في مجتمع يمني تحكمه السلطة الأبوية والعُرف الاجتماعي، تُترك النساء ضحايا للعنف الأسري دون حماية قانونية أو مؤسسية فعلية. وبينما يُفترض أن توفّر الأسرة والسلطات الحماية، تتحول هذه الجهات ذاتها إلى أدوات قمع تُسكت أصوات النساء وتُهمل شكواهن، لتضيع قضاياهن "بلا صدى".
تنشأ الفتاة في البيئة التقليدية اليمنية على طاعة ولي أمرها - أباً كان أم أخاً أو عمًّا - حتى تُسلَّم إلى زوجها الذي يتولّى "القيادة" نيابة عنهم. تُمنح هذه القيادة غطاءً عرفيًا وأحيانًا دينيًا، فتُفرض على المرأة واجبات ضخمة مقابل حماية مشروطة بالطاعة الكاملة. وإذا ما تمردت، غالبًا ما تُقمع بعنف يُبرّر تحت مسمى "التأديب"، مما يتركها ضحية بلا حيلة.
في صنعاء، تعرّضت الشابة لمياء عزيز (اسم مستعار)، لهجوم عنيف من زوجها. بعد تفاقم الخلافات بينهما، حاولت التواصل معه لفتح باب الحوار، خاصة فيما يتعلق بأطفالهما. خلال لقاء جمعهما، أخذ الزوج الأطفال إلى مكان بعيد، وعندما لحقت به، اعتدى عليها بقطعة حديد على وجهها، مما أفقدها الوعي والبصر مؤقتًا.
تُعد وصاية الأب مطلبًا أساسيًا للفتاة كي تحظى باحترام المجتمع وتُعتبر ذات تربية ورعاية أسرية جيدة. لكن المشكلة تظهر حين تُستخدم هذه السلطة لتبرير القمع والإذلال
عندما تقدمت بشكوى للشرطة، لم تجد لمياء سوى التجاهل، إذ اعتبر الضابط المناوب الحادثة "خلافًا زوجيًا عابرًا".
لم يُحرر محضر رسمي إلا بعد ضغط من إخوتها، لكنه لم يُوثّق الجوانب الجنائية بشكل كافٍ.
تقول لمياء لمنصة "هودج": "الشرطة بيئة مرعبة للنساء، فبدون سند قوي أو دعم، لا أحد يستمع إلى شكواكِ."
بعد الحادث، قررت لمياء تعلٌّم الكاراتيه لحماية نفسها، ورغم صدور حكم غيابي ضد الزوج، إلا أنه ما يزال هارباً، بينما قضيتها في فسخ الزواج معلقة منذ أكثر من عامين.
سلمى، هي الأخرى لجأت إلى حماية الأسرة بعد تعرضها للضرب والطرد من منزل الزوجية. في جلسة الصلح، سمعت العبارة المعتادة من الضابط المسؤول: "إحنا مش محكمة، إحنا نصلّح.. البيوت أسرار."
لم يُسأل الزوج لماذا اعتدى عليها، وكيف سمحت له "رجولته" أن يُخرجها من البيت، ولم يُطلب منه الاعتذار. فقط تعهد خطي بعدم التكرار، وعادت سلمى إلى واقعها المرير، تجرّ وجعها دون سند.
وفقًا لدراسة أجرتها منظمة مواطنة في العام 2022، فقد أبلغت النساء في 39.9% من الحالات الموثقة إلى الشرطة والمؤسسات القضائية، ولجأت ما نسبته 15.5% إلى الشرطة بسبب التعذيب أو الضرب المبرح أو كونهنّ ضحايا لمحاولة قتل.
النقيب توفيق النماهي، من الإدارة العامة لحماية الأسرة بوزارة الداخلية بصنعاء، يؤكد أن التعامل مع هذه القضايا يتم عبر آليات "صلح مجتمعي"، تتضمن استدعاء الزوج وعاقل الحارة، مع الاكتفاء بتعهده بعدم تكرار الاعتداء.
وبحسب الدراسة فإن عدد من الحالات أعاقت الشرطة وصول النساء المعتدى عليهنّ إلى العدالة، إما برفضهنّ قبول بلاغات العنف الأسري المقدمة من النساء في المقام الأول، أو بتوجيه المستنجدات بدعوى إلى الشيوخ أو المحكمة الجزائية فقط، أو عبر منطقيّة الشرطة بأن "الزوج لا يُعقل أن يفعل مثل هذا الأمر"!
يقول المحامي هاني الورافي، عضو في شبكة المحامين لحماية النساء في صنعاء: "غالبًا ما تُجبر النساء على التراجع عن الشكوى لأن القسم يضغط عليهن بحجة الحفاظ على الأسرة. وهناك فقر قانوني أيضًا، فاليمن لا يملك قانونًا مستقلًا لحماية المرأة من العنف الأسري، مما يجعل قضايا الضرب أو الطرد تُدرج تحت مظلة "خلافات أسرية"، لا جنح جنائية."
تعاني النساء المعنّفات من سلسلة عوائق تبدأ من الأسرة التي قد ترفض حتى السماح لابنتها بتقديم بلاغ، إلى القسم الذي يضع "عقل الحارة" و"جلسة الصلح" كبديل عن الإجراءات القانونية، ثم القضاء الذي قد يطيل أمد التقاضي أو لا ينفذ الأحكام.
يقول الضابط زكريا السداوي من قسم شرطة سعوان بالعاصمة صنعاء، إن أقسام الشرطة غالبًا ما تطلب من النساء التواصل مع أسرهن أولًا، حتى في حال تواجدهن بمناطق مختلفة وبعيدة عنهم، في تجاهل واضح لحقهن القانوني في الوصول إلى العدالة. وبرر ذلك بأنه لا يحق له التدخل في هذا، وأنه يتم تحويل الحالات إلى مركز حماية الأسرة لمتابعة القضية.
النقيب توفيق النماهي، من الإدارة العامة لحماية الأسرة بوزارة الداخلية بصنعاء، يؤكد أن التعامل مع هذه القضايا يتم عبر آليات "صلح مجتمعي"، تتضمن استدعاء الزوج وعاقل الحارة، مع الاكتفاء بتعهده بعدم تكرار الاعتداء.
يُعلّق الدكتور محمود البكاري، أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز، بالقول: "لا يمكن الجزم بأن العنف الاجتماعي ناتج عن الحماية أو السلطة الأبوية بشكل مطلق، خصوصًا في مجتمع محافظ يقوم على منظومة من القيم والعادات.
مضيفًا: تُعد وصاية الأب مطلبًا أساسيًا للفتاة كي تحظى باحترام المجتمع وتُعتبر ذات تربية ورعاية أسرية جيدة. لكن المشكلة تظهر حين تُستخدم هذه السلطة لتبرير القمع والإذلال، كما يحدث عندما تُحرم الفتاة من حقها في التعليم أو العمل أو المشاركة في قرار زواجها.
مؤكدًا بأن الوعي المجتمعي يجب أن يُوازن بين الرعاية واحترام خصوصية الفتاة ومشاعرها وحقها في الحياة.
يُظهر الواقع أن المرأة في اليمن ليست فقط ضحية للعنف، بل أيضًا لثقافة تُبرّره، ومؤسسات تُغطيه، ومجتمع يُخفيه، مما يجعل الحاجة إلى وعي مجتمعي حقيقي أمرًا لا غنى عنه.