تحليل: من صنعاء إلى تل أبيب.. جبهة المواجهة الجديدة في الصراع الإيراني–الإسرائيلي
تحليل: من صنعاء إلى تل أبيب.. جبهة المواجهة الجديدة في الصراع الإيراني–الإسرائيلي

أصبحت اليمن الجبهة الأحدث في المواجهة الواسعة بين إيران وإسرائيل. فمع تراجع نفوذ طهران في سوريا وضعف حزب الله في لبنان، باتت إيران تعتمد بشكلٍ متزايد على جماعة الحوثيين بوصفهم الشريك الأكثر نشاطاً ضمن ما يُعرف بـ«محور المقاومة». وقد أدّت هجمات الحوثيين على إسرائيل والسفن في البحر الأحمر إلى إدخال اليمن في صراعٍ تجاوز حدوده المحلية والإقليمية التقليدية.
ومع تنامي الأهمية الاستراتيجية لليمن، فإن اعتماد طهران على الحوثيين يعكس حساباتٍ جيوسياسية أوسع نطاقاً.
ولا ترغب إيران في أن يُغلق ملف غزة من دون أن تكون طرفاً في أي تسويةٍ إقليمية نهائية، إذ إن أي اتفاقٍ يُستثنى منه الدور الإيراني سيكون خطيراً عليها، لأنه سيُعرّضها لمواجهةٍ مباشرة مع إسرائيل، التي ستتفرغ حينها بالكامل لمجابهة إيران وحدها.
ومن خلال تمكين الحوثيين وتوسيع نطاق عملياتهم في البحر الأحمر، تسعى إيران إلى ضمان موقعٍ لها في أي إطار تفاوضي مستقبلي، مع إبراز الأهمية الاستراتيجية لموقع الحوثيين على أحد أهم الممرات البحرية في العالم.
فقد أدّت هجمات الحوثيين على إسرائيل والسفن في البحر الأحمر إلى زجّ اليمن في صراعٍ لم يعد محصوراً في أبعاده المحلية أو الإقليمية.
ويتعزّز هذا النهج أكثر بفضل النزعة العدوانية العابرة للحدود لدى الحوثيين، الأمر الذي يجعل منهم حليفاً استراتيجياً مثالياً لإيران في مسعاها إلى توسيع نفوذها، وممارسة الضغط على الدول الغربية، وابتزاز المجتمع الدولي من خلال تهديد التجارة العالمية وأمن الطاقة.

 

•إعادة تموضع إيران بعد انتكاساتها في سوريا ولبنان
أدّى انهيار شبكات طهران التقليدية في سوريا ولبنان إلى فراغٍ استراتيجي سعت إيران إلى ملئه من خلال تعميق استثمارها في اليمن، حيث قدّمت للحوثيين أسلحة متطورة وشبكات تهريب، بل وخطوط إنتاج لصناعة الصواريخ والطائرات المُسيّرة.
وقد حوّل ذلك الحوثيين من حليفٍ تكتيكي إلى شريكٍ استراتيجي، ليصبحوا امتداداً لسياسة الردع الإيرانية الأوسع نطاقاً، ليس فقط في مواجهة إسرائيل، بل أيضاً في تهديد دول الخليج وتقويض المصالح الأمريكية بشكلٍ مباشر في المنطقة.
إضافةً إلى ذلك، تصاعدت أنشطة التهريب بشكلٍ ملحوظ، خصوصاً بعد الحرب الإيرانية–الإسرائيلية. فخلافاً للتوقعات التي افترضت أن إيران ستُعطي الأولوية لاستقرارها الداخلي، قام الحرس الثوري الإيراني بتوسيع برنامجه لتهريب الأسلحة إلى الحوثيين. وتشير التقارير إلى أن مئات الأطنان من الأسلحة، وحتى خطوط إنتاجٍ كاملة، نُقلت إليهم، في دلالةٍ واضحة على أن إيران لا تنوي التخلي عن استثمارها الطويل الأمد في الحوثيين.
والأخطر من ذلك أن إيران نُقل عنها قيامها بنقل جزءٍ من صناعتها في المخدرات — وتحديداً إنتاج الكبتاغون (Captagon) — من سوريا إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

 

