فاز دونالد ترامب بولاية ثانية كرئيس للولايات المتحدة. بالرغم من التوقعات التي أشارت إلى تنافس شديد، جاءت النتائج النهائية حاسمة إلىٰ حدٍ ما، وبرغم أننا لا نعرف التركيبة الدقيقة للنظام الجديد، إلا أننا نعلم أن ترامب سيكون في قمته.
كان فوز ترامب في 2016 مفاجئًا بشكل كبير، وانصب النقاش حينها على كيفية إدارته وطبيعة التغييرات التي قد يجريها على دور الولايات المتحدة العالمي. بسبب أسلوب ترامب المتقلب وفكره غير الواضح، تبقى بعض تلك الأسئلة قائمة حتى اليوم. لكن بعد أربع سنوات من متابعة قيادته وتحليل فترته الرئاسية وحملته الثالثة للبيت الأبيض، يمكننا إجراء بعض التنبؤات حول ما قد يسعى لتحقيقه في ولايته الثانية. المجهول المعروف هو كيف سيستجيب العالم لهذا، وما ستؤول إليه النتيجة النهائية.
هناك أمران رئيسان واضحان: أولاً، وكما في الولاية الأولى لترامب (وكما في كل الإدارات الرئاسية)، سيشكل الأشخاص السياسات، وستتنافس الفصائل المختلفة للحصول على النفوذ—بعضها بأفكار جذرية حول تحويل الدولة الإدارية والسياسة الخارجية الأمريكية، والبعض الآخر برؤى تقليدية أكثر. لكن هذه المرة، سيكون للفصائل الأكثر تطرفًا اليد العليا، وستسعى لعزل الأصوات المعتدلة، وإقصاء الموظفين المدنيين والعسكريين الذين يعتبرونهم من “الدولة العميقة”، وربما استغلال أدوات الحكومة لملاحقة معارضي ترامب ومنتقديه.
ثانيًا، يظل جوهر نهج ترامب في السياسة الخارجية قائمًا على “المعاملات الصريحة”. لكن السياق الذي سيجري فيه تلك الصفقات الفريدة تغير بشكل كبير: العالم اليوم أكثر خطورة بكثير مما كان عليه خلال ولايته الأولى. ربما يعتمد مدى قدرة ترامب على حماية المصالح الأمريكية في هذا السياق المعقد على مدى سرعة تخلصه وفريقه من الكاريكاتير الانتخابي الذي أقنع أغلبية الناخبين، ومواجهة الواقع العالمي بحقيقته.
السياسة في الأشخاص
أولى مهام ترامب ستكون الانتقال الرسمي للسلطة. حتى في أفضل الظروف، تُعد هذه المناورة البيروقراطية صعبة، ومن غير المحتمل أن تمر بسلاسة هذه المرة. فقد أعرب ترامب عن ازدرائه للعملية، ورفض التعاون مع إدارة الخدمات العامة المسؤولة عن توفير البنية التحتية التي يحتاجها الفريق القادم للجهوزية منذ اليوم الأول. وقد لا يُبطّئ غياب الانتقال التقليدي من وتيرة الإدارة الجديدة بشكل كبير، إذ تم بالفعل تفويض معظم العمل إلىٰ مؤسسة هيريتيج في إطار “مشروع 2025” الشهير، بالإضافة إلىٰ مشروع انتقال آخر للمعهد الأمريكي أولاً. ما قام به المؤمنون الحقيقيون من فريق “اجعل أمريكا عظيمة مجددًا” ضمن هذه المشاريع يعتبر أكثر أهمية ويعكس بوضوح ما ستفعله إدارة ترامب المقبلة مقارنةً بأي شيءٍ قد تم تطويره من قِبل فريق الانتقال الرمزي الذي يترأسه النائبة السابقة تولسي غابارد وروبرت ف. كينيدي الابن.
سيكون الانتقال أقل أهمية إذا نفذ فريق ترامب خططه لتجاوز التدقيق الأمني من مكتب التحقيقات الفيدرالي، ومنح التصاريح الأمنية بناءً على التقييم الداخلي للحملة، مما سيسمح لترامب بتعيين مرشحين يفضلهم دون قيود. قد يكون هذا الإجراء قانونيًا بعد تنصيب ترامب، مما سيعوق إمكانية تنسيق إدارة بايدن المغادرة مع فريق ترامب في الوقت الحالي بسبب غياب التصاريح الأمنية.
