تقرير: حضرموت تودع غيبوبتها الثقافية على يد عبير
يمن فيوتشر - ريم الفضلي الإثنين, 10 فبراير, 2025 - 11:54 صباحاً
تقرير: حضرموت تودع غيبوبتها الثقافية على يد عبير

منذ أواخر 2023، استعادت مدينة حضرموت بريقها الثقافي عقب تعيين عبير الحضرمي مديرة لمكتب الثقافة في مدن الساحل. هذا التعيين كان بمثابة نقطة تحول، حيث شهدت المحافظة سلسلة من الفعاليات والمهرجانات والمعارض التي أعادت الزخم إلى الساحة الثقافية والفنية.

 

رحلة الإبداع والإلهام

عبير الحضرمي ليست مجرد مديرة حكومية، فهي إلى ذلك فنانة تشكيلية شابة (35 عامًا) تحمل شغفًا متقدًا للفن والعلم. تخصصت في التربية الفنية وعلم النفس التربوي، مع تركيز خاص على العلاج بالفن، وهو مجال تعتبره أداة للتحول والشفاء. خلال مسيرتها، قدمت هذا الشغف لطلابها في جامعة حضرموت، قبل أن تنتقل إلى العمل الحكومي، حيث بدأت بتوظيف خبراتها لرفع مستوى المشهد الثقافي المحلي.

 

مبادرات لتعزيز الإبداع

في إطار رؤيتها لتعزيز الاقتصاد الإبداعي، عملت الحضرمي على مشروع "النافذة" الذي يهدف إلى إنتاج أعمال فنية محلية مستوحاة من البيئة الثقافية لحضرموت. وفيما يواجه المشروع تحديات إلا أنه يعكس التزامها بدعم الإنتاج المحلي، حيث يحرص المكتب على أن تكون الهدايا المقدمة من إبداعات فنانين محليين بعيدًا عن المنتجات التجارية التقليدية.

على صعيد آخر، أعادت الحضرمي الحياة إلى مطبوعات مكتب الثقافة، ومنها مجلة "المكلا" التي توقفت منذ 2020، إذ صدر أول أعدادها مجددًا بعد أربع سنوات من الانقطاع. كما تسعى لإعادة نشر أعمال أدبية متنوعة للشباب والمخضرمين، والتي غابت عن المشهد لأكثر من تسع سنوات، في خطوة لإحياء الإنتاج الأدبي والثقافي في حضرموت.

تؤكد على أهمية بناء برامج تدريبية للفنانين محليًا ودوليًا، مشيرة إلى أن الهدف الأساسي هو عودة الفنانين إلى حضرموت لنقل ما اكتسبوه من خبرات إلى زملائهم. وترى الحضرمي أن تبادل المعرفة والخبرات هو السبيل لتطوير المشهد الثقافي وتحقيق التقدم في هذا المجال.

علوية العيدروس، صاحبة مشروع "علوية فاشن" لتصميم المجوهرات التراثية والعصرية، أثنت على دعم عبير للمواهب الشابة، لا سيما طلابها السابقين من جامعة حضرموت، مشيرة إلى تشجيعها الدائم الشباب على التفكير في الفن كمهنة مستدامة، قادرة على تحقيق عوائد اقتصادية. 

ومن بين جهودها، تنظيم ورش عمل تركز على تحويل الإبداع الفني إلى مشاريع تجارية ناجحة، مما ساهم في تغيير التصورات التقليدية حول قيمة الفن من الناحية الاقتصادية.

 

صراع مع التحديات وإصرار لا ينكسر

منذ تسلمها منصبها، كانت الحضرمي تدرك حجم التحديات التي ستواجهها. العمل في قطاع الثقافة ضمن إطار حكومي يعني التعاطي مع بيروقراطية معقدة وموارد محدودة. ورغم ذلك، استطاعت بإصرارها اللافت تحقيق نقلة نوعية، حيث أطلقت مهرجانات ومعارض فنية أسهمت في إعادة إحياء المشهد الثقافي بحضرموت، بدعم محدود من السلطة المحلية، خاصة من محافظ المحافظة.

أبرز العقبات التي واجهتها عبير كانت الميزانية المحدودة، ما دفعها إلى البحث عن حلول إبداعية لتنظيم الفعاليات بتكاليف منخفضة. ومن بين إنجازاتها البارزة، تأسيس أول قاعة للفنون التشكيلية والتصوير الفوتوغرافي، ما جعل كبرى المحافظات اليمنية محطة جذب للفنانين ومحبي الفن.

ورغم الجهود المبذولة، واجهت الحضرمي تحديًا آخر في الحصول على دعم الجهات المانحة. أوضحت في حديثها مع منصة "هودج" أن عديد الجهات تفضل دعم منظمات المجتمع المدني بدلًا من المكاتب الحكومية، مما أعاق تنفيذ بعض المشاريع. لكنها لم تستسلم، بل بدأت بالبحث عن شراكات جديدة مع هذه الجهات لإيجاد حلول تخدم الفنانين وتعود بالنفع على المجتمع.

 

تمكين النساء في الاقتصاد الإبداعي

واجهتْ إلى ذلك تحديات مؤسسية أثناء محاولتها تنفيذ مشروع يهدف لتحويل مواهب النساء إلى حرف مدرّة للدخل. المشروع اصطدم بمعايير تمويل صارمة، تقول: "تواصلت مع جهة داعمة للمشاريع الاقتصادية، لكنهم رفضوا دعمي على أساس أن المشروع يتصل بالفنون، رغم أنه يركز على تحسين الحالة الاقتصادية للنساء عبر استثمار مواهبهن. ومع ذلك، تم تصنيف المبادرة كبرنامج فني خارج نطاق اهتماماتهم."

وتسلط هذه العقبة الضوء على الصعوبات التي تواجهها المبادرات النسوية، خاصة تلك التي تجمع بين الفن والاقتصاد الإبداعي، في ظل معايير تمويل تقليدية قد تستثني بعض المشاريع.

علوية العيدروس، وهي مصممة مجوهرات تراثية وعصرية، تحدثت عن دعم عبير لعملها الفني، مشيرة إلى تبنيها بعض أعمالها لصالح مكتب الثقافة، مما ساهم في تعريف المجتمع المحلي بموهبتها وإبراز قيمتها كفنانة تشكيلية. 

"عبير قدمت لي فرصة عرض أعمالي للجمهور المحلي، كما دعمتني على المستوى الشخصي بتوفير منصات لعرض إنتاجي"، تضيف العيدروس.

 

إحياء الفن بلمسات محلية

تسعى عبير لجعل حضرموت مدينة تنبض بإنتاجاتها الفنية وإبداعاتها المحلية، إذ تؤمن بأن الفن يجب أن يكون انعكاسًا للبيئة والمجتمع. بدافع هذه الرؤية، نظّمت أنشطة تركز على المساهمات المحلية، مؤكدةً على أهمية دعم الفنانين المحليين، وجرى اعتماد مستلزمات من صنع فنانين حضارم جعلت المكتب منصة حقيقية لتعزيز الفن المحلي ودعم الاقتصاد الإبداعي. وهي جهود لا تسهم فقط في إبراز الهوية الثقافية لحضرموت، بل تعزز أيضًا ثقافة الابتكار والمساهمة المجتمعية.

 

رحلة عبير في دمج الفن والعلاج

لم تقتصر جهود الحضرمي على تنظيم المعارض والمهرجانات، بل تجاوزت ذلك لتقديم الفن كأداة علاجية. أثناء تحضيرها لرسالة الماجستير، أطلقت برنامجًا يستهدف الأطفال المصابين بالسرطان، مستفيدة من تخصصها في العلاج بالفن، واستمر البرنامج لمدة شهر ونصف، شارك فيه عشرون طفلًا انخرطوا في أنشطة فنية مكثفة هدفت إلى تحسين حالتهم النفسية.

"لاحظت تغييرات جذرية في سلوك الأطفال؛ من العزلة والانطواء إلى التفاعل والانفتاح"، تقول الحضرمي، مشيرة إلى أن ردود أفعال أولياء الأمور كانت مشجعة جدًا، حيث طالبوا بتكرار البرنامج، ما يؤكد أهمية الفن ليس فقط كوسيلة تعبير، بل كأداة علاجية قادرة على إحداث فرق في حياة الأفراد.

 

بين الطموح والمسؤولية

ترى عبير أن منصبها يحمل رسالة تتجاوز حدود الوظيفة، معتبرة أن الفن والثقافة هما الركيزة الأساسية لبناء مجتمع متماسك ومبدع. ورغم القيود والتحديات التي تواجهها، تواصل الحضرمي العمل على إعادة الفن إلى صدارة الحياة اليومية في حضرموت، طامحةً إلى أن تكون الثقافة والفن جسورًا للتغيير في اليمن.

 

الفن كوسيلة لإحياء الروح

تظهر عبير الحضرمي نموذجًا يُحتذى به في العمل الثقافي والإبداعي. قدرتها على تحويل التحديات إلى فرص، سواء عبر تمكين النساء، دعم الاقتصاد الإبداعي، أو توظيف الفن في العلاج، تؤكد أن الإبداع يمكن أن يكون أداة فاعلة لتحسين حياة الأفراد والمجتمعات. 

عبير لم تكتفِ بإحياء الحياة الثقافية في حضرموت، بل أظهرت كيف يمكن للفن أن يعبر الحدود ويواجه الصعاب ليصبح جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس.

 

تم نشر هذه المادة في منصة هودج

 


التعليقات