تحليل: كيف تخدم ضربات الحوثيين لطائرات MQ-9 ريبر الأمريكية أجندة إقليمية أوسع؟
يمن فيوتشر - Atlantic Council- ترجمة ناهد عبدالعليم: الخميس, 27 فبراير, 2025 - 11:52 مساءً
تحليل: كيف تخدم ضربات الحوثيين لطائرات MQ-9 ريبر الأمريكية أجندة إقليمية أوسع؟

في 28 ديسمبر/ كانون الأول 2024، أعلن (يحيى سريع)، المتحدث باسم الحوثيين، أن صاروخًا حوثيًا أرض-جو أسقط طائرة أمريكية مُسيّرة من طراز MQ-9 ريبر أثناء تحليقها فوق محافظة البيضاء في اليمن. وبعد أربعة أيام، أعلن الحوثيون إسقاط طائرةٍ مُسيّرة أمريكية الصنع ثانية في محافظة مأرب، مما شكّل أول استهداف حوثي لطائرة MQ-9 ريبر في عام 2025. وتمثل هذه الهجمات أحدث العمليات الناجحة ضمن سلسلة طويلة من الضربات الحوثية ضد الطائرات المُسيّرة الأمريكية منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس، ما يسلط الضوء على تنامي القدرات الهجومية للحوثيين.

وبالنسبة للجماعة المسلحة اليمنية، فإن تكبيد الأسطول الأمريكي للطائرات المُسيّرة خسائر فادحة يحقق أهدافًا تكتيكية واستراتيجية ورمزية على المستويين المحلي والإقليمي. فاستهداف طائرات MQ-9 ريبر يضعف أنظمة الاستخبارات والاستهداف الأمريكية، ويساعد الحوثيين في تعزيز دعمهم الداخلي والإقليمي. كما أنه، بالنظر إلى علاقات الحوثيين مع الصين وروسيا وإيران، قد تسقط هذه الطائرات في أيدي خصوم الولايات المتحدة.
ونظرًا للفوائد المستمرة التي يجنيها الحوثيون من إسقاط هذه الطائرات، يتعين على الولايات المتحدة تعديل استراتيجيتها لنشر الطائرات المُسيّرة لضمان تقليل تعرض طائرات MQ-9 ريبر لهجمات الجماعة المسلحة.

