صفية، أم لخمسة أطفال، تعاني من فقر الدم ونقص الكالسيوم. أطفالها يعانون كذلك من سوء التغذية منذ الولادة بسبب رفض زوجها لاستخدام وسائل تنظيم الأسرة. تعرضت صفية لنزيف حاد كاد أن يودي بحياتها في حملها الأخير، ومع ذلك لم يسمح لها باستخدام وسيلة منع حمل. حملت للمرة السادسة، لكن رحمها لم يتحمل إكمال الحمل وأجهضت، وتعرضت لنزيف حاد أدى إلى استئصال الرحم.
تتعرض المرأة اليمنية لانتهاكات بسبب طبيعتها الجسدية وتركيبتها البيولوجية. فالمرأة هي من تتحمل أعباء الحمل والإهمال الذي قد تتأذى بسببه أثناء الحمل والولادة، إضافة إلى الأضرار التي تلحق بها جراء عدم المباعدة بين الولادات وعدم استخدام وسائل تنظيم الأسرة، وإرغامها على أنماط حياة معينة تتوافق مع أهواء الزوج وتطلعاته بعيدًا عن حقها في العيش والتمتع بصحة جسدية ونفسية جيدة.
"لدي ثلاثة أطفال، وأعاني من التهابات مزمنة. حاولت استخدام حبوب منع الحمل سرًا دون علم زوجي، لكنه كشفني وضربني ومنعني من استخدام أي وسيلة"، هكذا تحكي الزوجة نبيلة عن معاناتها لمنعها من استخدام وسائل منع الحمل. وتواصل: "حملت وعمر ابني الأول ثمانية أشهر، وأصبت بفقر دم، وزادت الالتهابات وضعفت مناعتي. طوال فترة الحمل وأنا متعبة جدًا، أهملت أولادي، وأصبحت عصبية جدًا".
توضح الدكتورة أسيل هديش، طبيبة نساء وولادة، أن "عدم المباعدة بين الحمل والولادة يعرض المرأة لمشكلات كبيرة جسدية تتمثل بالنزيف وتسمم الحمل والضغط والسكر وهشاشة العظام وفقر الدم ونقص الفيتامينات والكالسيوم، وقد يؤدي إلى الوفاة. أما بالنسبة للأطفال، فيعانون من نقص التغذية ويولدون بوزن أقل، إضافة إلى تعرضهم لمضاعفات الأمراض التي أصيبت بها الأم". مشيرة إلى أن الوضع الاقتصادي المتدهور له دور في انشغال الناس بتوفير أساسيات الحياة وإهمال جانب تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية.
من جهتها، ترى الدكتورة سماح شايف، طبيبة نساء وولادة، أن "الثقافات المغلوطة المنتشرة بأوساط المجتمع اليمني هي التي تدفع الرجال إلى منع زوجاتهم من استخدام وسائل تنظيم الأسرة، إضافة إلى الجهل وعدم الوعي بأهمية تنظيم الأسرة على الأم والطفل. مما يضطر بعض النساء إلى استخدام الوسائل خفية عن أزواجهن حفاظًا على صحتهن". وتشدد شايف على "ضرورة دور الإعلام في نشر التوعية المستمرة بأهمية تنظيم الأسرة وطرقها الآمنة، ودحض الثقافات والمعلومات المضللة حولها".
وبالحديث عن الآثار النفسية لعدم تنظيم الأسرة، يوضح الدكتور صخر الشدادي، طبيب نفسي، ذلك بقوله: "عدم وضع حلول للمباعدة بين الولادات يؤدي إلى ضغط نفسي على الأم، مما يزيد من تعرضها للاكتئاب. كما تتأثر حياتها وتتضخم الطاقة السلبية في حقلها الحيوي، وينعكس ذلك على بنيتها الجسمانية والعقلية، ما يؤدي إلى إصابتها بالشيخوخة الفكرية والوجدانية".
ويحذر مستشارو العلاقات الأسرية من تقارب فترات الإنجاب لما يسببه ذلك من إنهاك لصحة الأم من جهة، ولما له من تأثير سلبي على العلاقة بين الزوجين من جهة أخرى. كما أنهم يؤكدون أن الإنجاب المتكرر وغير المتباعد يصيب الصحة النفسية للزوجين بالاعتلال، إذ ينقلب التركيز الوجداني بين الزوجين إلى اهتمام بالطفل الأول وانتظار الطفل الثاني في ذات الوقت.
يقدر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن 6 ملايين امرأة وفتاة في سن الإنجاب (15 إلى 46 سنة) بحاجة إلى الرعاية الطبية، وأن النقص في الغذاء أدى إلى إصابة أكثر من مليون امرأة حامل بسوء التغذية، مما يعرضهن لخطر ولادة أطفال يعانون من إعاقات النمو الحاد.
من جهتها، توضح المحامية والحقوقية هبة زين أن "القانون اليمني أكد على أن الرعاية الصحية حق لجميع المواطنين، وأن على الدولة واجب إنشاء المستشفيات والمؤسسات الصحية والتوسع فيها".
وتضيف زين: "المرأة عمومًا، والمرأة اليمنية على وجه الخصوص، تتمتع بالحق في الصحة الإنجابية. غير أن هذا الحق، وبسبب النزاع المسلح المستمر لعشر سنوات، شكل عائقًا وتحديًا كبيرًا للنساء، وقد حرم الكثير منهن من الحصول على الرعاية الصحية قبل وأثناء وبعد الإنجاب".
وتؤكد زين أن "قرار الإنجاب هو قرار مشترك بين الزوجين لأنهما الوحيدين اللذين سيتحملان مسؤولية إنجاب هذا الطفل وتوفير جميع سبل الرعاية والصحة والحماية وفقًا للشرع والقانون. وأن قرار عدم الإنجاب المرتبط بحالة المرأة الصحية هو قرار تملكه المرأة وحدها، وعلى الشريك أن يدعمها حفاظًا على صحتها وحياتها، ولها الحق في استخدام الوسائل المنظمة للحمل وتوفيرها".
وتختتم حديثها بالقول: "في جميع الأحوال، يقع على عاتق الدولة نشر ثقافة الصحة الإنجابية وتنظيم الحمل من خلال الحملات التوعوية الميدانية ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة وعبر مواقع التواصل الاجتماعي".
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز دور وسائل الإعلام في دعم قضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي.