الحوثيون يواصلون ضرب الخاصرة الرخوة لإسرائيل، ليس لأنهم يتميزون بعبقرية خاصة أو بخيال عسكري استثنائي، بل لأنهم ببساطة دأبوا على استهداف الدولة العبرية بشكلٍ متواصل منذ ما يقارب العامين، مستفيدين من موقعهم الجغرافي البعيد الذي يمنحهم القدرة على توجيه هجمات بالطائرات المُسيّرة من مختلف الاتجاهات.
ورغم أن هذه الطائرات المُسيّرة تُعد أقل تكلفة وأبسط تقنيًا مقارنة بالصواريخ الباليستية المتطورة، إلا أن نتائجها على الأرض غالبًا ما كانت أكثر فاعلية وأشد ضررًا.
فهي صغيرة الحجم، تطير على ارتفاعٍ منخفض، وتكاد لا تُرصد على الرادارات، ما يمكّنها من التسلل وتجاوز منظومات الدفاع الإسرائيلية المتقدمة.
وإحدى أعنف الضربات في هذه الحرب جاءت في خريف عام 2024، عندما تمكنت طائرة مُسيّرة واحدة تابعة لحزب الله من التسلل عبر الدفاعات الإسرائيلية إلى عمق إسرائيل، مستهدفة قاعة طعام مكتظة تابعة للواء غولاني.
أما أحدث نقاط الضعف التي رصدها الحوثيون فتتمثل في مدينة إيلات والمنطقة الجنوبية برمتها.
فهم كثيرًا ما يدفعون بمليوني إسرائيلي إلى الملاجئ. وليس هذا بالأمر الجديد، إذ سبق أن اخترق الحوثيون مظلة الدفاع الجوي الإسرائيلي عبر هجمات مُسيّرات على إيلات في بدايات الحرب.
لكن إسرائيل سرعان ما تكيفت مع الوضع، ونشرت أنظمة دفاع جوي كافية هناك لاعتراض تلك المُسيّرات.
فإذا كان الأمر كذلك، فلماذا تمكن الحوثيون في الأسابيع الأخيرة من استهداف مطار رامون قرب إيلات مرة، ومنطقة المنتجعات مرتين؟
أحد أبرز تداعيات هذه الحرب، التي طالت كثيرًا وتعددت فيها التهديدات، هو أن الدروس المستفادة سرعان ما تُنسى.
فمن كان بارعًا في اعتراض مُسيّرات الحوثيين فوق إيلات قبل نحو عامين، قد يكون غادر موقعه منذ زمن، وربما لم يعد في صفوف الجيش الإسرائيلي أصلًا.
كما أن الحوثيين حظوا بفرص لا تُحصى لمراقبة عمل منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية، ورسم خريطة لمواضع الخلل ومتى وأين تظهر.
وليس معنى ذلك أن إسرائيل لم تنجح في التصدي لتهديدات الحوثيين؛ بل إن الجيش الإسرائيلي حقق إنجازاتٍ بارزة بالفعل.
لكن حين تتيح لخصمك الاستمرار في إطلاق النار لعامين متواصلين، فلا بد أن يتمكن في النهاية من تمرير المزيد من الضربات وإصابتك.
لذا توجد حلول تكتيكية آنية، منها: نقل المزيد من منظومات الدفاع الجوي المتقدمة إلى إيلات، أو حتى تعزيز وجود أنظمة “فولكان” القديمة هناك، وهي الأنظمة التي زاد الجيش الإسرائيلي من استخدامها في الشمال وفي مواجهة حماس في غزة. ورغم قدمها، إلا أن كثافة نيرانها تمنحها أحيانًا فرصًا أكبر لاعتراض الأهداف الصغيرة مقارنة بالأنظمة المتقدمة. ومع ذلك، فإن الحل الحقيقي يكمن في إنهاء الحرب نفسها.
• ضعف القدس
الحوثيون لا يمكن ردعهم بالمعايير التقليدية.
فكل تغريدة يطلقها وزير الدفاع الإسرائيلي (يوآف غالانت) أو (إسرائيل كاتس) –بحسب السياق– مهدِّدًا لهم مع كل ضربة يوجهونها لإسرائيل، لا تفعل سوى تسليط الضوء على عجز القدس عن إجبارهم على وقف رشقاتهم الدورية من الأسلحة.
والمرتان الوحيدتان اللتان توقفوا فيهما عن إطلاق النار على إسرائيل كانتا خلال وقف إطلاق النار بين 23 و30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وخلال هدنة يناير/ كانون الثاني – مارس/ آذار 2025.
واللافت أنه عندما احتدمت النقاشات داخل إسرائيل في مارس/ آذار حول جدوى الاستمرار في الحرب، أو عند رفض عرض حماس في أغسطس/ آب بالإفراج عن عشرة رهائن مقابل هدنة لمدة 60 يومًا، لم يأتِ أحد على ذكر تأثير الحوثيين على الدولة العبرية في حال استمرار الحرب.
صحيح أن تأثيرهم كان محدودًا، لكنه كان ثابتًا، ومضرًا، وفي نهاية المطاف قاتلًا.
ويبقى السؤال: هل هذا التأثير كافٍ ليكون عاملًا حاسمًا في التعجيل بإنهاء الحرب؟
إنه سؤال معقد، لكن تجاهله يُعد إجحافًا بحق أولئك الذين تضرروا بشكلٍ مباشر أو غير مباشر من هذه الهجمات.