الهجوم:
تمثل الهجمات المتزايدة على الطائرات الأمريكية المُسيّرة وحملة استهداف السفن ركيزتين أساسيتين في الهجوم الأخير الذي يشنّه الحوثيون. فمنذ منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، فرض الحوثيون قيودًا على حرية الملاحة في البحر الأحمر والتجارة البحرية، عبر شن مئات الهجمات على السفن التجارية. وإذ يصوّرون حملتهم ضد الشحن البحري على أنها تعبير عن التضامن مع الفلسطينيين في غزة، فقد وجهوا ضربة قاسية لحركة الملاحة في الشريان التجاري الذي يربط بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي.
وبعد وقتٍ قصير من بدء استهدافهم لحركة الشحن في البحر الأحمر، وسّع الحوثيون نطاق أهدافهم ليشمل أي سفينة مملوكة أو مشغلة من قبل شركات شحن دولية تقدم خدماتها للموانئ الإسرائيلية. ومع ذلك، فإن قدراتهم المحدودة في التعرف على السفن وتعقبها أدت إلى استهداف سفن لا تربطها أي صلات رسمية بإسرائيل، بما في ذلك هجمات عرضية على سفن مرتبطة بالصين وروسيا. غير أن هذه السفن باتت مستثناة إلى حد كبير من الهجمات الحوثية في أعقاب اتفاقات بوساطة إيرانية ضمنت عبورها الآمن.
مع تدهور الأمن البحري في البحر الأحمر خلال عام 2023، سعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى ردع الحوثيين عبر تشكيل تحالفاتٍ بحرية متعددة الجنسيات، أبرزها عملية حارس الازدهار وعملية أسبيديس. ورغم نجاح هذه المهام في التصدي لعشرات الهجمات الحوثية على السفن التجارية، فإنها لم تتمكن سوى جزئيًا من إعادة تأمين طرق الشحن. وفي عام 2024، أطلقت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عملية بوسيدون آرتشر لتنفيذ ضرباتٍ جوية دقيقة على أهداف عسكرية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن. ويبدو أن وتيرة العمليات الهجومية البحرية الحوثية قد تراجعت في الأشهر الأخيرة، حيث وقع آخر هجوم على السفن التجارية في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.
ومنذ عام 2002، نشرت الولايات المتحدة بانتظام طائراتٍ مُسيّرة، مثل MQ-9 ريبر، لتنفيذ مهام استطلاع وضرباتٍ جوية في اليمن، لا سيما لاستهداف وجمع المعلومات الاستخبارية حول عناصر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وعلى الرغم من الانتشار الطويل لهذه الطائرات، فإن الخسائر الأمريكية بسبب النيران المعادية كانت محدودة، حيث لم يسقط الحوثيون سوى ثلاث طائرات MQ-9 ريبر بين عامي 2017 و2019.
لكن خلال الحملة الحوثية ضد الشحن البحري، شهدت الجماعة تصعيدًا ملحوظًا في كفاءتها التكتيكية ضد الطائرات الأمريكية المسيّرة. فمنذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن إسقاط أربع عشرة طائرة MQ-9 ريبر، ضمن سلسلة هجمات استهدفت الأصول الأمريكية، خصوصًا في محافظتي مأرب وصعدة. ويمثل التصعيد في وتيرة العمليات وارتفاع معدل نجاح الهجمات الحوثية ضد الطائرات الأمريكية سابقة غير معهودة، مما يعكس تحسنًا كبيرًا في دقة الاستهداف وتوسّع القدرات الهجومية للجماعة.
وفي حين أنه من غير الواضح تمامًا ما الذي تتضمنه الترسانة الصاروخية الحوثية، وبالتالي ما الذي يعزز هذه القدرة الهجومية، يمكن استنتاج بعض المعلومات من العروض العسكرية الحوثية ومن عمليات ضبط مواد عسكرية مُهربة على متن قوارب شراعية تحمل مساعدات إيرانية فتاكة.
حيث تضم ترسانة الحوثيين من الصواريخ أرض-جو صواريخ روسية الصنع تعود إلى مخزون الجيش اليمني قبل الحرب، مثل صاروخ SA-6/Faster (Innovator) وعائلة صواريخ ثاقب (Piercer).
بالإضافة إلى ذلك، يدّعي الحوثيون أنهم ينتجون تصاميم صاروخية محلية، إلا أن هذه النماذج إما نُسخ معدلة من أنظمة تسليح إيرانية أو تستند إلى التكنولوجيا الإيرانية، مثل:

صاروخ صياد-2C (Hunter).

سلسلة صواريخ صقر (الصاروخ الإيراني 358).

عائلة صواريخ برق (سلسلة صواريخ طائر الإيرانية).

 

