وسعت جماعة أنصار الله في اليمن، المعروفة أيضًا باسم الحوثيين، تعاونها العابر للحدود مع الجهات الفاعلة من غير الدول في الصومال، وتحديدًا مع حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، المرتبط بدوره بالتنظيم الذي ظهر في العراق وسوريا عام 2014.
ورغم اختلاف هذه الجماعات في الأيديولوجيا والطموحات والتركيز الإقليمي، إلا أن ما يوحّدها هو العداء المشترك للولايات المتحدة وإسرائيل، واتباعها لأساليب الحرب غير المتكافئة، واعتمادها على الاقتصاديات غير المشروعة.
ويهدف هذا التعاون إلى تعزيز سلاسل الإمداد وتوسيعها، وتأمين الوصول إلى أسلحة أكثر تطورًا، وتحسين مكانة هذه الجماعات على الصعيد المحلي، وتوسيع قدرة أنصار الله وراعيها الإقليمي الرئيسي، إيران، على التأثير في أمن الملاحة البحرية في خليج عدن ومضيق باب المندب لصالحهم. وقد أدت هذه التطورات إلى زيادة مصادر عدم الاستقرار في المنطقة الأوسع.
براغماتية تتجاوز الأيديولوجيا
يُعتبر جزء كبير من منطقة القرن الأفريقي، خاصة الدول المطلة على البحر الأحمر، جزءًا لا يتجزأ من العمق الاستراتيجي لليمن بفضل قربها الجغرافي وسواحلها الطويلة. وقد شكلت هذه العوامل أنماط الهجرة التاريخية، والتبادل التجاري، والتأثيرات الثقافية، والعلاقات الدينية والاجتماعية.
وقد أظهر تأسيس اليمن لمنتدى صنعاء للتعاون في عام 2003، الذي اهتم من بين أمور أخرى قضايا السلام في الصومال، إضافة إلى وساطته في الأزمة الصومالية بين عامي 2006 و2007، واستضافته لأعداد كبيرة من الصوماليين النازحين، مدى انشغال اليمن بالشأن الصومالي.
كما كان اليمن بوابة القرن الأفريقي إلى دول الخليج، خاصة السعودية، حتى في أوقات عدم الاستقرار والصراع. ووفقًا للمنظمة الدولية للهجرة، فقد عبر نحو 96,670 شخصًا خليج عدن إلى اليمن في عام 2023 بفضل شبكات تهريب البشر، خاصة من منطقتي باري ووقويي جالبيد في الصومال.
وكانت تجارة السلاح في البحر الأحمر عاملًا رئيسيًا في علاقات أنصار الله بالصومال. فعلى الرغم من حظر السلاح الذي فرضته الأمم المتحدة على اليمن، واصلت إيران تزويد أنصار الله بالأسلحة سرًا.
فبين سبتمبر 2015 ويناير 2023، اعترضت سفن حربية تابعة للولايات المتحدة والسعودية وفرنسا وأستراليا ستة عشر مركبًا كانت تحمل نحو 29,000 قطعة من الأسلحة الخفيفة، و365 صاروخًا موجهًا مضادًا للدبابات، و2.38 مليون طلقة ذخيرة كانت في طريقها إلى أنصار الله. وقد تم نقل معظم هذه الشحنات على متن مراكب شراعية تقليدية تُستخدم عادة في التجارة الساحلية وصيد الأسماك. وفي عام 2020، خلصت “المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود” إلى أن جزءًا من الأسلحة التي زودت بها إيران أنصار الله قد انتهى به المطاف في الصومال.
ورغم أن علاقات إيران بدول القرن الأفريقي قد اتسمت بتقلبات صعودًا وهبوطًا، إلا أن “فيلق الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني أعطى الأولوية لهذه المنطقة بعد عام 1989، وعزز جهوده بشكل أكبر في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ففي عام 1989، دعمت إيران وصول الرئيس السوداني عمر البشير إلى السلطة، وفي عام 2006، نقلت الأسلحة إلى اتحاد المحاكم الإسلامية لتمكينه من قتال الحكومة الصومالية، وفي عام 2008، سعت إلى وجود عسكري في إريتريا، مما أتاح لها استخدام جزر دهلك لإرسال الأسلحة إلى أنصار الله.
وبهذه الطريقة، حاولت طهران كسر عزلتها الدولية، وتوسيع شراكاتها الإقليمية، وإرساء آليات إمداد لوكلائها، مما وسّع من مدى نفوذها الاستراتيجي.
