تحليل: الاضطرابات والتحديات في الشرق الأوسط
يمن فيوتشر - مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات - ترجمة ناهد عبدالعليم الجمعة, 14 فبراير, 2025 - 02:07 صباحاً
تحليل: الاضطرابات والتحديات في الشرق الأوسط

يتوقع العالم على نطاق واسع أن تؤدي عودة (دونالد ترامب) إلى البيت الأبيض إلى إحداث تغيير في الشرق الأوسط. فقد بدا الرئيس السابق (جو بايدن) عاجزًا عن وقف الحرب التي شنتها حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتي استمرت لأكثر من خمسة عشر شهرًا. وبعد فوزه بولاية ثانية، هدد ترامب بأن هناك "ثمناً باهظًا" ستدفعه كل من حماس ورعاتها في طهران إن لم ينهوا الحرب فورًا. وقد دفعت هذه التهديدات حماس إلى الإفراج عن رهائن إسرائيليين في صفقة هدنة هشة لا تزال قائمة حتى الآن.
هذا، إلى جانب سجل ترامب الحافل بالسياسات الصارمة تجاه إيران -من اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني إلى فرض أقصى العقوبات- جعل معظم دول المنطقة (الدول السنية وإسرائيل) ترحب بعودته.
وعلى عدة أصعدة، قامت قوى إقليمية أخرى بالفعل بمعظم الجهود الكبرى. فقد قضى الإسرائيليون على بنية حماس في قطاع غزة، ووجهوا ضرباتٍ قاسية لحزب الله لدرجة أن التنظيم اللبناني اضطر إلى القبول بوقف إطلاق النار. أما الضربات الجوية الإسرائيلية القاتلة في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول، فقد تركت إيران بلا دفاعاتٍ جوية أو قدرة على إنتاج الصواريخ الباليستية. وفي الوقت نفسه، أدى الهجوم الخاطف الذي شنته هيئة تحرير الشام المدعومة من تركيا إلى انهيار نظام الأسد وتعطيل "الهلال الشيعي" الذي كان يمكن إيران من نقل الأموال والعتاد والأسلحة إلى حلفائها في بلاد الشام عبر جسرٍ بري متصل. 
وكل هذه التطورات تشير إلى أن الحرب متعددة الجبهات التي اندلعت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول قد تكون في طريقها إلى فقدان زخمها.

ومع ذلك، تنتظر إدارة ترامب تحدياتٍ كبرى أخرى تتطلب اهتمامها. بعضها سيكون مألوفًا، لكن جميعها لن يكون حله بسيطًا.
و أحد أبرز هذه التحديات هو التهديد النووي الإيراني. 
صحيح أن النظام في طهران يبدو ضعيفًا ومهزومًا، لكن هذا الضعف ذاته قد يدفعه إلى السعي المتسارع نحو امتلاك قنبلة نووية، حتى لو كانت بدائية. فالسلاح النووي هو بوليصة التأمين المطلقة للنظام الإيراني. لذا، ستكون سياسة اليقظة القصوى والضغط المستمر أمرًا حاسمًا.
و قد يكون إغراء ترامب كبيرًا لإبرام اتفاقٍ نووي جديد يحل محل الاتفاق النووي لعام 2015 (JCPOA)، الذي ثبت أنه معيب بشكل قاتل، خاصة وأنه يرى في نفسه صانع الصفقات الأمثل. ومع ذلك، من المرجح أن يدرك ترامب أنه لا يوجد اتفاق مقبول يمكن إبرامه مع النظام الحالي، وأن التغيير السياسي، الذي يأتي بدعم من الشعب الإيراني، هو الخيار الوحيد القابل للتطبيق.
لكن تنفيذ مثل هذه السياسة سيتطلب من فريق ترامب قدراً كبيراً من الصبر الاستراتيجي والدبلوماسية الحذرة.

