تكثف الولايات المتحدة وحلفاؤها من الجهود للحدّ من تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين في اليمن. وقد أعاد الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) تصنيف الحوثيين كـ"منظمة إرهابية أجنبية" (FTO) في اليوم الثالث فقط من رئاسته، بالتزامن مع إعادة فرض سياسة "الضغوط القصوى" على إيران، وذلك في مسعى لاستهداف الشبكات المالية والعسكرية الداعمة لطهران. وينصّ الأمر التنفيذي الخاص بتصنيف الحوثيين على أن "سياسة الولايات المتحدة الآن هي التعاون مع الشركاء الإقليميين للقضاء على قدرات وعمليات الحوثيين، وحرمانهم من الموارد، وبالتالي إنهاء هجماتهم على الأفراد والمدنيين الأمريكيين، وشركاء الولايات المتحدة، وحركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر".
وتتوافق هذه الأهداف مع مبادرة "الشراكة لأمن الملاحة في اليمن"، التي أطلقتها المملكة المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني بتمويل أمريكي، لدعم خفر السواحل اليمني (YCG).
و تعكس هذه الخطوات تركيز الولايات المتحدة على تعطيل شبكات إمداد الحوثيين بالأسلحة، كما توحي بأن البيت الأبيض يُبقي الباب مفتوحًا لاحتمال تصعيد عسكري أقوى ضد الجماعة المدعومة من إيران. ومن منظورٍ أمريكي، فإن تعزيز الشراكة البحرية مع الحكومة اليمنية والقوات الحليفة في جنوب اليمن يمكن أن تكون خطوة أولى للحدّ من تنامي القدرات الهجومية للجماعات المسلحة في منطقة البحر الأحمر. كما أن ذلك سيدعم المؤسسات اليمنية في استعادة قدرٍ معين من السيادة في البلاد، ويضعف التعاون الناشئ القائم على تهريب الأسلحة بين الحوثيين وحركة الشباب وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب (AQAP)، ويجعل من الصعب على روسيا تطوير علاقات عسكرية قد تغيّر موازين القوى مع الحوثيين.
و في تطورٍ غير مسبوق، تتبنى الجهات الدولية والإقليمية الرئيسية —بما في ذلك الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ودول مجلس التعاون الخليجي، وإسرائيل— رؤى متقاربة بشأن التهديد العالمي الناشئ من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. ويُنظر على نطاق واسع إلى إضعاف قدراتهم الهجومية باعتباره الخيار العملي الوحيد المتاح، في ظل مطالبة الحكومة اليمنية بدعمٍ دولي لاستعادة الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون، بدءًا من المناطق الساحلية على البحر الأحمر.
•دعم خفر السواحل اليمني:
عندما يُمنح خفر السواحل اليمني (YCG) المعدات والتدريب اللازمين —وهو ما شهد زيادة في الأشهر الأخيرة من إدارة بايدن— إلى جانب الانتظام في دفع رواتبهم، يصبح بإمكانهم التصدي لوصول الأسلحة المهربة إلى الحوثيين. وقد نجحت فرق المهام التابعة لقوات التحالف البحري المشترك بقيادة الولايات المتحدة في ضبط مراكب شراعية (dhows) محملة بأسلحة متجهة إلى الحوثيين في المياه الدولية، بينما يمكن لخفر السواحل اليمني أن يكمل هذا الجهد بفعالية داخل المياه الإقليمية اليمنية.
وفي إطار "الشراكة لأمن الملاحة في اليمن" التي تحظى بدعم الولايات المتحدة، ستوفر المملكة المتحدة زوارق وتدريب ومساعدات لخفر السواحل اليمني لحماية السواحل اليمنية وضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر. كما ستخصص المملكة المتحدة تمويلًا لبرامج تدريب خفر السواحل عبر "صندوق المساعدة الفنية لليمن". وفي ديسمبر/ كانون الثاني الماضي، صرّحت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة آنذاك (ليندا توماس-غرينفيلد)، بأن واشنطن "ستواصل العمل" مع خفر السواحل اليمني "لمواجهة الأنشطة غير المشروعة على طول السواحل اليمنية". وفي أوائل فبراير/ شباط، قام مسؤولّ يمني رفيع المستوى بزيارة القيادة المركزية الأمريكية لمناقشة سُبل التصدي لتهديدات الحوثيين ودعايتهم الإعلامية.