تطورت علاقة أنصار الله مع الجهات الصومالية غير الحكومية، وجميعها تخضع لحظر الأسلحة، خلال العقد الماضي عبر تجار أو وسطاء سلاح. وأصبح هذا الأمر أكثر أهمية اعتبارًا من عام 2016، عندما أدرك أنصار الله أنه يمكنهم تعزيز موقفهم من خلال القدرة على العمل في المجال البحري اليمني، سواء عبر مهاجمة السفن أو الانخراط في التهريب — وهو الدرس الذي طبقوه خلال أزمة البحر الأحمر المرتبطة بغزة والتي بدأت في أكتوبر 2023.
وقد عبّر زعيم أنصار الله، عبد الملك الحوثي، عن هذا التوجه مجددًا في يناير 2025، عندما تحدث عن عمليات الجماعة البحرية دعمًا لغزة، مؤكدًا في الوقت ذاته دعمه للتطورات في “عدة دول أفريقية… ضد الهيمنة الأمريكية والأوروبية، والإمبريالية والاحتلال الأمريكي هناك.” وقد أشار هذا التصريح إلى اهتمامه بتوسيع أنشطة أنصار الله إلى داخل أفريقيا.
في يونيو 2024، أفادت الولايات المتحدة بوجود تعاون بين حركة الشباب وأنصار الله. وكشف تقرير للأمم المتحدة في فبراير 2025 أن ممثلين عن الجماعتين قد التقوا على الأقل مرتين في يوليو وسبتمبر 2024 في الصومال، مما يؤكد التزام أنصار الله بتعميق هذه العلاقات خلال أزمة البحر الأحمر.
وبحسب ما ورد في التقرير، فإن الصفقة بين الطرفين تقضي بأن يزود أنصار الله حركة الشباب بالأسلحة والخبرة التقنية، مقابل تكثيف الحركة لهجماتها في أعمال القرصنة البحرية وجمع الفدى في خليج عدن وعلى السواحل الصومالية.
وبالنظر إلى تعاون حركة الشباب مع القراصنة الصوماليين - حيث يُقال إن الحركة تحصل على 20% من قيمة الفدى - فمن المرجح أن شراكة أنصار الله مع حركة الشباب تضمنت استخدام القراصنة لتعظيم حجم الاضطرابات في المجال البحري.
وتخشى الولايات المتحدة من أن تؤدي شحنات الأسلحة التي يرسلها أنصار الله إلى فتح مصدر جديد لتمويل الجماعة، وفي الوقت نفسه توفير أسلحة أكثر تطورًا لحركة الشباب.
كما تحتفظ إيران أيضًا بعلاقات طويلة الأمد مع حركة الشباب. ففي عام 2017، سمحت “قوة القدس” التابعة للحرس الثوري الإيراني للحركة بالالتفاف على العقوبات المفروضة من الأمم المتحدة، باستخدام الموانئ الإيرانية كنقاط عبور لإعادة تصدير الفحم، ما وفر لها مصادر دخل.
كما أفادت تقارير أن إيران قامت بتسليح وتمويل حركة الشباب لاستهداف المصالح الأمريكية في القرن الأفريقي، بما في ذلك كينيا. وبينما لا يزال هناك حاجة إلى أدلة ملموسة تُثبت أن إيران قد لعبت دورًا في تسهيل علاقات أنصار الله مع حركة الشباب، إلا أن مسؤولي الاستخبارات الأمريكية يحققون في هذا الاحتمال.
أما الباحث الصومالي في معهد الشرق الأوسط، جوليد أحمد، فقد كان أكثر وضوحًا في تأكيد هذا الرابط، قائلاً: “إيران هي مركز كل هذا.”
وعلاوة على ذلك، يُعتقد أن القائد الفعلي لتنظيم القاعدة، سيف العدل، يقيم في طهران، وهو يرى أن التقارب بين المتشددين السنة والشيعة ضروري للتركيز على محاربة الدول الغربية.
أما علاقة أنصار الله بتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال (ISS)، فقد تطورت منذ عام 2021 على الأقل. وتركزت العلاقة في بداياتها على تهريب الأسلحة الخفيفة.
فبين عامي 2015 و2022، قام عضوان من تنظيم ISS تم تصنيفهما من قبل الولايات المتحدة -عبد الرحمن محمد عمر، وعيسى محمود يوسف- بتهريب الأسلحة من اليمن، ما يشير إلى وجود روابط سابقة مع أنصار الله.
