تحليل: اغتيال الوزراء لا الجنرالات.. لماذا لن توقف ضربات إسرائيل الحوثيين؟
يمن فيوتشر - DAWN- احمد الغباري- ترجمة خاصة الخميس, 25 سبتمبر, 2025 - 08:50 صباحاً
تحليل: اغتيال الوزراء لا الجنرالات.. لماذا لن توقف ضربات إسرائيل الحوثيين؟

في 28 آب/أغسطس، شنّت المقاتلات الإسرائيلية غارات استهدفت قلب العاصمة اليمنية صنعاء، ما أسفر عن مقتل رئيس وزراء الحوثيين (أحمد الرهوي) وعدد من الوزراء البارزين في حكومة حركة الحوثيين (أنصار الله) غير المعترف بها. وتُعد هذه أول مرة تقدم فيها إسرائيل على اغتيال قيادات سياسية في اليمن، في تصعيد نوعي بعد أن كانت ضرباتها السابقة تقتصر على الموانئ والمطارات ومنشآت الطاقة.

ومن بين القتلى الرهوي، القيادي المخضرم في حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي كان يتزعمه الرئيس الراحل علي عبدالله صالح حتى أطاح به الحوثيون عام 2012، وينحدر من محافظة أبين؛ إلى جانب الصحفي (جمال عامر)، والإعلامي (هاشم شرف الدين)، وأستاذ الفيزياء (علي سيف محمد)، والقاضي (أحمد عبدالله علي). وقد عكس إشراك هؤلاء في حكومة الحوثيين مساعي الحركة لتوسيع قاعدة الحكم خارج إطارها الأيديولوجي الضيق، فيما شكّل اغتيالهم رسالة واضحة بأن إسرائيل تسعى إلى تقويض ليس فقط الآلة العسكرية للحوثيين، بل أيضًا بنيتهم الحاكمة الهشة.

ووصف وزير الدفاع الإسرائيلي (إسرائيل كاتس) الضربة بأنها “ضربة ساحقة” لقيادة الحوثيين. وفي غضون ساعات، خرج عشرات الآلاف من اليمنيين إلى شوارع صنعاء في تشييع جماهيري واسع، متوعدين بالانتقام. وبعد أيام، في 7 أيلول/سبتمبر، أطلق الحوثيون طائرة مُسيّرة بعيدة المدى اخترقت الدفاعات الجوية الإسرائيلية وأصابت مطار رامون قرب إيلات في جنوب إسرائيل، ما أدى إلى إصابة شخصين وتوقف مؤقت للرحلات الجوية. وأعلن المتحدث العسكري باسم الحوثيين (يحيى سريع) مسؤولية الحركة عن الهجوم، مؤكّدًا أن مطارات إسرائيل “لم تعد آمنة”.

وشكّلت الضربة الأخيرة أكبر هجوم ينفذه الحوثيون ضد إسرائيل حتى الآن، في إشارة إلى اتساع مدى قدراتهم التكنولوجية واتساع رقعة ساحة الصراع الإقليمي. فبينما اعتمدت عمليات الجماعة في السابق على الطائرات المُسيّرة والصواريخ الباليستية التقليدية، شملت الهجمات الأخيرة أسلحة أشد فتكًا. ففي 22 آب/أغسطس، ومرة أخرى في 3 أيلول/سبتمبر، أطلق الحوثيون صواريخ مزودة برؤوس عنقودية –المحظورة على نطاق واسع بموجب القانون الدولي– تنثر قنابل فرعية صغيرة تهدد المدنيين بشكلٍ عشوائي.

ووفقًا لبيانات الجيش الإسرائيلي، فقد أطلق الحوثيون منذ 18 آذار/مارس ما لا يقل عن 80 صاروخًا باليستيًا و31 طائرة مُسيّرة، في تصعيد حاد. ورغم أن إسرائيل اعترضت معظم تلك الهجمات، إلا إن بعضها أصاب أهدافه مخلّفًا آثارًا قاتلة. ففي تموز/يوليو 2024، أدى هجوم بطائرة مُسيّرة في تل أبيب إلى مقتل شخص، في مؤشر على المخاطر التي ما تزال تواجهها إسرائيل رغم أنظمتها الدفاعية المتطورة.

وفي مقابلة مع مجلة Democracy in Exile، قلّل (محمد البخيتي)، عضو المكتب السياسي للحوثيين، من شأن الضربة الإسرائيلية، معتبرًا أنها دليل ضعف. وقال: “استهداف إسرائيل للقيادات المدنية في اليمن يثبت فشلها العسكري ويؤكد نزعتها الإجرامية”.

