مشوار طويل ورحلة كفاح شاقة قطعتها المرأة اليمنية للمشاركة في تحقيق التغيير، على الرغم من الظروف الصعبة المحيطة بها، والعقبات التي تواجهها في مختلف مجالات الحياة.
فقبل ولادة اليمن الجمهوري المستقل، كانت المرأة تعيش في جهل وفقر وظلام، لا سيما في الشطر الشمالي من اليمن الذي حكمه الأئمة ومارسوا فيه سياسة التجويع والتجهيل ونشر الخرافة لإحكام سيطرتهم على الشعب، بحسب الباحثة الروسية إيلينا جولوبوفسكايا في كتابها ثورة 26 سبتمبر في اليمن. إلا أن المرأة كان لها دور فاعل في التحرر ومناهضة الظلم والاستبداد.
ومنذ انطلاق الشرارة الأولى لثورة 26 سبتمبر، ظلت صفحات كفاح المرأة تقبع في الظل، ولم توثق المصادر التاريخية أدوارها في مساندة الرجل والدفع به في طريق الثورة وتحمل المسؤوليات اليومية بدلاً عنه.
صحوة مبكرة
الحجة فاطمة واحدة من النساء اليمنيات اللائي لم يقبلن العيش في قبضة الأئمة والخضوع لسياسة القمع والتسلط. فعلى الرغم من أنها لم تكن تدرك مفردات الثورة والكفاح المسلح ودولة المواطنة المتساوية، إلا أنها كانت متيقنة أن من الصعب العيش في تلك الظروف وأن الله لا يرضى للناس العيش تحت سوط الإمام وعماله، بحسب ابنها عبد العليم.
قناعات الحجة فاطمة، التي تعيش في قرية نائية بضواحي تعز، جعلتها تدفع بزوجها للالتحاق بركب الثورة على الرغم من أنه وحيد أسرته ومتوفى الأبوين، يضيف التربوي عبد العليم. موضحاً: "كانت فاطمة تدرك أنها ستتحمل مسؤولية زراعة الأرض والدفاع عنها حتى من أقارب زوجها الذين ظلوا يؤكدون لها أن من يذهب للحرب لن يعود".
وتمثل فاطمة آلافاً من زوجات الجنود اللواتي دفعن بأزواجهن إلى الكفاح المسلح، وتحملن مشقة الغياب والخوف وتربية الأولاد، في حين يتهكم المجتمع على تضحياتهن ويسخر من انضمام أزواجهن للثورة آنذاك.
نماذج مشرفة
تشعر الأديبة والناشطة النسوية سماح الشغدري بالأسف لتغييب نضالات النساء في ثورة 26 سبتمبر 1962 والبطولات التي قمن بها إلى جانب إخوتهم الرجال من خلال تقديم الدعم اللوجستي للثوار، وعلاج الجرحى، وتهريب الأسلحة، ونقل الرسائل السرية.
تقول الشغدري: "المرأة كانت الجندي المجهول في معارك التحرر والاستقلال، واستطاعت أن تثبت حضورها على الرغم من أن المجتمع اليمني خلال تلك الفترة كان منغلقاً ومحافظاً".
وترى الأكاديمية والدبلوماسية الدكتورة خديجة الماوري أن المرأة اليمنية أثبتت عبر التاريخ أنها عنصر فاعل وأساسي في النضال من أجل الحرية وشريك فاعل في نضالات الشعب، سواء ضد الاستعمار أو الطغيان الداخلي، وعنصر لا يمكن الاستغناء عنه في معركة التحرر والبناء الوطني.
وتشير الماوري إلى أن ثورة المناضلة تحفة سعيد سلطان الشرعبي على الإمام أحمد قبل عشر سنوات من قيام الثورة تمثل نموذجاً فريداً من كفاحات المرأة اليمنية، حيث استطاعت حث وتوحيد أبناء شرعب على رفض أساليب الظلم التي يمارسها عمال الإمام، وحرضتهم على استعادة أراضيهم المنهوبة.