سيكون لهذا الأمر أهمية أكبر إذا قرر ترامب تعيين بعض الشخصيات الهامشية التي تُهيمن حاليًا على دائرته الداخلية في المناصب العليا. حتى إذا لم ينفذ ترامب أكثر الأفكار جنونًا التي طرحها خلال حملته مثل تعيين نجم كرة القدم المعتزل والمرشح الفاشل لمجلس الشيوخ في 2022، هيرشل ووكر، مسؤولاً عن الدفاع الصاروخي، فقد يجلب إلىٰ المناصب الأمنية الوطنية أفرادًا مثل الجنرال المتقاعد مايكل فلين أو ستيف بانون، رغم سوابقهم القانونية التي عادةً ما تحظر عليهم الخدمة في مجال الأمن القومي. على أي حال، سيصل ترامب ومعه فريق مُصمِّم على تنفيذ العديد من المخططات نفسها التي تمكنت شخصيات أقل تطرفًا من إقناعه بعدم المضي قدمًا فيها خلال ولايته الأولى. على سبيل المثال، بعد خسارته في انتخابات 2020، أراد ترامب فرض انسحاب سريع من أفغانستان في الأسابيع الأخيرة من ولايته كقائد أعلى للقوات المسلحة: وهو نفس نوع الانسحاب الكارثي الذي وافق عليه الرئيس جو بايدن بعد نصف عام. ومع ذلك، تراجع ترامب عندما أشار بعض أفراد فريقه الأمني الوطني المتبقّين إلىٰ مخاطر هذه المناورة.
في الولاية الثانية لترامب، ستتمكّن الفصائل الأكثر تطرفًا في إدارته من السيطرة على زمام الأمور.
خلال ولايته الأولى، كان من الممكن تصنيف المعينين السياسيين في مجال الأمن القومي إلى ثلاث فئات. الفئة الأولى، وربما الأكبر، ضمّت أشخاصًا يمتلكون خِبرة حقيقية كان من الممكن أن يتقلّدوا مناصب في إدارة جمهورية تقليدية، رغم أنه من المرجح أن تكون تلك المناصب في مستويات أدنى من التي وصلوا إليها في عالم ترامب. هؤلاء حاولوا تنفيذ أجندة الرئيس بأفضل ما يمكنهم وسط الفوضى، ويمكن إرجاع معظم الإنجازات الإيجابية التي تحققت إليهم؛ على سبيل المثال، الجهد المبذول لتحويل “التحول نحو آسيا” الذي تحدث عنه الرئيس السابق باراك أوباما إلىٰ واقع ملموس عبر شراكات استراتيجية حقيقية في منطقة الهندي-هادئ، وهو ما جرى في معظم الأحيان بعيدًا عن أنظار ترامب، واستمر بنفس الزخم في إدارة بايدن، بفضل الاستراتيجيين الذين يتقاسمون نفس الرؤية.
تكوّنت مجموعة أصغر، لكنها أكثر نفاذًا بكثير، من كبار المسؤولين المخضرمين الذين كانت لديهم أفكار ثابتة بشأن الاتجاه الذي يجب أن تسير فيه سياسة الأمن القومي، وكانوا يعتقدون أنهم قادرون على تحقيق تلك النتائج رغم طابع ترامب التجاري المفرط، من خلال التأكيد على أن السياسة البديلة ستُظهر ضعفًا. ومن بين هؤلاء، هيربرت مكماستر وجون بولتون، اللذان شغلا منصب مستشاري الأمن القومي لترامب في مرحلتين مختلفتين. في مذكراتهما، يشيران إلىٰ ما اعتبراه إنجازات حقيقية في السياسة: إذ دفع مكماستر ترامب للموافقة على إرسال المزيد من القوات الأمريكية إلىٰ أفغانستان في 2017، بينما جعل بولتون ترامب ينسحب من الاتفاق النووي مع إيران في 2018. لكن مكماستر وبولتون وكل شخصية بارزة أخرى، اتبعت هذا النهج انتهى بها الأمر بمغادرة الإدارة بعد أن أدركوا أن ترامب سيجد دائمًا وسيلة للتملص من القيود والهرب، مما يقوِّض أي فائدة سياسية كان يمكن أن يحققوها. وحتى بعض أولئك الذين وصلوا إلىٰ حفل تنصيب بايدن في 2021 دون أن يستقيلوا قدموا تقييمات صادقة بشكل لافت في الخفاء توكّد الصورة التي رسمها ترامب على أنه متهور، وليس عبقريًا في الأمن القومي، بغض النظر عما قالوه علنًا.
