حالة من الذهول والصدمة انتابت الطبيب اليمني عبد الرحمن الطيب عندما أبلغه المستشفى الذي يعمل به في جنوب السعودية بأنه لن يتم تجديد عقده، ليجد نفسه أمام خيار صعب إما العودة إلى بلده الذي يعاني ويلات الحرب أو محاولة العثور على عمل في بلد آخر.
حالة الطبيب اليمني ليست فردية، فقد قال يمنيون لرويترز، إن مئات العاملين في المجال الطبي وأكاديميين وآخرين في المنطقة الجنوبية بالمملكة المتاخمة لليمن تم إبلاغهم في الأسابيع القليلة الماضية بأنه تقرر الاستغناء عنهم.
ولا يُعرف العدد على وجه التحديد. وقال مسؤولون في هذه المؤسسات إنهم لم يتلقوا أي مبرر للأوامر الحكومية بعدم تجديد عقود اليمنيين.
ولم يصدر أي تفسير رسمي ولم ترد السلطات السعودية واليمنية على طلبات رويترز للتعليق. وذكرت مصادر يمنية لرويترز أنها لا تعرف سبب حدوث ذلك وأنها غير مستعدة لتقديم أي فرضيات.
وقال محلل سعودي تحدث شريطة عدم نشر اسمه إن الخطوة تهدف إلى توفير فرص عمل للمواطنين في الجنوب في إطار جهود لمعالجة مشكلة البطالة في السعودية والتي بلغت 11.7 بالمئة، كما أن الخطوة مدفوعة أيضا باعتبارات أمنية في المناطق القريبة من الحرب، حيث يخوض تحالف بقيادة السعودية قتالا ضد جماعة الحوثي اليمنية.
وقال مصدر بالحكومة اليمنية تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب الحساسيات السياسية إن التوجيهات الجديدة قد تؤثر على “عشرات الآلاف” من اليمنيين بمن فيهم العمال. ولا يعرف المصدر السبب وراء صدور هذه الأوامر.
وقال الطيب (40 عاما) والذي ينحدر من منطقة إب في اليمن ويعيش في السعودية مع زوجته وطفليه “جميع الأطباء اليمنيين العاملين في المستشفيات الحكومية (بجنوب المملكة) أُبلغنا أن عقودنا لن تجدد”.
وأضاف الطيب الذي رفض ذكر اسم المستشفى الذي يعمل به منذ ست سنوات أن المستشفى أبلغه أمس الاثنين بأن مكتب العمل أمرهم بوقف تجديد العقود وتقديم إشعار لمدة شهرين. وينتهي عقد الطيب في ديسمبر كانون الأول.
وقال لرويترز “الخبر مفاجئ ونحن مصدومون مع أن اليمنين يتجنبون المشاكل، خاصة مع الحرب لأنه لا يوجد لهم طريق آخر للعيش”.
وتشير وثيقة من وزارة الصحة السعودية بتاريخ 27 يوليو تموز موجهة إلى مستشفى في الباحة بالجنوب الغربي واطلعت رويترز على صورة لها إلى تعليمات “بشأن إيقاف التجديد والتعاقد مع المتعاقدين من الجنسية اليمنية”.
•“أزمة حقيقية”
تشير إحصائيات مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية إلى أن مليوني يمني يعملون في السعودية. وليس من الواضح عددهم في المنطقة الجنوبية.
ويحول معظمهم أموالا إلى ذويهم في اليمن حيث الأوضاع قاتمة بسبب الحرب. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن واحدا من كل عشرة أشخاص في اليمن يعتمد على تحويل الأموال لتلبية الاحتياجات الأساسية.
وتعتبر التحويلات أيضا مصدرا مهما للعملة الأجنبية لليمن الذي تواجه حكومته صعوبات لدفع رواتب العاملين في القطاع العام.
وقال المصدر بالحكومة اليمنية المدعومة من السعودية إن الرئيس عبد ربه منصور هادي أثار الموضوع في الأيام الماضية مع نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان وإن وزيري خارجية البلدين سيجرون مزيدا من المناقشات.
وقال حمدي الحكيمي أمين عام منظمة أطباء اليمن في المهجر المسجلة في هولندا إن تقديرات المنظمة تشير إلى أن مئات اليمنيين في الجامعات والمؤسسات الصحية في جنوب المملكة تضرروا من “عمليات استغناء جماعية”.
وقال الحكيمي لرويترز “يمر زملاؤنا الاطباء والاكاديمين حاليا بازمة حقيقية كون الامر كان مفاجئا حيث تشكل العودة المفاجئة لليمن تهديدا لحياة الكثيرين منهم في ظل ظروف الحرب و الصراع الموجود في اليمن .. لا زلنا نامل ان يتم اعطاءهم الوقت الكافي لايجاد فرص عمل ملائمة في دول امنة اخرى”.
وقال عدد من الأساتذة اليمنيين الذين تحدثوا مع زملائهم في جامعات الجنوب لرويترز إن جامعة نجران أنهت عقود 100 يمني. وقال البعض إنه تم تسريح نحو 200 من العاملين بجامعات أخرى في الجنوب.
وأشارت وثيقة أصدرتها جامعة نجران بتاريخ الثامن من أغسطس آب واطلعت عليها رويرز إلى “مقتضيات المصلحة العامة” في إخطار بإنهاء خدمة أستاذ يمني مساعد اعتبارا من 14 أغسطس آب. وقالت إن القرار وافق عليه رئيس الجامعة في 27 يوليو تموز.
وعرض الإخطار راتب شهرين بالإضافة إلى أي مستحقات بما في ذلك مكافأة نهاية الخدمة وتذكرة العودة إلى الوطن. ولم ترد الجامعة على طلب للتعليق.
•مستقبل غامض
قال أحمد خليل (31 عاما) الذي يعمل في شركة مقاولات بنجران منذ نحو 11 عاما إن الشركة أبلغته بصدور تعليمات من أمانة المنطقة بإنهاء عقود كل اليمنيين.
وقال خليل وهو أب لطفلين وتعيش أسرته في تعز باليمن “لا أعرف كيف سيكون مصيري أنا والآلاف مثلي”.
ولا يزال البعض يأمل في عدم إجبارهم على العودة.
وقال المحاسب عبد الله الذي يعيل ثلاثة أبناء في الوطن إن شركته في جازان وعدت محاولة نقله وسبعة يمنيين آخرين إلى فروع أخرى في المملكة.
وقال “وحتى اليوم مالك الشركة يطمني انه… سيقوم بنقلي إلى محافظة أخرى… لكنني ما زلت قلقا جدا”.