وتروي الماوري كيف قادت تحفة أول مسيرة سلمية راجلة من شرعب إلى قصر العرضي بمدينة تعز لإيصال رسالة احتجاجية إلى الإمام أحمد عن ظلم عماله. فوعدها بوقف الظلم، إلا أن عامله في شرعب عاد لممارساته السابقة بعد أشهر قليلة. فقامت بطرد عامل الإمام وعساكره. وعندما وصل الخبر إلى الإمام، هددها برسالته الشهيرة: "يا شرعبية خلي الأذية صوت المدافع بالجحملية". فلم تذعن وأعلنت التمرد على سلطة الإمام، وكان لها الفضل في خروج منطقتها عن سيطرة الإمام قبل خمس سنوات من قيام الثورة.
وعلى الجانب الآخر من الوطن، كانت المرأة جنوباً أكثر انفتاحاً وتعليماً منها في الشمال، ما انعكس إيجاباً على مستوى مشاركتها في ثورة 14 أكتوبر 1963 والتحاقها بالتنظيمات والكيانات الثورية، بحسب مؤرخين.
ويقول الباحث في التاريخ عبد العالم مهيوب: "المرأة اليمنية في الجنوب شاركت في مختلف أشكال النضال السلمي منذ تأسيس مؤتمر العمال العام 1956، كما التحقت العديد من النساء بجمعية المرأة العربية، التي برزت من خلالها العديد من الأسماء في سماء الثورة كالمناضلات فتحية باسنيد، وأنيسة الصائغ، ونجوى مكاوي، وزهرة هبة الله، وغيرهن".
ويصف مهيوب دور المرأة الجنوبية في زمن الثورة بـ"المتنوّع"، موضحاً أنها ساعدت الثوار في تنقلاتهم ونقل أسلحتهم بين المناطق المختلفة، وفي تزويدهم بالطعام والماء والمعلومات، علاوة على علاج الجرحى وحمل السلاح.
كفاح مستمر
ولم يتوقف كفاح المرأة ومساهمتها بعد قيام ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر، حيث التحقت بالتعليم والحياة السياسية لتشارك في عملية البناء والتنمية. فعملت كمعلمة وطبيبة ومهندسة وقاضية، كما شغلت مختلف الوظائف الخدمية وتدرجت وصولاً إلى شغل مناصب وزارية وقيادية خدمت من خلالها البلد والمجتمع عامة والمرأة بشكل خاص، تقول الشغدري.
وتشير الشغدري إلى أن المرأة دعمت الاقتصاد من خلال حضورها في ميدان العمل، كما قدمت صورة إيجابية لقوة ووعي وثقافة المرأة اليمنية في مجالات الإبداع والتنمية، ونقد النظام السياسي، حيث كانت بمثابة العين الثالثة ترصد وتقيّم وتدعو للتطوير والتحسين ومكافحة الفساد.
وفي أجواء ثورة الشباب 11 فبراير 2011، توضح الشغدري كيف توافقت الناشطات النسويات على أهمية تفعيل دور المرأة وحصولها على الاستحقاق المطلوب من خلال العمل على جعل أهداف الثورة الشبابية السلمية بمثابة ميثاق الشرف السياسي والثوري، ما عزز حضور النساء وفرض الكوتا النسائية في مؤتمر الحوار الوطني، وتعزيز حقهن الأصيل في الشراكة السياسية.
وخلال سنوات الحرب التي اندلعت نهاية العام 2014، رفضت المرأة اليمنية البقاء في الهامش. فأسست عدداً من الكيانات والمنتديات النسوية بينها شبكة التضامن النسوي، والتوافق النسوي اليمني للسلام والأمن الذي تم تأسيسه بدعم من الأمم المتحدة، وغير ذلك من التكتلات الفاعلة. كما شاركت في العديد من الأنشطة الداعية إلى السلام ووقف الحرب ورفع المظالم ووقف الانتهاكات على جانبي الصراع.
تم نشر هذه المادة في منصة هودج