منذ اغتيال إسرائيل زعيم حزب الله حسن نصر الله في 27 سبتمبر/أيلول، تعمل حركة أنصار الله، المعروفة باسم الحوثيين على تكريس مكانتها باعتبارها حزب الله "الجديد". ومع ذلك، فإن خبرتها العسكرية المحدودة ضد تل أبيب من جهة والموقع الجغرافي لليمن من جهة أخرى تجعلان مثل هذا التوجه طموحًا صعبًا وربما غير قابل للتحقق.
ويعدّ حزب الله ركيزة أساسية لمحور المقاومة الذي تقوده طهران، والذي يجمع بشكل أساسي الفصائل العربية الشيعية في المنطقة. وقد ألهمت المواجهات الطويلة الأمد للمجموعة اللبنانية مع إسرائيل والدور المحوري الذي أدّته في تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، مع روابط القومية واللغوية المشتركة نظراءها العرب داخل المحور.
هذا النفوذ الذي اكتسبه حزب الله انعكس على الأسماء التي اختارتها الجماعات داخل المحور فكانت كتائب حزب الله العراقية على سبيل المثال. ووفقًا لمصادر مطلعة مقربة من الحوثيين، فكرت الجماعة في البداية في تبني اسم حزب الله. لكن بعد الكثير من التردد، اختارت على ما يبدو أن تطلق على نفسها اسم أنصار الله وقدمت نفسها كفصيل سياسي يمني لأول مرة في مؤتمر الحوار الوطني لعام 2013، وهي عملية مدعومة من الأمم المتحدة كانت تهدف إلى حل الصراعات السياسية في أعقاب الربيع العربي في اليمن.
وتكشف أدبيات الحوثيين وخطب الزعيم المؤسس للجماعة، حسين بدر الدين الحوثي (1959-2004)، عن تأثيرات واضحة لحزب الله، حيث برز نصر الله باعتباره الشخصية الإسلامية الأكثر إلهامًا. وبقي هذا النفوذ قويًا في عهد خليفته وشقيقه عبد الملك الحوثي. وفي خطاب ألقاه مؤخرًا في رثاء نصر الله، بدا زعيم الحوثيين الحالي متأثرًا بشكل واضح، وتهدج صوته تأثرًا وهو ينطق اسم رجل الدين والسياسي اللبناني الراحل.
لقد أرسل مقتل نصر الله، إلى جانب الانتكاسات الكبيرة التي لحقت بحزب الله منذ بدأت إسرائيل غزوها جنوب لبنان موجات صدمة عبر "محور المقاومة" بأكمله. ومع انخراط حزب الله الآن في صراع صعب مع تل أبيب، من المرجح أن تعمل التطورات المتكشفة على إعادة تشكيل ديناميات شبكة التحالف وخاصة فيما يتعلق بدور الحوثيين. وفي حين أن طهران لديها فروع وثيقة في العراق، إلا أنها تظل مجزأة، ما يضع أنصار الله في موقع الحليف الإقليمي الأكثر قوة لإيران بعد حزب الله، وخاصة بالنظر إلى قدراته العسكرية المتقدمة الآن.
تحول أنصار الله إلى قوة إقليمية
على مدى ما يقرب من سبع سنوات من الصراع مع منافسيهم اليمنيين والمملكة العربية السعودية، اكتسب الحوثيون مزايا كبيرة. فقد عززت إيران قدراتهم العسكرية، ومنذ الاستيلاء على صنعاء في عام 2014، وضع الحوثيون يدهم على الكثير من الأصول العسكرية ومؤسسات الدولة في البلاد، وعززوا السيطرة في شمال اليمن. كما مكنت سيطرتهم على العاصمة والشمال، موطن معظم السكان من التجنيد على نطاق واسع، وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة.
