"بصراحة حاولت كثيراً الإقلاع عن عادة مضغ القات، ولكني لاحظت أن التوقف عن هذه العادة صعب ليس بسبب تعودي عليه أو الإدمان ولكن لكونها عادة متجذرة بين الناس في اليمن ومرتبطة بمناسباتهم الاجتماعية"، تقول كاتي، (الاسم مستعار) المعلمة اليمنية البالغة من العمر 33 عاماً، لـ DW عربية وهي تمسك بعود قات بما عليه من أوراق وتقطف من أعلاه أوراق القات الذابلة الطازجة القابلة للمضغ وتضعها في فمها. تبدأ المضغ وتبلع رحيق القات ولكنها لا تبتلع الورق الصلب المطحون تحت أضراس فمها، وترمي أمامها ببقية العود بما عليه من أوراق غير قابلة للاستهلاك. وليس هذا العود إلا واحداً من عدة أعواد موجودة في ربطة القات الموجودة أمامها مع عبوة ماء.
كاتي ليست الوحيدة التي "تخزن القات" حسب التعبير اليمني الشائع، في مدينة تعز؛ إذ تشاركها والدتها ومجموعة من صديقاتها وجاراتها الشابات. والجلسات منتظمة بحسب روتين متفق عليه، كما قد يتخللها جلسات أخرى في مناسبات اجتماعات وعائلية كحفلات توديع العزوبية أو الأعراس أو توديع شخص مقرب قبل السفر أو أعياد الميلاد أو حتى في مجالس العزاء.
•بعكس ما يُعتقد "الإدمان الشديد على القات يعزز الانطوائية"
"يعتقد البعض في اليمن ممن ربط مضغ القات بالمناسبات الاجتماعية أنه يعزز الروابط المجتمعية بحكم أن الناس يمضغونه في المجالس، لكن العكس هو الصحيح؛ فالإنسان يصبح انطوائياً بعد فترة طويلة من تعاطيه القات لأنه حين يصل إلى مستوى معين من الإدمان لا يتقبل الآخرين وحتى لا يتقبل الزوج زوجته ولا الزوجة زوجها"، وفق ما يقول لـ DW عربية الطبيب اليمني حميد حسين زياد، القائم على مبادرة "يمن بلا قات" ومؤسس العديد من المستشفيات في اليمن ومنها مستشفيات للأمراض النفسية والعصبية.
ويكشف الطبيب عن خطة "استراتيجية" للمؤسسة للقضاء على القات بالتدريج في اليمن والتحضير لـ"مؤتمر التمكين الاقتصادي" بهدف إيجاد حلول وبدائل للقات سواء لزارع القات أو للمتعاطي أو للبائع أو للمشتري أو للوسيط.
فإلى أي مدى قد تساعد هذه المبادرة متعاطي القات في اليمن؟ تقول لـ DW عربية الشابة اليمنية هايدي (اسم مستعار) البالغة من العمر 29 سنة والتي تعمل في مجال الموسيقى: "أتمنى أن أقلع عن القات؛ فهو ينسرق النوم من عيني ويجعلني أسهر إلى الصباح. كما أنه يستهلك نقودي".
•"نسبة انتشار مخيفة للقات بين اليمنيات واليمنيين"
ويلاحظ الطبيب حميد حسين زياد أن أكثر الفئات العمرية التي تتعاطى القات من الجنسين تتراوح بين سن الرابعة عشرة إلى سن الرابعة والثلاثين وتصل إلى الأربعين عاماً: "ولاحظنا إحصائياً في دراسة أجريناها عبر مستشفى للأمراض النفسية والعصبية أن قمة التعاطي تكون ما بين سن الرابعة عشرة إلى سن الثلاثين". وتؤكد هايدي ذلك بالقول إن معظم النساء صرن يمضغن القات بعكس السابق، ففي الماضي كانت "فقط النساء الكبيرات في السن أو المتزوجات يخزنَّ، وكان من العيب أن تخزن النساء أو الفتيات".
ويؤكد الطبيب حميد حسين زياد أن نسبة انتشار تعاطي القات بين النساء وصلت في بعض المناطق اليمنية إلى نسبة 70 بالمئة ووصلت هذه النسبة بين الذكور إلى 95 بالمئة.
" تتحدث بعض النساء عن حياتهن الشخصية وأسرارهن الزوجية"، بحسب ما تقول لـ DW عربية الشابة اليمنية سارة (الاسم مستعار) البالغة من العمر 27 عاماً والتي تعمل في مجال الإعلام.، مما قد يؤثر على تماسك العوائل والأسر.