في الأشهر الأخيرة، كثّف خفر السواحل اليمني (YCG) عمليات اعتراض الأسلحة التي توفرها إيران والمتجهة إلى الحوثيين. فعلى سبيل المثال، في 13 فبراير/ شباط، اعترضت قوات خفر السواحل سفينة شحن تحمل كمية كبيرة من الأسلحة، كانت قد انطلقت من جيبوتي في طريقها إلى ميناء الصليف الخاضع لسيطرة الحوثيين في الحديدة. و تمت عملية الاعتراض بالتنسيق مع "القوات الوطنية للمقاومة"، وهي الجماعة المسلحة التي يقودها (طارق صالح)، الذي يتمركز في المخا بالقرب من مضيق باب المندب، وتخضع لسيطرته قوات "قطاع البحر الأحمر" التابعة لخفر السواحل اليمني.
و يُذكر أن طارق صالح، وهو ابن شقيق الرئيس اليمني السابق (علي عبدالله صالح)، ليس جزءًا من الحكومة اليمنية، لكنه يشغل أحد المقاعد الثمانية في مجلس القيادة الرئاسي (PLC).
وبحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإن معظم زوارق خفر السواحل اليمني تعمل في البحر الأحمر وليس في بحر العرب، رغم أن الجزء الأكبر من الأسلحة المهربة إلى الحوثيين يدخل الأراضي اليمنية عبر بحر العرب (حضرموت والمهرة) وخليج عدن، نتيجة لعمليات النقل البحري قبالة السواحل الصومالية.
و مع ذلك، شهدت مسارات التهريب تغييراتٍ جزئية منذ الهدنة الوطنية في اليمن عام 2022. ورغم أن الهدنة لم تعد سارية رسميًا، إلا أنه لا تزال آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (UNVIM) تقوم بفحص السفن القادمة إلى ميناء الحديدة لمنع نقل الأسلحة والذخائر إلى الحوثيين، تماشيًا مع حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.
كما تواجه الآلية الأممية الآن تحديات متزايدة، حيث ارتفع عدد السفن الخاضعة للتفتيش، لا سيما سفن الحاويات التي لم يكن يُسمح لها سابقًا بالرسو في ميناء الحديدة، مما يزيد من خطر عدم دقة عمليات التفتيش. لذلك، فإن تعزيز وتنظيم وجود خفر السواحل اليمني (YCG) بشكل أقوى في بحر العرب من شأنه أن يعزز قدرة اليمن على مكافحة تهريب الأسلحة داخل مياهه الإقليمية بشكل أكثر فاعلية.
•منع توسع شبكة التهريب:
في منطقة البحر الأحمر، لا يقتصر تهريب الأسلحة على الحوثيين وحدها، رغم أن الجماعة، بدعم إيراني متزايد، أصبحت المحرك الرئيسي لهذا النشاط. ومع تصاعد حالة عدم الاستقرار على ضفتي البحر الأحمر (في اليمن، و السودان، والصومال)، وتنامي القدرات الهجومية للجماعات المسلحة غير الحكومية، يصبح كبح تهريب الأسلحة أولوية ملحة للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، بدءًا من استهداف مصادر التمويل.
و منذ أواخر عام 2023، أتاحت هجمات الحوثيين على حركة الشحن وإسرائيل للجماعة تعزيز نفوذها وظهورها، كما مكنتها من بناء تحالفاتٍ جديدة في البحر الأحمر. وبينما تعدّ الأسلحة الإيرانية عنصرًا أساسيًا في هذه التحالفات التكتيكية، يسعى الحوثيون إلى استخدام هذه الشبكات لبناء منظومة تمويل وإمداد ودعم مستقلة عن طهران.
