تحليل: وقف النار في اليمن.. مناورة إيرانية أم نصر أمريكي مؤجل؟
يمن فيوتشر - Atlantic Council- Fatima Abo Alasrar and Behnam Ben Taleblu الخميس, 22 مايو, 2025 - 10:20 مساءً
تحليل: وقف النار في اليمن.. مناورة إيرانية أم نصر أمريكي مؤجل؟

من المبكر أن تُدرج واشنطن وقف الضربات الجوية ضد الحوثيين ضمن قائمة إنجازاتها في الشرق الأوسط. ففي إعلان للرئيس دونالد ترامب هذا الشهر، جاء أن الجماعة "رضخت" وأنها ستتوقف عن استهداف السفن الأمريكية والملاحة في البحر الأحمر. غير أن تصوير الأمر كانتصار أمريكي بعد أكثر من خمسين يومًا من الضربات العسكرية يبدو أقرب إلى التسرع منه إلى التقييم الدقيق.

فوقف إطلاق النار لم يأتِ نتيجة ضغط عسكري مباشر فحسب، بل في سياق سياسي بالغ التعقيد شارك فيه مسؤولون إيرانيون بارزون ضمن وساطة عُمانية، وكان لهم دور حاسم في دفع الحوثيين إلى التهدئة. ما يكشف عن أن قرار الجماعة لم ينبع من استقلالية في الإرادة، بل من خيوط تحركها طهران وفق مصالحها الإقليمية.

ورغم أن الاتفاق قُدم كأنه تفاهم مباشر بين واشنطن والحوثيين، إلا أنه يعكس نمطًا مألوفًا في استراتيجية إيران: إدارة العنف والتهدئة عبر وكلاء محسوبين عليها، مع الحفاظ على مظهر شكلي من الاستقلال، كما هو الحال منذ سنوات مع حزب الله في لبنان والميليشيات الشيعية في العراق.

النهج الإيراني يتّسم بازدواجية اليد التي تمتد بالدبلوماسية، والأخرى التي تمسك بخنجر الحرب بالوكالة. ومن خلال هذا الأسلوب، نجحت طهران في توسيع نفوذها خارج حدودها دون التورط في مواجهات مباشرة. 
وعلى مدار أكثر من عقد، كانت إيران الداعم الخارجي الأبرز للحوثيين، إذ زوّدتهم بالصواريخ والطائرات المُسيّرة والمكونات العسكرية، وساعدتهم على تجاوز العقوبات وتأمين موارد تمويل غير مشروعة.

وبهذا الدعم، بات الحوثيون يمتلكون قدرات شبه نظامية، مكّنتهم من فرض حضور عسكري فعّال في الداخل اليمني وخارجه. غير أن الضربات الأمريكية المكثفة، التي بدأت في مارس/آذار، أسفرت عن تدمير كبير في البنية التحتية العسكرية للجماعة، واستهدفت مواقع استراتيجية كالمستودعات، ومراكز القيادة، وأنظمة الرادار، في أوسع حملة أمريكية ضدهم منذ بدء التدخل السعودي عام 2015. ووفق مسؤولين أمريكيين، تجاوز عدد الضربات خلال سبعة أسابيع فقط حاجز الألف.