و من بين جميع الوكلاء الإيرانيين الذين تحركوا في أعقاب هجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، يبدو أن التهديد الأكبر الآن يأتي من الحوثيين في اليمن. فقد أطلق الحوثيون، حتى وقتٍ قريب جدًا، صواريخ باليستية على إسرائيل، ليصبحوا أول جماعة إرهابية تمتلك مثل هذه القدرة. و السماح للحوثيين بالاحتفاظ بهذه القدرة يشكل سابقة خطيرة.
لكن الأخطر من ذلك أن الحوثيين نجحوا فعليًا في شل حركة الملاحة في البحر الأحمر، ما أدى إلى عرقلة التجارة البحرية في ممر يمر عبره ما يقدر بنحو 12% من التجارة البحرية العالمية سنويًا. و فشل بايدن في معالجة هذا التهديد، ما يجعله الآن ضمن الملفات التي يتعين على ترامب التعامل معها. وقد كان القادة العسكريون الأميركيون مستعدين لأكثر من عام لمواجهة التهديد الحوثي بشكلٍ مباشر، وهم الآن في انتظار أوامر قائدهم العام الجديد.
وسيتعين على ترامب أيضًا التعامل مع نظامٍ تركي مختلف تمامًا عن ذلك الذي عرفه خلال ولايته السابقة. فقد أصبحت حكومة (رجب طيب أردوغان) القوة الرئيسية التي تدير حكومة سوريا الجديدة التابعة لتنظيم القاعدة. إذ قام أردوغان، بهدوء ومنهجية، بتسليح وتدريب هيئة تحرير الشام، الفصيل التابع لتنظيم القاعدة، والمعروف سابقًا باسم جبهة النصرة.
ورغم أن تركيا حليف في حلف الناتو وتستضيف القاعدة الجوية الاستراتيجية في إنجرليك لصالح التحالف الغربي، إلا أن سجل حكومتها يشمل دعم جماعاتٍ إرهابية مثل هيئة تحرير الشام وحماس وتنظيم الدولة الإسلامية. ولن يكون من السهل على ترامب كبح السياسات التركية التي يراها خبيثة أو وضع حدٍّ للطموحات التوسعية المستندة إلى إحياء الإرث العثماني الجديد، خاصة وأنه لطالما اعتبر أردوغان حليفًا، إن لم يكن صديقًا.

و في سوريا، هناك مزيج معقد من التحديات. حيث تزعم هيئة تحرير الشام (H.T.S.) وزعيمها (أبو محمد الجولاني) أنها قوة معتدلة، لكن ينبغي التعامل مع هذا الادعاء بقدرٍ كبير من الشك. و تدرك الجماعة أن استمرارها يعتمد على كبح نزعاتها العنيفة والإسلامية، كما أن قادة المنطقة مستعدون لمنحها فرصة في حال كان ذلك يعني تجنب حرب أخرى في الشرق الأوسط.
و وفقًا لذلك، سيواجه ترامب ضغوطًا من حلفائه العرب، مثل الإمارات ومصر ودول أخرى، لإلغاء العقوبات الأميركية المفروضة على كل من سوريا وهيئة تحرير الشام. ومن المرجح أن تعتمد سياسات ترامب في المرحلة المبكرة على أفعال الهيئة، من منع أي اعتداء على إسرائيل إلى ضمان حقوق الأقليات ومعالجة القضية الكردية. وقد تكون المسألة الكردية هي الأكثر تعقيدًا، إذ يواصل النظام التركي مساعيه لتفكيك الجماعات المسلحة الكردية، بينما تشير التقارير إلى أن إيران تستعد لاستخدام الأسلحة لاستمالتها. وبعد أكثر من عقد من الصراع الداخلي، قد تكون سوريا على أعتاب حرب إقليمية بالوكالة.

