تحليل: هل تستعد إسرائيل لشن ضربة على المواقع النووية الإيرانية؟
يمن فيوتشر - ترجمة: ناهد عبدالعليم Middle East Forum السبت, 22 فبراير, 2025 - 10:15 مساءً
تحليل: هل تستعد إسرائيل لشن ضربة على المواقع النووية الإيرانية؟

في مقال سيُنشر قريبًا في مجلة Middle East Quarterly، يعرض (كولين وينستون)، وهو ضابط مخضرم في وكالة المخابرات المركزية (CIA) لمدة 30 عامًا والرئيس السابق لقسم الأبحاث في لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC)، حججًا موجزة تدعم توجيه ضربة إسرائيلية للمواقع النووية الإيرانية.

حيث يكتب وينستون: "لم تعد كل من حزب الله وحماس تشكلان تهديدًا لإسرائيل. و محور المقاومة التابع لجمهورية إيران الإسلامية في حالة انهيار. و قد تم تدمير أنظمة الدفاع الجوي في كل من إيران وسوريا، كما تم القضاء على القدرات الصاروخية الإيرانية.
ورغم ذلك، فإن إيران على وشك إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع عدة قنابل، وهي قريبة جدًا من تحقيق ذلك لدرجة أن الاعتماد على تحذير استخباراتي أمريكي أو إسرائيلي في الوقت المناسب بشأن 'اختراق' نووي إيراني وشيك لم يعد استراتيجية يمكن الوثوق بها. و الوقت قد حان لكي تتخذ كل من القدس وواشنطن إجراءاتٍ عسكرية حاسمة ضد البرنامج النووي الإيراني، ويفضل أن يكون ذلك من خلال ضربة منسقة ومشتركة."
و هناك أدلة متزايدة على أن هذا التفكير بات سائدًا على أعلى المستويات داخل المنظومة الأمنية الإسرائيلية. وتشير تقارير إعلامية إقليمية حديثة إلى وجود توافقٍ واسع بين القدس وواشنطن حول هذه المسألة.
وبحسب مؤلفي هذه التقارير، فإن الولايات المتحدة تسعى إلى تجربة جولة أخرى من الدبلوماسية، مدعومة بعودة إلى استراتيجية "الضغط الأقصى" التي انتهجتها إدارة ترامب الأولى. ولكن في حال فشلت الجهود في دفع إيران إلى تقديم التزامٍ واضح بالتخلي عن طموحاتها النووية، فمن المرجح أن يعود التركيز إلى الخيار العسكري.

ما مدى دقة هذه التقارير؟ وهل من المحتمل أن تكون الضربة على المنشآت النووية الإيرانية وشيكة؟
تزايد استعداد إسرائيل للنظر في خيار التحرك العسكري ينبع من عدة عوامل":
أولًا، كما أشار وينستون في المقطع المقتبس أعلاه، فإن إيران تسرّع حاليًا خطواتها نحو امتلاك القدرة على تصنيع أسلحة نووية. فقد زادت طهران في الأشهر الأخيرة من مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60%، ويبدو أن ذلك جاء ردًا على الانتكاسات التي واجهتها في ساحات أخرى. ووفقًا لتقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن الفترة الزمنية التي تحتاجها إيران لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم لصنع قنبلة نووية باتت تُقاس بالأسابيع بدلاً من الأشهر.

ثانيًا، تراجعت قدرة إيران على ردع هجومٍ إسرائيلي بشكل كبير في النصف الأخير من عام 2024. فقد أدى تدمير إسرائيل لنحو 80% من ترسانة الصواريخ التابعة لحزب الله اللبناني خلال هذه الفترة، بالإضافة إلى تصفية قيادته العليا وعدد كبير من مقاتليه، إلى تقليل أهمية أحد العوامل الرئيسية التي كانت تعقد بشكلٍ كبير أي تحرك إسرائيلي ضد المنشآت النووية الإيرانية. ومع ذلك، يجب الإقرار بأن هذه ميزة مؤقتة ستتلاشى بمرور الوقت، مع سعي إيران إلى إعادة تسليح حزب الله.
وخلال الضربة الإسرائيلية واسعة النطاق ضد إيران في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، تم تدمير جزء كبير من قدرات الدفاع الجوي الإيرانية. لكن هذه الميزة أيضًا ليست دائمة من المنظور الإسرائيلي. فرغم أن أنظمة S-300 الإيرانية قد تعرّضت لأضرار أو دُمرت، إلا أن التحالف المتنامي بين طهران وموسكو قد يضمن لها في مرحلة ما الحصول على منظومة S-400 الأكثر تطورًا.
لذلك، لا يمكن افتراض أن تفوق إسرائيل الحالي هو عامل دائم في المشهد الاستراتيجي للشرق الأوسط، بل هو ميزة مؤقتة ستتضاءل أو حتى تختفي ما لم يتم استغلالها. وهذا يعزز الدافع الإسرائيلي لشن ضربة في توقيت مناسب.

