[ Getty ]
تضمَّن جدول زيارة (دونالد ترامب) الأخيرة إلى الشرق الأوسط غياباً لافتاً. فقد زار الرئيس كلاً من السعودية، والإمارات، وقطر، لكنه لم يزر إسرائيل، الحليف الأوثق -ظاهرياً- للولايات المتحدة في المنطقة. وعندما سُئل عن هذا "التجاهل"، أصرّ على أنه ليس تجاهلاً على الإطلاق، قائلاً: "هذا جيد لإسرائيل"، في إشارة إلى التحالفات التي يسعى لتعزيزها مع دول لم تكن من بينها إسرائيل.
ومن خلال تجاوزه لإسرائيل، أرسل ترامب إشارة واضحة بأن مخاوف هذا الحليف لم تعد في صدارة أولوياته في الشرق الأوسط، وربما لم تكن كذلك منذ فترة. وبالنظر إلى نهج إدارته تجاه المنطقة، فإن ذلك لا ينبغي أن يُفاجئ أحداً؛ إذ إن ترامب انتهج سياسات لطالما قوّضت أجندة رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو)، وأظهرت أن الهوّة بين الولايات المتحدة وإسرائيل آخذة في الاتساع.
وقد رحّب معظم الإسرائيليين بإعادة انتخاب ترامب؛ إذ يؤمن ما يقرب من ثلثيهم أنه سيدعم مصالحهم أكثر من (كامالا هاريس)، ولهم في ذلك مبرر وجيه: ففي ولايته الأولى، نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وألغى الاتفاق النووي مع إيران، واعترف بضم إسرائيل لهضبة الجولان، وساهم في تطبيع علاقاتها مع عدد من الدول العربية. وبحسب تصورهم، فإن ترامب -بخلاف هاريس- لن يساوم مع إيران، ولن يُجبرهم على تقديم تنازلات لحماس.
لكن بعد مرور أربعة أشهر فقط على ولايته الجديدة، بدأت ثقتهم به تتعرض لاختبار جدي.
لنبدأ بإيران. فعلى مدى أسابيع، كانت الولايات المتحدة تفاوض عدو إسرائيل اللدود بشأن برنامجه النووي، ما أثار احتمال أن تُخفف إدارة ترامب العقوبات وتتبنّى موقفاً أكثر ليناً تجاه النظام. ورغم أن التوصّل إلى اتفاق ليس حتمياً، إلا أن مجرد احتمال كهذا يُعدّ بمثابة كارثة سياسية بالنسبة لنتنياهو، الذي لطالما كره الاتفاق النووي الأميركي السابق، وجعل من التصدي لإيران محوراً رئيسياً في سياسته الخارجية.
أما غزة، فقد أصبحت أيضاً موضع خلاف، لا سيما هذا الشهر، مع تصعيد إسرائيل لهجماتها الصاروخية على القطاع. هذا التصعيد لا يُربك فقط خطة ترامب (السخيفة) لـ"الاستيلاء" على المنطقة وإعادة إعمارها كـ"ريڤييرا الشرق الأوسط"، بل يسلّط الضوء أيضاً على فشله في إنهاء الحرب، وهو وعد قطعه على نفسه في وقتٍ مبكر.
و نتنياهو يريد "هزيمة حماس بشكل كامل"، وهو هدف لا يمكن تحقيقه من دون إطالة أمد الحرب بشكل كبير. لكن ترامب دعا في وقت سابق من هذا الشهر إلى وقف إطلاق النار، ما أثار في إسرائيل مخاوف من أن الدعم الأميركي لحملتها العسكرية قد لا يدوم.
وفي مؤشر آخر مقلق لإسرائيل، تفاوضت إدارة ترامب مؤخراً على إطلاق سراح المواطن الأميركي-الإسرائيلي (عيدان ألكسندر) من دون إشراك إسرائيل في العملية. وقد عزز هذا من انتقادات خصوم نتنياهو، الذين يقولون إنه لم يبذل ما يكفي للإفراج عن عشرات الرهائن الإسرائيليين المتبقين، ويُعتقد أن أكثر من 20 منهم ما زالوا على قيد الحياة.
كما تمثل سوريا أيضاً نقطة توتر إضافية لإسرائيل. فخلال زيارته إلى السعودية، التقى ترامب بـ (أحمد الشرع)، الرئيس الجديد لسوريا، وهو أول لقاء يجمع رئيساً أميركياً بزعيم سوري منذ 25 عاماً. وأعلن ترامب رفع العقوبات الأميركية، ووصف الشرع بأنه "شخص جذّاب" و"مدهش للغاية".
و تلك بالطبع ليست الأوصاف التي قد يستخدمها نتنياهو؛ فإسرائيل تعتبر الشرع تهديداً حقيقياً، خصوصاً بسبب علاقاته السابقة مع تنظيم القاعدة. وفي محاولة لإضعاف نظامه الجديد، نفذت إسرائيل غاراتٍ على الأراضي السورية، وبنت قواعد عسكرية على الحدود، وقدمت دعماً للمعارضة الدرزية السورية.