وأكد البخيتي أن عمليات الاغتيال تخطّت “كل الخطوط الحمراء”، محذرًا من أن “نتنياهو يرفع الكلفة التي سيدفعها شعبه قريبًا نتيجة هذه الجرائم ضد شعوب المنطقة”. وأضاف أن الجماعة ستصعّد أكثر: “هجماتنا الأخيرة في عمق أراضي العدو تثبت قدرتنا على اختراق دفاعاته. ولن تكون إسرائيل آمنة ما لم توقف الإبادة في غزة وترفع الحصار عن شعبها”.

ورغم خسارة تسعة وزراء، شدّد البخيتي على أن الضربة لن تضعف سلطة الحوثيين، قائلاً: “لقد زادتنا إصرارًا على مواصلة المعركة حتى تحقيق أهدافها العادلة.” وأضاف أن تأثير الضربة على الحكومة “محدود ومؤقت لأننا مستعدون ونعمل وفق نهج مؤسسي”.

كما اتهم البخيتي إسرائيل والولايات المتحدة باستغلال الأمم المتحدة لإضعاف الحوثيين، قائلاً: “العمل لدى الأمم المتحدة لا يمنح الموظف حصانة إذا كان متورطًا في أعمال تجسسية. وعلى المنظمة أن تدين الولايات المتحدة وإسرائيل لتورطهما المتعمد في تجنيد موظفي الأمم المتحدة لأغراض التجسس، لأن ذلك يسيء إلى سمعة المنظمة وينزع الحياد عن موظفيها.”

وفي تحذيراته المستقبلية، قال: “ندرك الطبيعة الإجرامية للعدو. لكن هذا لن يثنينا، ومهما كانت التضحيات المطلوبة سنواصل الطريق.”

لكن الخطاب الحوثي لم يكن الصوت الوحيد؛ ففي شوارع صنعاء، اختلفت ردود الفعل بين التأييد والقلق. إذ قال الناشط المدني (لطف السناني) إن الضربة كشفت عن استهتار إسرائيل بالقوانين الدولية: “الجميع يعرف أن إسرائيل لا تحترم أخلاقيات الحرب. فهي تقتل المدنيين والأطفال وكبار السن بلا خجل، ثم تتفاخر بذلك. وغزة أكبر دليل.”

وأضاف: “اغتيال وزرائنا لن يؤثر إلا بشكلٍ مؤقت على الحكومة، لكنه على المدى البعيد سيزيد من الإصرار.”

من جانبه، اعتبر (محمد المغربي)، وهو موظف حكومي، أن الهجوم كان أمرًا متوقعًا في ظل مواجهة الحوثيين لإسرائيل: “إسرائيل تستهدف الحكومة لأن أنصار الله أوجعوها بالصواريخ والطائرات المُسيّرة. نعم، هذا يغيّر قواعد الاشتباك، لكن التأثير محدود.” وتابع: “سيتم تعيين وزراء جدد، والمعنويات مرتفعة جدًا، وهذا لن يزيد القتال إلا تأجيجًا.”

لكن لم يكن الجميع مؤيدًا. إذ أعرب رجل أعمال من صنعاء (رمز له بـ س.ب.) فضّل عدم الكشف عن اسمه، عن قلقه من أن تكشف الاستراتيجية الإسرائيلية عن نقاط ضعف الحوثيين: “هذا تحوّل خطير في مسار الصراع. الحوثيون يدّعون أنهم يعرفون كل شيء عبر استخباراتهم، لكن إسرائيل أحرجتهم. وهذا سيؤثر عليهم داخليًا.”

وأضاف آخر: “هم يصعّدون يوميًا، لكن ليس بالحجم الذي تفعله إسرائيل. بالنسبة لليمنيين العاديين، لا شيء يتغير، فالمقتولون سيُستبدلون بغيرهم، فيما نحن نواصل المعاناة.”

ويجمع مراقبون على أن اغتيال وزراء في الحكومة لن يضعف القدرات العسكرية للحوثيين. فقد واجهت إسرائيل منذ زمن صعوبة في الحصول على معلومات دقيقة حول مراكز القوة الحقيقية داخل الجماعة، من القادة المشرفين على إنتاج الطائرات المُسيّرة والصواريخ، إلى أولئك الذين يوجّهون العمليات الميدانية. وبدلًا من ذلك، استهدفت إسرائيل أهدافًا أكثر هشاشة مثل المطارات والموانئ ومستودعات الوقود ومحطات الكهرباء، ما تسبب بكوارث إنسانية دون أن يشل العمود الفقري العسكري للحوثيين.