أما في لبنان المجاور، فقد أضعفت الضربات العسكرية الإسرائيلية حزب الله، لكنه لا يزال يحتفظ بترسانة عسكرية هائلة. و نزع سلاح هذا الوكيل الإيراني الرئيسي —ليس فقط في جنوب نهر الليطاني— يُعد ضرورة ملحّة. ومع انتخاب قائد الجيش اللبناني (جوزيف عون)، رئيسًا في منتصف يناير/ كانون الثاني، بات هناك بصيص أمل في إمكانية التوصل إلى حل سياسي يؤدي إلى نزع سلاح حزب الله، وإرساء احتكار الدولة اللبنانية للقوة العسكرية، وتحقيق الاستقرار في البلاد بعد عقود من التدهور.
وقد بدأ الجيش اللبناني بالفعل في السيطرة على جزء صغير من جنوب لبنان، مع هدف توسيع نطاق نفوذه. ومع ذلك، لا مجال للتفاؤل المفرط في الوقت الراهن، فكل شيء يعتمد على مدى استعداد حزب الله للتعاون، ومدى استعداد إيران للسماح بظهور هيكل سلطة لبناني جديد خالٍ من النفوذ الإيراني المزعزع للاستقرار.
ولزيادة الأمور تعقيدًا، تعمل حكومتا الأردن ومصر في ظل ضغوط اقتصادية خانقة، فيما تزداد حالة التململ بين شعبيهما. صحيح أنه لا توجد مؤشرات فورية على اضطرابات وشيكة، لكن بعد انهيار نظام الأسد في سوريا، أصبح الشرق الأوسط في حالة تأهب قصوى خشية تأثير الدومينو. فقد شهدت المنطقة سيناريو مشابهًا خلال الربيع العربي.
ومع ذلك، لا تقتصر أوضاع الشرق الأوسط على التحديات فحسب، بل هناك أيضًا فرص واعدة. فقد وجهت إسرائيل ضربات قاسية للوكلاء الإيرانيين، بل وأضعفت النظام الإيراني نفسه. ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، تتاح فرصة لتوسيع نطاق "اتفاقيات أبراهام"، اتفاقات التطبيع التي توسط فيها بين إسرائيل والدول السنية البراغماتية، مثل الإمارات والبحرين والمغرب.
وتأتي السعودية في مقدمة أهداف ترامب لإبرام اتفاق جديد. و في حال وافقت الرياض، سيمهد ذلك الطريق لسلسلة من الاتفاقيات مع دول عربية وإسلامية أخرى، لا سيما تلك التي تسير على خطى المملكة في سياساتها الإقليمية.
وهذا بدوره قد يساعد في إنشاء تحالف الشرق الأوسط الأمني، أو ما كان يُعرف باسم "ناتو العربي" عندما أعلنت عنه إدارة ترامب السابقة. فتقوية الفاعلين الإقليميين للعمل معًا ضد التهديدات المشتركة تصب في مصلحة الولايات المتحدة، وكذلك دمج أنظمة الدفاع الجوي الإقليمية تحت إشراف القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM).
وقد أثبتت فعالية هذا التنسيق بالفعل، حيث تم تفعيل الدفاعات الجوية الأميركية والعربية والإسرائيلية لتحييد تهديد صاروخي باليستي كبير في مايو/ آيار وأكتوبر/ تشرين الأول الماضيين، ما أظهر بشكل جلي أهمية هذا التعاون خلال هجومين جويين إيرانيين على إسرائيل.
و من غير المرجح أن ينظر التاريخ بعين الرضا إلى سياسات إدارة بايدن في الشرق الأوسط. فقد أخفق بايدن في إنهاء الحرب التي تدعمها إيران، وجاءت المكاسب المحققة -إن وجدت- بجهود إسرائيلية بالدرجة الأولى. أما اليوم، فيتولى ترامب زمام الأمور في وقتٍ تعاني فيه المنطقة من أزمة متفاقمة. و التحديات ضخمة، لكن الفرص المتاحة لتصحيح المسار بشكل جوهري ليست بالقليلة.

للاطلاع على المادة من موقعها الأصلي عبر الرابط التالي: 

 


التعليقات