•خدمة بيع القات عبر وسائل التواصل
تحدثت لـ DW عربية مروى (الاسم مستعار)، وهي صاحبه مشروع "قاتك علينا"، عن مشروعها حول بيع القات للنساء. لاحظت الشابة البالغة من العمر 23 سنة من خلال اختلاطها بصديقات وجارات وزميلات لها في مكان سكنها أن الكثيرات يرغبن في القات ولكن لا يوجد من يشتري لهن القات، خاصة أن وقوف النساء لشراء القات في الأسواق لا يحظى بنظرة جيدة في المجتمع: "ولذلك جاءت فكرة مشروعي لبيع القات عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي".
•أسباب تفاقم انتشار القات بعد الحرب
ترى كاتي في حديثها مع DW عربية أن ارتفاع مضغ القات في أوساط النساء يعود لأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية، وقد لاحظت سياسياً ازدياد تعاطي النساء للقات بعد الحرب لغياب الرجال في ساحات القتال أو حتى موتهم أو جرحهم، مما يجعل المرأة تمر بحالة نفسية صعبة فتلجأ إلى القات "لتخفيف الضغط النفسي وتهدئة الأعصاب والهروب من الواقع".
أما الأسباب الاقتصادية والتي كانت موجودة قبل الحرب وفاقمتها الحرب فتعود إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية. تلجأ النساء للقات "لتقيل" الشهية، وبالتالي تخفيض عدد الوجبات إلى وجبة واحدة فقط بدلاً من ثلاث وجبات، وتضيف كاتي: "وتستخدم أغلب النساء مضغ القات كوسيلة للتخفيف من الوزن".
ومن أسباب التوترات الاجتماعية الخلافات بين الأسرة الواحدة أو بين الزوجين أو بين الأسر فيما بينها. والقات يساعد النساء وكذلك الرجال على "الإحساس بالهدوء والشعور براحة والشعور بنشوة نفسية". كما أن بعض الرجال في المجتمع اليمني يرغبون في أن تتعاطى نساؤهم القات إلى جوارهم في جلساتهم العائلية الخاصة.
وترى هايدي أن فترة الحرب اليمنية وكذلك فترة جائحة كورونا عززتا من بقاء الناس لأوقات طويلة في بيوتهم في ظل البطالة والفراغ وقلة العمل، وهو ما دفع النساء والرجال إلى سد الفراغ بمضغ القات.
ويرى الطبيب اليمني حميد حسين زياد، القائم على مبادرة "يمن بلا قات" أن مضغ القات بدأ بالانتشار في أوساط النساء حتى قبل الحرب والتغيير المجتمعي: "في الريف تشارك النساء في زراعة وقطف القات، مما جعله في متناول اليد". وبالنسبة للمدن فإن مضغ القات صار نوعاً من "البرستيج" ومؤشراً على المكانة الاجتماعية.
•"حق القات"
ويحذر الطبيب حميد حسين زياد من العواقب على الموظفات أو الموظفين الذين يصرفون رواتبهم في أول أسبوع على القات ثم يضطرون بعد ذلك للفساد المالي في أماكن عملهم بتلقي الرشوة التي تسمى "حق القات" أو للاستدانة أو حتى لبيع مقتنيات البيت وأثاثه.
كما يحذر من العواقب الصحية للقات التي قد تؤدي في حالة الإدمان الشديد إلى أمراض نفسية أو حتى إلى مرض انفصام الشخصية، وهذا عدا عن المبيدات الحشرية المستخدمة أثناء زراعة القات "والتي تدخل في تركيبة القات ولا ينفع غسله قبل مضغه في هذه الحالة" وقد تؤدي إلى السرطان.
•بعض مضار القات الصحية على النساء
واتفقت جميع اليمنيات المتعاطيات للقات التي حاورتهن DW عربية على مخاطر القات من حيث إهمال النساء لأطفالهن في الشوارع وهو ما قد يؤدي إلى حوادث سير كما تقول هايدي، أو حتى إلى نزاعات بين الأطفال تتطور إلى خلافات بين الكبار قد تؤدي في بعض الحالات إلى القتل، أو إهمال من الناحية التعليمية وهو ما قد يسفر عن رسوب الأطفال في المدارس، كما تقول كاتي.
ولاحظت كاتي أيضاً، وهي والدة لطفلتين، أن القات يؤثر على المرأة الماضغة للقات مع الوقت ويؤثر على الأعصاب وقوة التحمل وكذلك يسد شهيتها للأكل مما يؤدي إلى نقص الفيتامينات داخل جسم المرأة، وهذا يسبب لها فيما بعد العديد من الأمراض، ويقلل من نسبة الحليب بالنسبة للمرضعات منهن.