تقرير: هواتف الحُرّاس تكشف القادة.. إسرائيل تخترق الحلقة الأضعف في أمن إيران
يمن فيوتشر - Ynet news- ترجمة خاصة السبت, 30 أغسطس, 2025 - 02:57 مساءً
تقرير: هواتف الحُرّاس تكشف القادة.. إسرائيل تخترق الحلقة الأضعف في أمن إيران

كشفت تحقيقات نشرتها صحيفة نيويورك تايمز، شارك في إعدادها الصحفي رونين بيرغمان من موقعي Ynet ويديعوت أحرونوت، عن نتائج تحقيق استخباراتي إيراني أُجري عقب الهجوم الإسرائيلي. ويعرض التقرير الكيفية التي تمكّنت من خلالها إسرائيل من تحديد مواقع مسؤولين كبار وعلماء إيرانيين، إلى جانب تأكيدات من مصادر إسرائيلية لمعظم هذه المعلومات.

وبعد ثلاثة أيام فقط من الضربة المفاجئة التي شنّتها إسرائيل في مستهل الحرب، عقدت طهران اجتماعاً بالغ السرية، لم يكن على علم بتوقيته ومكانه سوى دائرة ضيقة من كبار المسؤولين الحكوميين والقادة العسكريين. كان ذلك في السادس عشر من يونيو/ حزيران، اليوم الرابع من حرب إيران مع إسرائيل، حين اجتمع المجلس الأعلى للأمن القومي في مخبأ يبعد مئة قدم تحت سفح جبل في غرب طهران.

وعلى مدى أيام متواصلة، شنّت إسرائيل غارات جوية دمّرت مواقع عسكرية وحكومية ونووية في مختلف أنحاء إيران، وأوقعت خسائر فادحة في صفوف كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين.

ووصل المسؤولون –بمن فيهم الرئيس مسعود بزشكيان، ورؤساء السلطتين القضائية ووزارة الاستخبارات، إلى جانب كبار القادة العسكريين– في سيارات منفصلة ومن دون هواتف محمولة، إدراكاً منهم لقدرة الاستخبارات الإسرائيلية على تعقّبهم. ومع ذلك، وبعد بدء الاجتماع بقليل، ألقت المقاتلات الإسرائيلية ست قنابل استهدفت مداخل المخبأ. وبصورة تكاد تُعدّ معجزة، لم يُقتل أي من الحاضرين، فيما قُتل عدد من عناصر الحراسة المكلّفين بحماية الموقع في محيطه الخارجي.

لكن الضربة كشفت ثغرة كارثية؛ إذ تمكّنت الاستخبارات الإسرائيلية من تعقّب الاجتماع عبر اختراق هواتف الحُرّاس الشخصيين المرافقين للقادة. وبحسب مسؤولين إيرانيين وإسرائيليين، فإن الاستخدام غير المنضبط للهواتف المحمولة على مدى سنوات، بما في ذلك منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، أتاح للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية تعقّب العلماء النوويين والقادة العسكريين، ومكّن سلاح الجو من استهدافهم بدقة خلال الأسبوع الأول من حرب يونيو/ حزيران.

وقال ساسان كريمي، نائب الرئيس الإيراني السابق للشؤون الاستراتيجية والمحلل السياسي حالياً:
“نحن نعلم أن كبار المسؤولين والقادة لم يحملوا هواتف، لكن من تواصلوا معهم –من حراس أمن وسائقين– فعلوا ذلك، ولم يأخذوا مسألة الاحتياطات على محمل الجد. وهكذا جرى تعقّب معظمهم.”

وكانت اختراقات صفوف الحرس الشخصي مجرد عنصر واحد ضمن مسعى إسرائيلي ممتد لاختراق المنظومة الأمنية الإيرانية، وهو مسعى تقول مصادر في طهران إنه جعل السلطات “تطارد الأشباح” على مدى أشهر. وقد صرّح نائب الرئيس الأسبق مصطفى هاشمي طبا في أواخر يونيو/ حزيران قائلاً:
“لقد بلغ الاختراق أعلى مستويات هرم صنع القرار لدينا.”

وعقب الحرب، أقدمت إيران على إعدام العالم النووي روزبه وادي بتهمة التجسس لصالح إسرائيل وتسهيل اغتيال عالم آخر. كما أقرت السلطات بتنفيذ عشرات الاعتقالات، أو فرض الإقامة الجبرية، بحق أفراد من الجيش والأجهزة الاستخبارية والحكومة، بعضهم من ذوي المناصب الرفيعة، بتهمة التعاون مع إسرائيل. ومن جهتها، لم تؤكد إسرائيل ولم تنفِ صلتها بهذه الأحداث.

وقد كانت إسرائيل تتعقّب كبار العلماء النوويين الإيرانيين منذ أواخر عام 2022، لكنها أجّلت تنفيذ أي ضربات لتجنّب الدخول في مواجهة مع إدارة بايدن. ومنذ أواخر 2022 وحتى يونيو/ حزيران الماضي، قامت ما يُعرف بـ”فريق قطع الرأس” بمراجعة ملفات العلماء النوويين الإيرانيين، مقلّصة القائمة من نحو 400 اسم إلى 100، بالاعتماد أساساً على المواد التي سرقها جهاز الموساد من الأرشيف النووي الإيراني عام 2018. وفي نهاية المطاف، استهدفت إسرائيل وقتلت 13 عالماً نووياً إلى جانب قيادات عسكرية بارزة، ضمن برنامج حمل اسم “عملية العُرس الأحمر”، المستوحى من حلقة دامية في مسلسل Game of Thrones.

