تقرير: سباق الأرصفة.. كيف تحولت الموانئ الإفريقية إلى ساحة حرب؟
يمن فيوتشر - الحرة: الخميس, 10 يوليو, 2025 - 10:53 مساءً
تقرير: سباق الأرصفة.. كيف تحولت الموانئ الإفريقية إلى ساحة حرب؟

لم تعد الموانئ الإفريقية مجرّد نقاط عبور أو تفريغ حاويات. تحوّلت إلى ساحات نفوذ محتدم.
من جيبوتي على البحر الأحمر إلى دكار على الأطلسي، مروراً ببربرة في الصومال وباجامويو في تنزانيا، تتسابق القوى الكبرى والإقليمية لفرض حضورها على السواحل الإفريقية.
“هذا التنافس ليس جديداً”، يقول جاشوا ميسيرفي، الباحث في معهد هدسون بواشنطن.
ويضيف للحرة: “لكنه تصاعد منذ أكثر من عقد، وتحديداً مع انطلاق مبادرة الحزام والطريق الصينية”.
ضخّت بكين استثمارات هائلة لبناء وتحديث موانئ إفريقية.
“يُطرح الأمر كمشروع تنموي، لكن الهدف أبعد من ذلك”، يوضح ميسيرفي. “هذه الموانئ تخدم طموحات استراتيجية طويلة المدى”.
“تُطرح التنمية كمبرر”، يوضح يوضح الباحث الأميركي.”لكن الحقيقة أن هذه الموانئ تخدم أهدافاً استراتيجية بعيدة المدى”.
ومع اتساع النفوذ الصيني، يشتد الصراع: من يفرض السيطرة في النهاية؟
وهل تكتفي القوى الإقليمية بالمراقبة، أم ترد؟

 

الصين.. استخدام مزدوج للموانئ
في سباق الموانئ الإفريقية، لجأت الصين إلى استراتيجية “الاستخدام المزدوج”، حيث تجمع في تطوير الموانئ بين الوظائف التجارية والقدرات العسكرية.
يقول ميسيرفي إن بكين ترى في الموانئ “رافعة للنفوذ الاستراتيجي”، ويشير إلى قدرتها على استيعاب السفن التجارية نهاراً والعسكرية عند الحاجة.
في جيبوتي، البلد الصغير المطل على أحد أهم المضائق البحرية في العالم، باب المندب، أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها، بالقرب من مرفأ استثمرت فيه بكثافة.
هذا الحضور أثار قلق الغرب، وسط مخاوف من تحوّل الموقع إلى نقطة إمداد عسكري دائمة محتملة، في حال نشوب نزاعات بالبحر الأحمر أو المحيط الهندي.
الجنرال الأميركي المتقاعد ستيفن تاونسند حذّر من قدرة الصين على “إعادة تسليح وصيانة السفن الحربية” في جيبوتي.
تحذيره يعكس تحولاً في طبيعة الوجود الصيني بإفريقيا، من نشاط تجاري إلى نفوذ عسكري أيضا.
ميسيرفي أضاف أن الموانئ تعد من البنى التحتية “الحساسة” وأن “واشنطن تشعر بالقلق أمام قدرة الصين تقديم الخدمات للسفن البحرية التابعة للجيش الصيني”.

 

الصومال.. ورقة في صراع النفوذ الإقليمي
الصين ليست وحدها في هذا السباق.
في خطوة لافتة، عرض الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود على واشنطن “وصولاً عملياتياً حصرياً” إلى قواعد جوية وموانئ حيوية مثل بربرة وبوساسو.
الهدف: جذب الأميركيين وتعزيز حضورهم، لمواجهة تمدد الخصوم في القرن الإفريقي.
الصومال يدرك أن الحماية الأميركية ستمنحه غطاءً سياسياً وعسكرياً في معركة النفوذ.
واشنطن لطالما دعمته عسكرياً ضد حركتي “الشباب” وداعش، لاحتواء التهديدات الإرهابية في المنطقة.
في شمال الصومال، حيث ميناء بربرة، تدور معركة أخرى حادة.
أثار اتفاق إدارة وتشغيل الميناء بين “موانئ دبي العالمية” وإقليم صوماليلاند، المدعوم إماراتياً، غضب الحكومة الصومالية، التي وصفته بأنه “انتهاك للسيادة”.
تقارير عدة تحدثت عن دعم عسكري إماراتي لقوات الأمن المحلية، ما عزّز الشكوك حول أجندات إماراتية تتجاوز الاقتصاد نحو النفوذ السياسي والعسكري.
بربرة اليوم تحوّلت إلى نقطة تقاطع للطموحات الصينية والإماراتية والإثيوبية، في سباق محموم للسيطرة على الممرات الحيوية بالبحر الأحمر وخليج عدن.