الأهم من ذلك، فإن قيادة الجماعة تحت لواء فرد واحد عززت التماسك الداخلي. فعبد الملك الحوثي يتمتع بسلطة روحية وسياسية شاملة على أتباعه، وهو معروف باتخاذه قرارات سريعة من جانب واحد وحل النزاعات الداخلية عند ظهورها. والأمر المهم هو أن البنية المركزية للجماعة تسمح لها بمعالجة أي نقاط ضعف وبسرعة. ولأن الحوثيين حريصون على القتال مباشرة مع إسرائيل، فهم لا يخشون المخاطر المرتبطة بالمواجهة العسكرية. وهم أيضا مدفوعون بشدة لتوسيع نفوذهم بهدف تكريس أنفسهم كقوة إقليمية وليس كقوة محلية فحسب.
إن تصور كل السيناريوهات المحتملة لمستقبل الحوثيين يتطلب الاعتراف بأن إرثهم وقدراتهم ترفعهم إلى ما هو أبعد من مجرد كونهم جماعة شبه عسكرية وتضعهم في موقف أقرب إلى قوة شبه دولة تفتقر إلى الاعتراف الدولي. وهذا التمييز يفتح المجال أمام الحوثيين للعمل بشكل مستقل عن إيران، وخاصة أنهم يتبعون المذهب الزيدي الذي حكم اليمن لقرون وهو فرع من الإسلام الشيعي يختلف عن أيديولوجية إيران.
ورغم ذلك، لا يزال الحوثيون يتبنَون بشكل كامل المبادئ السياسية والخطابية للثورة الإسلامية الإيرانية لعام 1979 التي تغلغلت في عقيدتهم السياسية.
عملية السلام الهشة في اليمن
وفقًا للمعادلة الإقليمية الحالية، فإن المملكة العربية السعودية أكثر أهمية لأنصار الله من إيران. منذ بدء الهدنة في أبريل/نيسان 2022 التي وعلى الرغم من عدم تجديدها رسميًا، لا تزال قائمة بشكل غير رسمي، بدأت العلاقات بين الرياض والحوثيين تنحو بشكل مطرد منحى التقارب. وكان الطرفان قريبين حتى من الانتهاء من اتفاق سلام دائم بين الفصائل اليمنية قبل اندلاع حرب غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهي الصفقة التي من خلالها كان الحوثيون سيضمنون جميع مطالبهم من دون تقديم أي تنازلات.
وعلى الرغم من أن نص الاتفاق الذي تبنته الأمم المتحدة والذي يهدف إلى إنهاء الصراع، والذي يشار إليه باسم "خريطة الطريق"، لم يتم الكشف عنه رسميًا، إلا أن تفاصيله المزعومة المسربة لم يعترض عليها أي من الجانبين. ومن بين أبرز الأحكام المزعومة تعهد المملكة العربية السعودية باستخدام عائدات النفط الحكومية لتغطية رواتب موظفي القطاع العام في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون بما في ذلك العسكريون.
في المقابل، ينص مشروع الاتفاق المزعوم على أن الحكومة اليمنية ستستأنف صادرات النفط، التي توقفت منذ الهجمات الصاروخية الحوثية على مثل هذه المرافق في عام 2022. وبموجب هذا الترتيب، ستتقاسم الحكومة اليمنية أرباح النفط مع الحوثيين وتقاسم عائدات الضرائب من ميناء الحديدة.
وعلى الرغم من أن الاتفاق المقترح قدم مكاسب كبيرة، إلا أن الحوثيين تخلوا عنه للتدخل في صراع غزة. فمنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، استهدفوا السفن التجارية عبر البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي وأدرجوا عملياتهم في إطار الإسناد للفلسطينيين والوقوف إلى جانبهم. ونتيجة لذلك، تغيرت أيضًا المواقف الغربية تجاه الجماعة، حيث أصبحت الولايات المتحدة الآن مترددة في دعم صفقة تمول رواتب العسكريين الحوثيين. وكما قال مسؤول أميركي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لموقع أمواج.ميديا، فإن إبرام الصفقة الآن قد يبدو وكأنه مكافأة للحوثيين على هجماتهم البحرية. ومع ذلك، لم تُعِد الجماعة النظر في نهجها العسكري، على الرغم من الخسائر الاقتصادية الناجمة عن التخلي عن الاتفاق والتأثير المحدود لضرباتها على إسرائيل.