الفئة الثالثة كانت مجموعة صغيرة، لكنها ذات تأثير كبير، من المؤمنين الحقيقيين بسياسة “اجعل أمريكا عظيمة مجددًا” وعملاء الفوضى الذين سعوا لتنفيذ نزوات ترامب دون أي توضيح أو اعتبار للعواقب. كان لديهم فهم ضيق للولاء، إذ كانوا يعتقدون أن على الرئيس أن يحصل على ما يبدو أنه يطلبه، دون أن يُطلع على تبعات تلك القرارات خِشية أن يغير رأيه عندما يعرف الحقائق كاملة. على سبيل المثال، كانت المحاولات المتهورة للانسحاب من أفغانستان والابتعاد عن التزامات الناتو في الأيام الأخيرة من ولايته الأولى من تدبير موظفين صغار تُركوا في المناصب بعد مغادرة القيادات العليا، وكانوا يسعون إلىٰ منع ترامب من الحصول على المشورة الكاملة حول ثمار توجيهاته.
في الإدارة المقبلة لترامب، سيظل هناك الجمهوريون التقليديون الذين يسعون وراء فرصة مِهنية لا تتكرر في حياتهم، ومستعدون للمخاطرة بتدمير أنفسهم إذا وقعوا في مواجهة مع ترامب. لا يجب التقليل من قيمتهم، فبدونهم لن يكون ترامب الرئيس الذي ينبغي أن يكون. سيكون هناك أيضًا الأيديولوجيون الذين يعتقدون أنهم يمتلكون الاستراتيجية الصحيحة ويظنون أنهم قادرون على توجيه ترامب نحو ما يرونه الصواب، مثل التخلي عن أوكرانيا ليتركها ضحية لرغبات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بينما يعززون الردع الأمريكي ضد الصين وهو نهج قد يبدو بارعًا في الندوات الأكاديمية أو المقالات الصحفية، لكنه قد لا ينجح في الواقع. وبفضل مؤسسة “هيريتيدج” ومعهد “أمريكا فيرست”، سيكثُر عملاء الفوضى الذين يرون أن تدمير النظام القائم لصنع سياسات الأمن القومي، الذي حافظ على مصالح أمريكا لمدة 80 عامًا، هو جزء من “ترامب 2.0” وليس عيبًا فيه. والاختلاف الآن أن هذه الفئة ستكون أكبر وأكثر تأثيرًا مما كانت عليه في السابق.
جوهر نهج ترامب في السياسة الخارجية—التعاملية الصريحة—يظل دون تغيير.
وهذا يشكل تحديًا كبيرًا للأوصياء على النظام القائم لصنع سياسات الأمن القومي: الجيش النظامي والخدمة المدنية اللذان يشكلان الغالبية العظمى من الأشخاص المكلفين بالإشراف على أجندة أي رئيس. لقد أوضح ترامب وفريقه أنهم يعطون الأولوية للولاء فوق كل شيء. وقد يكون لديهم أبسط اختبارات الولاء: اسأل أي شخص في موقع سلطة عما إذا كانت انتخابات 2020 قد سُرِقت أو ما إذا كان الهجوم على مبنى الكونجرس في 6 يناير كان صورة من صور التمرّد. كما أظهر رفيق ترامب في الانتخابات، جي دي فانسي، هناك طريقة واحدة فقط للإجابة على هذه الأسئلة التي سيقبل بها ترامب.
اختبار كهذا قد يسمح لترامب بتسييس الرتب العليا في الجيش وأجهزة الاستخبارات من خلال ترقية الأفراد الذين يعتقد أنهم “ضمن الفريق”. أما أعضاء الخدمة المدنية فسيتمتعون بمزيد من الأمان الوظيفي والانعزال عن الضغوط السياسية، إلا إذا قرر فريق ترامب تنفيذ خطته لإعادة تصنيف آلاف الموظفين المدنيين المهنيين كمعينين سياسيين يخدمون بناءً على رغبة الرئيس، مما يجعل من السهل نسبيًا إزالتهم لأسباب سياسية.