طهران تكسب الوقت
بالنسبة للجمهورية الإسلامية، فإن الحفاظ على الأصول الاستراتيجية وتأجيل المعركة إلى يومٍ آخر يُعدّ فنًا متقنًا. حيث تدرك طهران تصاعد نقاط ضعفها داخليًا وخارجيًا، وهي تقدم تنازلات تكتيكية بهدف خلق انطباع بـ"الانتصار" لدى خصومها، لا سيما في واشنطن تحت إدارة ترامب. فعلى سبيل المثال، خلال مفاوضات فيينا النووية، صرّح المسؤولون الإيرانيون مرارًا بأنهم أبدوا "مرونة تكتيكية في النقاط الفنية" مع التمسك بـ"الخطوط الحمراء الجوهرية"، فيما أكد وزير الخارجية الإيراني أن الأهداف الاستراتيجية للبلاد لا تزال ثابتة.
و يتماشى هذا السلوك مع ما فعلته طهران خلال الاتفاق النووي عام 2015، حيث وافقت على قيود مؤقتة على برنامجها النووي، لكنها رفضت التفاوض بشأن ترسانتها من الصواريخ الباليستية أو شبكاتها الإقليمية من الوكلاء. ويُتيح هذا النهج لطهران الاستفادة من الانخراط الدبلوماسي، بل وحتى من اتفاقات وقف إطلاق النار المؤقتة، دون المساس بأهدافها الأمنية الأساسية.
وقد أعلن وزير الخارجية العماني (بدر البوسعيدي) رسميًا عن الاتفاق بين الولايات المتحدة والحوثيين، بوصفه خطوة لضمان "حرية الملاحة" في البحر الأحمر. و من جانبها، رحّبت السعودية على الفور بالهدنة، واعتبرتها خطوة نحو "حلّ سياسي شامل للأزمة اليمنية" يُمكن أن يضمن "أمن واستقرار اليمن والمنطقة الأوسع".
لكن خلف ترحيب الرياض بالاتفاق، تقف مشاعر إنهاك الحرب ضد وكيل إيراني، والتحدي المستمر في التوفيق بين أولويات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، التي كثيرًا ما تتضارب عبر أربع إدارات رئاسية متعاقبة. فبعد ما يقارب عقدًا من الصراع مع الحوثيين دون تحقيق نصر عسكري حاسم، انتقلت السعودية من نهج المواجهة إلى سياسة الاحتواء. وفي عام 2023، أعادت حتى العلاقات الدبلوماسية مع راعي الحوثيين، الجمهورية الإسلامية، في إشارة إلى تراجع استراتيجي أوسع.
وهكذا، فإن ما بدأ في عام 2015 كحملة لإقصاء الحوثيين ونزع سلاحهم، انتهى بانسحاب هادئ، وظهور تهديد حوثي أقوى على أعتاب المملكة. أما إيران، فاتبعت استراتيجية الصبر والمراهنة على الاستنزاف بدلًا من الهيمنة، فدعمت وكلاءها بالسلاح والمشورة بتكاليف منخفضة، بينما كانت تراقب السعودية تنزف مواردها وشرعيتها. وكلما طال أمد الصراع، زادت فعالية نموذج طهران في خوض الحروب غير المباشرة. وبذلك، لم تكن إيران بحاجة إلى الانتصار الفعلي؛ كان يكفيها أن تصمد أطول من الرياض.
ومن اللافت أن توقيت وقف إطلاق النار الجديد، الذي تم بوساطة عمانية، يتزامن تمامًا مع مساعٍ دبلوماسية أخرى تقودها سلطنة عمان في المنطقة، وهي المفاوضات النووية غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة. ووفقًا لمصادر نقلتها سي إن إن، فإن الهدنة مع الحوثيين "هدفت إلى خلق زخم للمحادثات النووية مع إيران".
و من خلال لعب دور المحرك الرئيسي وراء وقف إطلاق النار مع الحوثيين، تسعى طهران إلى تصوير ضعفها الإقليمي على أنه بادرة حسن نية، مما يعزز موقفها التفاوضي للحصول على مقابل. وهذه ليست مناورة جديدة. ففي عام 2022، ومع سعي إدارة الرئيس الأمريكي السابق (جو بايدن) إلى إحياء المحادثات النووية، تراجعت بشكلٍ حاد الهجمات الصاروخية وهجمات الطائرات المُسيّرة على الأصول الأمريكية في العراق. وقد اعتبر بايدن هذا التراجع دليلًا على الاستقرار الإقليمي، رغم أن كبار المسؤولين الإيرانيين -بمن فيهم قائد "فيلق القدس" إسماعيل قاآني- قاموا بزيارات متكررة إلى العراق لإدارة أنشطة الميليشيات هناك والتأثير في المشهد السياسي.
ويُشير توقيت هذه التهدئة إلى أن طهران استخدمت توقفًا تكتيكيًا في تحركات وكلائها لدعم أهدافها الدبلوماسية، دون أن تغيّر من نهجها الاستراتيجي الأساسي.
ويبدو أن هذه المناورة الدبلوماسية المحسوبة تأتي أيضًا كرد فعل على تصعيد حملة "الضغط الأقصى" التي تتبناها إدارة ترامب. ففي هذا الشهر، طالب الرئيس الأمريكي بوقف فوري "لكافة مشتريات النفط والمنتجات البتروكيماوية الإيرانية"، ولاحقًا فرض عقوبات على مصفاة مستقلة في الصين تقوم بمعالجة النفط الخام الإيراني. ومؤخرًا، شدد ترامب على ضرورة "تفكيك كامل" للبرنامج النووي الإيراني، وهو موقف لقي دعمًا واسعًا من الجمهوريين المتشددين في الكونغرس الأمريكي.

لقراءة المادة من موقعها الأصلي عبر الرابط التالي: 

https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/iran-houthi-strategy/


التعليقات