اليمن: حكاية مدينة محاصرة عشية عيد الاضحى
يمن فيوتشر - إيناس الحميري: الثلاثاء, 20 يوليو, 2021 - 12:14 صباحاً
اليمن: حكاية مدينة محاصرة عشية عيد الاضحى

هنا تعز، حيث يعيش عشرات الآلاف من سكان المدينه المحاصرة أوضاعا انسانية غاية في الصعوبة، مع حلول العيد، الذي يجلب موسمه متطلبات كثيرة.
كل ذلك في ظل ارتفاع قياسي لأسعار المواد الغذائية والاستهلاكية والمتطلبات الموسمية، مع استمرار انهيار العمله الوطنية.
هي معاناة مشتركة في انحاء البلاد، لكن المعاناة هنا تبدو مضاعفة، بسبب الحرب والحصار المستمر على المدينة منذ ست سنوات، إضافة الى عدم انتظام صرف المرتبات، وطائفة واسعة من القيود وانفلات الاسواق.
وهنا كل شيء مرتفع بشكل مضاعف، تبعا لتلك العوامل المشتركة، او تلك الخاصة بظروف تعز وحدها، كارتفاع تكاليف النقل التي تنعكس على اسعار المواد الغذائية، والمواشي والملابس والحلويات، والمشتقات النفطية والكهرباء التجارية، وصولا الى أزمة خانقة في الغاز المنزلي.. 
ولهذا كان لنا أن نتساءل.كيف سيفرح الناس، وكيف تدبروا أمورهم للعيد، حيث يحز على الإنسان أن يرى أطفاله محرومين من لحوم الأضاحي، والكسوة، والحلويات، غير ان هذا هو ما تفرضه الظروف القاهرة التي قضت بأن "العيد هنا لمن استطاع إليه سبيلاً". 

نتمنى أن لا يأتي العيد..! 
يقول المدرس محمد هلال (40 عاما) إن راتبه لا يفي بشراء متطلبات العيش الأساسية ودفع إيجار الشقة التي يسكنها في الأيام العادية، لكن ارتفاع الأسعار قصم ظهره وبات مهددا بالجوع. 
ويضيف: بالكاد أحاول تسيير أمور معيشتي وأبنائي الأربعة بالديون، لكن اليوم كل الأبواب أغلقت بوجهي، وصرت غير قادر على شراء الأضحية أو ملابس لأطفالي، وبالكاد يغطي راتبي أجور شقتي وشراء البر فقط".
ويتابع "العيد في ظل سنوات الحرب تتضاعف فيه المعاناة وتزيد قسوتها من سنة إلى أخرى". 
ومقارنة بما سبقها يقول: "قبل سنوات الحرب وارتفاع الأسعار كنا نستعد للعيد قبل حلوله بشهر ونشتري كل متطلباتنا، اما الآن فنتمنى أن لا يأتي العيد ابدا".
وهلال هو واحد من ملايين اليمنيين الذين لا يملكون ثمن الأضاحي أو الكسوة لأطفالهم ويرون العيد ضيفاً ثقيلا. 
وعلى سبيل هذا الضيف الثقيل، غدت معظم الاسر اليمنية تستبدل الاضاحي باهضه الثمن بالدجاج، أو تنتظر ما يجود به جيرانهم الميسورون على سبيل التكافل والتراحم. 

الأضحية.. بعيدة المنال..!
وعن اسعار المواشي يؤكد أكرم جميل، العامل في ملحمة الفرسان بمنطقة باب موسى، أن "أسعار المواشي هذا العام ارتفعت إلى الضعف مقارنة بالعام الماضي حيث تبدأ من 130 للأغنام الصغيرة و250 للكبيرة، ومليون ومئتين للأبقار". 
ويعزو أكرم ارتفاع الأسعار إلى ظروف الحرب وتكاليف النقل الباهظة. 

ركود.. وعزوف.. وغلاء.. 
يحشد رعاة، ومربو المواشي والتجار، قطعانهم إلى الأسواق خلال فترة العيد، استثماراً للموسم، وهذا ما يجعله يشهد ازدحاما غير عادي في كل عام، لكن هذا العام لم يكن كسابقيه. 
اذ يشهد السوق، ركوداً غير مسبوق كما افادنا البائعون، اضافة الى تدني اقبال المواطنين وذلك بسبب الأسعار الباهظه للمواشي ومتطلبات العيد.

التجار.. هجرة إلى السوق السوداء..! 
جالت "يمن فيوتشر" في شوارع المدينة لاستقصاء اسباب ارتفاع الاسعار، وحركة الاسواق، والسلع والمستلزمات العيدية.
يقول تاجر الملابس ابراهيم المشولي: في هذا الموسم لم يعد الإقبال من المواطنين على شراء البضائع مثل السنوات السابقة، وذلك يعود إلى الأسعار الباهظة.
ويضيف "نحن كتجار في محافظة تعز لا نعاني من مشكلة الحصار فقط بل توجد العديد من المشاكل ومنها ارتفاع اسعار الجمارك وصعوبة الطرقات، وأهمها وأصعبها التلاعب بالعملات الأجنبية بشكل جنوني. 
ويشير إلى أنه في ظل الوضع الصعب، هناك كثير من التجار تغيرت مجالات عملهم ووجدوا انفسهم مضطرين لفتح محلات تجارية في السوق السوداء لبيع السلاح والألعاب النارية والبنزين وهذا بسبب انخفاض نسبة الفائدة في أغلب المجالات الأخرى. 
ويوضح "يعني في الوضع الراهن ارتفعت الأسعار في تعز بنسبة 400% على الأقل.. لا يوجد مجال للمواطن للشراء ولا يوجد للتاجر مجال للأرباح، فالتاجر يسوي نسبة فائدة 20% بالكثير".

العيد.. صورة أخرى لبؤس اليمنيين
لم يعد الناس ينتظرون فرحاً لا يملكون كلفة أبسط متطلباته التي لم تعد قسراً في متناول اليد، فمتوسط راتب المدرس، على سبيل المثال، قبل 6 سنوات كان يوازي 400 دولار، واليوم بات يوازي أقل من 90 دولاراً، و60 دولار للجندي وقس على ذلك، في بلد يعتمد في أغلب متطلباته الأساسية والاستهلاكية على الخارج.
خلال تجولنا في أسواق تعز، كان البؤس وحده، لا الفرح ولا الحماس، يعلو وجوه الناس، الذين يكتفي كثير منهم، باخذ فكرة عن أسعار احتياجاتهم ومتطلباتهم في السوق وميزانيتهم المنكمشة إلى مستوى التلاشي، ليعودوا صفراً إلى أسرهم التي تنتظر كل شيء. 
الكبرياء يدفع البعض للحديث عن عدم وجود منتجات جيدة، لكن كثيرين لا يستطيعون إخفاء الحسرة.. والدموع. 
يعيش الناس على أمل استقرار البلاد وتحسن الاقتصاد وتحقيق سلام حقيقي في ظل دولة تحفظ حقوقهم وترعى مصالحهم وتضع حلولاً لمعاناتهم. وتلك الحلول في ظل هذا الانقسام والتشظي والتنازع واستمرار الحرب والحصار، تبدو أنها بعيدة المنال.


التعليقات