من غير المحتمل أن يُقدم الجيش أو الخدمة المدنية على اتخاذ أي خطوة استفزازية قد تؤدي إلىٰ تفجير، ناهيك عن تبرير، مثل هذه التطهيرات. فهم يدركون أنهم ليسوا “المعارضة الوفية”—وهو الدور الذي يُخصَّص للحزب الأقلية في الكونجرس وللصحافة والناقدين السياسيين. ووفقًا ليمينهم الوظيفي وأخلاقياتهم المهنية، سيعمل محترفو مجال الأمن القومي بأقصى جهدهم لمساعدة ترامب.
لكن ربما يقرر ترامب أنه يستطيع الحصول على التعاون أو الاستسلام الذي يبتغيه ببساطة من خلال ترك تهديد التطهير معلقًا في الأفق، وهو محق في ذلك. على أقل تقدير، من المحتمل أن يقوم بفصل بعض الشخصيات العليا، في محاكاة لنصيحة ڤولتير بإزالة بعض القادة العسكريين الفرنسيين لإثارة الرعب في قلوب الآخرين. والسؤال هنا هو ما إذا كان كبار المسؤولين المهنيين سيحذون حذو أفضل ممارسات العلاقات المدنية العسكرية ويقدمون نصائحهم الصادقة لترامب ومعاونيه السياسيين الكبار، حتى لو كانت هذه النصائح غير مرغوب فيها. وإذا فعلوا ذلك، فإنهم قد يساعدونه في أن يكون القائد الأعلى الأفضل الذي يمكن أن يكون. أما إذا لم يفعلوا، فقد لا يكون مهمًا إن كانوا سيُطهرون أو يبقون في مناصبهم، إذ لن يكون لهم أي تأثير في كلا الحالتين.
الحلفاء والخصوم
لقد اختار الناخبون الأمريكيون وجهتهم، وستتكيف آلة الحكومة في واشنطن مع ترامب مهما كانت الظروف. ولكن ماذا عن بقية العالم؟ كان معظم حلفاء الولايات المتحدة يراقبون فوز ترامب بقلق بالغ، معتقدين أنه سيكون المسمار الأخير في نعش القيادة العالمية التقليدية لأمريكا. لا شك أن هناك الكثير مما يمكن انتقاده في السياسة الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، وكان حلفاء الولايات المتحدة لا يتوقفون عن التعبير عن شكاويهم. لكنهم أيضًا كانوا يدركون أن الحقبة ما بعد الحرب كانت أفضل بكثير لهم من الحقبة التي سبقتها، حينما تخلت واشنطن عن مسؤولياتها، ودفع الملايين الثمن الباهظ نتيجة لذلك.
عندما اختار الناخبون الأمريكييون ترامب للمرة الأولى، ردَّ حلفاء الولايات المتحدة باستراتيجيات تحاشٍ متنوعة. وفي هذه المرة، يجد هؤلاء الحلفاء أنفسهم في وضع ضعيف بسبب تحدياتهم الداخلية والتهديدات التي يمثلها بوتين وزعيم الصين شي جينبينغ. و سيحاول حلفاء الولايات المتحدة نيل رضاء ترامب، وعندما تسمح القوانين المحلية، سيقدمون له الحسنات والمغانم التي ثبتت فعاليتها في الحصول على شروط مواتية خلال فترة ترامب الأولى. و من المرجح أن ينتج النهج التعاملي القصير المدى لترامب صورة مشابهة بين الحلفاء، الذين سيسعون للحصول على ما يمكنهم وتجنب إعطاء أي شيء بالمقابل - وهو نوع من الدبلوماسية التي في أحسن الأحوال تُنتج تعاونًا زائفًا وفي أسوأ الحالات تسمح للمشاكل بالتفاقم.