فعندما قصفت إسرائيل مطار صنعاء ودمرت طائرات اليمنية، لم يكن أمام اليمنيين العاديين سوى قطع رحلات برية شاقة نحو الجنوب للسفر إلى الخارج. وبالنسبة للمرضى أو الحالات الطبية الطارئة، كانت هذه الرحلات أشد قسوة، إذ تحوّلت المعاناة اليومية إلى محنة تهدد الحياة.

وباغتيال قادة مدنيين مثل أحمد الرهوي، قد تكون إسرائيل أطاحت برمز حكومي، لكنها لم تمس البنية العسكرية الصلبة للحوثيين.

وتؤكد هذه الاغتيالات دور الحوثيين ضمن ما يُعرف بمحور “المقاومة” الذي تقوده إيران، وهو تحالف من الجماعات المسلحة التي تواجه إسرائيل والولايات المتحدة. فبالنسبة لطهران، يمثّل الحوثيون أداة ضغط على ممرات الشحن في البحر الأحمر، وقوة عربية نادرة تبدي استعدادًا لضرب إسرائيل بشكلٍ مباشر.

غير أن كلفة هذا الصراع يتحملها بالدرجة الأولى اليمنيون العاديون. ففي 7 تموز/يوليو، شنّت الغارات الجوية الإسرائيلية هجمات استهدفت موانئ الحديدة ورأس عيسى والصليف، وهي شرايين حيوية لليمن من حيث الغذاء والمساعدات الإنسانية. وجاء الهجوم وسط تحذيرات أممية من أن أكثر من 17 مليون يمني يعانون الجوع، بينهم أكثر من مليون طفل دون سن الخامسة يواجهون سوء تغذية حادًا يهدد حياتهم. كما قد يصبح نحو 18 مليون يمني عرضة لانعدام الأمن الغذائي بحلول أواخر أيلول/سبتمبر، فيما يواجه 1.2 مليون طفل خطر أضرار جسدية ومعرفية دائمة.

ووصفت الأمم المتحدة الوضع بأنه الأسوأ منذ ما قبل هدنة عام 2022، إذ أدى الانخفاض الحاد في التمويل الإنساني إلى تفاقم الأزمة: فبحلول أيار/مايو 2025، لم يُلبَّ سوى 9% من نداءها الإنساني البالغ 2.5 مليار دولار لليمن. ويهدد تدمير ميناء الحديدة —الذي تمر عبره عادة 70% من واردات البلاد و80% من المساعدات الإنسانية— بتسريع هذا الانحدار، مما يضع ملايين آخرين في دائرة الخطر.

وعلى الرغم من أن تحدي الحوثيين لإسرائيل قد رفع من مكانتهم خارجيًا باعتبارهم “مدافعين عن القضية الفلسطينية”، وحظوا بإشادات في الشارع العربي ودوائر التضامن الغربية، إلا أن الصورة داخل اليمن تبدو مختلفة تمامًا، بلد تُخاض فيه الحروب باسم “المقاومة” لا باسم كل يمني، فيما يبقى المدنيون وحدهم من يدفع الثمن.

ومن منظور عسكري، تبدو إستراتيجية إسرائيل أقل حسماً بكثير مما توحي به خطابتها. فالوزراء الذين جرى اغتيالهم ينتمون إلى الحكومة المدنية غير المعترف بها للحوثيين، وليس إلى النواة العسكرية الصلبة للحركة. فمنذ أن بدأت الجماعة باستهداف إسرائيل في تشرين الأول/أكتوبر 2023، فشلت الاستخبارات الإسرائيلية في تحديد أو تصفية قادة الميدان الكبار أو مهندسي الصواريخ أو مشغّلي الطائرات المُسيّرة، أي أولئك الذين يصممون ويطلقون الهجمات التي تهدد تل أبيب وحيفا.

ويرى محللون أن استهداف المعيّنين سياسيًا والبنية التحتية المدنية يمثل ضربات رمزية أكثر منها إستراتيجية، إذ ألحق معظمها الأذى بالمدنيين اليمنيين عبر سياسة عقاب جماعي فاقمت المؤشرات الإنسانية سوءًا. أما عسكريًا، فما تزال قدرات الحوثيين قائمة، وترسانتهم نشطة، وطاقتهم على خوض الحرب لم تتأثر.

لقراءة المادة من موقعها الأصلي عبر الرابط التالي: 

 


التعليقات