داخل الاستراتيجية الحوثية: على المستوى التكتيكي، يهدف الحوثيون من خلال إسقاط طائرات MQ-9 ريبر بشكل أساسي إلى إضعاف قدرات الاستخبارات الأمريكية ونظم الاستهداف. فعملية بوسيدون آرتشر تعتمد بشكل كبير على البيانات التي تجمعها الطائرات المسيّرة لتخطيط الضربات الجوية الأمريكية-البريطانية المشتركة ضد الأهداف المعادية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
ورغم أن MQ-9 ريبر صُممت لتكون طائرة قتالية متطورة بقدرات "الصيد والقتل"، إلا أنها تلعب أيضًا دورًا محوريًا في جمع المعلومات الاستخبارية والمراقبة والاستطلاع، بفضل قدرتها على التحليق لمدة 24 ساعة متواصلة وبلوغ ارتفاعات تشغيلية تصل إلى 50 ألف قدم.
وقد أدى تصاعد الضربات الدقيقة لعملية بوسيدون آرتشر على مواقع الرادارات والمخازن ومنصات الإطلاق الحوثية إلى إجبار الجماعة على الاعتماد بشكلٍ أكبر على منشآت تحت الأرض والاختباء في التضاريس الوعرة داخل اليمن. ومع تكثيف الحوثيين لجهود إخفاء مواقعهم الاستراتيجية، ازدادت اعتمادية التحالف الغربي على الطائرات المُسيّرة للحصول على معلومات استخبارية دقيقة حول المنشآت العسكرية.
وبالنسبة للحوثيين، فإن إسقاط الطائرات الأمريكية لا يحمل بعدًا عسكريًا فقط، بل له قيمة رمزية كبيرة. فالمواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل تمثل جزءًا أساسيًا من أيديولوجيتهم، ولذلك يحرصون على ترويج قدرتهم على تحدي الولايات المتحدة عبر الدعاية المكثفة لإسقاط MQ-9 ريبر.
فعلى سبيل المثال، وكما أشار (محمد الباشا) "مؤسس شركة الاستشارات Basha Report"، استغل الحوثيون هذه الطائرات لتحويلها إلى رمزٍ ساخر في دعايتهم، حيث أنتجوا أغنية ساخرة بعنوان "بوّرت" (وتعني "عديمة الفائدة" باللهجة المحلية)، والتي تهزأ من ضعف قدرات الطائرة القتالية.
كما سعى الحوثيون أيضًا إلى تعزيز شرعيتهم السياسية داخليًا وكسب الاعتراف الإقليمي من خلال استهداف الأصول الجوية الأمريكية. فإسقاط الطائرات المُسيّرة الأمريكية يرفع المعنويات بين أنصار الجماعة في وقتٍ يعاني فيه اليمنيون من ظروف قاسية تحت وطأة الضربات الجوية الغربية والإسرائيلية.
أما إقليميًا، فقد مكّن إعلان الحوثيين عن تدمير طائرات MQ-9 الجماعة من تصوير نفسها كأكثر أعضاء محور المقاومة المدعوم من إيران فتكًا، كما ساعدها في كسب تعاطف الأصوات المناهضة للولايات المتحدة والمؤيدة للفلسطينيين في العالم العربي.
مع ذلك، تستوجب ادعاءات الحوثيين نظرة متشككة. فالجماعة معروفة بعملياتها الدعائية، التي تشمل إطلاق تصريحاتٍ غير قابلة للتحقق لتهويل إنجازاتها العسكرية. فمنذ بدء الحملة ضد الشحن البحري، كثيرًا ما تباهى الحوثيون بشن هجماتٍ ناجحة ضد أصول بحرية أمريكية في البحر الأحمر، رغم أن القيادة المركزية الأمريكية سارعت إلى نفي صحة هذه المزاعم.
وبالمثل، فإن إسقاط طائرات MQ-9 ريبر يمثل أداة دعائية قوية يستخدمها الحوثيون للترويج لقدراتهم في الحرب الجوية الهجومية. سواء كانت هذه الادعاءات حقيقية أو مبالغًا فيها، فإنها تخدم هدفًا استراتيجيًا يتمثل في تضخيم القوة القتالية الحوثية وتعزيز صورتهم كميليشيا قادرة على مواجهة القوات الأمريكية بشكل مباشر.

 

الشركاء الخطرون للحوثيين:
على الرغم من أن الطائرات MQ-9 ريبر أُسقطت فوق اليمن، إلا إن التداعيات السلبية لهذه الهجمات الحوثية على الأصول العسكرية الأمريكية قد تتجاوز حدود البلاد. فمنذ هجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول على إسرائيل، شهد التعاون العسكري والتنسيق الدبلوماسي والدعم الرمزي بين الحوثيين وإيران (الجهة الداعمة الأهم لهم) وروسيا والصين وغيرها من الجماعات المسلحة الإقليمية ضمن محور المقاومة.
لقراءة المادة في موقعها الاصلي على هذا الرابط:

https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/houthi-strikes-on-us-mq9-reaper-drones/


التعليقات