 

جيبوتي وتاجورة.. سباق البدائل
في جيبوتي، هي الأخرى، لا تهدأ التحركات.
الحكومة هناك أعلنت عرض “ممر تاجورة” لإثيوبيا كبديل عن صوماليلاند للوصول إلى البحر، في محاولة لتخفيف التوتر بعد اتفاق مبدئي بين أديس أبابا وصوماليلاند أشعل توتراً في منطقة القرن الإفريقي.
السفير الأميركي السابق لدى إثيوبيا، ديفيد شين، علّق على هذا التطور مشددا على “الخصوصية الجيبوتية”.
ففي جيبوتي، توجد منشأة عسكرية صينية دائمة، بجوار ميناء يستخدم لأغراض مدنية وعسكرية معاً.
يقول شين: “الصين لا تسيطر على الموانئ حصرياً، لكنها تتفق مع الحكومات على استخدامها، سواء للأغراض التجارية أو العسكرية”.

 

الإمارات والسعودية.. نفوذ لوجستي بأهداف أوسع
تمد الإمارات نفوذها الإفريقي عبر “موانئ دبي العالمية”، التي تحولت إلى ذراعها اللوجستي.
امتد نشاطها إلى السنغال، زنجبار، الكونغو، رواندا، وموزمبيق، في استراتيجية تجمع بين التجارة والتأثير السياسي.
أما السعودية، فدخلت السباق حديثاً من بوابة تنزانيا، بعدما حصلت على امتياز تطوير ميناء “باجامويو” ضمن مشروع “بوابة الشرق”، الذي يربط الأمن الغذائي بتوسيع النفوذ في شرق إفريقيا.

 

توازن هش وتقاطع مصالح
الولايات المتحدة تحذر من تمدد الصين، لكنها تستخدم الموانئ نفسها التي تديرها بكين أو الشركات الإماراتية.
يكشف هذا واقعاً جيوسياسياً مرناً، تحكمه شبكة مصالح متشابكة.
في خضم هذا السباق، تحاول بعض الدول الإفريقية إيجاد توازن دقيق بين الاستفادة من الاستثمار الخارجي والحفاظ على سيادتها.
وزير الخارجية الجيبوتي محمد علي يوسف قال مؤخرا إن بلاده “منفتحة على التعاون، لكن دون التفريط في السيادة”.

 

الموانئ.. بنية تحتية أم أداة نفوذ؟
يشير تقرير لمركز فاروس، المتخصص في الشؤون الإفريقية، إلى أن الصين باتت تسيطر على نحو ثلث الموانئ التجارية في إفريقيا، والتي يبلغ عددها 231 ميناء. تتجاوز بكين بذلك منطقة نفوذها الإقليمية في شرق إفريقيا إلى عمق القارة.
بعض الحكومات الإفريقية ترى في هذه الشراكات فرصة لتنمية الموانئ القديمة. لكنها تخشى “فقدان السيادة” بسبب العقود طويلة الأمد.
يقول ديفيد شين: “الكثير من الموانئ تطورت بفضل هذه الاتفاقيات”. لكنه يحذر أيضا: “يجب أن تكون هذه الاتفاقيات اقتصادية ومستدامة، وإلا ستتحول إلى عبء اقتصادي وسياسي”.
وفي عالم تُشترى فيه الموانئ بعقود تمتد لسنوات طويلة، تُعاد صياغة المشهد الجيوسياسي للقارة الإفريقية من السواحل.
ما بدأ كمشاريع تنموية، صار اليوم أدوات نفوذ، وصراع على مَن يملك المفاتيح البحرية للقارة.
السؤال: هل تنتهي هذه الحرب حيث بدأت؟ على أرصفة إفريقيا؟ أم تتحول إلى صراعات عنيفة؟


التعليقات