وكان مسؤولون إسرائيليون قد طلبوا من إدارة ترامب الإبقاء على العقوبات، لكن ترامب لم يُصغِ إليهم.
و الولايات المتحدة تتحدى أيضاً المصالح الإسرائيلية في اليمن. فبعد مجزرة 7 أكتوبر/ تشرين الأول، بدأ الحوثيون في اليمن بمهاجمة السفن البحرية الأميركية، وشنّ ضربات صاروخية على إسرائيل تضامناً مع حركة حماس.
وقد ردّت واشنطن حينها بشن ضربات على الحوثيين، وهو ما لقي ترحيباً من إسرائيل.
لكن في وقت سابق من هذا الشهر، توصّلت إدارة ترامب إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع الحوثيين. وتمّ استبعاد إسرائيل بشكل واضح من هذا الاتفاق، وتركها تواجه التهديدات بمفردها. وقد أُعلن عن الاتفاق بعد يومين فقط من إصابة مطار إسرائيل الرئيسي بصاروخ حوثي، تَبِعته ضربات إضافية على إسرائيل حتى بعد سريان وقف إطلاق النار.
وعلى نطاق أوسع، وربما الأهم على المدى الطويل، تبدو إدارة ترامب أقل ميلاً للقيام بالدور القيادي النشط الذي اعتادت الولايات المتحدة أن تلعبه تقليدياً في الشرق الأوسط، وهو الدور الذي اعتمدت عليه إسرائيل بشكل كبير.
ففي عهد الرئيس (جو بايدن)، حافظت واشنطن على حضور عسكري كبير في المنطقة، وقدمت دعماً هائلاً للحملة الإسرائيلية في غزة، حتى مع ضغوطها على إسرائيل للدخول في مفاوضات لوقف إطلاق النار والعمل مع الفلسطينيين المعتدلين.
أما ترامب، فعلى النقيض، بدأ بسحب بعض القوات الأميركية من سوريا، وعيّن في إدارته مسؤولين يتشاركون معه الشكوك تجاه التدخلات العسكرية الخارجية.
و قد ساهمت القيادة الأميركية في الشرق الأوسط في تشكيل المنطقة بطرقٍ أفادت إسرائيل بشكل كبير، مثل ردع إيران واحتوائها، إلى تحييد تنظيم "داعش" والجماعات الإرهابية الأخرى، وصولاً إلى استمالة دول عربية معتدلة مثل مصر والسعودية.
صحيح أن إدارة ترامب لن تتخلى كلياً عن هذه الأدوار، لكنها بدأت بالفعل بالتراجع عن بعضها.
لكن كل ما سبق لا يعني أن التحالف الأميركي–الإسرائيلي يمرّ بأزمة. فالخلافات ستستمر بالظهور، لكن لدى الإسرائيليين ما يدعوهم للاعتقاد بأن الدعم الأميركي سيبقى، بشكل عام، قوياً. فمعظم مستشاري ترامب لا يزالون يعتبرون أنفسهم من أنصار إسرائيل، وكذلك الحال بالنسبة لغالبية الجمهوريين في الكونغرس.
ورغم مخاوف بعض الإسرائيليين، يبدو من غير المرجح أن يسحب ترامب دعمه للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، جزئياً لأنه لم يُبدِ سوى قدر ضئيل من الاهتمام بالأزمة الإنسانية التي يواجهها الفلسطينيون.
كما أن الرئيس واصل دعمه للمستوطنين الإسرائيليين المتشددين في الضفة الغربية، وعيّن سفيراً هو (مايك هاكابي)، الذي سبق له أن أيّد حملة إسرائيل لضم المنطقة.
(ومن المفارقات أن هذا الدعم ساهم في تعقيد مهمة نتنياهو، من خلال تقوية شوكة اليمين المتطرف داخل ائتلافه الحاكم، وهو تيار باتت مطالبه المتطرفة أكثر صعوبة على نتنياهو في تجاهلها).
ومع ذلك، فقد تغيرت البيئة السياسية لإسرائيل بشكل جذري مقارنة بما كانت عليه قبل بضع سنوات فقط. فبالمقارنة مع الرؤساء السابقين، يبدو أن ترامب أكثر استعداداً لتجاهل مصالح إسرائيل والسعي إلى تحقيق أهداف تتعارض معها علناً.
صحيح أن إسرائيل لن تخسر الولايات المتحدة كحليف، لكن هذا الحليف قد يجعل الشرق الأوسط في المستقبل يبدو أكثر تهديداً وخطورة.
الرابط ادناه لقراءة المادة من الموقع الأصلي:
https://www.theatlantic.com/international/archive/2025/05/trump-middle-east-israel-relations/682934/