تحليل: ما أسباب التصاعد السريع للصراع بين إسرائيل وجماعة الحوثيين في اليمن؟
يمن فيوتشر - The news Arabترجمة: ناهد عبد العليم الجمعة, 10 يناير, 2025 - 11:41 صباحاً
تحليل: ما أسباب التصاعد السريع للصراع بين إسرائيل وجماعة الحوثيين في اليمن؟

في 19 ديسمبر/ كانون الأول، أعلن المتحدث العسكري باسم الحوثيين (يحيى سريع)، أن الجماعة اليمنية نفذت ضربة بصاروخ باليستي تفوق سرعته سرعة الصوت على وسط إسرائيل.
وبعد أسبوع، ردت القوات الإسرائيلية بشن ضربات على مطار صنعاء الدولي ومحطات الطاقة في حزيز ورأس كثيب، بالإضافة إلى استهداف البنية التحتية لموانئ الحديدة والصليف.
و أطلقت هذه الهجمات المتبادلة بين الطرفين موجة جديدة من التصعيد بين إسرائيل والحوثيين. وحذر رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) بشكل ينذر بالخطر من أن الحوثيين سيلقون المصير نفسه الذي واجهته حركة حماس وحزب الله والرئيس السوري (بشار الأسد).
و من جانبه، تعهد (محمد البخيتي)، المسؤول في المكتب السياسي للحوثيين، بمواصلة تصعيد الهجمات ضد إسرائيل حتى توقف ما وصفه بـ"الإبادة الجماعية في غزة".
ورغم هذه الخطابات المتشددة، من غير المرجح أن تؤدي التدخلات العسكرية الإسرائيلية الموسعة ضد الحوثيين إلى تحقيق نصر حاسم. فالدعم الإيراني المستمر والسري للحوثيين، وقدرتهم على خلق عقلية الحصار حول الضربات الإسرائيلية، سيُبقيان الوضع في حالة جمود.
ومع ذلك، فإن تصاعد الصراع بين إسرائيل والحوثيين قد يمتد إلى ما هو أبعد من حدود اليمن، مما يهدد الأصول البحرية التجارية الغربية في المنطقة.


• النضال الشاق لإسرائيل من أجل تحقيق نصر عسكري:
على الرغم من فعالية الدفاعات الجوية الإسرائيلية إلى حدٍ كبير في الحد من الخسائر المدنية جراء ضربات صواريخ الحوثيين، إلا أن هذه الهجمات لا تزال تمثل شوكة في خاصرة إسرائيل. فقد أصبح ميناء إيلات غير موثوق به كمركز عبور، واضطرت بعض السفن الإسرائيلية إلى الإبحار حول إفريقيا عبر طرق التفافية طويلة.
و تسببت هذه الهجمات أيضًا في إلغاء شركات طيران دولية رحلاتها إلى إسرائيل، وانكمش قطاع السياحة بشكلٍ كبير. و من غير المرجح أن يتوقف هذا النزيف الاقتصادي، حيث تمكنت بعض صواريخ وطائرات الحوثيين المُسيّرة من اختراق الدفاعات الإسرائيلية المتطورة للغاية.