وقد دُفع كلا الطرفين إلى ذلك بفعل احتياجات تنظيم ISS المحلية، الذي ينشط في منطقة بونتلاند الصومالية، ورغبة أنصار الله في تعزيز مصادر تمويلهم، لا سيما بعد التراجع في الصراع اليمني منذ أبريل 2022.
وعندما اندلعت حرب غزة في أكتوبر 2023، سعى أنصار الله إلى زيادة الضغط الدولي من أجل وقف إطلاق النار من خلال اعتراض حركة الملاحة في خليج عدن والبحر الأحمر.
وفي الفترة بين نوفمبر 2023 ومايو 2024، أفادت التقارير بأن أنصار الله أرسل ممثلين إلى شمال شرق الصومال للتنسيق في جمع المعلومات الاستخبارية وتحديد مواقع السفن في خليج عدن، لسد الثغرات في تغطية الرادار لديهم، مقابل تزويد التنظيم بطائرات انتحارية مسيّرة قصيرة المدى وتدريب تقني.
وقامت قوة الأمن في بونتلاند الصومالية (PSF) بمصادرة خمس طائرات مسيّرة من هذا النوع كانت قد أرسلتها أنصار الله في أغسطس 2024، واعتقلت سبعة أشخاص يُشتبه في ارتباطهم بتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال (ISS) وحركة الشباب.
وفي يناير من هذا العام، أعلن تنظيم ISS مسؤوليته عن هجومين باستخدام طائرات مسيّرة ضد قوات امن بونتلاند PSF.
إن علاقة أنصار الله بتنظيم ISS، وإمكانية وصول الأخير إلى شبكات تهريب الأسلحة، تنبع من علاقات أنصار الله بحركة الشباب، ومن حقيقة أن زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، عبد القادر مؤمن كان قد أسس التنظيم في عام 2015 مع منشقين عن حركة الشباب التي يعارضها.
وعلى الرغم من أن أنصار الله جماعة زيدية شيعية جارودية، إلا أنها تتصرف ببراغماتية في تعاملها مع الجماعات الجهادية السنية، كما يتضح من تعاونها مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب (AQAP).
وقد شملت هذه العلاقة نقل الأسلحة إلى القاعدة، وتوفير الملاذات المتبادلة لأعضاء كلا الطرفين، وتبادل الأسرى، مما يُظهر أن إقامة روابط مماثلة مع حركة الشباب وتنظيم ISS أمر وارد كذلك.
توسيع مصادر عدم الاستقرار عبر خليج عدن
إن تداعيات تعمق التعاون بين أنصار الله وحركة الشباب وتنظيم ISS متعددة الأبعاد، ولها تأثيرات حرجة على التجارة البحرية العالمية والسلام والأمن الدوليين. فالأطراف الثلاثة تتقاطع مصالحها، وجميعها تعيد تشكيل ديناميكيات الأمن في القرن الأفريقي، وجنوب البحر الأحمر، وخليج عدن، مضيفة مسارح جديدة محتملة لعدم الاستقرار، مما يُعقد جهود اعتراض الأسلحة.
كما أن هذه الديناميكيات قد زادت من البصمة الجيوسياسية لأنصار الله، وهو أمر استفادت منه إيران، مما منح كلا الطرفين أدوات تأثير على واحد من أهم الممرات البحرية الدولية.
ومن أبرز المصالح المشتركة لأنصار الله، وحركة الشباب، وتنظيم ISS هو استغلالهم للشبكات غير المشروعة، خاصة شبكات تهريب الأسلحة والوقود القادمة من إيران. من جانبها، ترى إيران أن هذه الجماعات تساعدها في تنويع قنوات التمويل، ومسارات التهريب، وقواعد الدعم الخارجية. وقد أدت هذه الأنشطة إلى زيادة مصادر الإيرادات والقدرات العملياتية لدى الأطراف الثلاثة.
وعلى وجه الخصوص، فإن تعاون أنصار الله مع الجهات الصومالية غير الحكومية قد سهل تدفق الأسلحة والموارد الإيرانية من وإلى اليمن، متجاوزًا حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة. وغالبًا ما تتبع شحنات الأسلحة مسارًا غير مباشر: إذ تغادر السفن الأكبر حجمًا إيران وتبحر إلى المياه الكينية أو التنزانية لتجنب كشفها من قبل القوات البحرية الدولية قرب خليج عدن، ثم تتجه إلى الصومال.
بعد ذلك، تستخدم القوارب الصغيرة المنطلقة من الصومال وثائق مزورة لتهريب الأسلحة إلى اليمن، وبشكل خاص عبر منطقة رأس العارة في محافظة لحج. كما سعى تجار الأسلحة والوسطاء إلى نقل أنظمة صواريخ أرض-جو من أوروبا الشرقية إلى أنصار الله عبر الصومال.
وترى الجهات الصومالية غير الحكومية أن امتلاك أنصار الله لأسلحة تقليدية معطلة للتوازن وقدرات في مجال الطائرات المسيّرة يعد تطورًا واعدًا من شأنه تغيير قواعد اللعبة.
أما بالنسبة لأنصار الله، فإن نقل الأسلحة والتدريب يأتي كجزء من حزمة متكاملة زادت من إيرادات الجماعة، ووسعت من نفوذها، وضمنت لها الدعم اللوجستي، ومكّنتها من تعزيز مكانتها ضمن “محور المقاومة”.
يسعى الحرس الثوري الإيراني، الذي يحرص على تقويض مصالح الغرب، إلى موازنة نفوذه ضد منافسين مثل الولايات المتحدة، ودول الخليج، وتركيا، وتوسيع حضوره في القرن الأفريقي.
وحسب يزيد الجداوي من مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، فإن الحرس الثوري “يشرف على التوجه الاستراتيجي لهذا التعاون القائم على المصالح المتبادلة، حيث تعمل أنصار الله كمنسق دون إقليمي بفضل صمودها العملياتي خلال أزمة البحر الأحمر وقربها الجغرافي”.
أما قوة القدس، التي يشارك أحد أعضائها في مجلس الجهاد الأعلى لأنصار الله — وهو أعلى هيئة تنفيذية للجماعة — فهي التي تشرف على عمليات نقل الأسلحة.
بالنسبة لأنصار الله، أصبحت السواحل الصومالية المفتوحة عنصرًا حاسمًا لضمان حصول الجماعة على الإمدادات الإيرانية والمعدات الصينية الضرورية لنمو برنامجها الخاص بالطائرات المسيّرة والصواريخ، والمدعوم من إيران.
يدخل جزء كبير من هذه المعدات إلى أنصار الله عبر الصومال وجيبوتي.
وتشمل طرق التهريب إلى اليمن السواحل المحيطة بموانئ الحديدة، الصليف، رأس عيسى، وميناء المخا في محافظة تعز، ومينائي الشحر والمكلا في محافظة حضرموت، وبلحاف وبير علي في محافظة شبوة، ونشطون وسيحوت في محافظة المهرة. أما على الجانب الصومالي، فتشمل هذه الطرق ميناء بوساسو في بونتلاند، وسواحل بُرُوعا، وهوبيا، وبراوي، ومركا، وقندلة، بالإضافة إلى ميناء بربرة في أرض الصومال (صومالي لاند).
ولإمداد أنصار الله، يعتمد الحرس الثوري الإيراني على شبكات القرصنة الصومالية، وحركة الشباب، وتجار السلاح في اليمن والصومال.
ومن بين الشخصيات التي تنسق عمليات أنصار الله في الصومال: أبو محمد المرتضى وأبو إبراهيم الهادي، اللذان لا يشرفان فقط على صفقات التهريب، بل أيضًا على توسيع التعاون مع فيلق القدس.
ثانيًا، أتاح تعاون أنصار الله مع حركة الشباب وتنظيم الدولة في الصومال (ISS) لإيران فرصة لتطوير عمقها الاستراتيجي في الصومال والقرن الأفريقي، وتوسيع نطاق نفوذها في تشكيل بنية الأمن البحري في خليج عدن ومضيق باب المندب.
خلال صراع غزة، منحت هذه الشبكات إيران نفوذًا كبيرًا على نقل المحروقات والبضائع الأخرى إلى البحر المتوسط وأوروبا. وأشار تقرير لفريق خبراء الأمم المتحدة بشأن اليمن في أكتوبر 2024 إلى أن أنصار الله كانوا “يقيمون خيارات لتنفيذ هجمات بحرية من السواحل الصومالية”، بعد أن نقلوا طائرات مسيّرة وصواريخ إلى هناك.
لكن هذه الهجمات لم تحدث فعليًا، ويرجع ذلك أساسًا إلى الانتكاسات التي عانت منها إيران في صراعها مع إسرائيل بين يوليو وديسمبر 2024، وخشيتها من أن تؤدي مثل هذه الهجمات إلى ضربات مضادة أكثر استدامة على أراضيها.
