تحليل: قطر بين الدبلوماسية والتصعيد: ما بعد الضربة الإسرائيلية في الدوحة؟
يمن فيوتشر - Dw- ترجمة خاصة: الخميس, 11 سبتمبر, 2025 - 04:48 مساءً
تحليل: قطر بين الدبلوماسية والتصعيد: ما بعد الضربة الإسرائيلية في الدوحة؟

حتى الآن، اقتصر ردّ قطر على الضربة الإسرائيلية التي استهدفت، الثلاثاء، مبنى في العاصمة الدوحة وأدّت إلى مقتل خمسة قياديين سياسيين من الصف الثاني في حركة حماس وضابط أمن محلي، على الإدانة اللفظية فقط.

فقد ندّد أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بالهجوم، محمّلاً إسرائيل “مسؤولية التداعيات”. في المقابل، اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الضربة “مبرَّرة تماماً”، مشيراً إلى أنّ حماس هي من يقف وراء هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على إسرائيل، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 1200 شخص وخطف نحو 250 آخرين. كما ربط نتنياهو بين العملية في الدوحة وحادث إطلاق النار في القدس الشرقية المحتلة، الذي أودى بحياة ستة أشخاص يوم الاثنين.

من جهتها، أكدت حركة حماس فقط مقتل همّام الحيّة، نجل كبير مفاوضيها خليل الحيّة. وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية، كان خليل الحيّة، إضافة إلى رئيس المكتب السياسي للحركة في الخارج خالد مشعل، داخل المبنى المستهدف أيضاً، لكن الوكالة قالت إنها لم تتمكّن من التواصل مع أيٍّ منهما.

الدبلوماسية أم التصعيد العسكري؟

قالت سانام وكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز “تشاتام هاوس” البريطاني، في تصريح لـDW: “الضربة تمثل جرس إنذار للمنطقة بأسرها، حيث تُعاد صياغة حدود الشراكات والتحالفات التقليدية”.

وأضافت: “دول الخليج تدرك أن شراكاتها مع الولايات المتحدة تكتسب أهمية كبيرة من الناحيتين الاقتصادية والأمنية، ومن الصعب تصور حدوث قطيعة أو انهيار فوري لهذه العلاقات”.

بدوره، شكّك هيو لافات، الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، في احتمال تطور الأزمة الراهنة إلى صراع مباشر بين قطر وإسرائيل. وقال: “من المؤكد أن قطر لن ترد عسكرياً”، مرجحاً أن تلجأ الدوحة بدلاً من ذلك إلى استخدام صندوقها السيادي لممارسة ضغوط اقتصادية.

وتبنّى الرأي نفسه نيل كويليام، المتخصص في الشؤون الخارجية بشركة “أزور ستراتيجي” الاستشارية في لندن، الذي قال لـDW: “الرد العسكري سيعني دعوة إسرائيل إلى تصعيد أكبر، كما أن ثقة الدوحة بالولايات المتحدة لضمان حمايتها قد اهتزت حتى الجذور في الوقت الراهن”.

واشنطن بين الحليفين

تُعد قطر والولايات المتحدة شريكين استراتيجيين، إذ تستضيف الدوحة أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة وتعتمد على منظومات دفاع جوي أمريكية، فيما تُعد واشنطن الحليف الأوثق لإسرائيل والداعم القوي لحربها الجارية على غزة.

وفي هذا السياق، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه “غير مرتاح” للهجوم، مؤكداً في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي أنه لم يُبلَّغ مسبقاً بالعملية التي استهدفت قطر. وأضاف: “هذا كان قراراً اتخذه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، ولم يكن قراراً من جانبي”.

وكتب ترامب: “إنني أرى في قطر حليفاً قوياً وصديقاً للولايات المتحدة، وأشعر بأسف شديد لمكان وقوع الهجوم”، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن القضاء على حركة حماس يظل هدفاً “جديراً بالسعي إليه”.

هل باتت مفاوضات غزة على المحك؟

الهجوم على الدوحة الثلاثاء عطّل الجولة الأخيرة من المفاوضات حول وقف إطلاق النار في غزة وإمكانية الإفراج عن الرهائن الذين تحتجزهم حماس منذ ما يقارب العامين.

وقال رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن في تصريح أولي إن بلاده لن تتراجع عن دورها، مؤكداً: “قطر لم تدّخر جهداً لوقف هذه الحرب، وستبذل كل ما في وسعها لوقفها ووقف العدوان على غزة”. وأضاف أن وساطة بلاده “ستستمر، ولن يردعنا شيء عن مواصلة هذا الدور”.

لكن في مقابلة لاحقة مع شبكة CNN الأمريكية، أوضح الشيخ محمد أنه “يعيد تقييم كل شيء” مرتبط بدور قطر في المفاوضات، قائلاً: “كنت أعيد التفكير طوال الأسابيع الماضية في العملية برمّتها، وأرى أن نتنياهو كان يضيّع وقتنا فحسب”.

ويرى نيل كويليام أن “قطر تُعد بحق الوسيط الاستثنائي في المنطقة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل”. وقد تعزز هذا الدور منذ عام 2012، عندما انتقلت القيادة السياسية لحماس من سوريا إلى الدوحة، في خطوة دعمتها الولايات المتحدة لمنع الحركة من الارتماء أكثر في أحضان إيران.

ويصف كويليام علاقة قطر بحماس بأنها “علاقة عمل”، مشيراً إلى أن قطر تميل إلى احتضان تيارات الإسلام السياسي بخلاف السعودية والإمارات اللتين تتخذان مواقف أكثر حدة ضد هذه الجماعات. لكنه يلفت في الوقت ذاته إلى أن الدوحة، رغم دعمها لحماس كحركة مقاومة، لم تؤيد علناً سيطرتها المنفردة على غزة.

وبالنسبة لحكومة نتنياهو، يظل وجود قطر على طاولة المفاوضات ضرورياً، خصوصاً في ظل تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية لإنهاء الحرب في غزة. فمنذ هجمات 7 أكتوبر 2023، قُتل أكثر من 64,500 فلسطيني بحسب أرقام غير مؤكدة لكنها متداولة من وزارة الصحة في غزة التي تديرها حماس، فيما لا يزال نحو 50 رهينة في قبضتها، يُعتقد أن 20 منهم فقط ما زالوا على قيد الحياة.


التعليقات