ثالثًا، رغم ضعفها النسبي، تظل إيران الخصم الإقليمي الأكثر أهمية لإسرائيل. وعلى عكس بعض التقارير الإعلامية الإسرائيلية المبالغ فيها، لم ينهَر المشروع الإقليمي الإيراني بالكامل نتيجة الانتكاسات التي تعرض لها خلال عام 2024.
و لا تزال إيران تحتفظ بحلفاء ونفوذ في مواقع إقليمية رئيسية. ففي اليمن، يواصل الحوثيون (أنصار الله)، المتحالفون مع طهران، السيطرة على مساحاتٍ واسعة من البلاد، بما في ذلك العاصمة صنعاء. وقد نجحت حملتهم ضد الملاحة الدولية في طريق خليج عدن - البحر الأحمر في إحداث اضطراب كبير في حركة التجارة عبر هذا الممر الحيوي.

أما في العراق، فلا تزال الميليشيات الشيعية الموالية لإيران تحتفظ بقدراتٍ عسكرية مستقلة، وتشكل في شقها السياسي عنصرًا رئيسيًا في حكومة رئيس الوزراء (محمد شياع السوداني).

في لبنان، وعلى الرغم من الضربات القاسية التي تلقاها على يد إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة من عام 2024، لا يزال حزب الله القوة العسكرية الأقوى في البلاد. ورغم التغيرات السياسية اللافتة التي شهدها لبنان مؤخرًا، لا توجد أي مؤشرات على استعداد الحكومة الحالية أو أي جهة أخرى لمواجهة هيمنة الحزب.
وهذا يعني أن حالة الضعف الراهنة لحزب الله يجب استغلالها خلال الفترة الزمنية المتاحة، وإلا فإن هذه الفرصة ستضيع.
و الخسارة الوحيدة التي يمكن اعتبارها "دائمة" بالنسبة لإيران خلال العام الماضي هي فقدان نظام الأسد في سوريا. ومن دون شك، أدى ذلك إلى إضعاف الانتشار الإقليمي لطهران بشكلٍ كبير.
ومع ذلك، لا تزال هناك تحدياتٍ  وصعوبات أمام الحكم الجديد في دمشق. فالإسلاميون السُنّة الذين يسيطرون حاليًا على البلاد لم يتمكنوا بعد من فرض سلطتهم على كامل الأراضي السورية. وفي الوقت الراهن، لم يتم القضاء بالكامل على شبكات التهريب الإيرانية، كما تؤكد المواجهات الأخيرة بين هيئة تحرير الشام وحزب الله في منطقة القصير بغرب سوريا.

و كل هذا يعني أن إسرائيل تمتلك الدافع، ويبدو أنها تمتلك أيضًا القدرة على توجيه ضربة شديدة للبرنامج النووي الإيراني باستخدام قوتها الجوية، وربما أيضًا بمشاركة قواتها الخاصة. وبما أن إيران قد خسرت بشكل دائم جزءًا محدودًا من قدراتها، فإن أي ضربة من هذا النوع يجب أن تحدث قريبًا.
و العنصر المتبقي المطلوب لتنفيذ مثل هذه الضربة هو ضوء أخضر من الولايات المتحدة، أو على الأقل ضوء أصفر. و في مقال حديث للصحفي الإسرائيلي البارز (بن كاسبيت) على موقع الـ al-Monitor الإخباري، نقل عن شريك إسرائيلي غير مُسمى لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حول هذا الموضوع.
وكان "الشريك" يبدو متفائلًا بشأن المسألة، حيث قال لكاسبيت: "ستُفتح أبواب الجحيم لإيران". وأضاف: "سيمنح ترامب نتنياهو الضوء الأخضر، ولن تقف الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي، بل ستساعد إسرائيل بكل ما يلزم لإنجاح مثل هذا الهجوم."
لكن هذه النقطة الأخيرة، بالطبع، لا تزال قيد الانتظار. ففي الوقت الراهن، يبدو أن ترامب قد أوضح أنه يرغب في إنهاء الحروب بدلاً من دعم العمليات العسكرية الطموحة.
و من المحتمل أن تتعامل الإدارة الأمريكية مع رغبتها في التوصل إلى اتفاقٍ نووي جديد وأكثر صرامة مع إيران بجدية، بدلاً من اعتباره فشلًا مضمونًا مسبقًا سيشكل مجرد تمهيد للعمل العسكري.
و لا يجب استبعاد قدرة إيران على التلاعب بهذه الوضعية. كما أن نوايا ترامب ورغباته تبدو قابلة للتغيير، ولا يمكن التنبؤ بها بسهولة.
مع ذلك، فإن فرصة شن إسرائيل لضربة من شأنها إبطاء وتدمير المنشآت النووية الإيرانية تبدو أعلى الآن من أي وقت مضى منذ اكتشاف البرنامج النووي السري لإيران قبل عشرين عامًا.


التعليقات