كما أن علاقات أنصار الله مع حركة الشباب وتنظيم ISS قد سمحت بتوسيع أدوات الوصول إلى المناطق البحرية في الصومال، مع توفير قدر من الإنكار (الإنكار المعقول) لشركائهم. فعلى سبيل المثال، في نوفمبر 2023، ادعى عبد الملك العجري من أنصار الله أن جماعته قد استولت على السفينة سنترال بارك، في حين أن من قام بذلك فعليًا هم قراصنة صوماليون بالتنسيق مع أنصار الله، مما يُظهر تأثيرهم المشترك.
لذا، فإن الهجمات البحرية أصبحت تنفذ بشكل متزايد من قبل عدة أطراف في أنحاء خليج عدن، مما يمنح إيران وأنصار الله القدرة على تعطيل التجارة في البحر الأحمر عندما يكون ذلك في مصلحتهما.
علاوة على ذلك، مكّنت علاقات أنصار الله مع الجماعات في الصومال من تلقي معلومات من الجانب الآخر من خليج عدن لضرب السفن. خلال صراع غزة، أقنع أنصار الله حركة الشباب وتنظيم ISS والقراصنة الصوماليين بمهاجمة السفن ومنعها من دخول البحر الأحمر تضامنًا مع الفلسطينيين.
وخلص تقرير فريق خبراء الأمم المتحدة بشأن اليمن في أكتوبر 2024 إلى أن ثلث هجمات أنصار الله وقعت في مناطق من خليج عدن خارج تغطية رادارات الجماعة، “مما يشير إلى أن الحوثيين تلقوا مساعدة خارجية في التعرف على السفن وتحديد مواقعها واستهدافها.”
ويُرجّح أن هذه المعلومات وفّرتها سفينة التجسس الإيرانية بيهشاد، أو روسيا، أو حركة الشباب، أو تنظيم ISS، أو القراصنة الصوماليون، أو جماعات صومالية أخرى.
وفي مارس 2024، عبّر عبد الملك الحوثي بثقة عن نيته في توسيع العمليات البحرية باتجاه المحيط الهندي ورأس الرجاء الصالح، ملمحًا ضمنيًا إلى إمكانية استخدام أراضي دول أخرى لتنظيم هجمات مباشرة أو عبر وكلاء.
وقد لا يكون تصاعد عمليات القرصنة الصومالية خلال الهجوم الإسرائيلي على غزة، إلى جانب تعطيل أنصار الله لحركة الملاحة في البحر الأحمر، مجرد صدفة، مما يعزز التقارير التي تتحدث عن شراكة بين أنصار الله وحركة الشباب.
أما العامل الثالث وراء التعاون بين أنصار الله، وحركة الشباب، وتنظيم ISS، فهو رغبتهم المشتركة في توسيع جبهة المواجهة ضد الولايات المتحدة، وإسرائيل، والدول الأفريقية التي تدعم الأميركيين، والتي يعتبرونها خصومًا أو أعداءً.
وقد أدى نقل الطائرات المسيّرة والصواريخ المضادة للطائرات إلى حركة الشباب، والطائرات المسيّرة الانتحارية إلى تنظيم ISS، إلى تعزيز قدرات الحرب غير المتكافئة لدى هذين التنظيمين.
وقد أدى ذلك إلى تصاعد المخاوف الأمنية في إثيوبيا، والصومال، وجيبوتي، وكينيا (التي تشهد منطقة حدودها مع الصومال حالة من عدم الاستقرار)، كما زاد من قدرة هذه الجماعات على استهداف القوات الأمنية الإقليمية، بما في ذلك الجيش الوطني الصومالي، وبعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال، والقيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم).
كما أن انتشار الطائرات المسيّرة خلق بيئة قد تضطر فيها الموارد الغربية إلى إعادة الانتشار إلى أماكن أخرى، وهو ما تأمل أنصار الله أن يخفف الضغط عليها.
هناك أيضًا دوافع داخلية وراء تعميق أنصار الله لعلاقاتهم مع حركة الشباب وتنظيم الدولة في الصومال (ISS)، مما يشكل مخاطر محتملة على الاستقرار الإقليمي.
يأمل أنصار الله أن تنعكس قدراتهم المحسّنة وشبكاتهم ومواردهم في الصومال إيجابًا على مسارات تنظيمي القاعدة في جزيرة العرب (AQAP) والدولة الإسلامية في اليمن ضد خصوم أنصار الله.