•ديناميات الضربات الإسرائيلية: من استهداف البنية التحتية إلى القيادات
شهدت عمليات إسرائيل ضد الحوثيين تطوراً ملحوظاً في طبيعتها وأهدافها. ففي بدايتها، ركّزت على تدمير البنية التحتية — من الموانئ والمنشآت النفطية ومحطات الكهرباء — مما أدى إلى شلّ نحو 85% من القدرة التشغيلية للموانئ الخاضعة للحوثيين.
وعلى عكس التوقعات التي رجّحت أن تُعطي إيران الأولوية لاستقرارها الداخلي، وسّع الحرس الثوري الإيراني برنامجه لتهريب الأسلحة إلى الحوثيين.
ومؤخراً، تحوّل تركيز الضربات الإسرائيلية نحو استهداف القيادات. فرغم أن بعض الشخصيات السياسية البارزة — مثل عددٍ من الوزراء — كانت ضمن المستهدفين، فإن تلك الضربات حملت طابعاً رمزياً، نظراً لأن السلطة الفعلية تتركز بيد (عبد الملك الحوثي) ودائرته المقرّبة.
أما مقتل سبعةٍ من القادة العسكريين المتوسطين في صنعاء في 8 سبتمبر/أيلول 2025 فقد شكّل تصعيداً نوعياً، إذ لم تكن تلك ضرباتٍ رمزية، بل عمليات دقيقة تهدف إلى تفكيك الهيكل القيادي العسكري للحوثيين.
وفي الوقت نفسه، تسببت العمليات الإسرائيلية بسقوط ضحايا مدنيين، مما يعكس استراتيجية مزدوجة تقوم على ممارسة ضغطٍ سياسي من جهة، ودفع المجتمع الدولي نحو تبنّي موقفٍ أكثر تشدداً تجاه الحوثيين من جهةٍ أخرى.

 

•اليمن والبحر الأحمر كجبهةٍ متقدمة وساحةٍ تعويضية لإيران
أصبح الحوثيون اليوم الشركاء الأكثر استراتيجية لإيران ضمن «محور المقاومة». فبفضل قدرتهم على تهديد دول الخليج مثل السعودية والإمارات، واستهداف المواقع والمنشآت الأمريكية في المنطقة، ومهاجمة إسرائيل بشكلٍ علني، تحوّلت اليمن من ساحة صراعٍ داخلية إلى جبهةٍ إقليمية ودولية متقدمة.
ومن منظور طهران، يُشكّل الحوثيون قوة «تقاسم أعباء»، إذ يُخففون الضغط المباشر على إيران ويضمنون أن تتّسع دائرة المواجهة مع إسرائيل وشركائها لتشمل البحر الأحمر، الشريان الحيوي للتجارة العالمية.
أما على الصعيد الداخلي، فتستمر الانتهاكات دون توقف، من الاعتقالات التعسفية واحتجاز موظفي الأمم المتحدة بتهمٍ ملفقة، إلى إصدار أحكامٍ بالإعدام ضد المعارضين وتجنيد الأطفال.

 

•الخسائر المدنية والقمع الداخلي
تأتي التصعيدات الخارجية المتهورة للحوثيين على حساب المدنيين وبكلفةٍ إنسانية باهظة. فقد أسفرت الضربات الإسرائيلية عن سقوط ضحايا من غير المقاتلين، في حين يُظهر الحوثيون استخفافاً تاماً بمعاناة المدنيين وخسائرهم، ولم تبذل الجماعة أي جهدٍ لإنشاء ملاجئ أو بنية تحتية للحماية أو خطط طوارئ.
وبينما تتمتع قيادات الحوثيين بحمايةٍ تامة وتعيش في عزلةٍ آمنة، يُترك المواطنون العاديون لمواجهة تبعات أفعالهم.
وفي الوقت نفسه، تستغل الجماعة سقوط الضحايا المدنيين كأداةٍ دعائية لتكريس سيطرتها الداخلية وحشد الدعم الشعبي تحت شعارات غزة و«المقاومة».
أما داخلياً، فيستمر القمع دون انقطاع. وبدل أن تُضعِف الضربات الإسرائيلية الجماعة، استغلها الحوثيون لتعزيز قبضتهم على المجتمع وترسيخ هيمنتهم السياسية والأمنية.

 

•مرحلة جديدة وخطيرة
لقد تشابك الصراع اليمني بشكلٍ كامل مع المواجهة الإيرانية–الإسرائيلية. فالضربات الإسرائيلية — وإن كانت تدريجية — أصبحت أكثر دقة واستهدافاً، مما يشير إلى مرحلة اختبارٍ في الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه الحوثيين.
وفي المقابل، عمّقت إيران دعمها للجماعة، لتجعل منها ركيزةً أساسية في تموضعها الإقليمي.
وفي خضم ذلك، يجد المدنيون أنفسهم عالقين في المنتصف، بوصفهم الضحايا الحقيقيين لصراعٍ لم تعد اليمن فيه ساحةً داخلية فحسب، بل تحوّلت إلى جبهةٍ متقدمة في معركة السيطرة الإقليمية والدولية.

 

لقراءة المادة من موقعها الأصلي: 

https://orfme.org/expert-speak/from-sanaa-to-tel-aviv-the-new-frontline-in-the-iran-israel-confrontation/


التعليقات