و على الجانب الآخر، ستُقدم عودة ترامب فرصًا وفيرة لأعداء الولايات المتحدة. حيث وعد ترامب بمحاولة فرض تنازلات على أوكرانيا لصالح روسيا، مما يعزز مكاسب بوتين من الغزو. و على عكس العديد من الوعود الانتخابية، يبدو هذا الوعد قابلًا للتحقق، نظرًا لاختيار ترامب لمستشارين معادين لأوكرانيا وموالين لبوتين. ومن المرجح أن تُنفذ خطته لأوكرانيا نظرًا لأنها تندرج تمامًا ضمن صلاحيات الرئاسة. و السؤال الوحيد هو ما إذا كان بوتين سيقبل استسلامًا جزئيًا مع فهمه أنه يمكنه دائمًا الاستيلاء على باقي أراضي أوكرانيا بمجرد فرض ترامب "الحياد" على كييف؟ أو سيقاوم بوتين تهديدات ترامب ويطالب بالاستسلام الكامل على الفور؟
و الفوائد بالنسبة للصين ليست واضحة بنفس القدر، حيث ينغمس العديد من مستشاري ترامب الرئيسيين في الواقعية بالتفكير في أن الولايات المتحدة يمكنها التضحية بمصالحها في أوروبا مع الحفاظ على الردع ضد الاعتداءات الصينية في شرق آسيا بطريقة ما. و قد تبدو الخطوات الأولية التي تقوم بها الإدارة الجديدة لترامب في آسيا على أنها عدوانية بمجرد النظر الأولي. فعلى سبيل المثال، إذا نجح ترامب في فرض الرسوم الجمركية الضخمة التي اقترح فرضها على السلع الصينية، قد يشعر اقتصاد الصين ببعض الخطر، على الرغم من أن الألم الذي سيراه المستهلكون الأمريكيون سيكون أكبر وأكثر فورية. ومن المحتمل أن يبحث ترامب عن طريقة لاستعراض قوة الجيش الأمريكي في آسيا للإشارة إلى انقطاع مع ما وصفه بضعف بايدن.
ولكن من المشكوك فيه أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى تغيير سياسات الصين بشكل ملموس أو أن يترجم هذا النهج المتشدد في الأداء إلى حشد عسكري مستدام في آسيا. فمن ناحية، فرض ترامب شروطًا معينة على الدفاع عن تايوان، مطالبًا تايبيه بمضاعفة إنفاقها الدفاعي أربع مرات حتى تصبح مؤهلة للحصول على دعم أميركي أقوى. و من الممكن أن تنهار هذه الاستراتيجية الخيالية بسبب تناقضاتها، ومن المحتمل أن تجد الشراكة الصينية الروسية نفسها أمام احتمالات التراجع الأميركي في كلا المسرحين الرئيسيين.
و خلال الحملة الانتخابية، صور ترامب وفانس نفسيهما على أنهما رجلي سلام بينما كانا يسخران من خصمهما، نائبة الرئيس كامالا هاريس، وحلفائها باعتبارهم دعاة حرب. وقدم ستيفن ميلر، أحد أكثر مستشاري ترامب ولاءً، صورة حية للاختيار المزعوم. وقال على منصة التواصل الاجتماعي X: “الأمر ليس معقداً. إذا قمت بالتصويت لصالح كامالا، تصبح ليز تشيني وزيرة للدفاع. و نحن نغزو عشرات البلدان، و يتم تجنيد الشباب في ميشيغان للمحاربة في الشرق الأوسط، و الملايين يموتون. و نغزو روسيا. و نغزو دولًا في آسيا. وهذا لا ينبئ إلا بحرب عالمية ثالثة مشرعة على الأبواب".
و هذه الصورة الضمنية لترامب كحمامة حذرة يجب أن تكون مزعجة لأي شخص يتذكر تهديداته في ولايته الأولى بإطلاق العنان "للنار والغضب" على كوريا الشمالية أو اغتياله المحفوف بالمخاطر لجنرال إيراني كبير. وقد تكون الانعزالية المطلقة التي اتسمت بها رسائل حملته الانتخابية بمثابة قيود تشل السياسة الخارجية لإدارة ترامب في وقت حرج. ولكن من المعروف أن ترامب يتحرر من مثل هذه الأغلال ويقاوم التقييد. وكما يصف ماكماستر في مذكراته، فإن مساعدي ترامب الأكثر ذكاءً سيستخدمون هذا لصالحهم، ويصورون كل ما يريدون منه أن يفعله على أنه نفس الشيء الذي قال أعداؤه إنه لا يستطيع فعله. و قد تنجح هذه المناورة بطرق محدودة لبعض الوقت، ولكن في مرحلة ما، سيتحرك ترامب حتمًا في اتجاه مختلف تمامًا. و هذه المرة، قد يؤدي هذا الاندفاع إلى إحباط، بدلاً من تمكين، الفصائل الأكثر تطرفاً في فريقه.
و قد فاز ترامب بفرصة تحديد سياسة الأمن القومي للولايات المتحدة وسيمارس السلطة المثيرة للإعجاب المتجسدة في الرجال والنساء الذين ينتظرون الآن العمل معه. و يتمتع فريق ترامب بالثقة الكافية. وسوف يتعلم العالم قريباً ما إذا كان يتمتع بالقدر الكافي من الحكمة.