وارتكزت الاستراتيجية على ضرب ما بين 20 و25 هدفاً رئيسياً في الضربة الافتتاحية للحرب، على أساس أن المسؤولين الناجين سيتخذون لاحقاً احتياطات أشد صرامة. وقد أكّد العميد أحمد وحيدي، القائد الجديد للحرس الثوري، في مقابلة مصوّرة، أن إسرائيل استعانت بعملاء ميدانيين وبأدوات تكنولوجية متقدمة –بما في ذلك الأقمار الصناعية والاستخبارات الإلكترونية– لتحديد مواقع الاجتماعات الحساسة.

وإدراكاً للخطر، فرض القادة الإيرانيون إجراءات صارمة: تعزيز فرق الحماية الشخصية، ومنع استخدام الهواتف المحمولة وتطبيقات المراسلة مثل واتساب على المسؤولين الكبار. لكن المفارقة أن إسرائيل اكتشفت أن كثيراً من الحراس ما زالوا يحملون هواتفهم، بل إن بعضهم كان ينشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقد علّق مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية قائلاً: “استخدام هذا العدد الكبير من الحراس يمثّل ضعفاً فرضناه عليهم نحن.”

لذا فُرض حظر كامل على استخدام الهواتف الذكية بالنسبة لكبار القادة العسكريين، والعلماء النوويين، وكبار مسؤولي الدولة. وأُنيطت مهمة الحماية بـ لواء أنصار المهدي التابع للحرس الثوري، بقيادة اللواء محمد جواد أسدي. ومع أن اللواء أسدي وجّه تحذيرات متكررة بضرورة اتخاذ احتياطات إضافية، إلا أن خرقاً وقع خلال اجتماع 16 يونيو/ حزيران أتاح تنفيذ الضربة الإسرائيلية.

ووصف المحلل السياسي والعسكري حمزة صفوي التفوق التكنولوجي الإسرائيلي بأنه تهديد وجودي، قائلاً: “لدينا ثغرة أمنية واستخباراتية خطيرة، ولا شيء أكثر إلحاحاً من سدّ هذا الخرق.” كما أعلن وزير الاستخبارات الإيراني إحباط محاولات اغتيال استهدفت 23 مسؤولاً رفيعاً في الأشهر السابقة للحرب، وكشف عن 13 مخططاً لاغتيال 35 مسؤولاً بارزاً، مؤكداً اعتقال 21 مشتبهاً بتجنيدهم لصالح الموساد في 11 محافظة.

وقد دفعت الحملة الإسرائيلية طهران إلى تجنيد جواسيس داخل إسرائيل عقب هجمات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 في غزة. في المقابل، أعلن جهاز الشاباك –جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي– اعتقال عشرات الأشخاص بتهمة العمل لصالح إيران. ويرى مسؤولون إسرائيليون أن الأولوية تكمن في تصفية كبار العلماء النوويين الإيرانيين لإبطاء البرنامج النووي، حتى أن بعض العلماء الشباب الصاعدين تعرّضوا للتسميم، بعدما خلصت التقديرات الإسرائيلية إلى أن عمليات التخريب ضد البنية التحتية للتخصيب لم تحقق سوى نتائج هامشية.

وقد استهدفت “عملية نارنيا”، الخطة الإسرائيلية لاغتيال أعضاء مجموعة نووية حساسة تُعرف بـ”مجموعة السلاح”، العلماء المشاركين في تطوير آلية التفجير النووي. وبحلول 16 يونيو/ حزيران، كان عدد من الشخصيات البارزة، من بينهم (تهرانجي) و(فريدون عباسي)، قد قُتلوا، بعد أن مكّنت هواتف حراسهم الشخصيين إسرائيل من تعقّبهم. كما شملت الحملة استهداف قيادات أوسع نطاقاً، وأدت إلى مقتل ما لا يقل عن 30 قائداً عسكرياً رفيع المستوى خلال الحرب.

وكان من بين المستهدفين اللواء حاجي زاده، قائد القوة الجو-فضائية للحرس الثوري، وفريقه القيادي. ووفقاً للتقارير، فقد اتخذ حاجي زاده احتياطات مشددة فيما يخص الهواتف، إذ روى نجله علي رضا أن والده كان يحرص دائماً على إزالة الأجهزة الذكية عند الدخول في نقاشات حساسة.

وفي الهجوم على المخبأ يوم 16 يونيو/ حزيران، نجا الرئيس بزشكيان وعدد من المسؤولين بعد أن تمكنوا من حفر ممر ضيق عبر الأنقاض. وأصيب بزشكيان بجروح طفيفة في ساقه، فيما نُقل وزير الداخلية إلى المستشفى نتيجة ضيق تنفسي. وقال بزشكيان: “الحياة قد تتوقف على ثانية واحدة.” وأضاف أن نجاح الضربة في تصفية كبار المسؤولين الإيرانيين كان من شأنه أن يُحدث فوضى وطنية، قائلاً: “كان الناس سيفقدون الأمل.”


التعليقات