من وجهة نظر المملكة العربية السعودية، أصبحت الحرب اليمنية الآن مرحلة انتهت والطريقة الأكثر فعالية لإدارة الحوثيين هي تأمين ولائهم من خلال الحوافز الاقتصادية وهي الاستراتيجية التي طبقتها باستمرار على الفصائل اليمنية على الرغم من النكسات المستمرة. وتعتقد الرياض أن السلام يمكن أن يقود الحوثيين إلى معالجة التحديات الاقتصادية في البلاد وربما مواءمة مصالحهم بشكل أوثق مع المملكة في مقابل الفوائد الاقتصادية.
ويتعارض المنطق السعودي مع حقيقة أن الحوثيين هم مجموعة شابة ومتهورة ومدفوعة أيديولوجيًا. وكما أظهر تدخلهم في حرب غزة وامتدادها الإقليمي، فإن الحوثيين يعطون الأولوية لهذه الطموحات على المصالح الاقتصادية أو السياسية، حتى مع تصاعد الإحباط العام إزاء تدهور الظروف الاقتصادية تحت حكمهم. الاحتمال الآخر، قد يكون أن المجموعة لم تواجه بعد أزمة داخلية شديدة بما يكفي لإعادة النظر في حساباتها.
المعضلات التي يواجهها الحوثيون
لا تنبع طموحات الحوثيين من النفوذ الإيراني فحسب، بل تنبع أيضًا من معتقدات راسخة، حيث تلعب القضية الفلسطينية دورًا محوريًا.. وقد حفز هذا الاعتقاد استجابتهم السريعة للهجوم الإسرائيلي على غزة. ولكن منذ البداية، كانت طموحاتهم الإقليمية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بطموحات إيران ما يجعل من الصعب على المجموعة أن تعمل بشكل مستقل تمامًا عن دعم طهران، وخاصة في ضوء المساعدة العسكرية الحاسمة التي تتلقاها.
وهناك معضلة أخرى تتمثل في أنه من غير المرجح أن تكون حركة حماس الفلسطينية قادرة على الاعتماد على دعم الحوثيين في صراعها مع إسرائيل، نظرًا للمسافة الجغرافية لليمن والنجاح المحدود للصواريخ في الوصول إلى عمق إسرائيل. بدلًا من ذلك، يتمتع الحوثيون بقيمة استراتيجية أكبر في الصراعات المحتملة مع المملكة العربية السعودية أو كجزء من جهد أوسع نطاقًا محتمل من جانب إيران لتصعيد التوتر مع دول الخليج العربية.
ونتيجة لهذا، لا يستطيع الحوثيون أن يحلوا محل حزب الله، ولا يستطيع عبد الملك الحوثي أن يضاهي نفوذ نصر الله، على الرغم من محاولته تقليد زعيم حزب الله الراحل. إن مكانة نصر الله الكبيرة تنبع من انتصاراته في المعارك ضد إسرائيل، وليس فقط من الكاريزما التي يتمتع بها وهي الصفة التي يفتقر إليها زعيم الحوثيين.
إن عدم القدرة على التنبؤ بالأحداث في المنطقة حاليًا من شأنه أن يشكل حتمًا طموحات الحوثيين المستقبلية ودورهم المستقبلي ضمن "محور المقاومة". وتواجه طهران تكاليف متزايدة لمشاركتها الإقليمية، خاصة وأن إسرائيل تُظهر شهية متزايدة للمواجهة المباشرة وهي الضغوط التي قد تدفع إيران إلى إعادة تقييم دعمها للجماعات المتحالفة معها.
وفي الوقت نفسه، سوف تتأثر المواقف التي يتبناها الحوثيون أيضًا بقرار سعودي محتمل بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، والذي كان قاب قوسين من الاكتمال قبل أكتوبر/تشرين الأول 2023 ولكنه خرج عن مساره منذ ذلك الحين جنبًا إلى جنب مع التحولات في السياسة الأميركية، وكلاهما يحمل عواقب كبيرة على الجهات الفاعلة المحلية. وفي نهاية المطاف، يعمل عدم الاستقرار الإقليمي والفراغ السياسي السائد على تعزيز بيئة ناضجة لتوسع الجماعات الأيديولوجية المسلحة، سواء داخل اليمن أو خارجه.