طهران، التي دعمت جماعة الحوثي، المصنفة على قوائم الإرهاب الأميركية، بالأسلحة والخبرات، تمكنت من لعب دور رئيسي في الصراع اليمني، في محاولة لقطع الطريق على القوى الإقليمية الأخرى كالسعودية، ولجعل الحوثي وكيلا إقليميا لخدمة أجندة إيران.
وشكّل الدعم الإيراني للحوثيين عاملا حاسما في تغلبهم على القوى السياسية الأخرى، والسيطرة على مناطق شاسعة من اليمن، سيما العاصمة صنعاء.
ورغم العمليات العسكرية ضد الحوثيين، فإنها لم تتمكن حتى الآن من القضاء على هذه الجماعة وإنهاء دورها في اليمن.
الأكاديمي والباحث في العلاقات الدولية من باريس، جان بيير ميلال، وصف لقناة "الحرة" الأزمة في اليمن بـ "الكبيرة، لكن ليست الوحيدة في المنطقة".
وكانت مراهنة إيران على جماعة الحوثي في اليمن لتكون حليفا ووكيلا لها في المنطقة، سابقة لثورة الشباب عام 2011، التي تزامنت مع ما عرف حينها بـ"الربيع العربي".
ويضيف ميلال للحرة، أن إيران "تدخلت في عدة قضايا ساخنة، وأن (الربيع العربي) ساهم في ظهور الأزمة اليمنية"، مشيرا إلى أن طهران "حوّلت جماعة الحوثي إلى ذراع لها، واستغلت الظروف التي يمر بها اليمن لتوسيع نفوذها هناك".
وتفيد تقارير دولية بأن إيران قدمت أسلحة مختلفة وخبرات للحوثيين منذ نهاية العقد الأول من القرن الحالي، وزاد دعمها لهم بعد سيطرة الجماعة على صنعاء، عام 2014.
وينوه ميلال بأن "الاقتتال والصراع المسلح الداخلي كان بداية للأزمة اليمنية، لتتفاقم لاحقا بعد التوسع الإيراني في المنطقة، وبدعم من الصين وروسيا".
وبدوره، يقول رئيس مجلس العلاقات العربية الدولية كارنتر من الرياض، طارق الشمري، لقناة "الحرة"، إن التوسع الإيراني في المنطقة بصورة عامة "ما كان ليحدث لولا تغاضي المجتمع الدولي لهذا الخطر".
ويوضح مراقبون أن طهران "اعتبرت أن الحوثيين ليسوا فقط طائفة شيعية قريبة من أيديولوجية نظام الملالي، بل هي جماعة يمكن أن تلعب دورا إقليميا ضد نفوذ القوى الأخرى المناوئة لسياسات إيران، وتمكّنها أيضا من توسيع نفوذها الإقليمي، وتنفيذ سياساتها المعادية للقوى الغربية ودول الخليج، وبينها السعودية، والسيطرة على الطرق البحرية الاستراتيجية".
وفي هذا الشأن، يعتبر الشمري أن مشروع إيران في المنطقة هو "إعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية القديمة بدعم روسي وصيني"، وأن اختيار طهران جماعة الحوثي ذراعا لتنفيذ هذا المشروع "ليس بسبب مذهبهم، بل لتحقيق حلم الحوثيين في السيطرة الكاملة على البلد والقضاء على النظام الجمهوري وإعادة الدولة المتوكلية".
وبفضل الدعم الإيراني، تحوّل الحوثيون من جماعة مسلحة محلية ذات قدرات محدودة، إلى منظمة عسكرية ذات قدرات أعلى، توسّع قدراتها العملياتية إلى ما هو أبعد من الأراضي الخاضعة لسيطرتها، وفق ما جاء في تقرير لخبراء الأمم المتحدة الذين يراقبون العقوبات ضد الحوثيين، قُدم إلى مجلس الأمن الدولي في الرابع من نوفمبر الجاري.
ويضيف رئيس مجلس العلاقات العربية الدولية كارنتر، أن الحوثيين "وجدوا في الدعم الإيراني وسيلة لتحقيق هدفهم وبسط سيطرتهم على مضيق باب المندب والملاحة البحرية".
وجاء في تقرير نشرته في أغسطس من العام الجاري لجنة الخبراء المستقلة المكلفة من الأمم المتحدة، أن الحوثيين "كانوا يتلقون تدريبات تكتيكية وفنية خارج اليمن، عبر سفرهم بجوازات سفر مزيفة إلى إيران ولبنان والعراق".
وذكر التقرير أن أنظمة الأسلحة التي يستخدمها الحوثيون "مشابهة" لتلك التي تنتجها وتستخدمها إيران أو جماعات مسلحة في ما يسمى بـ"محور المقاومة" المدعوم من طهران.
وصار الحوثيون، الذين تضعهم واشنطن على قوائهم الإرهاب، شريكا فعالا لإيران في اليمن، أو وكيلا جاهزا لتنفيذ السياسات الإيرانية في المنطقة.
وقد أكدت الهجمات التي شنها الحوثيون منذ اندلاع حرب غزة قبل أكثر من عام، واستهدفت السفن التجارية في البحر الأحمر، أن القوة العسكرية للجماعة وبفضل الدعم العسكري النوعي من إيران، صارت تشكل تهديدا فعليا لأمن السفن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
وتفيد تقارير دولية بأن الحوثيين نفّذوا ما لا يقل عن 134 هجومًا من المناطق التي يسيطرون عليها ضد السفن التجارية والسفن الحربية الأميركية والبريطانية في البحر الأحمر وخليج عدن، بين نوفمبر 2023 ويوليو الماضي.