ويهدفون من ذلك إلى زيادة أنشطة الجهاديين السنّة في اليمن، مما من شأنه أن يغذّي حالة عدم الاستقرار في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، ويقوّض الحكومة اليمنية داخليًا ودوليًا، ويعمّق حالة انعدام الثقة داخل معسكر الحكومة.
ويبدو أن أنصار الله يحققون نجاحًا في هذه الاستراتيجية.
فقد أصدرت الأمم المتحدة مؤخرًا تقريرًا يشير إلى أن حركة الشباب “أرسلت، بحسب التقارير، أكثر من عشرة عناصر إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لاكتساب خبرة ومعرفة عملياتية، بما في ذلك في مجال تكنولوجيا الطائرات المسيّرة”، مما يبرز احتمالية انتشار هذا التعاون.
ومع هذا التقارب، بات تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يركّز بشكل متزايد على استهداف المصالح الغربية والقوات المتحالفة مع الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، لا سيما منذ عام 2021. وشمل ذلك استخدام طائرات مسيّرة مفخخة في عام 2023.
وكما هو الحال مع حركة الشباب وتنظيم ISS، ينظر أنصار الله وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب إلى الحكومة اليمنية على أنها “موالية للغرب”، وخلال حرب غزة، ازداد تصميم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على تعميق تعاونه مع أنصار الله.
أما بالنسبة لإيران، فإن إضعاف الحكومات المركزية في اليمن والصومال قد خلق فراغًا سمح لها بتوسيع مجال تدخلها وتحقيق مصالح طهران عبر خليج عدن.
وكان هذا بالغ الأهمية خاصة بعد أن تعرض محور المقاومة الذي تهيمن عليه إيران لضعف كبير في صراعه مع إسرائيل بين أكتوبر 2023 وديسمبر 2024، مما رفع من قيمة أنصار الله داخل هذا المحور وفي حسابات إيران.
الخلاصة
إن توسع علاقات أنصار الله مع الفاعلين غير الحكوميين في الصومال يتماشى مع أهداف السياسة الخارجية الإيرانية في القرن الأفريقي.
فإيران، التي وصف المتحدث باسم خارجيتها، ناصر كنعاني، أفريقيا بأنها “قارة الفرص”، قامت خلال السنوات الأخيرة بمراجعة استراتيجيتها تجاه القرن الأفريقي، مستأنفة العلاقات الدبلوماسية مع السودان وجيبوتي والصومال في الفترة بين 2023 و2024.
وتواجد أنصار الله في الصومال هو تجسيد لانخراط إيران المتزايد في القرن الأفريقي. علاوة على ذلك، من المتوقع أن يزيد تركيز أنصار الله على شبكات التهريب الإقليمية بعد أن أعادت الولايات المتحدة تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية أجنبية في فبراير 2025، وفرضت عقوبات على سبعة من قادتها المتورطين في التهريب وشراء الأسلحة.
ويبدو أن الحرس الثوري الإيراني، الذي يدرك الآثار الاستراتيجية لتحركات أنصار الله على التجارة والأمن البحري العالمي، قد أصبح أكثر اقتناعًا بأهمية الحفاظ على نفوذ في خليج عدن، والمحيط الهندي، وصولًا إلى رأس الرجاء الصالح.
ومع سعي إيران إلى توسيع نفوذها عبر المنطقة وما وراءها، فإن هدفها هو أن تكون قادرة على التأثير في التطورات البحرية بعيدًا عن سواحلها.
ستظل عوامل الاستقطاب والصراع والفقر والتجزؤ والفساد عناصر مُمكّنة لتحقيق هذا الطموح على المدى المتوسط.
لكن يبقى التساؤل قائمًا حول ما إذا كانت الأهداف الأيديولوجية المتناقضة للجماعات الجهادية السنية والشيعية ستؤدي في نهاية المطاف إلى انقسام بين إيران وأنصار الله من جهة، وحركة الشباب وتنظيم ISS من جهة أخرى، رغم عدائهم المشترك للغرب.
ملاحظة ختامية:
تم إعداد هذا المنشور بدعم من شبكة البحوث المحلية عبر الحدود (X-Border Local Research Network)، وهو برنامج ممول من التنمية الدولية البريطانية من الحكومة البريطانية. ولا تعكس الآراء الواردة بالضرورة السياسات الرسمية للحكومة البريطانية.
لقراءة المادة من موقعها الاصلي عبر الرابط التالي: