مع اقتراب إدارة بايدن من أيامها الأخيرة، بدأ المسؤولون العسكريون والحكوميون بالتحدث بشكل أكثر انفتاحًا عن نطاق القتال الذي وقع ضد الحوثيين في اليمن في البحر الأحمر، وعن تطور التكتيكات خلال الخمسة عشر شهرًا الماضية، بالإضافة إلى قضايا الإنتاج العسكري الأمريكي التي سيتعين على الإدارة المقبلة بقيادة ترامب معالجتها.
و في حديثه خلال مؤتمر للبحرية في أرلينغتون بولاية فيرجينيا، قال نائب الأدميرال (بريندان ماكلين)، قائد القوات السطحية في البحرية الأمريكية، أمام حشد من ضباط البحرية الذين تجمعوا لمناقشة دروس الصراع في البحر الأحمر، إن سفن البحرية أطلقت 220 صاروخًا و160 قذيفة من عيار 5 بوصات خلال 380 اشتباكًا منفصلًا.
وتكشف هذه الأرقام –التي تمثل لحظة نادرة من الشفافية من جانب البحرية– أن القوات اعتمدت بشكل كبير على الصواريخ لمواجهة تهديد الطائرات المُسيّرة والصواريخ التي يطلقها الحوثيون. ومع ذلك، يقول مسؤول أمريكي رفيع المستوى وضباط في البحرية إن هذا النهج لم يعد هو السائد.
و صرّح مستشار الأمن القومي (جيك سوليفان) لمجموعة من الصحفيين، الأربعاء، أن البحرية الأمريكية كانت "تطلق العديد من صواريخ الاعتراض ضد الطائرات المُسيّرة الهجومية أحادية الاتجاه"، في إشارة إلى الطائرات المُسيّرة، وأضاف أن التكتيكات المستخدمة في البحر الأحمر "تتطور وتتغير باستمرار."
ويبدو أن أحد العوامل الرئيسية وراء هذا التغيير هو القلق المزدوج بشأن تكلفة الصواريخ المستخدمة، وكذلك قدرة الجيش الأمريكي على إعادة تزويد مخزونه في حال وقوع مواجهة مع الصين.
ووفقًا لنائب الأدميرال ماكلين، فقد أطلقت البحرية الأمريكية 120 صاروخًا من طراز SM-2، و80 صاروخًا من طراز SM-6، و20 صاروخًا من طراز Evolved Sea Sparrow، وصواريخ من طراز SM-3.
ويبلغ سعر الصاروخ الواحد من طراز SM-2 حوالي 2 مليون دولار، بينما تصل تكلفة الصاروخ الأحدث SM-6، القادر على تدمير الصواريخ الباليستية أثناء تحليقها، إلى ضعف ذلك أي نحو 4 ملايين دولار. أما صاروخ SM-3، الذي يمكنه ضرب الأهداف في الفضاء، فيتراوح سعره بين 9 ملايين دولار و28 مليون دولار لكل صاروخ.
ولا تشمل هذه الأرقام عدد صواريخ توماهوك كروز التي استُخدمت لضرب مواقع الحوثيين على اليابسة في اليمن.
ورغم صعوبة تحديد التكلفة الإجمالية الدقيقة للذخائر المستخدمة خلال الخمسة عشر شهرًا الماضية حتى مع توفر هذه المعلومات الجديدة، فإن من الواضح أن البحرية أنفقت ما يزيد على 500 مليون دولار على الصواريخ وحدها.
وفي المقابل، قال سوليفان إن الحوثيين "يستطيعون بسرعة تصنيع أسلحة أبسط بكثير مما تنتجه الولايات المتحدة." وأضاف: "قد لا تكون بجودة الأسلحة الأمريكية، لكنها بالتأكيد فعّالة بما يكفي لإحداث تأثير كبير في ساحة المعركة."
واعترف سوليفان بأن استخدام الصواريخ لإسقاط طائرات مُسيّرة زهيدة التكلفة يمثل "معادلة غير مجدية تمامًا بالنسبة لنا، و بشكل واضح." لكنه أشار إلى أن "المعادلة تصبح أكثر واقعية" عند استخدام الصواريخ ضد بعض الصواريخ الحوثية الأكثر تطورًا.
ومع ذلك، يبدو أن البحرية الأمريكية تتعامل مع القضية بشكل أقل تمييزًا.
فقد قال ماكلين في خطابٍ آخر خلال المؤتمر يوم الثلاثاء إن قادة السفن الحربية لا يقلقون بشأن تكلفة الذخائر، مضيفًا: "ولا ينبغي لهم ذلك."
وأردف مازحًا: "لديهم أمور أخرى للقلق بشأنها، مثل التفكير فيما سيأكلون على الإفطار."
لكن ماكلين ومسؤولين آخرين في البحرية بدأوا بالإشارة إلى أنهم أصبحوا أكثر ابتكارًا في التعامل مع "التهديدات الأقل تعقيدًا."
وأوضح أن بعض هذه التهديدات البسيطة –مثل الطائرات المسيرة الهجومية أحادية الاتجاه– تُواجه باستخدام المدافع البحرية والطائرات.
وأضاف ماكلين أنه في إحدى الحالات، استخدمت السفينة يو إس إس أوكين مدفعها الرئيسي من عيار 5 بوصات بنجاح لإسقاط طائرات مُسيّرة معادية أثناء حماية قافلة تجارية. كما صرّح نائب الأدميرال (دانيال تشيفر)، أكبر مسؤول عن الطيران في البحرية الأمريكية، للصحفيين يوم الثلاثاء بأن مروحية بحرية من طراز MH-60R Sea Hawk أسقطت مؤخرًا طائرة مُسيّرة، فيما يُعتقد أنه أول استخدام ناجح لهذا النوع من الطائرات ضد هذا التهديد.
وأضاف سوليفان: "لقد شاهدنا بشكل متزايد الطائرات المقاتلة من على متن حاملات الطائرات التابعة لنا تتخذ إجراءات ضد صواريخ الحوثيين المضادة للسفن."
ومع ذلك، حتى لو تم تجاهل المخاوف المتعلقة بالتكلفة، فإن الاستخدام المكثف للصواريخ أثار أيضًا قلقًا بشأن قدرة البحرية على إعادة تزويد مخزونها تحسبًا لما يصفه معظم الخبراء والقادة في مجال الدفاع الأمريكي بأنه الصراع الحقيقي مع الصين.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني، أعرب قائد القيادة الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ عن مخاوفه بشأن تأثير الصراعات في كل من أوكرانيا وإسرائيل، حيث قال إن استخدام بعض الصواريخ جو-جو "يؤدي إلى استنزاف مخزوننا."
وأضاف الأدميرال (صامويل بابارو) : "هذا الوضع يفرض تكاليف على جاهزية الولايات المتحدة للاستجابة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهي المسرح الأكثر تطلبًا من حيث الكم والنوع في الذخائر، لأن الصين هي الخصم المحتمل الأكثر قدرة في العالم."
و تأتي هذه المخاوف في وقت بدأ فيه بعض الخبراء في مجال الدفاع بإطلاق تحذيراتٍ بشأن حالة القاعدة الصناعية الأمريكية وقدرتها على زيادة الإنتاج في مواجهة ارتفاع مفاجئ في الطلب.
و بعد نهاية الحرب الباردة، شجعت الحكومة الأمريكية منتجي الدفاع على الاندماج، حيث أصبح من الواضح أن الإنفاق الدفاعي لن يكون كافيًا لدعم جميع الشركات القائمة آنذاك. ونتج عن ذلك موجة من عمليات الاندماج بين أكبر الشركات، بينما تقلصت أعداد الشركات الأصغر التي كان يتم الاعتماد عليها لتوفير المكونات والأجزاء.
ووفقًا لمعهد بروكينغز، في عام 1990 كان هناك 13 متعاقدًا ينتجون الصواريخ التكتيكية. أما في عام 2020، فلم يتبق سوى ثلاث شركات: بوينغ ولوكهيد مارتن ورايثيون تكنولوجيز.
و قال سوليفان: "أحد أسباب طول الفترة الزمنية اللازمة لتوسيع إنتاج الذخائر الحيوية هو أن هذه الذخائر معقدة للغاية وتحتوي على مكونات دقيقة، وكل واحد من هذه المكونات يتطلب بدوره وقتًا طويلًا للإنتاج."
وأضاف: "لذلك، عندما تجمع كل هذه العوامل معًا، يصبح مضاعفة أو حتى زيادة الإنتاج إلى ثلاثة أضعاف أمرًا صعبًا للغاية ويستغرق وقتًا طويلًا جداً، وهذا لا ينطبق فقط على الصواريخ الأكثر تقدمًا لدينا."
وأشار سوليفان إلى أن إدارة بايدن استفادت من دروس مهمة من جهودها لتطوير صناعة الطائرات المُسيّرة في أوكرانيا خلال حربها مع روسيا، لكنه أوضح أنه "على المستوى الاستراتيجي يتطلب حل مشكلة القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية عنصرًا عالي التقنية، ولكن يجب أن يتضمن أيضًا عنصرًا منخفض التقنية – أنظمة أبسط وأكثر قابلية للاستنزاف" – حتى لو كان ذلك، حسب قوله، أمرًا يصعب إقناع الكونغرس والبنتاغون به.
ومع ذلك، يبدو أن لدى سوليفان أفكارًا أقل فيما يتعلق بالحوثيين أنفسهم، الذين واصلوا تحدي الضربات الأمريكية رغم التصعيد المتزايد.
وقال سوليفان: "يمثل الحوثيون تحديًا صعبًا للغاية، لأنني أعتقد أنهم سيرحبون بحرب موسعة مع الولايات المتحدة." وأضاف: "فكرة شن عملية كبرى تتضمن وجود أعداد كبيرة من القوات الأمريكية على الأرض في اليمن ليست خيارًا فعالاً بشكل خاص."