- لماذا تجد إسرائيل صعوبة كبيرة في احتواء تهديد الحوثيين؟ 
أحد العوامل المؤثرة هو نقص الاستعداد لمواجهة هجمات الحوثيين بالطائرات المُسيّرة والصواريخ. على الرغم من أن زعيم الحوثيين (عبد الملك الحوثي) أعلن في مارس/ آذار 2018 أن "الحوثيين مستعدون لإرسال مقاتلين في أي حرب إسرائيلية ضد لبنان أو فلسطين" وشكل تحالفًا قويًا مع حزب الله، إلا أن المسؤولين الإسرائيليين لم يولوا تهديد الحوثيين اهتمامًا كافيًا.
و عندما هاجم الحوثيون ناقلة نفط سعودية كانت متجهة إلى مصر في أغسطس/ آب 2018، هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالقيام بعمل عسكري ضد إيران إذا أغلقت مضيق باب المندب، لكنه ترك سياسة إسرائيل تجاه الحوثيين غامضة وغير محددة. وقد استمرت توسعات الحوثيين في قدراتهم على استخدام الطائرات المُسيّرة والصواريخ دون أن تكون ضمن رادار إسرائيل حتى اندلاع حرب غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مما أجبر إسرائيل منذ ذلك الحين على محاولة اللحاق بالتطورات.
و القيود الشديدة على الضربات الجوية ضد الحوثيين تشكل عاملًا حاسمًا آخر. فخلال التدخل العسكري الذي قادته السعودية في اليمن، لم يتمكن التحالف من تحقيق مكاسب إقليمية ذات معنى ضد الحوثيين إلا عندما تم الجمع بين الضربات الجوية ونشر القوات البرية.
و شدة الضربات الجوية المتقطعة التي تنفذها إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا على القدرات الجوية للحوثيين تُعد أقل بكثير مما واجهه الحوثيون سابقًا، وهم مستعدون جيدًا لتحمل هذه الحملة.
وقالت (ندوى الدوسري)، خبيرة الشؤون اليمنية والباحثة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط، لصحيفة The New Arab : "إذا تعلمنا شيئًا من العقد الماضي، فهو أن الحملة الجوية وحدها فشلت في ردع الحوثيين، بل شجعتهم".
وهذا يعني أن على إسرائيل الالتزام بتدخل عسكري أكثر شمولًا وتوسيع نطاق التحالفات متعددة الأطراف بشكل كبير من أجل إضعاف قدرات الحوثيين بشكل جدي.


• كيف يمكن لإيران دعم الحوثيين ضد إسرائيل:
مع تدهور قدرات محور المقاومة الذي تقوده إيران بفعل سقوط الأسد من السلطة والضربات الجوية الإسرائيلية، ازدادت الأهمية الاستراتيجية لليمن بالنسبة لطهران. ففي خطابه بمناسبة العام الجديد، أشاد المرشد الأعلى (آية الله علي خامنئي) بالحوثيين وحزب الله باعتبارهم "رموز المقاومة" وأكد أن اليمن سينتصر.
و في هذا السياق، صرّح (حسين الله‌ كرم)، القائد السابق في الحرس الثوري الإيراني، بأن اليمن قد حلّ محل سوريا كعمود فقري لمحور المقاومة الإيراني.
ويرى (إبراهيم جلال)، خبير الشؤون اليمنية وباحث غير مقيم في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن علينا أخذ هذا الخطاب الإيراني على محمل الجد.
وقال جلال لصحيفة The New Arab: "يتصدر الحوثيون تصعيد محور المقاومة"، مشيرًا إلى أن تدمير حزب الله، وسقوط الأسد، وضبط النفس من قبل الميليشيات العراقية سيؤدي إلى تعزيز الدعم الإيراني للحوثيين.
ورغم أن الحوثيين يزعمون أنهم مكتفون ذاتيًا في إنتاج الأسلحة، إلا أن التقارير تشير إلى أن إيران كثّفت شحنات الأسلحة إلى اليمن في الأيام الأخيرة. وقد لفت التشابه الكبير بين صاروخ "فلسطين-2" والصواريخ الإيرانية من طراز "فتح" اهتمامًا واسعًا، على الرغم من تشكيك الخبراء في امتلاك الحوثيين لقدرات صواريخ تفوق سرعة الصوت.
كما يمكن للحوثيين الحصول على دعم إيراني بطرق أخرى. وإذا قرروا تنفيذ هجوم صاروخي واسع النطاق ضد إسرائيل، يرى الخبير الأمني الإيراني (حسن هاني‌ زاده) أن من المرجح أن يتلقوا دعمًا من ميليشيات الحشد الشعبي العراقي وحركة حزب الله النجباء.
وقد بدأ الحوثيون والمقاومة الإسلامية في العراق تنسيق العمليات العسكرية ضد إسرائيل منذ مايو/ آيار 2024، كما أن للحوثيين مكتبًا سياسيًا يعمل في بغداد.

