تحليل: التحالف يتصدّع.. اليمن والخليج أمام مرحلة جديدة
يمن فيوتشر - الحرة ـ سكينة المشيخص الإثنين, 29 ديسمبر, 2025 - 11:07 مساءً
تحليل: التحالف يتصدّع.. اليمن والخليج أمام مرحلة جديدة

في مارس 2015، تدخّل التحالف العربي في اليمن في مارس 2015 تحت شعار إعادة الأمل للشعب اليمني وإعادة الشرعية في مواجهة الحوثيين، غير أن المسار الطويل للحرب أظهر تدريجيّا تآكلا في بنية التحالف مع تصاعد التباينات في الأهداف والأدوات بين اطرافه وانتقاله من تنسيق معلن إلى تنافس غير معلن على النفوذ.

وبلغ هذا التآكل لحظة كاشفة مع تطورات 26 ديسمبر، حين وضعت الغارات الجوية السعودية التي استهدفت قوات مرتبطة بـ "الشريك الاماراتي" مفهوم القوات المشتركة أمام واقع غير مسبوق. فاستهداف وحدات جرى تدريبها وتسليحها ضمن المنظومة نفسها، يعكس تعطلاً عمليّاً في هياكل التنسيق العسكري، ويشير الى تصدّع في بنية القيادة المشتركة.

في هذا السياق، برزت حضرموت والمهرة كمسرح جديد للاختبار؛ فهاتان المحافظتان اللتان ظلتا بعيدتين نسبياً عن خطوط المواجهة مع الحوثيين تحوّلتا إلى ساحة لتقاطع مشاريع نفوذ متعارضة داخل المعسكر نفسه.

وقد سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي أخيراً على جنوب البلاد، ووسّعت مناطق نفوذها في المحافظتين.

كلّ هذه التطورات تضع التحالف العربي أمام اسئلة جوهرية تتجاوز حدثا عسكريا عابرا وتمس جوهر فكرة الأمن الجماعي الخليجي وقدرته على الاستمرار في ظل صدام المصالح وتراجع الثقة بين الشركاء.

 

اختبار التهدئة في الشرق
حددت التصريحات الأخيرة الصادرة عن وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان الإطار الذي تعتمد عليه الرياض في مقاربة التطورات الأمنية في حضرموت والمهرة.

فقد دعا المجلس الانتقالي الجنوبي إلى التجاوب مع مساعي خفض التصعيد التي تقودها السعودية والإمارات من خلال إخلاء المواقع العسكرية وتسليمها للجهات الرسمية المختصة.

وربط وزير الدفاع السعودي هذا الموقف بالسياق القانوني والسياسي لتدخل التحالف في اليمن باعتباره تم بناء على طلب الحكومة المعترف بها دوليا. كما ربطه بهدف هذا التدخّل المتمثّل بإعادة بناء سلطة الدولة.

في المقابل، أبدى المجلس الانتقالي الجنوبي، في بيان صدر عقب اجتماع لقيادته برئاسة عيدروس الزبيدي، انفتاحه على أيّ ترتيبات تضمن أمن الجنوب واستقراره وسلامة أراضيه "بما يتماشى مع تطلعات سكانه"، مع التأكيد على استمرار التعاون مع دول التحالف.

غير أن تلاقي الخطابين عند مستوى التهدئة اللفظية يطرح تساؤلا حول ما إذا كانت هذه المواقف تمثل بداية احتواء فعلي للأزمة في حضرموت والمهرة أم أنها تعكس توافقا مؤقتا في الخطاب دون ترجمة واضحة على الأرض.

 

 

تباين الأهداف
منذ مطلع عام 2018، بدأت التصدعات العملية داخل التحالف العربي في اليمن بالظهور بشكل علني.

فقد شهدت عدن، في أواخر يناير 2018، اندلاع مواجهات مسلحة بين القوات الحكومية وتشكيلات "الحزام الأمني" المدعومة من الإمارات، انتهت بسيطرة هذه التشكيلات على معظم أرجاء المدينة، قبل تدخّل سعودي مباشر أوقف القتال.

وشكّلت هذه المواجهات أوّل اختبار حقيقي لوحدة القرار العسكري داخل التحالف.

ودخل الخلاف مرحلة أكثر وضوحا في 2019، وتحديداً في يونيو، عندما أعلنت الإمارات تقليص وجودها العسكري المباشر في اليمن، وسحب جزء كبير من قواتها، مع الإبقاء على نفوذ واسع عبر تشكيلات محلية مسلحة.

لكن سلسلة اشتباكات ومواجهات وقعت بين أطراف تدعمها دول في التحالف خلال 2019، قبل أن يتم توقيع اتفاق الرياض، في نوفمبر من العام نفسه، لاحتواء الصدام.