ووفقًا للأمم المتحدة، أقام الحوثيون "تحالفًا انتهازيًا" مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب (AQAP) في اليمن، حيث زودوه بطائراتٍ مُسيّرة. علاوة على ذلك، رصدت الأمم المتحدة ما وصفته بـ"تصاعد أنشطة التهريب" بين الحوثيين وحركة الشباب (التنظيم الصومالي المرتبط بالقاعدة)، والتي تتم عبر ولاية بونتلاند الصومالية، وهو أمر سبق أن حذرت منه الاستخبارات الأمريكية.
و من شأن تبنّي الولايات المتحدة نهجًا أكثر استباقية ضد تهريب الأسلحة قبالة السواحل اليمنية أن يحدّ أيضًا من مخاطر تعزيز العلاقات العسكرية بين الحوثيين وروسيا. ووفقًا لعدة تقارير إعلامية، تجري الجماعة المدعومة من إيران محادثاتٍ مع موسكو للحصول على أسلحة، في تطور يعكس متانة الشراكة الاستراتيجية الروسية-الإيرانية.
وقد أفادت تقارير بأن عناصر من الاستخبارات العسكرية الروسية شوهدوا في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين، كما ورد أن موسكو جنّدت مقاتلين يمنيين عبر وسطاء حوثيين للانضمام إلى ساحة المعركة في أوكرانيا. ومع ذلك، فإن أي تهدئة بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن أوكرانيا من المرجح أن تحدّ —على الأقل في المدى القصير— من رغبة موسكو في تعزيز التعاون العسكري مع الحوثيين بهدف تقويض المصالح الغربية.
•تعزيز الحكومة اليمنية ومؤسساتها:
كلما كثّفت الولايات المتحدة دعمها للقوات اليمنية للحدّ من أنشطة تهريب الأسلحة التي يقوم بها الحوثيون، ازدادت قدرة الحكومة اليمنية والقوات الحليفة في الجنوب والمناطق الجنوبية الغربية على استعادة حضورها المؤسسي داخل البلاد. فمنذ أن بدأ الحوثيون هجماتهم على السفن البحرية، كثّفت الحكومة اليمنية وحلفاؤها الدعوات إلى دعمٍ أمريكي ودولي لاستعادة المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وفي كلمته خلال "مؤتمر ميونيخ للأمن" هذا الشهر، شدد رئيس مجلس القيادة الرئاسي (رشاد العليمي)، على أن الحكومة اليمنية "يجب أن تتمكن من فرض سيطرتها الكاملة على أراضيها"، مؤكدًا أن ذلك لا يمكن تحقيقه إلا من خلال "الدعم الدولي"، وتنفيذ إجراءاتٍ صارمة لمنع تدفق الأسلحة الإيرانية إلى اليمن.
وفي وقتٍ سابق، خلال "حوارات المتوسط" في روما في نوفمبر/ تشرين الثاني، طالب وزير الخارجية اليمني (شائع محسن الزنداني)، الولايات المتحدة والشركاء الدوليين صراحةً بتعزيز قدرات القوات الأمنية والعسكرية اليمنية، لا سيما خفر السواحل.
ومع بدء تبلور سياسة إدارة ترامب تجاه اليمن، بات واضحًا أن قطع خطوط إمداد الحوثيين بالأسلحة يشكّل عنصرًا أساسيًا في استراتيجية الرئيس الأمريكي، فيما يبدي الشركاء الأمريكيون في اليمن استعدادهم للعب دورٍ نشط في هذا الإطار. ومن شأن استراتيجية قوية وشاملة لتعطيل هذه الشبكات أن تترك آثارًا إيجابية على مستوى المنطقة بأكملها، وعلى حركة الملاحة البحرية العالمية.