثر من أي وقت مضى. لقد استنفد اليمنيون من جميع الأطراف القتال وسارعوا بتبني النداء الذي أصدره الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في مارس من أجل وقف إطلاق نار عالمي وسط جائحة “كوفيد 19”.
في الشهر التالي، أعلن التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن عن وقف لإطلاق النار من جانب واحد لمدة أسبوعين، ومدده لاحقًا.
أحرزت الأطراف المتحاربة بالفعل تقدماً ملموساً نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في المفاوضات التي توسط فيها مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن، مارتن غريفيث. علاوة على ذلك، وافق المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، الذي تدعمه الإمارات العربية المتحدة، في يونيو على استئناف المحادثات مع الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، وبالتالي إنهاء القتال في محافظات أبين وشبوة وسقطرى.
إيران، التي تدعم حركة الحوثيين المتمردة (المعروفة رسمياً باسم أنصار الله)، ليس لديها سبب استراتيجي للوقوف في طريق التوصل إلى اتفاق. بشكل حاسم، على الرغم من أن القوى الدولية بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند والدول الأوروبية الرائدة تكافح من أجل التعاون بشأن اليمن، فمن غير المحتمل أن تعرقل التقدم نحو إنهاء القتال.
من الكرملين إلى وايتهول إلى البيت الأبيض، فإن استحسان إنهاء المعاناة في اليمن معترف به على نطاق واسع. بلداننا ليس لديها ما تكسبه من استمرار الحرب الأهلية.
في الواقع، في 1 يوليو، أصدر مجلس الأمن الدولي قرارًا يدعم نداء غوتيريس من أجل وقف عالمي لإطلاق النار، وهو قرار يمكن الاستفادة منه لمساعدة اليمن.
هناك الكثير للبناء عليه، ولكن يجب اغتنام الفرصة. لن تبقى النافذة الحالية لإنهاء الحرب الأهلية مفتوحة لفترة طويلة، والتطورات الأخيرة في خطر الآن. إذا أغلقت النافذة دون أن تتوصل الأطراف المتحاربة إلى اتفاق سلام، فإن اليمن تخاطر بالانزلاق إلى مزيد من الفوضى والصراع، مما يثير شبح كارثة مستمرة على مضيق باب المندب الاستراتيجي.
لقد تحولت الصراعات المأساوية في ليبيا وسوريا إلى حروب بالوكالة معقدة غير قابلة للوساطة الدولية. لا تزال اليمن بعيدة بعض الشيء عن تلك النقطة، ويعود ذلك جزئياً إلى قلة عدد اللاعبين الخارجيين المشاركين مباشرة في النزاع. لكن الوقت ليس في صالحه. إن فقدان الفرصة الحالية للسلام سيكون أمراً غير معقول، نظراً لتفشي وباء كوفيد 19 وعدم قدرة اليمن على الاستجابة له.
وتشمل العوائق المتبقية أمام وقف إطلاق النار الدائم والاتفاق السياسي شروط فتح مطار صنعاء وميناء الحُديدة. وقد أدى إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي في أبريل والعنف الذي أعقب ذلك إلى تعقيد عملية السلام. ويؤكد هجوم الحوثيين في 23 يونيو على الرياض على خطر تصعيد القتال بين الحوثيين والتحالف بقيادة السعودية.
تتطلب كارثة اليمن الإنسانية التي تلوح في الأفق وحاجة شعبه للسلام، اتخاذ إجراءات على ثلاثة مستويات:
أولاً، يجب على الأطراف المتحاربة قبول اقتراح وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة وتنفيذه على الفور، بناءً على وقفة التحالف بقيادة السعودية من جانب واحد.
ثانيًا ، على حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المدعومة من السعودية والمجلس الانتقالي الجنوبي مواصلة المحادثات بشأن تنفيذ اتفاقية الرياض في نوفمبر 2019 التي وقعها الجانبان. إعلان 29 يوليو الصادر عن المجلس الانتقالي الجنوبي أنه سيتخلى عن تطلعاته إلى الحكم الذاتي يمثل خطوة مهمة إلى الأمام يأمل المرء أن يؤدي إلى مزيد من تصعيد التوترات.
ثالثاً، يجب على المجتمع الدولي تشجيع جميع أطراف النزاع على تحويل الزخم الإيجابي الأخير إلى تسوية سياسية شاملة ودائمة وعادلة. إن الحل القائم على تقاسم السلطة سيسمح لليمن بإعادة البناء والازدهار واستعادة العلاقات الجيدة مع جيرانها. إن جهود إعادة الإعمار التي يقودها مجلس التعاون الخليجي في اليمن وتنشيط التجارة الإقليمية من شأنها أن تدعم هذه العملية وتبشر بعهد جديد من التعاون في الخليج وشبه الجزيرة العربية. على الرغم من أن الأطراف المتحاربة يجب أن تتخذ الخطوات الأولى إلى الأمام، فإن الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية لها دور مهم تؤديه في إنهاء الصراع الآن.
تمنح قمة العشرين في نوفمبر في الرياض السعودية فرصة لإظهار القيادة الدولية وإحراز تقدم في اليمن. دعم أكبر من المجتمع الدولي للاتفاق، وخاصة القوى العظمى، يمكن أن يؤثر في التوازن لصالح اتفاق دائم.
إن السلام أمر حاسم أولاً وقبل كل شيء للشعب اليمني الذي عانى طويلاً. لكن التسوية الدائمة ستكون أيضًا بمثابة خطوة لبناء الثقة نحو الاستقرار في الشرق الأوسط، وسوف ترسل إشارة إيجابية كبيرة في وقت يزداد فيه الاحتكاك