على أن تنفيذ الاتفاق تعثّر خلال عامي 2020 و2021 مع استمرار تعدد التشكيلات المسلحة وغياب دمج فعليّ للقوات.

وفي أبريل 2022، تم الإعلان عن مجلس القيادة الرئاسي، بدعم سعودي إماراتي، في محاولة لإعادة توحيد المعسكر المناهض للحوثيين دون معالجة جذرية لاختلاف الأجندات.

وخلال 2023 و2024، انتقل التنافس تدريجيّا إلى محافظات الشرق ولا سيما حضرموت والمهرة مع إعادة انتشار قوات محلية مدعومة من الطرفين. وبلغ المسار ذروته في ديسمبر 2025 مع سيطرة قوات المجلس على الجنوب، ما جعل التحالف أمام تفكك وظيفي يصعب احتواؤه عبر ترتيبات تقليدية، كما يقول مراقبون.

 

 

الأمن الجماعي الخليجي
تمثل الغارات الجوية السعودية، التي استهدفت مواقع لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت، في الأيام الماضية، نقطة تحوّل لافتة في طريقة إدارة الرياض للملف الجنوبي.

وكان رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، طلب من التحالف الذي تقوده السعودية، مساندة القوات المسلحة اليمنية لفرض التهدئة، وحماية الوساطة.

كذلك، أعلن وزير الخارجية اليمني رياض ياسين أن بلاده طالبت دول مجلس التعاون الخليجي بتدخل قوات "درع الجزيرة لحماية المصالح الحيوية والحدود"، قبل أن يتمدد مسلحو جماعة أنصار الله، المدعومين من إيران، و"يسقطوا كلّ اليمن".

ويقول المحلل السياسي السعودي الدكتور أحمد الشهري إن دعوة العليمي للتحالف للتدخل، بعد اجتماع مجلس الدفاع الوطني، منحت الرياض غطاء سياسيا واضحا للتحرك، وهو ما تُرجم بتصريحات وزير الدفاع السعودي المطالبة بانسحاب قوات الانتقالي من حضرموت والمهرة.

ويطرح ما يجري في اليمن تساؤلات أوسع حول مستقبل الأمن الجماعي الخليجي، ولا سيما في ظل الخلاف السعودي – الإماراتي حول مسار الجنوب اليمني، الذي أضعف الإجماع اللازم لأي استجابة أمنية جماعية.

ويرى الخبير الاستراتيجي والأمني خالد إبراهيم الصلال أن "درع الجزيرة ليست أداة تدخل عسكري تلقائي خارج دول مجلس التعاون، وأن أي استخدام محتمل لها في حالة صراع بين السعودية والمجلس الانتقالي سيبقى مشروطا بطلب رسمي من الرياض وبموافقة سياسية واضحة من دول المجلس، ولن يكون استجابة تلقائية للاتفاقيات الأمنية".

 

 

لماذا حضرموت والمهرة؟
لا يمكن فهم التنافس المتزايد على حضرموت والمهرة بوصفه امتدادا عرضيا للصراع اليمني، بل باعتباره انعكاسا لتحولات أعمق في إدراك الفاعلين الإقليميين لأهمية الجغرافيا الشرقية لليمن في معادلات الأمن والطاقة والاقتصاد الإقليمي.

وتشكّل حضرموت العمود الفقري الاقتصادي الأهم لليمن من حيث الموارد الطبيعية، إذ تضم الحصة الأكبر من الاحتياطات النفطية والغازية القابلة للاستثمار، إضافة إلى ساحل طويل على بحر العرب وموانئ محتملة يمكن تطويرها لتكون بوابات تصدير مستقلة.

أما المهرة، فتشكل نقطة تماس مباشرة مع سلطنة عمان وتمتد بساحل مفتوح على بحر العرب، ما يجعلها مرشحة للعب دور محوري في مشاريع النقل والطاقة العابرة للحدود. وبالنسبة للسعودية، تكتسب المهرة أهمية خاصة في إطار البحث عن منافذ بديلة لتصدير الطاقة بعيدا عن مضيق هرمز وباب المندب.

في المقابل تنظر الإمارات إلى حضرموت وسواحل المهرة ضمن شبكة أوسع من الموانئ والممرات البحرية التي تسعى إلى ربطها بنفوذها التجاري واللوجستي الممتد من البحر الأحمر إلى خليج عدن والقرن الأفريقي.

وعليه، فإن التنافس على حضرموت والمهرة لا يعكس خلافا تكتيكيا ظرفيا بل صراعا على شكل النفوذ المستقبلي في اليمن، وعلى من يمتلك القدرة على التأثير في مسارات الطاقة والتجارة والأمن في واحدة من أكثر مناطق المنطقة والعالم حساسية وأهمية جيوسياسية.


التعليقات