• آفاق التصعيد في الصراع بين إسرائيل والحوثيين:
إن تصاعد الأعمال العدائية بين إسرائيل والحوثيين يحمل إمكانية إشعال فتيل الحرب الأهلية اليمنية المستمرة من جديد. حيث يواصل المجلس الانتقالي الجنوبي (STC)، وهو تنظيم انفصالي جنوبي مدعوم من الإمارات، الضغط من أجل اتخاذ إجراءات عسكرية أكثر حزمًا ضد الحوثيين.
وعلى الرغم من أن الحوثيين يبدون مسيطرين بقوة على شمال اليمن، مستندين إلى ترسانة عسكرية ضخمة وآلاف الجنود المخلصين، إلا أن سقوط الأسد دفع بعض خصومهم إلى تصور إمكانية حدوث تغيير سريع مماثل في النظام.
لكن في الوقت الحالي، يثق الحوثيون في أن قبضتهم على صنعاء آمنة وأن خصومهم سيواجهون صعوبة في تحقيق تقدم. وقال الصحفي والمخرج اليمني المقيم في صنعاء (ناصر العرابي) لصحيفة The New Arab: "الضربات الإسرائيلية تعزز من قوة الحوثيين"، لأن جميع اليمنيين يقفون مع حماس وفلسطين ضد "الاحتلال الإسرائيلي والإبادة الجماعية والتطهير العرقي".
وأشار العرابي إلى أن حتى أشد خصوم الحوثيين، مثل الزعيم الراحل لحزب الإصلاح (عبد المجيد الزنداني)، يدعمون الضربات اليمنية ضد إسرائيل.
و يتزايد خطر إقحام أطراف إقليمية في الصراع بين إسرائيل والحوثيين. ففي اجتماع لمجلس الأمن الدولي في 30 ديسمبر/ كانون الأول، حاول وزير الخارجية الإسرائيلي (جدعون ساعر) تشكيل تحالف متعدد الأطراف ضد الحوثيين والتوصل إلى تفاهم مشترك بشأن تصنيفهم كمنظمة إرهابية أجنبية. وركّز ساعر في خطابه على التهديدات التي يشكلها الحوثيون للملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس، سعيًا لحشد الدعم الدولي.
و قد يؤدي الربط بين السعودية والحرب الإسرائيلية ضد الحوثيين إلى جرّ المملكة إلى الصراع. ففي يوليو/ تموز، اتهم الحوثيون السعودية والولايات المتحدة بإجبار البنك المركزي في عدن على حظر التعاملات المالية في صنعاء، وهددوا بشن "حرب على الرياض" إذا استمرت الضغوط المالية.
و تجنبت السعودية التدخل العسكري المباشر في هذا التصعيد، ولجأت إلى الحلول الدبلوماسية لتخفيف الأزمة، ووقعت اتفاق "تهدئة اقتصادية" مع الحوثيين. ومع ذلك، لا تزال قناة المسيرة التابعة للحوثيين تنشر نظريات مؤامرة حول تعاون بين جهاز الاستخبارات البريطاني (MI6) والمخابرات السعودية، وتصوّر المملكة كطرف معتدٍ على اليمن.
و تصور العديد من المحللين اليمنيين أن تجدد الصراع بين الحوثيين والسعودية هو مسألة وقت فقط.
حيث صرحت ندى الدوسري لصحيفة The New Arab أن التصعيد بين السعودية والحوثيين أمر "لا مفر منه"، مؤكدة أن "السعودية هدف استراتيجي للحوثيين، بغض النظر عن تورط إسرائيل أو الهدنة الحالية".
ورغم انخفاض الهجمات الحوثية على الأصول البحرية التجارية بنسبة 44% خلال النصف الثاني من عام 2024، إلا أن الحوثيين لا يزالون يشكلون تهديدًا للنشاط التجاري. ومع توسيع الحوثيين حملتهم ضد الأصول التجارية لشركاء إسرائيل في الحرب، قال المعلق الموالي للحوثيين (حسين البخيتي) لـ The New Arab إن السفن الألمانية والتركية في البحر الأحمر قد تكون الأهداف المقبلة في إطار "الحصار" الحوثي.
وأشار البخيتي إلى الدعم العسكري الذي تقدمه ألمانيا لإسرائيل ودور تركيا في نقل النفط والذخائر إلى الماكينة الحربية الإسرائيلية كأسباب رئيسية لتوسيع نطاق الاستهداف.
ومع استمرار التهدئة الهشة في لبنان وتقدم المفاوضات مع حماس حول صفقة تبادل الأسرى في غزة، أصبحت اليمن جبهة متصاعدة في الحرب بالوكالة بين إسرائيل وإيران.
ومع عدم تمكن أي من الطرفين، إسرائيل أو الحوثيين، من تحقيق اليد العليا عبر الوسائل العسكرية، يظل الشعب اليمني الذي يعاني منذ سنوات طويلة هو الخاسر الأكبر.


التعليقات