في خطابه الافتتاحي، صرّح (دونالد ترامب) بأن “أفخر إرث” سيتركه كرئيس سيكون كونه “صانع سلام”.
وقال الرئيس في كلمته بتاريخ 20 يناير/كانون الثاني: “قوتنا ستُنهي جميع الحروب، وستجلب روحًا جديدة من الوحدة إلى عالم غاضب وعنيف وغير قابل للتنبؤ على الإطلاق”.
لكن بعد ستة أشهر فقط، كان ترامب قد شنَّ تقريبًا نفس عدد الضربات الجوية التي نفذها (جو بايدن) خلال أربع سنوات، ما دفع محللين للتساؤل عمّا إذا كانت خطة الرئيس لإنهاء ما يُعرف بـ”الحروب الأبدية” تقوم على استخدام قوة نارية ساحقة لمنع اندلاعها من الأساس.
ومنذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، نفّذت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 529 عملية قصف في أكثر من 240 موقعًا في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وفقًا لبيانات مشروع مواقع وأحداث النزاع المسلح (ACLED)، وهي منظمة دولية غير ربحية تُعنى بجمع البيانات. وقد نفّذت إدارة سلفه 555 ضربة خلال ولايتها.
وقالت (كليناده رايلي)، رئيسة منظمة ACLED، في بيان: “ميل ترامب للتدخل العسكري يثير التساؤل: هل يُعد ذلك تناقضًا مع وعده بإنهاء الحروب الأميركية؟ أم أن هذه الضربات الخارجية هي الطريقة التي يرى أنها تحقق ذلك الوعد؟”.
وأضافت: “لقد تم تأطير الضربات الجوية الأخيرة على المواقع النووية الإيرانية على أنها نقطة تحوّل كبرى في السياسة الخارجية الأميركية، لكن عند النظر إليها من منظور أوسع، فإنها لا تبدو استثناءً، بل تنسجم تمامًا مع النمط العام”.
قالت نائبة المتحدث باسم البيت الأبيض (آنا كيلي)، في تصريح لصحيفة ذا إندبندنت: “جميع الإجراءات الحاسمة التي اتخذها الرئيس ترامب حظيت بشعبية جارفة وأسفرت عن قدر أكبر من السلام”.
وأضافت: “عملية مطرقة منتصف الليل نجحت في تدمير القدرات النووية الإيرانية بالكامل، كما أن الضربات الناجحة التي نفذتها وزارة الدفاع ضد تنظيم داعش وجماعات خبيثة أخرى أسفرت عن مقتل إرهابيين كانوا يعتزمون إيذاء الأميركيين”.
وتابعت كيلي قائلة: “كل من يتعاطف مع الإرهابيين الأشرار ويتمنى لهم البقاء، عليه أن يراجع نفسه”.
وتجدر الإشارة إلى أن غالبية الضربات الجوية التي شنّها الجيش الأميركي حتى الآن استهدفت الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، في محاولة لوقف هجماتهم على السفن التجارية في البحر الأحمر، وهي الهجمات التي جاءت ردًا على الحرب الإسرائيلية في غزة.
وكشفت بيانات مشروع مواقع وأحداث النزاع المسلح (ACLED) أن إدارة ترامب نفّذت ما لا يقل عن 474 ضربة جوية في اليمن خلال فترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر. في المقابل، نفّذت إدارة بايدن 294 هجومًا في اليمن خلال ما يقرب من عام كامل.
وبحسب منظمة إير وورز (Airwars) الرقابية غير الربحية، فإن الضربات الجوية التي نفّذها ترامب في اليمن أسفرت، على ما يبدو، عن مقتل عدد من المدنيين خلال حملة القصف التي استمرت ثمانية أسابيع، يعادل تقريبًا عدد القتلى المدنيين الذين سقطوا خلال العقدين الماضيين من الهجمات الأميركية التي استهدفت مسلحين في البلاد. فقد قُتل ما لا يقل عن 224 مدنيًا بين مارس/آذار ومايو/أيار، مقارنة بـ258 قتيلًا بين عامي 2002 و2024، بحسب التقرير.
كما شنّت الإدارة 44 غارة جوية في الصومال استهدفت عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية، وفقًا لـ ACLED.
ويُذكر أن ترامب أمر بتنفيذ الضربات الجوية في فبراير/شباط، لتكون بذلك أولى العمليات العسكرية في تلك الدولة الأفريقية خلال ولايته الثانية.
قالت كليناده رايلي: “الجيش الأميركي يتحرك بسرعة أكبر، ويضرب بقوة أشد، ويفعل ذلك بقيود أقل”.
وأضافت: “سوريا، والعراق، وأفغانستان، واليمن، والصومال، والآن إيران، كلها أراضٍ مألوفة، لكن المسألة ليست جغرافية بل تتعلق بوتيرة العمليات”.
وأشارت رايلي إلى أن الضربات الجوية الدقيقة لا تبدو وكأنها خيار أخير في إدارة ترامب، بل “هي الخطوة الأولى”.
وقالت أيضًا: “رغم أن ترامب كرر تعهده بإنهاء الحروب الأميركية التي لا تنتهي، إلا أنه نادرًا ما أوضح الكيفية”.
وأضافت: “الأشهر الأولى من ولايته تشير إلى أن خطته قد تقوم على استخدام قوة نارية هائلة لإنهاء المعارك قبل أن تبدأ، أو قبل أن تطول”.
وخلال حملته الانتخابية، اتّهم الرئيسُ (جو بايدن)، ولاحقًا منافسته الديمقراطية (كامالا هاريس)، بأنهما يقودان الولايات المتحدة نحو حرب عالمية ثالثة. وقال ترامب خلال مناظرة رئاسية في يونيو/حزيران 2024: “هذه حروب لن تنتهي أبدًا في عهده”، في إشارة إلى بايدن. وأضاف: “نحن الآن أقرب إلى حرب عالمية ثالثة مما يتصوره أي شخص”.
وعقب تلقيه دعم وزيرة الدفاع السابقة والمديرة الحالية للاستخبارات (تولسي غابارد) العام الماضي، قال ترامب إنهما “يوحّدان الجهود لإنهاء الحروب الخارجية التي لا تنتهي”.
وقالت غابارد في حينه: “أنا واثقة أن أول مهمة له ستكون العمل على إبعادنا عن حافة الحرب”. وأضافت: “لا يمكن أن نحقق الازدهار ما لم نكن في حالة سلام”.
وكان ترامب—الذي عبّر مرارًا عن رغبته في الفوز بجائزة نوبل للسلام، ورُشّح لها من قبل ما لا يقل عن أربعة من حلفائه—قد تعهّد أيضًا بأن إدارته ستُنهي الحرب الروسية في أوكرانيا، والحرب الإسرائيلية في غزة.
وفي يوم الاثنين، عرض الرئيس خطوات محتملة للضغط على روسيا لإنهاء حربها، من بينها إرسال مزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا وتهديد موسكو بفرض عقوبات اقتصادية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام خلال 50 يومًا.
وقال ترامب: “أحسست أننا توصلنا إلى اتفاق نحو أربع مرات، لكن الأمور كانت تستمر بلا نهاية”.
وفي الوقت نفسه، فشلت إدارته في التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار في غزة، في ظل استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية على القطاع وتفاقم خطر المجاعة الذي يهدد الفلسطينيين. كما أن خطة أولية يدعمها ترامب، تقضي بإجبار مئات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين على الانتقال إلى منطقة خاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي قرب الحدود مع مصر، تُهدّد بإفشال محادثات وقف إطلاق النار.
لقراءة المادة من موقعها الاصلي: